في ظلّ استمرار غياب الحلول لأزمة الشغور الرئاسي، تنشَدّ الأنظار إلى «البيال» غداً لترقّب احتفال 14 شباط والمشاركين فيه، بعد الخضّات التي تعرّضَ لها فريق 14 آذار، وتصدُّع العلاقة بين مكوّناته من جهة، وبعد تبَرّؤ الرئيس سعد الحريري من موقف وزير العدل أشرف ريفي والاشتباك الكلامي بينهما على خلفية قضية الوزير السابق ميشال سماحة. كذلك تترقّب الأوساط المواقفَ التي سيُطلقها الحريري في ذكرى استشهاد والده، خصوصاً أنّها ستكون الإطلالة الأولى له منذ «التسوية الباريسية» وتبَنيّه غير المعلن رسمياً بعد لترشيح رئيس تيار»المردة» النائب سليمان فرنجية، والإطلالة الأولى بعد «مبادرة معراب» وتبنّي رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ترشيحَ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. وعشية هذا الاحتفال، زار منسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق الدكتور فارس سعيد «بيت الوسط» وعرضَ مع مدير مكتب الحريري السيّد نادر الحريري التطوّرات والأوضاع العامة والمواقف المنتظرة غداً.
نشَطت محاولات أمس في اتجاهات عدة لإماطة اللثام على الخلاف الذي نشأ بين الحريري وريفي، ولخّصَ قريبون منهما أسباب هذا الخلاف الذي بدأ في اجتماعَي الرياض في الآونة الأخيرة. ففي الاجتماع الاوّل، انتقد الحريري ريفي على تفرّدِه بإطلاق التصريحات من دون تشاور مسبَق، فجزمَ ريفي بأنه سيَمتنع عن التصعيد الإعلامي، لكنّه قال للحريري إنّه لن يتراجع عن رأيه المعارض ترشيحَ فرنجية.
وفي الاجتماع الثاني، انتقَد الحريري ريفي للمرة الثانية لأنّه قال خلال إحياء ذكرى اغتيال الرائد وسام عيد إنّه ليس مع «التايواني» ولا مع «الياباني» (أي ليس مع عون ولا فرنجية)، فردّ ريفي قائلا: «أنتم مَن فتحتم النار عليّ وأوعزتم إلى تيار «المستقبل» لمواجهتي بحظرٍ إعلاميّ عبر كلّ وسائل إعلام التيار، وحظّرتم على نواب «المستقبل» تأييدَ مواقفي وتصريحاتي، ليطلّ النائب أحمد فتفت بعدها بأسبوع ويعلن أنّ أشرف ريفي ليس من تيار «المستقبل» إنّما هو حليفه، فردّدتُ عليه فوراً: أنا أمثّلُ حالةً اسمُها حالة رفيق الحريري».
هذه الأحداث المتسارعة أحدثَت تشنّجاً بين الحريري وريفي، خصوصاً أنّ وزراء ينتمون إلى «التيار الأزرق» صبّوا الزيت على النار وكانوا يبعثون برسائل يومية إلى الحريري عبر «الواتساب» يطلِعونه فيها على أخبار ريفي وتحرّكاته منذ الصباح حتى المساء.
ويروي قريبون من الحريري وريفي ما جرى في جلسة مجلس الوزراء أمس الأوّل، فأكدوا أنّ النقاش من خارج جدول الاعمال تناول بداية ملفّي «أوجيرو» وترحيل النفايات، فما كان من ريفي إلّا أن همَّ الى المقاطعة قائلاً: قضيّة سماحة هي «قضية شرَف» بالنسبة إليكم وإليّ، ولن أقبل إلّا أن تقوم العدالة. وأنا مصِرّ على مناقشة ملف سماحة قبل أيّ بند آخر». فردّ رئيس الحكومة تمام سلام قائلاً: «ما في وقت، بدّي خلّص وإمشي (إلى اجتماع ميونخ)».
عندئذ انسحبَ ريفي من الجلسة مهدداً بأنّه لن يسكتَ وأنّ لديه «طرقاً أخرى» سيلجأ إليها. وكشفَ قريبون منه أنّه عاتِبٌ على الوزراء الذين لم يلحقوا به بعد هذا الموقف الى القاعة المجاورة.
وحدَهما وزيرا الكتائب آلان حكيم وسجعان قزي تدخّلا ولحقا بريفي وطلَبا منه التريّث قبل التصريح للإعلام. وقالا له : «إكسِر الشر، خلّينا نحكي جوّا وما تحكي برّا». إلّا أنّ أكثر ما أزعجَ ريفي كان تسريب البعض له أنّ هناك مَن بعثَ برسائل «واتساب» الى الحريري خلال اجتماع مجلس الوزراء، قائلاً له فيها «إنّ ريفي تفرّدَ في الكلام باسمِنا وكان حادّاً، وهذا لا يجوز عشيّة حوارنا مع حزب الله».
