إذا سارت الأجواء على إيجابيتها الشائعة فإنّ اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب المقرّر اليوم برئاسة رئيس المجلس نبيه برّي، سيحدّد جدول أعمال الجلسة التشريعية المنتظَرة بدءاً من بعد غد الأربعاء، لينطلق العمل التشريعي المعطّل منذ بضعة أشهر، مع ما يمكن أن يشيعَه من أجواءٍ من شأنها أن تساعد على تحقيق توافق يفضي إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد طالَ انتظاره. إلّا أنّ ما ينغِّص هذه الإيجابيات هو استمرار أزمة العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و»النصرة» التي تتفجَّر داخلياً بغضبِ أهالي هؤلاء العسكريين الذين يقطعون الطرق التي تشكّل شرايين حيوية بين المناطق، في وقتٍ تُصَعِّد التنظيمات الإرهابية الخاطفة من تهديداتها للبنان، على الرغم من عودة رئيس الحكومة تمّام سلام من نيويورك بوعود قطرية وتركية بالمساعدة على إطلاق المخطوفين.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ اتصالات بدأت تجري بعيداً من الأضواء من أجل انتخاب الرئيس العتيد قبل 20 تشرين الثاني موعد انتهاء ولاية مجلس النواب الممدّدة، حتى ولو كان الثمن إقرار تمديد جديد للولاية النيابية.
وفي هذا الإطار يمكن إدراج الاجتماع الذي انعقد بين بري ورئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة الذي فتح الأفق الرئاسي المسدود، إذ جاء السنيورة الى عين التينة وحيداً حاملاً مبادرة 14 آذار الرئاسية التي تعرض فيها سحبَ مرشّحها رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مقابل أن يسحب فريق 8 آذار وحلفاؤه ترشيحَ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، وهو أمرٌ ليس من السهولة في مكان حتى الآن، لأنّ الرجل يتمسك بترشيحه على قاعدة انّ هذه فرصتُه الاخيرة لتبَوُّؤ سدّة رئاسة الجمهورية بعدما بلغَ من العمر عتيّا.
ومع أنّ بري وجدَ من خلال المبادرة أنّ فريق 14 آذار يبدي استعداداً للتوافق مع «الفريق الآخر» على رئيس جديد، فإنه في الوقت نفسه بات يرى انّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي يتطلب مع الأسف تدخّلاً خارجياً للتقريب بين المتباعدين الذين ضيّعوا في ما مضى فرصة انتخاب رئيس «صنع في لبنان» نتيجة الخلافات والمناكفات التي تغاضَت عن انشغال الآخرين للمرّة الاولى عن لبنان وأتاحوا فرصة للبنانيين، مباشرةً أو بلا قصد، لكي يتحمّلوا مسؤوليتهم الوطنية بمعزل عن ايّ تدخّل خارجي ويثبتوا أنّهم قادرون على ممارسة سيادتهم بأنفسهم.
وقال برّي امام زوّاره مساء أمس إنّ لقاءَه والسنيورة «كان جيّداً، وتمّ التركيز فيه على مبادرة 14 آذار في شأن انتخابات رئاسة الجمهورية».
وعُلم أنّ السنيورة ابدى خلال اللقاء خشيته من الفراغات المترتّبة من استمرار الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية، وأكّد أنّ قوى 14 آذار مستعدّة لسحب مرشّحها جعجع، وأنّ على قوى 8 آذار ان تبادر في المقابل الى سحب ترشيح عون حتى يُتاح المجال لاتفاق الفريقين على مرشح يقبل به الجميع. وفُهِم من أجواء اللقاء انّ عون ما زال متمسّكاً بترشيحه، وأنّ المطلوب بذل جهود كبيرة لإقناعه بسحب هذا الترشيح.
وتطرّقَ البحث الى موضوع سلسلة الرتب والرواتب، وسمعَ برّي من السنيورة موقفاً مؤيّداً لما توصّل اليه وزير المال علي حسن خليل مع عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان الذي كان يفاوض باسم فريق 14 آذار. علماً أنّ خليل التقى مساء أمس عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان.
وقال بري لزوّاره إنّ الاجواء إزاء موضوع سلسلة الرتب والرواتب إيجابية وإنّ هيئة مكتب المجلس النيابي ستلتئم اليوم برئاسته، فإذا ظلّت الاجواء على ايجابيتها يُبنَى على الشيء مقتضاه ويتمّ تحديد موعد انعقاد جلسة تشريعية يتصدّر جدول اعمالها الذي ستحدّده الهيئة مشروع قانون السلسلة.
