هل هدأت عاصفة ترشيح الرئيس سعد الحريري غير الرسمي لرئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ام انتهت، في وقت يتساءل الجميع عن اسباب عدم اعلان هذا الترشيح رسمياً حتى الآن؟ وهل انّ الجهات الاقليمية والدولية طرحته وهي تترقب ردات الفعل عليه ودرسه تمهيداً لخطوة لاحقة؟ وهل انّ الظروف الراهنة تتيح إنجاز الاستحقاق الرئاسي أم انّ الوضع ما زال يتطلب مزيداً من الانتظار؟ ففرنجية الخارج من لقاء طويل مع الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله سيطلّ تلفزيونياً هذا الاسبوع ليتحدث عمّا حصل معه من باريس الى بيروت مع الحريري فعون فنصرالله، وما سيكون عليه الموقف لاحقاً، فيما ليس هناك أي مؤشرات على طَلّة مماثلة للحريري تكمل عناصر المشهد. الاوساط السياسية على اختلافها خرجت بعد كل ما حصل حتى الآن، بانطباع مفاده ان لا عجلة ولا استعجال لحرق المراحل وصولاً الى إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وانّ البلاد ستبقى مشدودة الى موقف رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون الذي كان ولا يزال «الممر الالزامي» الى الاستحقاق الدستوري، كما سمّاه السيد نصرالله. وكل المؤشرات والمعطيات تدلّ حتى الآن الى انّ عون لم يتزحزح قيد أنملة عن ترشيحه ولم يفكر للحظة بعد بالتزحزح. فحلفاؤه الاقربون والابعدون يشدّون على أزره وحريصون عليه، على ما يعلنون، ويتركون له حرية الخيار مع التأكيد أنهم سيلتزمون ما يختار. وتؤكد هذه الاوساط لـ«الجمهورية» انّ كل فريق سيعود في هذه المرحلة الى بيته الداخلي ليعاود ترتيبه استعداداً للمراحل اللاحقة التي ما تزال غامضة المعالم، ما يعني انّ لبنان سيودّع هذه السنة بأيامها المتبقية بلا رئيس آملاً في ان تحمل السنة الجديدة تباشير خير.
مع دخول البلاد بعد ايام في مدار عيدي الميلاد ورأس السنة، يتوقع ان يتراجع الزخم الديبلوماسي عموماً والاميركي خصوصاً حيال لبنان، في وقت يستعد القائم بالاعمال الاميركي ريتشارد جونز للسفر الى بلاده لتمضية عطلة العيد.
وعلمت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية مطّلعة على الموقف الاميركي انّ واشنطن تستعجل انتخاب رئيس جمهورية في لبنان اليوم وليس غداً، إذا أمكن، ولكن ليس ايّ رئيس او بموجب اي تسوية، بل رئيس يحظى بإجماع وطني عام ويتمتع بدعم مسيحي اساسي وواسع لكي يستطيع ان يحكم.
وأكدت هذه المصادر انّ الاستقرار الامني والمالي في لبنان هو العنوان الاساس بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية وايّ طرح رئاسي يتسبب بأيّ خلل في اي منهما خط أحمر. فلا يجب لأي طرح ان يكون عامل عدم استقرار وانما المطلوب العكس. واشارت المصادر في الوقت نفسه الى انّ ليس لواشنطن ايّ مرشح رئاسي ولا تضع «فيتو» على اي اسم.
الى ذلك، تتداول الاوساط السياسية الحديث عن وجهتي نظر دولية ومحلية في موضوع التسوية: الاولى تقول انّ من دفع بها هو السفير الاميركي دايفيد هيل والسفير البريطاني طوم فليتشر قبل انتهاء مهماتهما الرسمية في لبنان، ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لتستكمل مع الحريري وآخرين.
