ظلت أجواء الأعياد مخيّمة على البلاد وتلاحقت الدعوات الى الوحدة والحوار وملء الشغور الرئاسي وانتخاب الرئيس العتيد وإعادة العمل إلى مؤسسات الدولة. الّا انّ الهدوء السياسي الذي طبع العيد خَرقته في نهاية الاسبوع ثلاثة مواقف سياسية: الموقف الاول لبكركي حيث أوضح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي انه عندما نقول انّ المبادرة الرئاسية جدية ومدعومة، إنما نميّز بين المبادرة في حد ذاتها والاسم المطروح». والموقف الثاني مزدوج لكل من الرئيس سعد الحريري في الذكرى الثانية لاستشهاد محمد شطح اكّد فيه «البقاء أوفياء لوحدة ١٤ آذار»، فيما طمأن رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة الى أن «14 آذار باقية مهما تعاظمت المصاعب والإختلافات». امّا الموقف الثالث فكان للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في ذكرى استشهاد سمير القنطار ونأى فيه عن الاستحقاق الرئاسي وأي قضية داخلية، واكد انّ الرد على هذا الإغتيال «قادم لا محالة». في وقت انعكس تهديد نصرالله بالرد قلقاً واستنفاراً وترقباً إسرائيلياً من حدود لبنان الى الجولان السوري المحتل.
في وقت لم يسجل أيّ تحرك سياسي عملي في شأن الاستحقاق الرئاسي وتوقف الحديث عن المبادرة التي طرحها الحريري، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره امس «انّ تفعيل العمل الحكومي وانعقاد مجلس الوزراء سيكون محور الاهتمام الاول مع بداية السنة الجديدة، لكنّ الاولوية تبقى لانتخاب الرئيس لأنّ هذا الانتخاب اذا حصل يحلّ كل المشكلات».
ورداً على سؤال، قال بري انّ مبادرة الرئيس سعد الحريري «لا تزال حية، وانّ المشكلة في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية باتت داخلية لأنّ الخارج يسير بهذه المبادرة والمطلوب منّا جميعاً في الداخل أن نعالج هذا الموضوع».
موقف جنبلاط
وفي سياق متصل قال وزير الصحة وائل ابو فاعور أمس في كلمة ألقاها باسم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في «ذكرى شهداء بلدة عرمون»: «يبدو اليوم انّ التسوية السياسية مستعصية بسبب بعض من أمزجة وحسابات، وبسبب بعض من منطق «أنا ومن بعدي الطوفان».
واكد انّ ما يسعى إليه جنبلاط مع بري والحريري «هو وضع حد للتدهور الحاصل في المؤسسات»، ولاحظ انّ «هذه التسوية تستقبل بالأثقال السياسية الإضافية، مرة يقال: نريد قانون انتخاب، ومرة يقال: نريد التفاهم على حلول مستدامة في علاقات المؤسسات، ونريد التفاهم على حلول مستدامة في علاقات المكونات اللبنانية بعضها ببعض. كل هذا لا يغدو كونه محاولة إثقال التسوية لإسقاطها».
وأضاف ابو فاعور: «قيل إننا نريد رئيساً من الأقطاب الأربعة، ذهب جنبلاط والحريري وبري واختاروا واحداً من الأربعة، فإذا بالثلاثة ينتفضون على الرابع.
قيل اننا نريد تسوية سياسية بين 14 و8 آذار، ذهب وليد جنبلاط وسعد الحريري ونبيه بري، ومعهم مكونات كثيرة الى أقصى الخيارات السياسية، واختاروا رمزاً من 8 آذار، فإذا بالبعض من قوى 8 آذار ينقلب على هذا الخيار قبل ان ينقلب آخرون في تحالف 14 آذار.
