Site icon IMLebanon

برّي: الرئاسة في الثلَّاجة… والحوار الإثنين لتفعيل الحكومة وتجنُّب الإنهيار

في موازاة الاشتباك الإقليمي واستمرار المحاولات الدولية لنزع فتيل التوتّر في العلاقات بين السعودية وإيران، حفلَت الساعات الماضية في لبنان بتصعيد كلاميّ بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، وارتفعَت وتيرة السجال بينهما، في وقتٍ أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ الغطاء الإقليمي الذي حمى لبنان 4 سنوات بدأ يتراجَع، ولكنّ هذا السجال ومضاعفاته سيبقى مضبوطاً بسقف الحوار بشقّيه الوطني والثنائي.

قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس: «ما حدثَ بين السعودية وإيران أمرٌ كبير وله تداعيات كبيرة، ولسوء الحظ بات أقصى طموحنا الآن هو المحافظة على الحوار.

هناك حواران: في 11 من الجاري طاولة الحوار الوطني نهاراً بين قادة الكتل النيابية، والحوار الثنائي بين «حزب الله» وتيار»المستقبل» مساء، وسألتقي بالاطراف قبل هذين الحوارين. وحتى الآن المؤشرات ايجابية بالنسبة الى استمرار الحوار بين «حزب الله» وتيار»المستقبل»، وإنّ عدم انعقاده ينطوي على رسالة سلبية جداً، لأنّ لبنان يجب ان يبقى خارج الفتنة التي لا تُبقي ولا تذر».

وأضاف بري: «بعدما كنّا نسعى الى انتخاب رئيس للجمهورية اصبح اقصى طموحنا المحافظة على الحوار. أمّا الاستحقاق الرئاسي فأصبح في الثلّاجة.

أمّا في الحوار الوطني فسأضغط بكلّ قوّتي لتفعيل الحكومة لأنّ مِن غير المقبول التفرّج على انحلال بنية الدولة، لا رئيس ولا حكومة تجتمع ولا مجلساً نيابياً يشرّع، المهم الآن هو تفعيل الحكومة، وهذا ما بدأته في جلسة الحوار السابقة، لأنّه لم يعُد مقبولاً بقاء لبنان بلا رئيس وحكومة ومجلس، إلّا إذا كان هناك مَن يريد إنهاءَ لبنان كدولة.

هناك خطر على البنية اللبنانية، وهذا الكلام ليس تهويلاً، وليس كلّ ما يُعرَف يقال». واعتبَر بري «أنّ عمل الحكومة لا يؤجّل، فهو مثل الأكل والشُرب، بينما عمل المجلس يتحمّل التأخّر في إقرار بعض القوانين إلّا ما خصّ الضروري جداً منها».

«8 آذار»

وإلى ذلك، أكدت مصادر قيادية في 8 آذار لـ«الجمهورية» انّ الاتصالات شبه مجمّدة في ما خصّ الملف الرئاسي الذي دخل الى الثلاجة في انتظار تبلوُر صورة الوضع القاتم المستجد في سياق الاشتباك السعودي ـ الايراني.

ورأت انّ هذا الجمود سينسحب على كلّ الملفات الاخرى، على ان يبقى المتحرّك الوحيد فيها هو الوضع الحكومي الذي ينتظر تفعيلاً جدّياً تلتقي على ضرورته معظم الاطراف، بغَضّ النظر عن الاولويات، وبالتالي فإنّ لبنان هو في مرحلة ترَقّب وانتظار لِما ستؤول إليه الاحداث مع الحفاظ على الحد الادنى من الأضرار والخسائر التي ستبقى تحت سقف هدر الفرص وتمديد الأزمات من دون ان تتحوّل اشتباكاً سياسياً يطيح الحوارات القائمة».

وكشفَت المصادر أنّ في جلسة الحوار المقررة الاثنين المقبل سيُفتح نقاش جدّي حول موضوع العمل الحكومي في مناخ إيجابي، وسيكون التوجّه لدى الجميع الاتفاق على دعمه وضرورة تفعيله.

