غابَ الحديث عن الملف الرئاسي أمس على رغم الاتصالات واللقاءت المستمرة على هذا الصعيد في الداخل والخارج، ليتقدّم اختبار تفعيل العمل الحكومي عشيّة انعقاد مجلس الوزراء اليوم، خصوصاً بعد الهَبَّة التفاؤلية التي واكبَت المساعي المبذولة لتذليل العقَد وتأمين حضور وزراء تكتّل «التغيير والإصلاح» و«حزب الله»، مع احتمال الوصول إلى حلّ في ملف التعيينات العسكرية يقبَل به العماد ميشال عون. في وقتٍ يبدو أنّ ملفّ النفايات لن يسلك طريقه بسهولة نحو الترحيل بعد اعتراضات عدة بَرزت على هذا الحلّ.
يعود مجلس الوزراء إلى الانعقاد اليوم في جلسته الأولى لهذا العام، وبَعد انقطاع طويل عن مناقشة جدول الأعمال قاربَ أربعة أشهر. وحتى ساعة متأخّرة بقيَت الاتصالات ناشطة لتأمين حضور وزراء تكتّل «التغيير والإصلاح» و«حزب الله»، على أساس مخرَج يَقضي بطرح ملف تعيين الأعضاء الثلاثة في المجلس العسكري من خارج جدول الأعمال.
وفي وقتٍ تسَرَّبت معلومات نهاراً عن أنّ وزراء تكتّل «التغيير والإصلاح» و«حزب الله» لن يشاركوا في جلسة مجلس الوزراء اليوم، بسَبب التعيينات العسكرية واشتراط عون أن يبدأ البحث في ملف التعيين من فوق أي بتغيير قائد الجيش، نشَطت الاتصالات طوال النهار وأدّت ليلاً إلى تقدّم على هذا الصعيد، حيث أصبح هناك حديث جدّي عن مشاركة وزراء التكتّل و«حزب الله» بعد الاتفاق على بعض النقاط، أهمُّها، أوّلاً، آليّة عمل الحكومة. إذ عندما توقّفَ العمل الحكومي كان هناك خلافٌ على اتّخاذ القرارات في ظلّ غياب مكوّنَين أساسيّين، من هنا تمَّ الاتّفاق على هذه النقطة التي هي تحصيل حاصل.
أمّا الأمر الثاني فهو أن لا يعمل مجلس الوزراء وكأنّ رئيس الجمهورية موجود، بل أن يتّخذ القرارات في القضايا الحياتية والاستثنائية التي لها علاقة بمصالح الناس والبلد، وقد تمّ تأكيد هذا البند أيضاً.
والأمر الثالث هو ملف التعيينات التي توقّفَت، إذ قبِل عون بعدم الذهاب إلى شغور في المؤسّسة العسكرية، وهو لن يفتحَ معركة قائد الجيش، لكن ماذا عن الأرثوذكسي الأوّل في المجلس العسكري والكاثوليكي الأوّل، فلماذا تغييبُهما؟ لذلك إذا تمَّت حَلحلة هذه المسائل العالقة وتأمّنَت مطالِب عون، فإنّ الأجواء ستكون إيجابية وسيشارك التكتّل في الجلسة.
مِن جهتها، كشفَت مصادر وزارية واكبَت الاتصالات، لـ«الجمهورية» أنّ الجلسة لن تذهب إلى التصعيد، وستنعقد في مناخ إيجابي، لكنّ حضور وزراء تكتّل «التغيير والإصلاح» مرتبط بالاتفاق على التعيينات العسكرية.
وأكّدَت هذه المصادر أنّ الاتصالات ستبقى ناشطة حتى ربعِ الساعة الأخير من انعقاد الجلسة، فإذا تمّ الاتفاق على المراكز الثلاثة كان به، وإذا لم يسمح الوقت كون العملية تحتاج إلى جوجلة الأسماء واتصالات، فهناك إمكانية أن تُطرح شكلياً داخل الجلسة، على أن يتمّ الالتزام بطرحها بنداً أوّلاً في الجلسة المقبلة ريثما تكون قد نضَجت.
وكشفَت المصادر أنّ عملاً جدّياً حصَل خلال ساعات الليل لتأمين توافق على التعيينات، موضحةً أنّ التعيينات المطروحة تتناول المراكز الشاغرة وسيتمّ اختيارها وفقَ الأقدمية والكفاية.
وفي هذاالسياق، رأى رئيس مجلس النواب نبيه برّي أنّ الأجواء إيجابية لانعقاد جلسة مجلس الوزراء في إطار إعادة تفعيل عمل الحكومة لمناقشة وإقرار كلّ الموضوعات التي تهمّ لبنان واللبنانيين، مؤكّداً أنّه «لا يجوز الاستمرار في هذا الوضع، ولا بدّ من الانتقال إلى مرحلة جديدة في سياق العمل المؤسساتي».
