التوضيح الذي أصدره رئيس الحكومة تمّام سلام حول ما أثيرَ عن انضمام لبنان إلى التحالف الإسلامي ضدّ الإرهاب بتمييزه بين موقفه الشخصي المبدئي، وبين تأكيده أنّ القرار النهائي يعود إلى الحكومة، كان كفيلاً باستيعاب ردود الفعل الأوّلية وتطويقها، وما كان بدأه سلام على هذا المستوى استكمله رئيس مجلس النواب نبيه بري بالقول إنّ «هذا الموضوع هو فكرة، وتناقَش داخل مجلس الوزراء لاتّخاذ الموقف المناسب، ولا حاجة إلى إثارة أيّ جدل خارج هذا الإطار»، الأمر الذي ساهمَ بتبريد المناخات التي كانت تشنّجَت، وأعاد وضعَ الموضوع في إطاره الصحيح، إلّا أنّه تبقى الأنظار على موقف كتلة «الوفاء للمقاومة» اليوم لجهة الحلف الإسلامي، كما لناحية إقرار الكونغرس الأميركي بالإجماع قانوناً يفرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع الحزب، وذلك في تطوّر يؤكّد استمرار التضييق عليه، وتَوالي العقوبات الأميركية والسعودية، الأمر الذي يتنافى مع أجواء التسوية الرئاسية التي يُحكى عنها. وإذا كان هذا التطوّر نجَح مؤقّتاً ومرحلياً بالتغطية على التسوية الرئاسية، وعلى رغم إخفاق مجلس النواب أمس وللمرّة الثالثة والثلاثين في انتخاب رئيس الجمهورية وترحيل هذا الملف إلى العام الجديد، إلّا أنّ انحسار تردّدات الحلف سريعاً وإطلالة النائب سليمان فرنجية التلفزيونية مساء اليوم، أعادت هذه التسوية إلى الواجهة، خصوصاً في ظلّ ما تَردّد من معلومات أنّ فرنجية ليس بوارد التراجع، وسيؤكّد على المضيّ في ترشيحه، وأنّ الرئيس سعد الحريري سيلاقيه بتبنّي هذا الترشيح. فرئيس «المردة» لم يطلب المقابلة مع الزميل مارسيل غانم ليعلنَ انسحابَه، بل ليؤكّد على ترشيحه، فيما كلّ مَن تواصَل مع الحريري يكشف أنّه ماضٍ بدوره في دعم خيار فرنجية، وزيارة مدير مكتبه نادر الحريري ومستشاره الإعلامي هاني حمّود لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في معراب جاءت لتصبّ في هذا الإطار، حيث أكّدا تمسّكهما بالمبادرة مع حِرصهما على تنظيم الخلاف مع «القوات»، على غرار ما حصَل في محطتي الحكومة والحوار، وعلى رغم الملاحظات الوطنية-السيادية الدقيقة التي سَجّلها جعجع على هذه الخطوة، تمسّك بدوره بضرورة تنظيم الخلاف بالرغم من الاختلاف الجذري في هذا الموقف.
أقرّ الكونغرس الأميركي بالإجماع قانوناً يفرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع «حزب الله»، الذي تعتبره الولايات المتحدة منذ العام 1995 منظمة «إرهابية».
وأقرّ مجلس النواب القانون بالإجماع، على غرار ما فعلَ مجلس الشيوخ في 17 تشرين الثاني الماضي. كما استهدف قناة «المنار» التابعة لـ»حزب الله»، وستحدّد واشنطن في غضون 90 يوماً المشغلين الذين يحتفظون بتعامل مع «المنار».
وأكّد مسؤول كبير في البيت الأبيض أنّ الرئيس باراك أوباما سيوقّع القانون الذي يفرض عليه إدراج قواعد لمعاقبة المؤسسات المالية التي تتعامل مع «حزب الله» أو تُبيّض أموالاً لحسابه.
وسيكون على الإدارة الاميركية تقديم تقارير الى الكونغرس بهدف تسليط الضوء على الشبكات العالمية لـ»حزب الله» خصوصاً في جنوب الصحراء الأفريقية وآسيا. وعلى الإدارة الاميركية إحصاء الدول التي تدعم «حزب الله» أو التي يحتفظ الحزب فيها بقاعدة لوجستية مهمّة.
وسيتمّ إعلام الكونغرس بالمصارف المركزية التي يُحتمل أن تكون لها صلة بتعاملات «حزب الله» المالية. وعلى أوباما أن يقدّم بعد 120 يوماً، أي بحلول نيسان المقبل، تقاريرَ تصف أنشطة «حزب الله» في مجال تهريب المخدرات وأنشطة إجرامية محتملة عبر الحدود مثل الإتجار بالبشر.
