لا جديد في فضاء المبادرة الرئاسية سوى تأكيد كتلة «المستقبل» التي سيزور أحد أعضائها النائب هادي حبيش الرابية صباح اليوم في أوّل اتصال بينها وبين «التيار الوطني الحر» منذ زمن، أنّ هذه المبادرة لم تنتهِ من جهة، فيما الاتصالات الديبلوماسية مستمرّة لمدِّها بجرعة أوكسجين تُنعشها من جهة ثانية، وسط سعي بكركي المتواصل عبثاً لجمع الأقطاب الموارنة الأربعة والمترافق مع دعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى تلقّف هذه المبادرة التي رأى أنّها «جدّية». وفي الانتظار، يترقّب الجميع ما سيؤول إليه الموقف بين رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي تقاطعَت المعلومات على انعقاد لقاء بينه وبين الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله.
نفى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن يكون قد التقى نظيرَه الإيراني محمد جواد ظريف في فيينا لأكثر من ثلاث ساعات كما ترَدّد. وكشف أنّ اللقاء الذي حصل بينهما على هامش اجتماعات الدول المعنية بإيجاد حلّ للنزاع في سوريا لم يدُم مع وزير خارجية إيران سوى دقائق معدودة.
وردّاً على سؤال لـ«الجمهورية» نفى الجبير الحديثَ عن تفاهم أو توافق بين الرياض وطهران حول تسوية في لبنان، مستغرباً بقوله: «كيف يمكن أن يحصل مثل هذا الاتفاق إذا كان اللقاء على هامش اجتماعات فيينا لم يدُم سوى دقائق؟». وكشف «أن لا تفاهم ولا صفقة مع إيران، وأنّ الخلاف مستمر معها ما دامت تتدخّل في شؤون المنطقة وتدعم الإرهاب».
وقال «إنّ دول مجلس التعاون تتطلّع لبناء أفضل العلاقات مع إيران، بصفتها دولة إسلامية، وجارة، وذات تاريخ وحضارة وتَحظى باحترامنا جميعاً»، لافتاً إلى «موقف دول مجلس التعاون الثابت في ما يتعلّق برفضها التامّ للدور السلبي الذي تلعبه إيران في المنطقة، والمتمثّل في تدخّلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، سواءٌ في سوريا، أو العراق، أو اليمن، إلى جانب دعمها للإرهاب»، وأكّد «أنّ هذه الممارسات لا تساهم في بناء علاقات إيجابية»، آملاً «التمكّن في المستقبل من إقامة علاقات مبنيّة على حسن الجوار، وعدم التدخّل في شؤون الآخرين»، ومتمنّياً «أن تغيّر إيران من سياساتها، وأن تشكّل جزءاً مهمّاً، يؤدّي أدواراً إيجابية في هذه المنطقة».
جونز
داخلياً، وفي حين استمرّت القراءات والتكهّنات والتحليلات في اللقاء الذي جمعَ عون وفرنجية، على رغم الصمت الذي لفَّ الرابية وبنشعي، نشَطت الحركة الديبلوماسية، فتنقّل القائم بالأعمال الأميركي السفير ريتشارد جونز أمس بين بكفيا ومعراب للاطّلاع من الرئيس أمين الجميّل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع على موقف كلّ مِن حزب «الكتائب» و»القوات» تجاه الاستحقاق الرئاسي والتسوية المطروحة.
ووصَف جونز موقفَ الكتائب بأنّه «موقف مسؤول يقارب الأمور بتأنٍّ وبروحيّة تَهدف الى جمع اللبنانيين». وأكّد الحاجة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، مشدّداً على أنّ «الوقت الآن هو للعمل بغية إنتاج حلّ لبناني لهذه المشكلة». وأوضَح أنّ بلاده «تدعم الآليّة اللبنانية، وعلى اللبنانيين أن يختاروا من سيكون رئيسهم، ولكن نعتقد أنّ الوقت الآن هو التوقيت المناسب للاختيار».
وحضَر الملف الرئاسي في لقاء عون والسفير الروسي ألكسندر زاسبكين في الرابية، بحضور المسؤول عن العلاقات الديبلوماسية في «التيار الوطني الحر» ميشال دوشادارفيان.
السعودية
في هذه الأثناء، زار السفير السعودي علي عواض عسيري أمس عين التينة ناقلاً إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوةً رسمية من رئيس مجلس الشورى السعودي الدكتور عبدالله بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ لزيارة المملكة، ووعَد بري بتلبيتها في وقتٍ يختاره هو.
وكانت مناسبة لعرض التطورات الراهنة. وعلمت «الجمهورية» أنّ بري ونسبةً للظروف الراهنة ليس في برنامجه أيّ زيارات خارجية في هذه المرحلة، علماً أنّ لديه زيارتين لإيران، وكذلك العراق الذي سيَنعقد فيه مؤتمر اتّحاد البرلمانات الإسلامية الشهر المقبل.
إيران
وأكّدت إيران بلسان مساعد وزیر الخارجیة للشؤون العربیة والافریقیة حسین امیر عبد اللهیان أنّها تدعم أيّ اتفاق ینبثق عن التفاهم الوطني اللبناني. واعتبَر «أنّ عَقد حوارات وطنیة برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري هو خطوة إیجابیة للتوصّل إلی اتفاق بین التیارات السیاسیة اللبنانیة في شأن القضایا المرتبطة بهذا البلد».