ورجّح بعض المصادر النيابية البارزة أن يُحدَّد موعد الجلسة الاربعاء والخميس المقبلين، وتُدرَس خلالها السلسلة ويليها تباعاً بقية مشاريع القوانين التي ستحدّدها هيئة مكتب المجلس تحت عنوان «تشريع الضرورة».
وردّاً على سؤال عمّا إذا كان اقتراح قانون التمديد للمجلس النيابي سيكون على جدول الاعمال، قال بري إنه موجود بين المشاريع المطروحة، ولكن يُبحث فيه عندما يأتي دوره، وموقفنا منه معروف، وهو أنّنا نعارضه وسنصوّت ضدّه. وفي هذا المجال أعود وأكرّر انّني لستُ في وارد المقايضة بين جلسات التشريع وبين التمديد للمجلس أو بين أيّ موضوع وآخر.
وعن موقفه من قضية مقايضة إطلاق العسكريين المخطوفين لدى «داعش» والنصرة في جرود عرسال بإطلاق السجناء الاسلاميين في سجن رومية، قال برّي: «إنّ هذا الامر يعود الى الحكومة، وخليّة الأزمة التي تتابع عليها ان تقوم بواجبها في هذا المجال.
وأبدى برّي استياءَه من البيان الذي أصدره الائتلاف السوري المعارض وتناول فيه الجيش اللبناني وقال: «من المهم جداً أن نعرف الجهة التي وزّعت هذا البيان في الأمم المتحدة».
وعدٌ قطريّ وتركي
في هذه الأجواء عاد رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام من نيويورك بعدما ألقى كلمة لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 69 الحالية
وكانت له هناك لقاءات مع عدد من رؤساء الدول العربية والاجنبية، عارضاً معهم للأوضاع في لبنان والمنطقة، وداعياً الجانبين القطري والتركي الى المساعدة على إطلاق العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «داعش» و»النصرة» لما لهما من تأثير على الخاطفين، وعاد بوعد منهما على المساعدة في هذا المجال، على حدّ ما أبلغه الى بعض المسؤولين الذين اتّصل بهم في بيروت.
ما بعد العودة
وقبيلَ عودة سلام كانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء قد عمّمت الدعوة الى جلسة عادية لمجلس الوزراء تُعقد في السراي الحكومي الكبير بعد ظهر الخميس المقبل بجدول اعمال يتضمّن 67 بنداً مختلفاً، بينها قضايا مالية واقتراحات حول عمليات تلزيم وعقود بالتراضي يُتوقّع أن تثير نقاشاً حاداً جرّاء رفض بعض مِن الوزراء هذه العمليات التي لا تمرّ بالآليات القانونية والإدارية والمديرية العامة للمناقصات، ما قد يؤدّي الى تأجيل البتّ ببعضها.
وعلى المستوى الإداري سيتناول مجلس الوزراء قضايا ماليّة وإدارية متنوّعة ومشاريع هبات لبعض المؤسسات الرسمية والإنسانية وإقرار سلسلة سلفات خزينة وفق القاعدة الإثنتي عشرية لبعض الوزارات والمؤسسات العامة.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ سلام سيُطلع مجلس الوزراء على نتائج اللقاءات الواسعة والشاملة التي عقدها في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولا سيّما منها اللقاءين اللذين عقدهما مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني وما دار خلالهما في شأن طلب لبنان وساطتهما لدى «جبهة النصرة» و«داعش» لإطلاق العسكريين اللبنانيين وما وعدا به لجهة إعادة تحريك هذه الوساطة المجمّدة.
كذلك سيتطرّق مجلس الوزراء الى الوضع في عرسال ومحيطها ومصير الأفكارالتي طرحَها بعض الأطراف لتحريك الوساطات الداخلية سعياً لإطلاق العسكريين المخطوفين، ولا سيّما منها المتصلة بطرح المقايضة والأفكار الأخرى لمعالجة غضب أهالي المخطوفين الذين شلّوا حركة التواصل بين البقاع وبيروت وما بين الشمال وبيروت وفي أكثر من منطقة في البقاعين الشمالي والغربي.
وسيتناول سلام في تقريره المفصّل أمام الوزراء نتائجَ لقاء «المجموعة الدولية من أجل لبنان» الذي انعقد على هامش الجمعية العمومية للمنظمة الدولية للسنة الثانية على التوالي وما تقرّر خلاله وخريطة الطريق وما تُرتّبه على الجانب اللبناني من خطوات لمواكبة القرارات الدولية وللبتّ ببعض البرامج المقرّرة والمجمّدة بفعل الشلل التشريعي في مجلس النواب والخلافات التي تتحكّم ببعض القرارات الكبرى.