الاتجاهات تتحدّد اليوم
وبالعودة إلى التسوية الرئاسية أتت زيارة الحريري وحمود إلى معراب ضمن الاتفاق مع فرنجية، والقاضي بأن يعمل كل منهما على ترتيب بيته لمعرفة الاتجاهات النهائية لمواقف المكوّنات قبل إطلالته المسائية ليتمكن من تكوين نظرة شاملة وأوّلية عن التموضعات السياسية من ترشيحه.
وقد حصل «المستقبل» على موقف «القوات» الرافض للمبادرة ربطاً بالمعايير السياسية لا الشخصية، وفي ظلّ تشديد جعجع على أن تكون المقاربة انطلاقاً من رؤية سياسية تشكّل وحدها الضمانة لمروحة من الثوابت المتصلة بدور لبنان وقوة الدولة.
وإذا صحّت المعلومات بأنّ فرنجية سيعلن عن مضيّه في المعركة الرئاسية، فإنّه لا بدّ من طرح تساؤلات عدة، وأهمّها: هل فرنجية بوارد الاستمرار في ترشيحه لو كان موقف «حزب الله» حاسماً ونهائياً بإقفال الأبواب أمامه؟
وألا يعني استمراره وجود «ضوء أصفر» من الحزب يتطلّب مزيداً من الوقت ليتحوّل إلى أخضر؟ وما صحّة ما تَردّد عن «المستقبل» بأنّ الحزب ماضٍ في التسوية، ولكنّه بحاجة إلى الوقت لإقناع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون؟ وما صحّة أيضاً أنّ موقف الحزب الرافض هو مجرّد رفض تَكتي لانتزاع وتحصيل المزيد من المكاسب في التسوية العتيدة؟
معراب
فقد خرقت زيارة الحريري وحمود إلى جعجع، في حضور النائب فادي كرم ورئيس جهاز الاعلام والتواصل في «القوات» ملحم الرياشي، المشهدَ السياسي في البلاد، وأعلن المكتب الاعلامي لجعجع انّ النقاش الذي دام لأكثر من ساعتين، «تطرّقَ الى الملفات الراهنة بما فيها موضوع الاستحقاق الرئاسي»، وأنّ الموفدين نَقلا له «حرصَ الرئيس الحريري على التحالف العميق والراسخ بين تيار «المستقبل» و»القوات اللبنانية». وأنّ المجتمعين شدّدوا «على أهمية استمرار قوى 14 آذار في استراتيجيتها وثوابتها».
أجواء اللقاء
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ الزيارة كانت مقرّرة منذ نهاية الأسبوع الماضي، وإنّ الاتصالين اللذين أجراهما الحريري بجعجع وردَّ الأخير باتصال مماثل السبت الماضي انتهيَا إلى هذا اللقاء، لكنْ من دون أن يغيّر شيئاً في مواقف الطرفين، فلكلّ منهما رؤية مختلفة للملف الرئاسي في ظلّ إصرار الحريري على المضيّ في مشروع تسمية فرنجية.
وفي وقتٍ رفضَت فيه مصادر «القوات» الدخول في تفاصيل ما جرى في اللقاء، أصرّت على القول لـ»الجمهورية» إنّه كان لقاءً إيجابياً وضرورياً لا أكثر ولا أقلّ.
ونفَت المصادر أن يكون قد تخلّل اللقاء أيّ اتصال هاتفي بالحريري، كما تردّد في بعض الأوساط السياسية والحزبية. وأشارت، ردّاً على سؤال، إلى أنّه ليس هناك أيّ تحرّك باتجاه الرابية في القريب العاجل.
وبعيداً من المعلومات الرسمية، علمت «الجمهورية» أنّ اللقاء تخلّله عرض للتطورات من مختلف جوانبها، ولا سيّما الطرح الذي تقدّمَ به موفدا الحريري عن نتائج زيارتهما السبت الماضي الى بنشعي وما آلت إليه الاتصالات في الايام الاخيرة نتيجة حركة الموفدين في كلّ الاتجاهات، سواءٌ باتجاه الرابية وبكفيا ومعراب وبنشعي.
