Site icon IMLebanon

التهدئة تترسَّخ والحراك الرئاسي يتأجّـج… والحكومة تختبِر إتفاق التفعيل

 

فيما كانت الأنظار تتّجه إلى باريس مرتقبةً ما سيَصدر عن الحراك الرئاسي الدائر هناك في وجود الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، أكّدَ رئيس مجلس النواب نبيه بري مجدّداً أنّ مبادرةَ الحريري ما تزال حيّة، كذلك أكّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أنّ هذه المبادرة لم تمُت، وأنّه جدّي في ترشيحه رئيسَ تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة و«لا يناور». وفي هذا الوقت التقى جعجع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي خرجَ من اللقاء ليؤكّد أنّ انتخاب الرئيس هو قرار إقليمي – دولي غير متوافر الآن، مشيراً إلى أنّنا نمرّ في مرحلة عواصف سياسية تحتاج إلى مداراة، ولَسنا في حاجة إلى مزيد من المواجهة، وذلك في معرض كلامه عن ترشيح جعجع لعون.

ترسّخَت التهدئة الداخلية التي أرساها الحواران الوطني والثنائي في جلستَي أمس الأوّل في عين التينة على أمل أن لا تهبّ عواصف سياسية نتيجة الحراك الرئاسي الدائر في الداخل والخارج بما يهزّ هذه التهدئة وتنعكس سلباً على تفعيل العمل الحكومي الذي تَلاقى عليه الحواران ويُفترض أن تُتوِّجه جلسة مجلس الوزراء المقرّرة غداً.

وكرّر ئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس أنّ مبادرة الحريري «ما تزال حيّة»، وأكّد أنّ جلسة الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار «المستقبل» التي انعقدت مساء أمس الأول في عين التينة «تناولت تفعيل الحكومة وكانت عشرة على عشرة، ولم يأتِ أحد من المتحاورين على ذِكر السجالات التي كانت دائرة، كون جلسة الحوار الوطني تناوَلت هذا الموضوع خلال النهار».

وأكّد بري أنّ المتحاورين تناولوا بالبحث موضوع تفعيل الحكومة، وتوقّع انعقاد جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس وسط «أجواء إيجابية» لدى رئيس الحكومة ووزير الخارجية جبران باسيل. وقال: «هناك احتمال أن يقرر مجلس الوزراء ملءَ الشغور في المجلس العسكري، إلّا إذا ارتُؤيَ تأجيل هذه التعيينات الى الجلسة التالية لمزيد من المشاورات، ولكن تمّ الاتفاق على بتّ هذا الملف الذي يَستثني قائد الجيش».

موقف جعجع

وفي وقتٍ يرجّح بعض السياسيين أن يكون قرار «القوات اللبنانية» المنتظَر بترشيح عون هدفه المناورة في مواجهة ترشيح فرنجية، أكّد جعجع جدّية خطوتِه وقال إنّ الأيام المقبلة ستكشف صدقَ نيّاته.

وعلمَت «الجمهوريّة» أنّ جعجع كرّر خلال اجتماع مع إجهزة إعلام «القوات» أنّ «خيار ترشيح عون هو ثابت ولا نناور فيه، وهناك أسباب عدّة دفعتنا إلى اتّخاذه»، موضِحاً «أنّ الهدف الأساسي من الترشيح أيضاً هو تبريد الساحة المسيحية، وتبنّي ترشيحنا لعون سيُساهم في هذا الأمر، ونحن نريد أن تصفوَ الأجواء المسيحية».

وعن ضمانه لعدم انقلاب عون بَعد انتخابه على «القوات»، سأل جعجع: «مَن يستطيع أن يضمن الآخر؟»، وقال: «نحن نتحاور مع عون في كلّ النقاط الخلافيّة، وحركة الموفدين بين معراب والرابية يوميّة لمحاولة الاتفاق على كلّ المسائل التي لم نتّفق عليها حتّى الآن، وتبنِّينا لترشيحه لن يحصل من دون صوغ اتفاق نهائي وواضح، فالأيام المقبلة ستكشف مزيداً من التفاهمات، وعندما يتمّ التفاهم النهائي سنعلنه».

وعمّا سيكون موقف السعودية منه في حال تبنِّيه ترشيحَ عون، قال جعجع «إنّ السعوديّة قالت لي إنّنا نثِق بك وأنت تتحمّل مسؤولية قراراتك وخياراتك، وهي لم ولن تفرضَ علينا شيئاً، بل نحن حلفاء ونتناقش، وهي قالت إنّنا نَعي إلى أين سيؤدي هذا القرار وما هي تداعياته على الساحة اللبنانية، فإذا كان عون إيجابياً أثناء ولايته فهذا أمر جيّد، أمّا إذا تعاملَ كما كان يفعل سابقاً، فنحن نتحمّل مسؤولية هذا الأمر، وهذا موقف السعودية تجاه ترشيحنا عون، وسنبقى حلفاء ولن تنقطع علاقتنا بعد هذا الترشيح». (التفاصيل ص 4)

فرصة غير سانحة

إلى ذلك، أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال زيارته معراب «أنّ انتخاب رئيس للبنان هو قرار إقليمي ودولي غير متوافر الآن، والفرصة غير سانحة في الوقت الراهن، والحوارات الداخلية لن تؤدّي إلى انتخاب رئيس جديد إلّا في حال ترافقَت مع قرار إقليمي ودولي، إذ إنّ المشكلة هي في القرار وليست في الحوار».