سلام يُرحّب بالتوافق
وقالت مصادر رئيس الحكومة تمّام سلام لـ«الجمهورية» إنّ جلسة اليوم ستبحَث في بنود جدول الأعمال المعمَّم على الوزراء، ولكنْ إذا طرأ شيء جديد وتَقدّمَ نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل باقتراح يتّصل بالتعيينات في المجلس العسكري، فلن يكون رئيس الحكومة حجرَ عثرة وهو يبارك أيّ تفاهم بين القوى السياسية المنضوية في الحكومة وليس لديه أيّ مشروع لتعطيل أيّ تفاهم، لا بل يدعو إليه ويبارك كلّ المساعي المبذولة لهذه الغاية.
ولفتَت المصادر إلى أنّ جميع الأطراف يؤيّدون الخطوات الآيلة إلى إحياء العمل الحكومي وتعزيز حضورهم، وخصوصاً في القضايا التي تَعني اللبنانيين في شؤونهم ومصالحهم اليومية، ولذلك جدّدَ سلام أمام زوّاره أمس أنّه متفائل بعودة مجلس الوزراء إلى ممارسة مهمّاته ابتداءً من جلسة اليوم.
جرَيج
مِن جهته، قال وزير الإعلام رمزي جرَيج لـ«الجمهورية»: «إنّني أتواصَل مع الرئيس سلام في شأن الجلسة، وقد قال لي إنّ الاتصالات مع التكتّل وبقيّة الأطراف مستمرّة، لكنّه مصمّم على عَقد الجلسة إذا تأمَّنَ النصاب الدستوري لأنّ هناك مواضيع حياتية مهمّة يجب معالجتها، ولا يمكننا إبقاؤها رهينة الخلافات».
وأوضَح جريج أنّ «بند التعيينات ليس على جدول أعمال الجلسة، لكنّنا نستطيع طرحَه من خارجه إذا تمَّ التوافق عليه، حيث يجب أن يطرحَه وزير الدفاع بناءً على توصية قائد الجيش»، مرَجّحاً عدمَ مشاركة وزراء التكتّل في الجلسة «لأنّ أجواءَهم لا توحي حتى الساعة (ليل أمس) بذلك، لكنّهم لن يعلنوا موقفهم إلّا قبل الجلسة».
مشاورات واقتراحات
وفي حصيلة المشاورات الأخيرة، قالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» إنّ اتصالاً جرى أمس بين الرئيس ميشال سليمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي خُصِّص للبحث في تفاصيل ما طُرح على هذا المستوى خلال اللقاء الذي عُقد بين سليمان ومقبل.
وقالت المصادر إنّ مقبل رفضَ اقتراحاً نُقل اليه ويقضي بزيارة عون للتشاور في الأسماء المقترحة للتعيينات ولا سيّما منها المتصلة بالعضوَين الأرثوذكسي والكاثوليكي في المجلس العسكري، موضحةً أنّ مقبل ينتظر الأسماء المقترَحة للمواقع الشاغرة من قيادة الجيش قبل طرحِها على مجلس الوزراء، ولذلك قال أمس إنّه سيَطرح الموضوع على الجلسة المقبلة إذا تعَذّرَ ذلك في جلسة اليوم.
وعليه، كشفَت المصادر المعنية أنّ مقبل سيَطرح فور إنجاز الاقتراح ثلاثة أسماء لكلّ موقع من المواقع الثلاثة الشاغرة فورَ جهوزها، بالاستناد إلى اقتراح قائد الجيش، على أن تكون من الأسماء التي تَحظى بمعايير الكفاية والأقدمية. فقائد الجيش هو أدرى من غيره بأهمّية هذه المعايير ولديه ميزان الجوهرجي في اختيار الأسماء بعيداً مِن منطق المحسوبية.
وأكّدت المصادر أنّ العملية مؤجّلة أياً كانت النتائج المترتّبة على غياب وزيرَي «التيار» عن جلسة اليوم، مرجّحةً عَقد اجتماع للّقاء التشاوري، إنْ لم تنتهِ المناقشات قريباً بهدف التعبير عن حجم الرفض الوزاري لـ»المبادرة الخاصة بالتعيينات العسكرية» التي يروّج لها بعض الأطراف.
مصدر عسكري
إلى ذلك، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «النقاشات في شأن ملء الفراغ في المجلس العسكري للأعضاء الثلاثة (الأرثوذكسي، الكاثوليكي، والشيعي) والذي يعود إلى مجلس الوزراء، لن يؤثّر على عمل المؤسسة العسكريّة التي تخَطّت كلّ الخضّات السابقة، وهي تمارس عملها بمعزل عن التجاذبات السياسيّة التي لا تَعنيها».
ولفتَ المصدر إلى أنّ «قيادة الجيش لن تدخلَ في لعبة الأسماء المرشّحة لتوَلّي هذه المسؤولية قبل أن يتّخذ مجلس الوزراء قراراً جدّياً بالتعيين، عِلماً أنّ قائد الجيش يقترح أسماء على وزير الدفاع الذي يَرفعها إلى مجلس الوزراء ليتمّ التعيين».