ولكنّ هذه التسوية أثارت شكوك «حزب الله» الذي اعتبر انها جاءت لتحدث خللاً في صفوف فريق 8 آذار، وتحديداً في العلاقة بين عون وفرنجية، وخللاً في العلاقة بين جعجع والحريري وكذلك داخل صفوف مسيحيي 14 آذار حيث كان هذا الخلل بدأ في ملف النفايات والحراك في الشارع لتطيير الحكومة وفرض انتخابات رئاسية. لكن عندما سقطت خطة الحراك انتقل الحديث الى خطة التسوية في محاولة لإمرار رئيس من دون دفع ايّ ثمن في المنطقة.
امّا وجهة النظر الثانية فتؤكد انّ التسوية بدأت محلية مع جنبلاط، بلا دفع خارجي، واستكملت مع الحريري وفرنجية، والتقطتها بعض القوى الخارجية فدخلت على خطها للاستفادة من التصدع الذي أحدثته وتمرير انتخاب رئيس بلا سلّة متكاملة ومن دون دفع ايّ ثمن في سوريا، وهذا الامر ولّد نقزة اولاً لدى الروس فسارعوا الى التشديد على بقاء الرئيس بشار الاسد، ومن ثم لدى ايران و»حزب الله» الذي تنبّه الى انها إن كانت بريئة في الشكل الّا انها ليست كذلك في المضمون والنتائج، فتلقّف الكرة وعمل على احتوائها.
ولاحظت الاوساط السياسية انّ جنبلاط، وإزاء ما بلغته الامور، بدأ يحمّل الحريري وفرنجية مسؤولية تعطيل التسوية في محاولة منه للتنصّل من دوره فيها. وأكدت ان عرّابي التسوية في الداخل لديهم حسن نية، في الحالتين، لكنهم دُفعوا دفعاً الى تصدع الصفوف للاستفادة من حركتهم بغية خلق بلبلة في الساحة اللبنانية عموماً والمسيحية تحديداً، لتمرير صفقة في الرئاسة من دون دفع اي ثمن في سوريا.
الى ذلك، أخذت أوساط في «كي دورسيه» على الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «تسرّعه في إجراء اتصال هاتفي مع فرنجية في اعتبار انّ الرئيس الفرنسي لا يتّصل بمرشح رئاسي ويضع بلاده في موقع المواجهة مع الآخرين، ففرنسا هي لجميع اللبنانيين ولجميع المسيحيين.
وبالتالي، لقد كان هذا الاتصال خطأ خصوصاً انه صُوّر كأنه ضد المرشحين: امين الجميّل وميشال عون وسمير جعجع». وأشارت الى انّ الرسالة الفرنسية يجب ان تكون للبنانيين ديموقراطية، اي انّ فرنسا مع انتخاب رئيس ولكنها ليست مع رئيس في مواجهة الآخرين وليست فريقاً او ضد فريق».
الحريري ـ جعجع
وفي هذه الاجواء، عادت مظاهر الحوار بين «بيت الوسط» ومعراب بعدما ردّ جعجع على الإتصال الذي تلقّاه من الحريري منتصف الأسبوع الماضي، باتصال مماثل ليل امس الاول استمر ساعة خُصّص للبحث في التطورات الجارية والأجواء التي جمّدت مختلف القرارات الخاصة باستمرار الحريري في ترشيح فرنجية وتفكير جعجع بترشيح عون على ما تردد في فترة التجاذبات بين الطرفين.
وعلمت «الجمهورية» انّ التسوية الرئاسية كانت في صلب النقاش بين الحريري وجعجع، لا بل كانت الموضوع الأساس. شَرحَ الحريري وجهة نظره وكان لجعجع مطالعة طويلة، واتفقا على استمرار الاتصالات بين «القوات» و»المستقبل» هذا الاسبوع لتنسيق الخطوات والمواقف وترتيب العلاقة بينهما وداخل بيت ١٤ آذار. (راجع ص 10)
موفدا الحريري الى بنشعي
وتزامنت عودة الحوار بين «القوات» و«المستقبل» مع استئناف لقاءات التشاور بين الحريري وفرنجية الذي استقبل ظهر السبت في بنشعي نادر الحريري والنائب السابق غطاس خوري، ودار البحث لساعة ونصف الساعة في التطورات المحيطة بالإستحقاق الرئاسي وحصيلة مشاورات الحريري في باريس وتحديداً مع هولاند وعدد من الشخصيات في فريق 14 آذار وما تركته من تداعيات على مستوى العلاقات بين القيادات اللبنانية.