ولفتَ إلى «أنّ النقاش دار حول ترشيح جعجع للنائب العماد ميشال عون، لهذا قلتُ إنّنا نمرّ في مرحلة عواصف سياسية تحتاج إلى مداراة، إذ لسنا في حاجة إلى مزيد من المواجهة».

وأوضحَت مصادر المشنوق لـ«الجمهورية» أنّ زيارته لجعجع كانت بصفته وزيراً للداخلية وتندرج في إطار المشاورات التي بدأها مع القيادات السياسية اللبنانية وتتمحوَر حول الانتخابات البلدية التي تَفتح الباب واسعاً أمام اللامركزية الإدارية والتي تسَهّل أمور الناس وتساهم في تطوير قُراهم ومناطقِهم، وتُمكّنهم من التعبير عن آرائهم. وفي هذا الإطار سيستكمل الاتصالات مع القيادات باللقاء الذي سيعقده اليوم مع رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل.

وأكّدت المصادر نفسُها أنّ البحث بين المشنوق وجعجع تطرّقَ إلى الموضوع الرئاسي، في اعتبار أنّ هذا الاستحقاق باتَ أكثر من أيّ وقت مضى مرتبطاً بالمعطيات الإقليمية والدولية التي لا تؤشّر في الوقت الحاضر إلى إمكان توافر العناصر التي تساعد على إنجازه.

ومن هنا الدعوة إلى ضرورة استمرار الحوارات الداخلية المتعدّدة من أجل جعلِ لبنان في منأى عن أجواء الاشتباك الإقليمي، والتقريب بين وجهات النظر بغية إيجاد مخارج مشتركة ومعالجة التباينات بالهدوء والترَوّي بما يعزّز الاستقرار الداخلي.

وعشيّة زيارة المشنوق للجميّل قالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ الكتائب أطلقَت استعداداتها للانتخابات البلدية والاختيارية المقرّرة منتصف أيار المقبل، وهي تنتظر زيارة وزير الداخلية لبكفيا للتأكيد على مواقفها، وهي التي تدعو إلى رفضِ تمديدها أياً كانت الحجَج التي قد تدفَع البعض إلى المناداة بالتمديد حتى الأمس القريب ولو في السرّ.

وكان المكتب السياسي الكتائبي قد رحّب بتعهّد وزير الداخلية تأمينَ الظروف الضامنة لحصول الانتخابات في موعدها لأنّها تشكّل امتحاناً للدولة وقدرتِها على إنجاز هذا الاستحقاق.

بكركي

إلى ذلك، تستمرّ الاتصالات البعيدة عن الإعلام والتحرّك على خطوط بكركي، معراب، الرابية، بكفيا، وبنشعي، وتراهِن بكركي على لقاء عون- جعجع من أجل خلقِ ديناميكيّة جديدة.

وفي هذا السياق، أكّد راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر المارونية المطران حنا رحمة لـ«الجمهوريّة» أنّ «بكركي والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يرَيان في لقاء عون – جعجع مؤشّراً إيجابياً في تحريك عجَلة الرئاسة، وهو ما كان يطالب به الراعي مراراً، أي خلق مبادراتٍ رئاسية تسَهّل انتخابَ الرئيس العتيد».

وشدّدَ رحمة على أنّ «توافق «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» يطلِق حواراً رئاسياً جدّياً، لتعودَ الروح الديموقراطيّة وينتخب المجلس الشخصَ الذي يراه مناسباً»، مؤكّداً على «الانفتاح والحوار بين جميع القادة المسيحيين وعدم خلق جبهات وتحالفات جديدة بين بعضهم البعض لأنّ الجميع هم أبناء الوطن وشركاء في القرار». كما أكّد أنّ «على القادة الموارنة انتخاب رئيس لحفظ الكيان وتأمين الاستقرار والحفاظ على الوجود المسيحي في لبنان والدولة».

«المستقبل»

إلى ذلك، حمّلت كتلة «المستقبل»، «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» ومَن خلفهما إيران «المسؤولية كاملة عن أزمة الفراغ الرئاسي بكلّ أبعادها وانعكاساتها الخطيرة». وأكدت «تمسّكها بانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب فرصة للانتهاء من الشغور الرئاسي، ما يُمهّد لاستعادة دور المؤسسات الدستورية وعَملها، ويَفتح آفاق العودة الى الحياة الطبيعية ويضع حدّاً للانهيار ويستعيد القدرة على النهوض والنموّ ويُمكّن لبنان من الخروج من المأزق الذي يتخبّط فيه والذي يتعرّض فيه أمنُه واستقراره السياسي والاجتماعي والمالي للخطر».