ولفتَت المصادر الى «أنّ التدهور السريع على الجبهة الاقليمية، من مقتل قائد «جيش الإسلام» زهران علوش الى إعدام رجل الدين السعودي المعارض الشيخ نمر باقر النمر، فقطع العلاقات الديبلوماسية بين ايران والسعودية، لم يكن في الحسبان على رغم عدم التعويل كثيراً على انفراجات في المنطقة، إلّا انّ ما حدث شكّل مفاجأة خلطت الاوراق».

وتوقّعت المصادر «ان لا تخرج انعكاسات الوضع المستجد عن إطار الجمود والانتظار في لبنان وبعض المواقف التصعيدية المضبوطة، كون الإرباك أصاب جميع الأفرقاء».

العمل الحكومي

وأملَ رئيس الحكومة تمام سلام في تفعيل العمل الحكومي في المرحلة المقبلة. وقال «لا شكّ في أننا أنجزنا الكثير ولكنّنا عجزنا عن إنجاز أمور أخرى في ظلّ الشَلل الذي أصاب مؤسساتنا بدءاً من السلطة التشريعية وانتقالاً الى السلطة التنفيذية. لكنّ السلطة الإجرائية بطبيعتها لا يمكن ان تكون مشلولة، وإذا شُلّت تتوقّف وينتفي مبرّر وجودها».

حرب

وقال الوزير بطرس حرب لـ«الجمهورية»: «الحكومة صار اسمُها حكومة ولكن فعلها غير حكومي ووجودها شكليّ. فالحكومة هي جهاز ومؤسسة تعمل وتتّخذ قرارات وتحلّ مشكلات الناس والبلد، إنّما السياسة التي يَتبعها «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» والشروط التي يضعانها والمخالفة لأحكام الدستور لتفعيل عمل الحكومة، جَعل اجتماعها صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، ووضعت الرئيس سلام والحكومة أمام حالة من اثنتين: إمّا القبول بالأمر الواقع وبالتالي تحويل الحكومة صورة من غير ان تكون قادرة ولديها صلاحيات، وإمّا إيجاد حلّ لمواجهة هذا الواقع وتفعيل الحكومة من خلال تحميل الجميع مسؤولياتهم واتّخاذ القرارات التي تتلاءم مع توجّهنا لتفعيل عملها وتتحوّل مؤسسة فاعلة قادرة على اتّخاذ القرارات وحلّ المشكلات.

نحن نرفض بقاء الحكومة كما هي، وإذا ظلّت على ما هي عليه اليوم لا لزوم لاستمرارها، نحن لسنا ساكتين ولا نرغَب في ان نكون شهود زور، من هنا تُطرح مقاربة لدرس سُبل تفعيل عملها حتى في ظلّ الجو الخلافي القائم».

وهل مِن مؤشرات الى حلحلة قريباً؟ أجاب حرب: «يبدو أن لا حلحلة حتى الآن، فموقف «التيار» والحزب على حاله، إلّا انّ القوى السياسية الأخرى مقتنعة بوجوب تفعيل الحكومة، وإلّا فما مبرّر وجودها». وتمنّى «أن لا ننقل النزاعات الخارجية الى الداخل اللبناني لتفجيره، فيكفينا الشلل القائم والوضع الاقتصادي المتردّي والمهدّد بمخاطر جَمّة».

كلام رعد يتفاعل

وكان هجوم رعد على الحريري الذي قال فيه «إنّ من يعيش الإفلاس في ملاذه الذي يأوي إليه الآن لا يجب ان يجد مكاناً له في لبنان مرّة جديدة»، تفاعَل بشدّة في الساحة السياسية، وأثار موجة ردود لدى كتلة «المستقبل» و14 آذار.