إذاً، ليست المشكلة في الخيار ولا في الإسم، وليست المشكلة في اسم سليمان فرنجية، المشكلة في غياب الإرادة السياسية بالتسوية السياسية. يبدو أنّ هناك عدم نضوج محلي وامتداداً إقليمياً لفكرة التسوية السياسية في البلاد. كل هذا الى أين يقود؟ يقود الى محصّلة واحدة: المزيد من التداعي في المؤسسات والإنهيار فيها».
ودعا ابو فاعور «الى أن تتغلب مشيئة التسوية السياسية على كل العقبات، وأن تتغلب هذه المشيئة التي نحن على اقتناع تام بأنها في لحظة ما سيحين أوانها».
الراعي
وفيما غاب الأقطاب الموارنة عن قدّاس عيد الميلاد في بكركي، أكد البطريرك الراعي «اننا ما زلنا نطالب باستمرار، بإسم الشعب اللبناني الذي يعبّر لنا كلّ يوم، بانتخاب رئيس للجمهورية وقيام المؤسسات وبناء دولة القانون والحقوق.
وعندما ندعو الكتل السياسية والنيابية إلى مقاربة المبادرة الجديدة الخاصة بانتخاب رئيس للجمهورية، فلأنّ انتخابه هو المدخل الأساس، وعندما نقول إنّ المبادرة جدّية ومدعومة، إنما نميّز بين المبادرة في حدّ ذاتها والاسم المطروح»، مطالباً «الكتل بالتشاور بشأنها في شقّيْها ولاتخاذ القرار الوطني المناسب، انطلاقاً من الوقائع المتوافرة.
فليس من المقبول إسقاط مزيد من فرص التوافق لأجل انتخاب رئيس، فالبلاد لا تتحمّل، بعد سنة وثمانية أشهر من الفراغ مزيداً من الخراب والدمار للمؤسسات الدستورية وللمواطن اللبناني، إفقاراً وإهمالاً وإذلالاً وتهجيراً».
مصادر كنسيّة
وأكدت مصادر كنسيّة لـ«الجمهورية» أن «لا مرشّح للراعي ولا يهمّه الإسم سواء كان رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية او غيره، بل هو يعمل على مبدأ ملء الفراغ الرئاسي، لذلك يكرّر في كل عظاته دعوته الكتل الى انتخاب رئيس من دون إغفال دور القيادات المارونية في هذا الأمر، مع العلم انّ اتفاق الموارنة بعضهم مع بعض ما زال بعيد المنال».
زوّار بكركي
والى ذلك، نقل زوّار الراعي عنه تأكيده انه حاول استمزاج رأي الاقطاب الموارنة الأربعة بلقاء في بكركي، لكنه لم يتلق اجوبة إيجابية من بعضهم.
وحول المبادرة الرئاسية، نُقل عن الراعي قوله «إنّ مقاربة هذه المبادرة يجب ان تكون جدية بحيث نستفيد من الطرح لتسريع انتخاب رئيس من دون ان يعني ذلك الالتزام بإسم محدد».
وأضاف الراعي: «انّ انتخاب رئيس الجمهورية هو استحقاق دستوري وليس تسوية سياسية»، وتعجّبَ «من الذين يريدون ربط انتخاب الرئيس بسلة متكاملة او بتسوية شاملة، او بإقرار قانون انتخاب نيابي اولاً، فانتخابات رئاسة الجمهورية لا تخضع لهذه المعايير السياسية التي يمكن البحث فيها بعد انتخاب الرئيس».
ذكرى شطح
الى ذلك، أحيت قوى 14 آذار ذكرى اغتيال الوزير السابق محمد شطح في احتفال أقيم في مسجد محمد الامين، وتمّيزت بحضور لافت لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.
كذلك حضر ممثلون للرئيس امين الجميّل ورئيس الحكومة تمام سلام ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ومنسق الامانة العامة لـ ١٤ آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد، وتمّ خلال الاحتفال التأكيد على ثوابت ثورة الارز ووحدتها. وقال السنيورة في كلمته «لم نقتنع أو نوافق على انزلاق «حزب الله» وتورّطه في الأتون السوري، ولن نوافق اليوم على ذلك.