وحذّرَت الكتلة من أنّ «استمرار تعطيل العمل الحكومي يعطّل مصالح البلاد والعباد، واستمرارَ المراوحة السلبية يُفاقم السلبيات على مختلف المستويات»، مؤكّدةً «ضرورة عودة جميع الأطراف اللبنانية الى الدولة بشروط الدولة وليس بشروط أيّ فريق من الأفرقاء بدءاً من تفعيل عمل الحكومة، وهو الأمر الذي بات المسَلّمة الوحيدة المطروحة أمام كلّ الأطراف الداخلية. ولذلك فإنّ كلَّ مَن يضَع الشروط المعرقِلة أمام هذا التوجّه ويمارس الابتزاز إنّما يُمعِن في ارتكاب جريمة فادحة ضدّ لبنان واللبنانيين ومصالحهم».

تكتل التغيير والإصلاح

من جهته، لاحَظ تكتّل «التغيير والإصلاح» وجودَ «إغراق إعلاميّ في هذه الآونة يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي»، مؤكّداً «أنّنا لسنا من القوم الذين يُخفون خياراتهم واستحقاقاتهم واتّصالاتهم. وقابلُ الأيّام قد يَحمل جديداً في المراكمة على الحيثيّة المسيحيّة الأقوى، والحيثيّة الوطنيّة التي يجَسّدها العماد ميشال عون».

وأوضَح التكتّل بعد اجتماعه الأسبوعي برئاسة العماد ميشال عون أنّ «مقاربة تفعيل العمل الحكومي تتمّ من منطلقين: الأوّل آليّة العمل الحكومي. الحلّ التوافقي يُرضينا ولم يعُد يشكّل عقبةً طالما إنّنا ارتضَينا جميعاً التوافق الذي يُوَفّق بين مستلزمات الوثيقة والدستور، والتفعيل على أن يستمرّ هذا التوافق ويسود من دون أيّ مواربة أو استثناء.

أمّا المنطلق الثاني، أي التعيينات العسكريّة والأمنيّة، فلا نُخفيكم أنّنا لم نصِل إلى الحلّ بَعد. هناك مسعى نتمنّى أن يَنفذ إلى اتفاق. لذا إنّ مشاركة وزراء «التيار الوطني الحرّ» أو عدمَ مشاركتهم أو مشاركتَهم مع الاعتراض القويّ في جلسة مجلس الوزراء المقبلة أمرٌ مرهون بمساعي ما قبلَ جلسة الخميس».

وزيرا عون

وقبل 48 على جلسة مجلس الوزراء قالت مصادر وزارية لـ «الجمهورية» إنّها لا تستبعد غيابَ وزيرَي «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والياس بو صعب عن هذه الجلسة بعدما ربَطا مشاركتهما فيها عقبَ اجتماع تكتّل «التغيير والإصلاح» أمس بمصير الوساطات والاتصالات الجارية، إذ إنّ هذه المشاركة باتت رهناً بتلقّي التيار وعداً بتلبية مطالبه لجهةِ تعيين ثلاثة أعضاء (شيعي وكاثوليكي وأرثوذكسي) في المجلس العسكري بدلاً مِن ثلاثة اقترَبوا من التقاعد، وهو يطالب بتسميةِ العضوين المسيحيين والحصول على تعهّد مسبَق بتعيين قائد جديد للجيش بعد انتهاء ولاية العماد جان قهوجي.

وقالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» إنّ مطالب عون مستحيلة، خصوصاً لجهة «التعهّد» بتعيين قائد للجيش من الآن، إذ ليس هناك أيّ جهة يمكن أن تقدّم مثلَ هذا التعهّد الآن، عِلماً أنّ هذا الموضوع قد أهمِل عندما تناوَله بعض الوسطاء في مرحلة سابقة.

وبالنسبة إلى عضوية المجلس العسكري، فقد كشفَت المصادر عينُها أنه طُرح على عون تسمية عضو مسيحي واحد فقط من العضوين المسيحيَين شرط التزام مبدأ الأقدمية على مستوى الضبّاط المرشحين، وهو ما كان موضوع تشاور في اللقاء الأخير بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع سمير مقبل الذي انتهى إلى هذا العرض الأخير.

ولذلك قالت المصادر إنّ الجلسة الحكومية قد تُعقد بمن حضر ولن يكون غياب وزيرَي «التيار» مستغرَباً أللهمّ إلّا إذا نجحَت الاتصالات الجارية والتي يشارك فيها حزب الله، في ضمان حضور جميع الوزراء التزاماً لِما اتُّفق عليه في هيئة الحوار الوطني أمس الأوّل.