فما كان من الحريري إلّا أن غرّد عبر «تويتر» مؤكّداً أنّ موقف ريفي لا يمثله، فاستغربَ الأخير سرعةَ معرفة الحريري بفحوى مجريات اجتماع مجلس الوزراء الذي كان بدأ توّاً، فما كان منه إلّا أن غادر الجلسة بعدما شعرَ بأنّه تُرِك وحيداً، وتوجَّه إلى ضريح اللواء وسام الحسن بَعدما فوجئ بتعليق الحريري الذي لم يستوعبه ولم يكن يتوقّعه.
في بكركي
إلى ذلك، شهد الصرح البطريركي الماروني في بكركي أمس حركة سياسيّة كثيفة، وتركّزت مشاورات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على الموضوعات الأساسية، وفي مقدّمها الإنتخابات الرئاسيّة والحضور المسيحي في وظائف الدولة.
وأشار وزير الثقافة روني عريجي بعد زيارته الراعي إلى أنّ اللقاء «تخَلّله نقاش في الموضوعات السياسية الراهنة، ومنها عودة الحكومة إلى العمل، إضافةً إلى ما أُثيرَ في قضية الموظّفين المسيحيين في الإدارات العامّة».
من جهته، أكد وزير التربية الياس بو صعب بعد لقائه الراعي أنّ «الحلّ للوضع المسيحي يبدأ بالتوافق على الرئيس القوي الذي يُمثّل المسيحيين، وأنّه إذا لم نتوصّل الى الاتفاق على رئيس قوي وممثّل، قد تستمرّ المشكلات التي نعاني منها اليوم، وسنستمرّ في الاستماع الى الشكاوى من داخل الوزارات وخارجها».
واطّلعَ الراعي من وزير الدفاع سمير مقبل على الاوضاع الامنية في البلاد وأوضاع المؤسسة العسكرية. ثمّ استقبل الراعي النائب ابراهيم كنعان ورئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» ملحم الرياشي، فأوضَح كنعان «أنّنا وعدنا الراعي بأن نُكملَ التواصل، علّنا نستطيع في الأيّام المقبلة أن نخطوَ الخطوة النهائية أو الأخيرة، للخروج من الأزمة التي نحن فيها، وتجسيد هذه الإرادة المسيحية والوطنيّة التي نريدها جامعةً لا مجتزَأة».
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ عريجي وضَع الراعي في نتائج اللقاءات الأخيرة التي عُقدت ما بين مسؤولي تيار «المردة» وتيار «المستقبل» وبقيّة الأفرقاء السياسيين المسيحيين وغير المسيحيين وما آلت إليه المساعي التي تدفَع فرنجية إلى استمراره كمرشّح للرئاسة في مرحلة يَعتبر نفسه فيها متقدّماً على عون وبقيّة المرشحين.
وصودفَ أنّ اللقاء بين الراعي وعريجي سبَقه بوقت قصير اللقاءُ الذي جمع الراعي مع كنعان ورياشي. وقالت مصادر المجتمعين إنّ الراعي جدّد دعوته الى حوار عاجل بين القيادات المسيحية، مبدِياً استعداد بكركي للعمل على هذا الخط، وقد أبلغهما بهذه الرغبة التي تبَلّغها عريجي أيضاً متمنّياً الحصول على أجوبة نهائية في حدّ أقصى مطلعَ الأسبوع المقبل.
موقف «حزب الله»
وإلى ذلك، وقبل أيام على إطلالة الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله، بَرز موقف لافت لنائبه الشيخ نعيم قاسم أكّد فيه أنّ الدستور والقانون يَسمحان للحزب بعدم حضور جلسات مجلس النواب، وهذا حقّ مارسَه ويمارسه الجميع.
مواقف دولية
في غضون ذلك، حضر لبنان واستحقاقاتُه وأزماته في لقاءات عَقدها رئيس الحكومة تمام سلام على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، وشَملت موفدَ الامم المتحدة للسلام في سوريا ستيفان دوميستورا ووزيرَ الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان ووزير الخارجية المصري سامح شكري.
المشنوق في الرابية
ومِن الرابية أوضَح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنّه ناقشَ مع عون ضرورة تفعيل العمل الحكومي وتثبيت الاستقرار وملء الشواغر في مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي، مؤكداً «أنّ إمكانية التفاهم مع عون سهلة وممكنة ومحقّقة بالنسبة إليّ». ورأى «أن لا سببَ تقنياً أو غير تقني لتأجيل الانتخابات البلدية».