ففي حين اعتبَر وزير الداخلية نهاد المشنوق انّ هذا الكلام لا يخدم الحوار، جَدّد النائب احمد فتفت تحميلَ الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله شخصياً «مسؤولية أيّ تطوّرات أمنية مؤذية قد تَحدث، لأنّ ما نسمعه في هذه الأيام كنّا قد سمعناه قبَيل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري»، سائلاً: هل كان رعد «يستطيع قولَ هذا الكلام لو لم يكن لديه سلاح يَستقوي به»؟ وهل هناك من تحضيرات لأعمال أمنية موازية يقوم بها الفريق السياسي نفسُه»؟

واعتبرت كتلة «المستقبل» انّ كلام رعد «بمقدار ما يَحمل في طيّاته تهديداً لشخصياتٍ سياسيةٍ لبنانية والتهويل عليها، فإنّه يُذَكِّرُ بعودة الحزب مجدّداً إلى لغة «القمصان السود» وانقلاب السابع من أيار 2008 والعمل على ممارسة الحُرم والعزل على فئة كبيرة من اللبنانيين لأنّها تقف سدّاً منيعاً وصامداً بوجه محاولات الحزب الإمساكَ بلبنان كاملاً، ووضعه تحت إمرة مشاريع الهيمنة الخارجية وتشريع التدخّل في شؤون الدوَل العربية الداخلية».

حمادة

بدوره، قال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «مِن المخجل ان يصدر كلام في حق الشيخ سعد الحريري وفي حق المملكة العربية السعودية كالذي تلفّظَ به النائب محمد رعد. إنّ هذه الأساليب التي عهدناها على مدى عشر سنوات، لن ترهب أحداً ولن تعطّل، على رغم العنف الكلامي، العلاقة التاريخية التي تَجمع الشعب اللبناني بكلّ فئاته بالمملكة، شاء «حزب الله» أم أبى».

سعَيد

وأكد منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية»: «انّ المطلوب من جميع اللبنانيين الذين لديهم هَمُّ الحفاظ على استقرار لبنان في ظلّ ما يحدث في المنطقة، الاجتماع حول نقطة واحدة، وهي استكمال بناء الدولة بدءاً بانتخاب رئيس الجمهورية فوراً لكي لا يتحوّل لبنان عُشباً تحت أقدام الفيَلَة المتنازعة في المنطقة».

واعتبر سعيد انّ كلام رعد «يدلّ بدايةً الى انّ «حزب الله» يعمل على وقع توجيهات وأوامر إيرانية، فإذا اختلّت العلاقات الايرانية ـ العربية فهو يذهب في اتّجاه التصعيد في لبنان. لذلك عندما يقول إنّه لا يريد اليوم التسوية هو كلام ظاهريّ إنّما في المضمون هو يقول إنّه لا يريد الجمهورية اللبنانية، ويحاول الانقلابَ أيضاً على النظام اللبناني من خلال الإصرار على موقفه».

حوار «الكتائب» ـ «الحزب»

ومِن جهة ثانية، قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» إنّ موعد استئناف الحوار بين الكتائب و«حزب الله» سيحدّد غداً الخميس في اللقاء المرتقب على هامش جلسة انتخاب الرئيس الـ 34 بين النائبين إيلي ماروني وعلي فيّاض، حيث سيتّفقان على هذا الموعد.

هدوء واستنفار

أمنياً، ساد هدوء حذِر وترَقّب البلدات المحيطة بمزارع شبعا المحتلّة بعد القصف الاسرائيلي الأخير عقبَ عملية «حزب الله» امس الاوّل ردّاً على اغتيال الشهيد سمير القنطار، فيما شهدَت الحدود الشمالية لاسرائيل تأهّباً واستنفاراً.

وأكد وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعالون خلال جولة تفقّدية أمس في هضبة الجولان وعلى امتداد الحدود الشمالية أنّ الجيش الاسرائيلي «على استعداد تامّ لمواجهة أيّ حادث طارئ قد يقع في منطقة شمال البلاد». وقال «إنّ الجيش ردّ بالشكل الملائم على عملية تفجير العبوة الناسفة على الحدود اللبنانية».

إيران تطمئن الأمم المتحدة

وإزاءَ الخشية من سخونة اسرائيلية محتملة، استشعرت الامم المتحدة خطورة الاوضاع في المنطقة وتحرّكت منسّقتُها الخاصة في لبنان سيغريد كاغ على خط السعودية ـ ايران، وزارت الرياض «في إطار مشاوراتها الجارية مع الجهات الاقليمية الفاعلة لمناقشة إستقرار لبنان وأمنه والجهود لدعم إحتياجاته الانسانية والانمائية الحيوية».