الراعي
إلى ذلك، أكّد الراعي أنّ «المبادرة الرئاسية جدّية وليست صادرة عن فرد، لذلك يجب على جميع اللبنانيين أن يتطلّعوا إليها ويلتقوا ويُقرّروا معاً ويصبح القرار وطنياً وشاملاً». وقال لدى مغادرته إلى مصر أمس إنّ «كلَّ شيء يصبّ في ضرورة اتّخاذ المبادرة بجدّيتها والتشاور بين الكتل النيابية والسياسية لكي يكون القرار شاملاً، لأنّ الرئيس الذي يأتي من دون أن يكون مدعوماً من الجميع لا يستطيع أن يحكم».
وعمّا إذا كان يؤيّد ما قاله برّي إنّ أفضلَ سيناريو لإنضاج الحلّ الرئاسي في لبنان هو توافق عون وفرنجية، قال الراعي: «أنا أؤيّد التوافق بين الجميع، لأنه كما قلت لا يستطيع أيّ رئيس جمهورية أن يحكم البلاد إذا لم يكن مدعوماً من الجميع».
وعن العوائق التي تَحول دون اجتماع الأقطاب الموارنة الأربعة تحت سقف بكركي، أشار الراعي إلى «أنّني دعوت، ولكن لم يكن هناك متّسَع من الوقت للقادة، وأعتقد أنّنا نستطيع أن نلتقي الأسبوع المقبل بعد عودتي من مصر».
جولة «المردة»
وفي ظلّ هذه الأجواء جالَ وفد «المردة» الذي ضمَّ وزير الثقافة روني عريجي وطوني سليمان فرنجية على متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة ورئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون.
ونفى عريجي أن تكون المبادرة الرئاسية قد جُمّدت، وقال: «ستأخذ المبادرة وقتَها، وكما سبقَ وأعلن الوزير فرنجية، كلّ شيء يحصل في وقته، ويجب أن لا نحرق المراحل». وأضاف: «كلّ ما يهمّنا هو مصلحة لبنان وإنقاذه وحمايته في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها. وبالتالي فإنّ الأمور تأخذ وقتَها».
وسألت «الجمهورية» شمعون هل بدّلَ رأيه في موضوع التسوية بعد اجتماعه بوفد «المردة»، فأجاب: «القضية ليست تبديل رأي أم لا، الوفد طلب موعداً، وأبوابُنا مفتوحة للجميع. وشرحتُ له أنّنا نعترض أساساً على سياسة النائب فرنجية المغايرة لسياستنا، إنّها سياسة 8 آذار وتؤيّد سوريا، ونحن ضدّها، وقد دفعنا ثمنَها آلاف القتلى والجرحى، وطلبنا معرفة مشروعه، إذ لا نستطيع أن نقبل بمرشح من 8 آذار من دون معرفة برنامجه وهل يتضمّن ما هو لمصلحة لبنان واللبنانيين؟ فإمّا يقنِعنا ونسير به وإمّا نستمر في موقفنا المعارض».
وردّاً على سؤال، قال شمعون: «إنّ رأيي في موضوع التسوية معروف، وكنت أوّل من «قوَّص» عليها من دون طلب إذن أحد. فإذا لم نرَ ما يُطَمئننا في برنامج المرشح فرنجية ويصبّ في مصلحة لبنان كما نرى نحن، سأبقى على رأيي، أمّا إذا استطاع إقناعَنا فعندئذ يكون لكلّ حادث حديث».
وعارضَ شمعون مقولة «إنّ المبادرة لفَظت أنفاسها، وأبدى اعتقاده بأنّ فرنجية لو لم يأخذ بعض الضمانات بأنّ لديه بعض الأمل بالنجاح وبأنّ «حزب الله» سيشارك في جلسة انتخابه لَما وافَق». وطمأنَ شمعون أخيراً إلى «أنّ 14 آذار باقية»، معتبراً أنه «لن تعود هناك قيمة سياسية لأحد إذا انفرط عِقدها».
مروحة اتصالات
وأكّدت مصادر في تيار «المردة» لـ«الجمهورية» أنّ «موضوع التسوية الرئاسية لا يزال موضع متابعة، وهناك صعوبات، إلّا أنّ المحاولات مستمرة لتذليلها ونقود مروحة من الاتصالات واللقاءات بكلّ الاتجاهات، ولكن يبقى الهدف الأساس إنقاذ الجمهورية وإعادة تفعيل الحياة السياسية».
في غضون ذلك، أملَ عضو تكتل «التغيير والإصلاح» وزير التربية الياس بو صعب في «أن نوفّق في انتخاب رئيس للجمهورية يمثّل تطلعاتنا أفضلَ تمثيل»، وقال: «إذا كانت هناك نيّة صادقة بأن نكون شركاء في الوطن وفي انتخاب رئيس للجمهورية فإنّه على الجهات المؤثرة والفاعلة أن تدقّ الباب وليس أن تدخل من الشبّاك، فهناك التباس في الطريقة التي يسير بها الموضوع وغموض في طريقة طرحه».
وفي وقتٍ يمضي رئيس «اللقاء الديموقراطي»النائب وليد جنبلاط قدُماً في دعم ترشيح فرنجية، قال وزير الصحة وائل بو فاعور إنّ المبادرة الرئاسية المطروحة تعثّرَت، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى مزيد من المداولات. وأوضح أنّ عون يضع سؤالاً كبيراً حول ترشيحه، لافتاً إلى أنّ الجميع يشعر بمدى ضرورة حلّ هذه الأزمة، مؤكّداً «أنّنا لا نراهن على تغيير موقف «حزب الله» حيال هذا الملف».