مؤتمر صحافي مشترك
وكان مجلس النواب سجّلَ تقارباً أيضاً بين «القوات» و»المستقبل» بَعد «الجَفاء» الذي أحدثَته التسوية الرئاسية، حيث أكّد رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة في مؤتمر صحافي مشترك عَقده مع عضو كتلة «القوات» النائب جورج عدوان أنّ مبادرة الحريري لم تتعطل، وهناك تواصل مستمر من قبَله على اكثر من صعيد، وهناك أفكار لم تصل بعد الى حدود المبادرة.
ولدى سؤاله: متى سيرشّح الحريري فرنجية رسمياً؟ أجاب: «عندما تنضج الطبخة تظهر النتائج». وهل سيلحق فريق 14 آذار بخيار الحريري، أم ينزل كلّ فريق لينتخبَ من يختار؟ اعتبَر أنّ «14 آذار ستنظر ساعتئذ في هذا الأمر وستتّخذ القرار الذي تراه مناسباً».
وعمّا إذا كانت «القوات» و«المستقبل» ما زالتا في نفس المسار، قال: «علينا ان نعتاد على أنّ هناك بعض الامور التي قد يكون لدى كلّ منّا رؤى مختلفة بشأنها، ولكن هذا لا يمنع انّ هناك الكثير من الامور التي نتّفق عليها. مثلاً، نحن متّفقون مع «القوات» على موضوع قانون الانتخابات، وقدّمنا مشروعاً مشتركاً وقّعنا عليه و»القوات» مع الأستاذ وليد جنبلاط، وبالتالي هناك الكثير من الامور التي نتّفق عليها ومستمرّون بالتفاهم بشأنها».
وبدوره، دعا عدوان الى عدم مراهنة احد على انّ الاختلاف في وجهات النظر حول المبادرة التي اطلقَها الحريري سيؤدّي الى اختلاف او الى تخلّي أيّ من الفريقين عن النظرة الشاملة، سواءٌ بالنسبة للالتزام بالدستور والتمسّك بالقانون او بالقرارات الدولية وفي كلّ المواضيع الاساسية، وقال: «إذا أردتم التسوية بين فريقي 8 و14 آذار فنحن نقترح الجلوس معاً لنضعَ تسوية وطنية حول المشروع الذي يُفترض فيه من الفريقين أن يتنازلا من أجل الوطن، وهذا المشروع لا يمكن إلّا أن يكون تحت سقف الدستور والقانون، والالتزام بالتالي بالقرارات الدولية» وقال: «نحن نتطلّع الى تسوية بهذا الحجم، فهل الفريق الآخر على استعداد لملاقاتنا بتسوية في هذا الحجم تنقِذ الوطن والمواطن ممّا وصلنا إليه. هذا السؤال برَسم الفريق الآخر.
فتفت
في هذا الوقت، أكد النائب أحمد فتفت أنّ جعجع لا يزال مرشّح قوى 14 آذار حتى الإعلان عن مرشّح توافقي. واعتبَر أنّ خطوة الحريري جدّية بما يخصّ فرنجية، ولكن هناك نيّة من الفريق الآخر بإبقاء الفراغ سيّد الموقف.
الراعي
وفي المواقف، شدّدَ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على أنّه لا يحق لأحد اللعب بمصير البلاد وتعطيل كلّ شيء، وأكّد أنّ غالبية اللبنانيين ترفض هذا الواقع، وبالتالي يجب احترام الدستور وتطبيقه وانتخاب رئيس للبلاد».
الانضمام إلى التحالف
وفي هذه الأجواء ظلّ ضمُّ لبنان الى التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، والذي اعلنَت السعودية قيامَه محورَ تجاذبٍ داخلي.
وأوضَح الرئيس بري أنّ موضوع التحالف «هو فكرة، وسبقَ ان طرِحت من قبَل الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، وشدّد على أنّه «لا يمكن وصف المقاومة ضد إسرائيل في لبنان أو غير لبنان بالإرهاب على الإطلاق، وليس وارداً أبداً تصنيف هذه المقاومة في هذه الخانة».
وقالت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام لـ»الجمهورية» إنّ المواقف التي سُجّلت من هذا الموضوع «جاءت استباقاً لمراحل دستورية وقانونية لم يحِن أوانُها بعد، فالحلف الذي أُعلِنَ عنه لم يتعدَّ «إعلان نيّات» سياسي وديبلوماسي، ومواقفُ البعض جاءت متسرِّعة، وبيان رئيس الحكومة لا يحمل أيّ التباس لجهة تأكيده على الآليات الدستورية والسياسية.