كذلك اتصلت بمساعد وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان طالبةً منه ان تساعد ايران على ضبط النفس في لبنان وتجنّب ايّ إجراء قد يقود الى توسيع دائرة الحرب في ظلّ الظروف الحساسة للمنطقة، ومؤكّدةً ضرورة استتباب الأمن والاستقرار في لبنان، وأبدت قلقَها من تبادل إطلاق النار على الحدود الجنوبية.

فأكّد عبداللهيان لكاغ دعمَ بلاده لاستقرار لبنان وأمنه واعتبَر أنّ إجراءات اسرائيل الرامية الى تهويد القدس وتوسيع الاستيطان وإثارة الأزمات في المنطقة «هي العامل الرئيسي لزعزعة الاستقرار».

وأشار الى «الأخطاء السعودية المتكررة في المنطقة بما فيها محاولاتها لزعزعة الاستقرار في لبنان». وقال «إنّ إعدام عالم الدين الشهيد الشيخ النمر الذي كان ينادي بالديموقراطية وحرّية الرأي في السعودية خطأ استراتيجي جديد للسعودية ستكون له تبِعات صعبة على هذا البلد وتأثيرات سلبية على العالم الإسلامي والمنطقة». وأعلنت كاغ أنّها ستستكمل محادثاتها حول امن المنطقة ولبنان في طهران قريباً.

مصادر ديبلوماسية

في هذا الوقت، قالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» إنّ زيارة كاغ للسعودية روتينية لا تتجاوز مهمتها كمنسّقة خاصة للأمم المتحدة في لبنان ولا تتصل بالتطورت الأخيرة في المملكة منذ ان تصاعدت حدّة التوتر بين الرياض وعواصم أخرى ولا سيّما منها طهران عقبَ تنفيذ حكم الإعدام بالشيخ نمر باقر النمر».

وأوضحت انّ لقاءات كاغ ستشمل مواقع قيادية في المملكة، خصوصاً المعنيين منهم بشؤون الإغاثة ومساعدة الأمم المتحدة في مجال مواجهة أزمة النازحين واللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان كما بالنسبة الى الوضع في لبنان، فالأمم المتحدة ترى انّ للمملكة دوراً كبيراً وهي رحّبَت به في أكثر من موقف لتعزيز الإستقرار في لبنان ودعم المؤسسات العسكرية والأمنية وفي مواجهة الإرهاب».

شكوى وجدول بالخروق

وفيما اشتكت إسرائيل رسمياً أمام مجلس الامن معتبرةً انّ عملية «حزب الله» «تشكّل خرقاً سافراً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701»، مؤكدةً «وجوب ان تطالب الأمم المتحدة لبنان بوقف كافة الاعتداءات الارهابية المنطلقة من أراضيه»، أعطى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل التوجيهات الديبلوماسية لإبلاغ مجلس الأمن بجدول إحصائي عن الخروق والاعتداءات الإسرائيلية عام ٢٠١٥، يتضمّن تفصيلاً شهرياً لكلّ أنواع الخروق البرية والجوية والبحرية التي اعتدت إسرائيل من خلالها على أراضي لبنان وأجوائه ومياهه. وقد بلغَ مجموع هذه الخروق ١١٦٨ خرقاً للسيادة اللبنانية.

«حزب الله» والمصارف

إلى ذلك، قفزَت الى الواجهة أمس، قضيّة العقوبات الاميركية على «حزب الله»، بعدما تبيّنَ أنّ بعض المصارف قرّرت وقفَ توطين رواتب نوّاب الحزب لديها. وبرزت مخاوف من تداعيات هذا الوضع في المستقبل، خصوصاً أنّ السلطة التنفيذية تنأى بنفسها عن هذا الملف، وتترك للمصارف مسؤولية المعالجة.

في غضون ذلك، يستعدّ وفد جمعية مصارف لبنان برئاسة الدكتور جوزف طربيه للسفر الى الولايات المتحدة الأميركية في رحلةٍ كانت مقررة قبل اندلاع الأزمة التي تسبّبَ بها صدور القرار الاميركي الجديد بفرض عقوبات على التعامل مع الحزب. ومن البديهي أنّ الأزمة المستجدة، ستفرض نفسَها على جدول اعمال الوفد.