الملف الرئاسي
وعلى الصعيد الرئاسي، وفيما لم يَرشح أيّ جديد عن اللقاءات التي تشهدها باريس في هذا الصَدد، وخصوصاً بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار «المردة «سليمان فرنجية حيث انعقد لقاء جديد بينهما أمس الأوّل، تواصَلت الاتّصالات بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» لتنسيق الموقف الرئاسي، ولم يُسجّل يوم أمس أيّ جديد، وغابَت اللقاءات الرئاسية والمواقف في هذا الشأن.
وفي السياق، أوضَح عضو المكتب السياسي الكتائبي ألبير كوستنيان لـ«الجمهوريّة» أنّ «الحزب ليس في صلب هذه الاتّصالات، وهي محصورة بالثنائي القواتي – العوني».
ولفتَ إلى أنّه «عندما أعلِنَ عن مبادرة ترشيح فرنجية، اتّصل بنا تيّار «المرَدة» ودار حوار مكثَّف واجتماعات متواصلة لمحاولة الوصول إلى قواسم مشتركة وأخذِ تطمينات في شأن المواضيع الخلافية، واستمرّت هذه الاتّصالات حتى مدّة قريبة، أمّا الآن فإنّ الاتّصال شِبه مقطوع مع «التيار الوطني الحر»، فلم يُحاورونا في شأن ترشيح عون. أمّا بالنسبة إلى حليفنا حزب «القوات اللبنانية»، فإنّه يضَعنا في عموميات تطوّر العلاقة مع عون لكنْ من دون أن يُعلِمنا بالتفاصيل، وأين أصبح تبنّي ترشيح جعجع لعون».
وأكّد كوستنيان أنّ «موقفنا من ترشيح فرنجية ينطبق على عون، فنحن نريد أن نعرف البرنامج الوطني للرئيس العتيد، وإذا وصَلنا إلى مجلس النواب وحصِرت المعركة بين عون وفرنجية، ولم نتّفق مع أحد على العناوين الوطنية، فإنّنا قد نصوّت بورقة بيضاء أو نضع إسمَ أيّ مرشّح آخر».
النفايات
أمّا في ملف النفايات، فقد علمت «الجمهورية» أنّ برّي «ضدّ خطة ترحيل النفايات، والبديل الذي يطرَحه هو أن تُنقَل نفايات الضاحية الجنوبية إلى مكبّ صحّي في «الكوستابرافا» يحدث بمساعدة البلديات بدلاً من أن تُرمى عشوائياً، وأن تُنقَل نفايات بيروت إلى مكبّ سرار.
لذلك يَقترح برّي توسِعة مكبّ سرار وتحويل المطمر العشوائي في الكوستابرافا مطمراً بيئياً مع إقامة سنسول في البحر، وزيادة كمّيات النفايات المرسَلة إلى مطمر صيدا، وإيصال جزء من نفايات جبل لبنان الجنوبي وبيروت إليه، إضافةً إلى تنشيط وتفعيل معمل الكرنتينا والعمل على تحديثه.
مِن جهة ثانية، علمَت «الجمهورية» أنّ جهة سياسية نافذة لديها مشروع فرزِ عقاري ضخم قرب مطمر الناعمة وتنوي تنفيذَ مشاريع هناك، لذلك تَرفض فتحَه مجدّداً.
ترحيل وترحيل؟
وأمس، تلقَّت خطة ترحيل النفايات، على رغم النكسة التي أصيبَت بها جرّاء الفضائح التي أحاطت بملفّ الشركة الهولندية، جرعة دعمٍ مِن لجنة البيئة النيابية التي اجتمعَت برئاسة مروان حمادة، وحضَرها وزير الزراعة أكرم شهيّب.
وقد أعلنَ حمادة في مؤتمر صحافي مشترَك أنّ الترحيل «هو الحلّ الأوحد في انتظار الحلول الأخرى التي من الممكن أن تطرح»، مؤكّداً أنّ «الدوَل التي تستضيف النفايات قيد الكتمان»، مشيراً إلى أنّ «الاجتماعات ستبقى مفتوحة».
فيما اعتبَر شهيّب أنّ «الترحيل ليس خطة، بل هو حلّ قريب من الجنون في بلد رفضَ كلّ الحلول العقلانية مصلحيّاً ومناطقياً». وأشار إلى أنّ الترحيل هو «أبغض الحلال، وهو لمرحلة انتقالية لا تتجاوز السَنة و6 أشهر»، لافتاً إلى «أنّنا سَعينا إلى بناء لامركزية في المناطق». وأشار إلى حصرِ التعاقد مع شركة «ستينو» البريطانية بعدما تَعذّرَ على الشركة الأخرى توفير المستندات المطلوبة.