نحن نريد لشابّات لبنان وشبّانه أن ينخرطوا في عالم العصر وعصر العالم الذي عرَفه محمد شطح، لكي يضيف كلّ شابٍ لبناني إلى بلده قيمةً حقيقية مفيدة. ونحن لا نريد أن يتورّط هؤلاء الشباب في القتال الدائر في سوريا بين نظام جائر وشعبه، في سبيل مسألة ليست بالقضية ولا هي قضيتهم على أي حال».
وشدد السنيورة على أنّ «انتفاضة الشعب اللبناني في 14 آذار 2005، لا تزال هي الخزان الذي نتزوّد منه الوقود الدافع والداعم لتطلعاتنا وآمالنا في مستقبل لبنان وتطلعات أجياله نحو تحقيق وطن حرٍّ سيّد ومستقل ومتألق ومتآلف مع محيطه ومع العالم الأوسع».
وأضاف: «نقول هذا الكلام ونتكلم عن هذا الموقف في الوقت الذي نحتاج فيه أكثر من اي وقت مضى لنؤكد لروح محمد شطح ولأرواح الشهداء جميعاً، ولجميع اللبنانيين الشاخصين المتطلعين نحو مستقبل أفضل، أنّ تضحياتهم لم ولن تذهب سدى وأنّ الاختلافات في الرأي التي طرأت، أو قد تطرأ في صفوف «14 آذار» في مسائل محددة، لا يمكن أن تؤثّر في القضية الأساس التي تتعلق بجوهر وجود لبنان كرسالة في محيطه وفي العالم. فقوى «14 آذار» كانت وما زالت حاجة وطنية، وهي اليوم ايضاً حاجة ماسة وضرورية أكثر من أي وقت مضى».
وتوجه السنيورة إلى «رجالات 14 آذار» قائلاً: «إنّ لبنان يمر خلال هذه الفترة بمرحلة حرجة جداً. بمعنى، أننا نقف على مفترق مهم حيث نشهد انحلالاً في سلطة الدولة وهيبتها واحترامها، واستتباعاً مقيتاً لإداراتها ولمؤسساتها، وتراجعاً خطيراً في الاقتصاد الوطني وفي مستوى عيش اللبنانيين ونوعيته».
وأضاف «رئاسة الجمهورية خالية من شاغلها، ومجلس النواب معطَّل، والحكومة عاجزة عن الاجتماع، والمدخل الرئيس والصحيح هو في المسارعة لانتخاب رئيس للجمهورية يكون بحق رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن الذي يسهر على احترام الدستور والحفاظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور».
ورأى أن «لدينا الآن ثلاث مهمات وطنية ليس هناك ما هو أدنى أو أعلى منها: إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وصَون لبنان من الغرق في خضمّ الدمار المحيط بنا والمخاطر الشديدة التي تتحلق وتتجمّع في الأفق من حولنا على أكثر من صعيد، وإدارة الشأن العام بما يؤدي إلى الصلاح والإصلاح والنهوض، وفتح الآفاق لمستقبلٍ زاهر للبنان يتطلع إليه كل شبّاننا وشابّاتنا».
أجواء الحريري
وكانت الإتصالات بين الرياض ومعراب تجددت خلال عطلة الميلاد، فأجرى الحريري يوم الجمعة الماضي اتصالات بعدد من القيادات المسيحية الروحية والسياسية مهنئاً بالعيد.