خلية الأزمة
وكشفَت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ سلام سيلتقي اليوم أعضاء خلية الأزمة الوزارية المكلفة متابعة ملف العسكريين المخطوفين ليعرض معهم للتطوّرات الأمنية ونتائج اتصالاته في نيويورك ومساعي وزير الداخلية، وكذلك نتائج الإتصالات التي يجريها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
وزراء طرابلس ونوّابها
وعقدَ وزراء طرابلس ونوابها، اجتماعاً في منزل النائب محمد كبارة، ضمَّ إليه كلّاً من وزيري العدل اللواء أشرف ريفي، والشؤون الإجتماعية رشيد درباس، النائبين سمير الجسر وبدر ونوس، والمنسّق العام لتيار «المستقبل» في طرابلس الدكتور مصطفى علوش، ومستشار الرئيس سعد الحريري لشؤون الشمال عبد الغني كبارة.
وتوقّفَ المجتمعون عند قضية العسكريين المخطوفين «وعند الابتزاز الذي يمارسُه الإرهابيون بتصفيتهم الواحدَ تلو الآخر بأساليب تعكس نفوساً مريضة». وفيما أبدوا «أقصى درجات التعاطف مع العسكريين وأهاليهم»، رأوا أنّ استعادة العسكريين يجب أن تكون أولى أولويات الدولة «بالطرُق الأمنية والعسكرية والتفاوضية أو غيرها».
واعتبروا «أنّ قضية المخطوفين يجب أن تكون وسيلة تجمع اللبنانيين ولا تفرّقهم»، معلنين «تأييدَهم الكلّي للجيش ودوره في حفظ الأمن واستقرار السلم الأهلي، والتدابير التي اتّخذت من أجل حماية عرسال من غزوة جديدة»، مشدّدين في المقابل على أنّ «الحزم المطلوب يجب أن لا يوقِع أحداً في ردود الفعل، وأن لا يُخرج المؤسسات عن التعاطي الإنساني حتى مع المطلوبين أو النازحين».
وأبدى المجتمعون قلقَهم من حجم الإشاعات التي تُبَثّ في طرابلس «والتي سبقها تحقيق تلفزيوني اختصرَ صورة المدينة بشخصين من دون الاستماع إلى مرجعياتها الروحية وممثلي المجتمع المدني، مع ما تبعَ ذلك من عناوين تصدر في بعض الصحف وتنذر بانفجار الوضع في طرابلس، إضافةً إلى اغتيالات فردية أخذت طابع التصفية».
وأكّد المجتمعون تمسّكهم بالخطة الأمنية «التي رفعَت كابوس الفلتان الأمني عن طرابلس»، وضرورة الحفاظ على نعمة الأمن في المدينة»، مهيبينَ بجميع الطرابلسيين التعاونَ مع الدولة.
وأيّدَ المجتمعون الموقف الحكومي الذي أعلنه رئيس الحكومة من الأمم المتحدة، والذي طالبَ فيه المجتمع الدولي بدعم لبنان وتحييده عن سياسة المحاور الدولية والإقليمية ونزاعاتها.
تهديد جديد
وكان جديد التهديدات التي تعرّض لها لبنان أمس تهديد زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، الذي اعتبرَ في شريط صوتي مسجّل بُثَّ أمس أنّ الجيش اللبناني «يخضع لهيمنة حزب الله ويأتمر بأوامره»، متوجّهاً «إلى أهل السنّة في لبنان» قائلا: «أبعِدوا أبناءَكم عن جيش سُخِّر لخدمة عدوّكم، وعسكِروهم في خدمة المجاهدين».
«العلم الأسود»
وفي هذا السياق هاجمَ وزير الداخلية نهاد المشنوق التنظيمات المتطرّفة مداورةً، إذ قال في خلال تكريمه في جمعية متخرّجي المقاصد «إنّ العَلَم الأسود والكلام المكتوب عليه لا قيمة له عندما يُستعمَل لذبح عسكريّ لبناني تحت رايته». وأضاف أنّ «لبنان ليس دولة إسلامية بل بلد تنوّعٍ واتّفاق».
وشدّد على أنّ «الفراغ في رئاسة الجمهورية لا يُملَأ بتعطيل مجلس النواب أو الحكومة، لأنه بذلك ينسحب الفراغ على الجمهورية كلّها، ويجب أن يتضاعف عمل مجلسي النواب والحكومة لتحقيق بعض ما يريده المواطن اللبناني».
وأكّد «أنّ نتائج التنسيق بين قيادتي قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني ممتازة، وأعطت نتائجها حتى الآن، وما يُسمَع من مشاكل منذ سبعة أشهر حتى اليوم أقلّ بكثير ممّا كان يمكن أن يحصل سابقاً».