بدوره، أطلع فرنجية موفدي الحريري على نتائج لقاءاته بكلّ من عون ونصرالله وما آلت اليه الإتصالات الجارية على أكثر من مستوى ورؤيته للخطوات المقبلة، وما يمكن القيام به إزاء ردّات الفعل التي تركتها مبادرة الحريري.
وانتهى اللقاء بين فرنجية والموفدين الى اتفاق على بقاء خطوط التواصل مفتوحة للتشاور في ما هو مقبل من تطورات، ما يوحي انّ الحريري مصمّم على مبادرته وان لا بدّ من معالجة الترددات التي تركتها والتنسيق في كل الخطوات المقبلة.
واتصال من الحريري بفرنجية
وترجمة لنتائج زيارة بنشعي أعلن المكتب الاعلامي للحريري مساء امس انه اجرى اتصالاً بفرنجية «تبادلا خلاله الرأي حول مستجدات الأوضاع السياسية والاتصالات الجارية». وقال البيان انّ الإتصال «خلص الى التأكيد على متابعة التشاور والمضي في المسار المشترك لانتخاب رئيس الجمهورية».
الراعي
في غضون ذلك، بقيت بكركي محط الانظار ترقباً لخطوتها الهادفة الى جمع الاقطاب الموارنة الاربعة بعد عودة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليها مساء أمس، مختتماً زيارته الرسمية والرعوية لمصر والتي توّجها بلقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي وشيخ الجامع الازهر الامام احمد الطيب.
وفيما أعلن الراعي انه يرفض تسمية ايّ مرشح، مؤكداً وقوفه على مسافة واحدة من جميع المرشحين، أمل السيسي أن يدرك اللبنانيون قيمة وطنهم الذي يعتبر جوهرة في الشرق ويشكّل مع مصر دعامة مشتركة ومتبادلة، مُبدياً حرصه الشديد على لبنان وعلى ضرورة ان يجد طريقه الى الاستقرار السياسي. ولبنان يستحق التضحية من اجله وان يتعالى الجميع عن حساباتهم الخاصة لإنقاذه.
وشدد السيسي على أهمية الحوار بين كل مكونات الوطن، مؤكداً انه لن يألو جهداً لمساعدة لبنان للخروج من أزماته. وقال: «انّ الشرق بحاجة الى النموذج اللبناني والى دور لبنان الذي لن يستعيده الّا بوحدة أبنائه وتضامنهم، ونحن متمسكون بهذا البلد العزيز».
سلام قد يدعو لجلسة
الى ذلك جدد رئيس الحكومة تمام سلام أمام زواره الدعوة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وملء الشغور في بعبدا لتنتظم العلاقة بين المؤسسات. وقال انّ انتخاب الرئيس أمس الأول أفضل من امس، وامس افضل من اليوم.
وابلغ سلام مَن التقاهم انه سيترأس اجتماعاً وزارياً إدارياً اليوم في السراي الحكومي للإطلاع على ما تحقق في ملف النفايات، وربما سيضطر الى توجيه الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء عصر الخميس المقبل إن لم يكن الأربعاء، فالأمر مرهون ببعض الإجراءات الإدارية المتصلة بملف النفايات لأنّ الجلسة مخصّصة لهذا البند بالذات على رغم حجم الملفات التي تحتاج الى من يَبتّ ويقرر في شأنها.