وأيّدت المصادر موقفَ بري الذي أيّد إنشاء التحالف في المبدأ، لافتاً إلى دور مجلس الوزراء في البتّ بمختلف المراحل التي تترجم أهداف التحالف بانتظار معرفة نصيب لبنان منه.
ولفتت المصادر الى انّ لبنان هو العضو الوحيد غير المسلِم في منظمة العالم الإسلامي، وقد نصّت كل بيانات الحكومات المتعاقبة وحكومتنا خصوصاً على تصميمها في مواجهة الإرهاب.
ونحن نَخوض حرباً شرسة على الحدود مع منظّمات إرهابية تخطف عسكريين من جيشنا، ومواجهة مماثلة في الداخل مع مجموعات تخريبية وإرهابية زرعت دماراً وخراباً في برج البراجنة قبل أسابيع وما زالت تضمِر الشرّ للّبنانيين، فهل يمكن ان نرفض حلفاً من هذا النوع؟
ودعَت المصادر الى التروّي في إطلاق المواقف، لأنّ لبنان قد يكون المستفيد الأكبر من هذا الحلف، وسنتلقّى المساعدات العسكرية والاستخبارية وغيرها أكثر ممّا سيكون مطلوباً منّا المشاركة في عمليات عسكرية.
السنيورة وميقاتي
ووصف السنيورة موقف سلام من التحالف الإسلامي بـ»المبدئي»، لافتاً إلى أنّ القرار يعود لمجلس الوزراء. بدوره أبدى الرئيس نجيب ميقاتي اعتقاده بأنّ سلام «ولو أعطى الموافقة المبدئية، فإنّ بتَّ الأمر نهائياً يعود إلى المؤسسات الدستورية وإلى مجلس الوزراء».
«الكتائب»
وجدّد حزب الكتائب بعد اجتماع كتلتَي وزراء ونوّاب الحزب برئاسة رئيسه النائب سامي الجميّل مطالبةَ رئيس الحكومة بالدعوة إلى عقدِ جلسات مجلس الوزراء لبَتّ كلّ القضايا المتراكمة والطارئة ومِن بينها مناقشة موقف لبنان الرسمي من التحالف الإسلامي ضد الإرهاب»، إذ إنّ انضمام الدولة اللبنانية إلى أيّ تحالف خارجي، وخصوصاً تحالف عسكري هو، وفقاً للمادتين 52 و 65 من الدستور، من صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلسَي الوزارء والنواب».
جونز
من جهته، أشار القائم بالأعمال الاميركي ريتشارد جونز الى أن ليس لديه الكثير ليقوله عن هذا التحالف، «لكنّني أرى أنّه تطوُّر إيجابي في ظلّ المطالبة بتحرّك الدول الإسلامية وأن تقود النضال لمكافحة المنظمات الإرهابية مثل «داعش» الذي ليس هو التنظيم الوحيد في العالم للأسف».
ملف النفايات
وفي ملف النفايات لم يتمكّن اجتماع اللجنة المختصة في السراي الحكومي أمس من حسم الامور الماليّة في هذا الملف، وبقيَت بعض التباينات المتعلقة بالأرقام والكلفة وبعض البنود التقنية، فتأجّلَ الحسم الى اجتماع يعقَد عصر اليوم، علماً أنّ دائرة عدم الموافقات على التلزيم والأكلاف تتّسع، ما يضعِف إمكانية إقرار الخطة في مجلس الوزراء بالإجماع، وهو الشرط الذي يضعه سلام للسير في تطبيق الخطة، أي غطاء كلّ القوى السياسية.
وقال الوزير أكرم شهيّب بعد اجتماع الأمس إنّ اجتماع اليوم هو «لمزيد من التوضيحات، لأنّ هناك ملفّاً متشعّباً»، وأضاف: «إنّه ملف قانوني وفنّي وماليّ وبُنى تحتية، أي عملية ترحيل النفايات التي تبدأ من الكرنتينا والعمروسية وتنتهي في المرفأ. فالآلية لم تكن موجودة من قبل، ونحن في صدد دراستها مع إدارة المرفأ ومدير النقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي. وفي الوقت نفسه، ندرس الشقّ المالي مع معالي وزير المالية».
وأكّد شهيّب أنّه «متفائل دائماً، وإلّا لَما حدّد موعداً آخر اليوم؟ وفي النهاية، ستُرفع النفايات لأنّ الكلفة الاقتصادية والصحية في الموضوع البيئي مهما كانت للتخلّص من هذه المشكلة فهي تبقى أقلّ من تلك الكلفة، والسعر الذي يُحكى عنه يحتاج الى تدقيق كبير».