ومن بين هذه الإتصالات اتصال بجعجع خصّص لتقديم التهانىء بالميلاد ولم يتطرق الى القضايا السياسية ولا سيما منها الإستحقاق الرئاسي سوى لماماً، في اعتبار انّ هذا الملف سيكون مدار بحث مستفيض في وقت لاحق، حسبما قالت مصادر الحريري لـ«الجمهورية»، لافتة الى انّ التفاهم على بقاء الإتصالات مفتوحة بين الرياض ومعراب شبيه ببقاء كل قنوات الإتصال المفتوحة بين «بيت الوسط» ومعراب وبكفيا وليس هناك جديد يحكى في هذا المجال سوى انّ المشاورات مستمرة وليس هناك أحد في وارد التضحية بثوابت 14 آذار.
وإذا كانت وجهات النظر بين أقطابها متباعدة في بعض العناوين خصوصاً لجهة سبل معالجة الإستحقاق الرئاسي، فلا يعني انّ ذلك يفسد للود قضية او انه يؤدي الى انقطاع التواصل بين مختلف مكوناتها.
ولفتت المصادر الى انّ الحديث عن عودة الحريري الى بيروت لم يكن سوى روايات غير رسمية، وإذا كان هناك من يتمنى هذه العودة فهناك من يسعى الى إبعادها.
وختمت المصادر «انّ أيام العطلة محترمة، فالحريري يمضي العيد في الرياض ومدير مكتبه نادر الحريري في باريس التي عاد منها أمس مستشار رئيس الحكومة السابق غطاس خوري الى بيروت».
ذكرى القنطار
وعلى الضفة الاخرى، أحيا «حزب الله» أمس ذكرى أسبوع استشهاد القنطار، وألقى السيد نصرالله كلمة في المناسبة لم يأت فيها على ذكر الإستحقاق الرئاسي والمبادرات المطروحة في شأنه للمرة الثانية، مُكتفياً بالحديث عن مزايا القنطار ومعاني استشهاده.
وقال إنّ الرد على اغتياله «قادم لا محالة»، واضاف: «نحن لا نستطيع ولا يمكن ان نتسامح مع سفك دماء مجاهدينا واخواننا في اي مكان في هذا العالم»، مؤكداً أنّ «قرارنا حاسم وقاطع منذ الايام الاولى والمسألة أصبحت في يد المؤتمنين الحقيقيين على دماء الشهداء ومن نصون بهم الارض والعرض والباقي يأتي»، ولافتاً الى أنّ «هذه المعركة مفتوحة أساساً مع العدو ولم تغلق في يوم من الايام ولن تغلق في يوم من الايام».
وسأل السيد نصر الله «اذا كان تقديرهم لانشغالات المقاومة قراءة صحيحة فلماذا يرتعبون الى هذا الحد؟»، وأضاف «اذا كنتم تستهينون بسمير القنطار لماذا يخيفكم دمه الى هذا الحد؟»، مؤكداً أنّ «الصهاينة يجب ان يقلقوا عند الحدود وفي الداخل والخارج».
اردوغان في السعودية
إقليمياً، تتجه الانظار الى زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية غداً والتي تدوم يومين، وذلك تلبية لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
وفيما ذكر بيان الرئاسة أنّ أردوغان سيتناول في محادثاته مع العاهل السعودي، العلاقات الثنائية بين البلدين والملفات الإقليمية، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ المحادثات التركية ـ السعودية ستتناول مواضيع عدة أبرزها: أولاً، الاجتماع الثنائي في الرياض بين تركيا ومصر برعاية القيادة السعودية في 5 كانون الثاني المقبل لتصحيح العلاقات بين القاهرة وانقرة.
ثانياً، الجهود المبذولة لبدء المفاوضات لحل الازمة السورية، خصوصاً بعد اغتيال زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش.
ثالثاً، سيسعى اردوغان الى توضيح اهداف مشروعه لبناء قاعدة عسكرية في قطر كجزء من اتفاقية وقعت عام 2014، حيث من المقرر ان يتمركز فيها ثلاثة آلاف جندي تركي.
رابعاً، البحث في التحالف الاسلامي لمحاربة الارهاب الذي أعلنته الرياض في الآونة الأخيرة ويضمّ 34 دولة إسلامية.