فتفت
وفي المواقف، أبدى عضو كتلة «المستقبل» النائب احمد فتفت اعتقاده بأنّ مبادرة الحريري حرّكت الملف الرئاسي. وقال لـ»الجمهورية»: «حزب الله» رفضها، لكن هل رفضه لها لأنّ لديه حلولاً أخرى؟ ام انه، كما اعتقد، يريد فراغاً رئاسياً؟ على الاطراف الاخرى ان تقدم بدائل، ولكن في ظلّ عدم وجود بدائل اعتقد انّ إمكانية التسوية ـ المبادرة ستبقى مطروحة».
وعن العلاقات داخل فريق 14 آذار بعد الاتصال بين الحريري وجعجع، قال فتفت: «المشكلات تعتري العلاقات في فريق 14 آذار من قبل، وقد شاهدنا ذلك في انتخابات النقابات، واخيراً في نقابة محامي بيروت، وفي بعض المواقف السياسية السابقة.
ربما ما يجري اليوم يشكّل فرصة لإجراء إعادة تقييم واقعية للمرحلة الراهنة، كيف تنظر كل قوى 14 آذار اليها، فالموضوع ليس اعادة ترميم بل هو بكل صراحة تقويم لواقع المرحلة وما هي الآفاق والى اين تتطلّع كل قيادات 14 آذار وهل ما زال لديها التفكير الاستراتيجي نفسه وتختلف بسبب التكيتكات ام انّ التكتيك هو الذي غلب على الاستراتيجية واصبح سبّاقاً؟ إنّ الأسئلة مطروحة على قيادة 14 اذار».
سعيد
وقال منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية» انّ الكلمة المفتاح في محضر لقاء السيد نصر الله ـ فرنجية هي انّ خيار «حزب الله» لرئاسة الجمهورية هو ميشال عون اولاً، وعندما يستخدم كلمة «اولاً» فهذا يعني انّ هناك ثانياً وثالثاً. عون خياره المفضّل ربما إنما ليس الحصري، وبالتالي ما نُشر يؤكد للأسف بأنّ هذا الأمر يُسهّل انتخاب فرنجية برضى الحزب للأسف».
وكشف سعيد انه تمّ التوافق خلال اجتماعات «بيت الوسط» وفي الاتصال الهاتفي الذي أجراه الحريري بجعجع، على تنظيم خلافات 14 آذار، فهناك فريق داخل 14 آذار لا يدعم فرنجية للرئاسة وهناك فريق رشّحه، والاتفاق هو ان لا يتحوّل الخلاف في وجهات النظر خلافاً سياسياً داخل 14 آذار،
وأن ننظمه بنحو لا يذهب في الاتجاه الذي لا نريد خصوصاً اننا ندرك بأنّ المساكنة التي ستقوم غداً بين رئيسي الجمهورية والحكومة في حال انتخب فرنجية رئيساً، ستكون مساكنة ظرفية وبعد مهلة معينة سيعود الوضع الى ما كان عليه قبل انتخابه، بمعنى انّ هناك حتماً خيارات مختلفة بيننا وبين فرنجية واذا كان هناك فريق سهل انتخابه لظروف قد لا ندركها بكاملها حتى هذه اللحظة فهذا لا يعني اننا سنذهب الى خلاف مع الفريق الذي يدعم فرنجية داخل 14 آذار».
وقال سعيد: «انّ بكركي أنهت دورها الرئاسي سابقاً عندما جمعت ما يُسمّى الاقطاب الاربعة وخضعت لمشيئة موازين القوى داخل الطائفة المارونية بدل ان تدافع عن المنطق الوطني اللبناني في مقاربة رئاسة الجمهورية. فلا يمكن مقاربة الرئاسة من مساحة مسيحية صرف لأنّ نتيجة ذلك أدت الى انتخاب فرنجية الذي يقول المسلمون اليوم إنه أحد الاقطاب الأربعة».