وعُلم أنّ التعيينات في قوى الأمن خصوصاً على مستوى مجلس القيادة، حضَرت في زيارة المشنوق على خلفية شروط عون لإتمامها، وسط جدلٍ قائم في الكواليس لم ينتهِ بعد.
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ ملف التعيينات سيُطرح قريباً بعد نجاح التجربة في المجلس العسكري، خصوصاً أنّ هناك أربعة مسيحيين من بين أعضاء مجلس قيادة قوى الأمن يمارسون مهمّاتهم بالتكليف من أصل خمسة، وهناك مساعٍ لتسوية وضع مجلس القيادة ليمارس مهامّه القانونية، فالشكوك تَحوم حول كثير من القرارات التي لا تعَدّ قانونية بغياب مجلس قيادة كامل الصلاحيات لكنّها قائمة بحكم الأمر الواقع.
فالجميع يعرف أنّ الترقيات العسكرية للضبّاط من رتبة ملازم الى رتبة عقيد لا يمكن ان تكون قانونية إلّا بقرار يتّخذه مجلس القيادة بصلاحياته الكاملة، فيما تبقى الترقيات من رتبة عقيد وما فوق باقتراح المدير العام لقوى الأمن الداخلي وتوقيع وزير الداخلية.
كذلك فإنّ قبول نتائج دورات التطوّع والعسكريين في قوى الأمن لا تكون شرعية ما لم تصدر بقرارات مجلس القيادة، لكنّ دورات التطوع الأخيرة نفّذت بغضّ نظر، بحكم الأمر الواقع أيضاً.
المصالحة الكبيرة
وفي مجالٍ آخر، دعا رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع المسؤولين في المناطق والقطاعات، في جلسة خاصة، إلى «تعميم ثقافة السلام والمصالحة بين مكوّنات المجتمع المسيحي أوّلاً، واستكمالها مع المجتمع اللبناني عموماً، والبدء بالتطبيق العملي لمبادرة «المصالحة الكبيرة» في جميع البلدات والقرى في مختلف المناطق».
كذلك دعا جعجع «القواتيين» إلى البدء بالممارسة الفعلية والميدانية والعملية للمصالحة بين التيّارين لاستكمالها فيما بعد نحو المصالحة المسيحية الشاملة والمصالحة الوطنية الشاملة في المستقبل. وحضَّ جعجع «القواتيين» أيضاً على «المبادرة والنزول إلى الشارع والالتقاء بالتيارات الأخرى والاختلاط معهم وإقامة أفضل العلاقات معهم».
ودعا الكوادر القواتية إلى «تبادل الزيارات مع الطرف المسيحي الآخر وترسيخ المصالحة بالعمل والأداء والمشاركة، لا سيما بين الأُسَر المتخاصمة وبين العائلات وأبناء البلدات والمنطقة الواحدة». واعتبَر «أنّ هذه الخطوة ضرورية ليحيا المجتمع اللبناني حالة سلام متكاملة، خصوصاً بين القاعدة الشعبية والقادة، ولتفعيل ثقافة المصالحة.
ودعا جعجع قيادات الكوادر جميعاً والمسؤولين في المناطق كافّة إلى «البدء بورشة العمل، للتفاعل والتواصل مع جميع أطياف المجتمع اللبناني، وإلى الالتزام في فكرة المبادرة العملية، «لكي لا تبقى المصالحة حبراً على ورق، ولكي يبقى القواتيون المبادرين»..
قهوجي
مِن جهة ثانية وفي سياق الدعم الأميركي للجيش، أعلنَ قائد الجيش العماد جان قهوجي عن نتائج زيارته الى الولايات المتحدة الاميركية، حيث ركّز على قدرات الجيش اللبناني والمهمّات الجسام الملقاة على عاتقه، خصوصاً لجهة مواجهة الإرهاب والتصدّي له، إضافةً الى ضبطِ الحدود وحمايتها، مؤكّداً أنّه «على رغم التحدّيات كلّها، استطاع الجيش اللبناني أن يُبقيَ السياسة خارج حدود المؤسسة». وعرضَ قهوجي لحاجات الجيش اللوجستية والقتاليّة.
وأبدى المسؤولون الأميركيون دعماً وتأييداً كاملين للجيش اللبناني، وتفهّماً لحاجاته، مثمّنين إنجازاته في الحفاظ على الأمن والاستقرار، خصوصاً في مكافحة الإرهاب.