لم يعلن الرئيس سعد الحريري رسمياً ومباشرة ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، لكنّ إدراج اسمه الى جانب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ومرشح «اللقاء الديموقراطي» النائب هنري حلو كان كافياً ليستمر في نهج الترشيح غير الرسمي الذي يبدو أنه لم يصبح رسمياً بعد لدى الجهات الاقليمية والدولية التي أيّدَته. وقد كشف الحريري، من خلال لقائه السريع والأول مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، ومن ثم زيارة الأخير لرئيس مجلس النواب نبيه بري، انه يعمل وجنبلاط على سيناريو يَقضي بنزول جميع الكتَل والنواب الى المجلس لانتخاب مرشّح من الثلاثة، علماً انّ بري كان قد قال أخيراً بأن ينزل المرشحون الى المجلس وليَفز من ينال أكثرية الأصوات. لكنّ السؤال الذي طرحته الأوساط السياسية: هل انّ هذا السيناريو قابل للتنفيذ في ظلّ النزاع الدائر حول النصاب الدستوري لجلسة الانتخاب ؟ فالمجلس لم يتمكّن من الانعقاد لانتخاب رئيس في 34 جلسة متتالية نتيجة عدم اكتمال النصاب الدستوري البالغ 86 نائباً، فكيف له أن ينعقد بهذا النصاب الآن في وجود ثلاثة مرشحين متنافسين على الأقل؟ وقالت هذه الاوساط انّ إمكانية التزام اللعبة الديموقراطية التنافسية في الاستحقاق الرئاسي كانت ولا تزال غير مُتاحة الّا في حال التوافق على الرئيس العتيد. وأشارت الى انّ التحركات والاتصالات ستظهر من اليوم المنحى الذي سيتخذه الاستحقاق الرئاسي في ظل استمرار التوقعات بأنّ أوان إنجازه ما زال بعيداً. ودعت هذه الأوساط الى مراقبة ما سيكون عليه واقع فريقي 8 و14 آذار في ضوء مواقف الحريري التي جاءت عنيفة ضد «حزب الله» وحلفائه الى جانب الرسائل المبطّنة التي وَجّهها الى بعض حلفائه. وكذلك في ضوء المواقف التي سيعلنها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله غداً، علماً انّ بعض المراجع السياسية تؤكد انّ الاستحقاق الرئاسي سيبقى بعيد المنال طالما انّ التوافق لم يتحقق بعد بين «المستقبل» و«حزب الله» ومن خلفهما الرياض وطهران.
مع عودة الرئيس سعد الحريري المفاجئة الى لبنان والمشاركة في ذكرى اغتيال والده والمواقف التي أطلقها في المناسبة، إنطلقت تكهنات وتساؤلات كثيرة حول مدى مساهمة هذه العودة في ترميم العلاقات المتصدعة داخل فريق «14 آذار» وتقليص مساحة الخلافات السياسية بين أبناء الصف الواحد منذ «التسوية الباريسية» وما تلاها من تطورات وخطوات تتصل بالاستحقاق الرئاسي.
فمشهدية «البيال» خطفت الانظار وخالفت التوقعات، فحضر رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع على رغم التباعد بين الطرفين عقب تَبنّي الحريري ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وتَبنّي جعجع ترشيح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون.
وعلى رغم كلّ ذلك، تبادلَ الطرفان العناق والقبلات في بداية الاحتفال. كذلك حضر وزير العدل أشرف ريفي بعد الاشتباك السياسي الاخير بينه وبين الحريري على خلفيّة ملف الوزير السابق ميشال سماحة، فيما تمثّل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بنجله تيمور بعدما كان أوّل زائري الحريري في «بيت الوسط»، ولفتت مشاركة تكتل «الإصلاح والتغيير» بالوزير الياس بو صعب والنائب ادغار معلوف.
لماذا شارك الحريري شخصياً؟
وقبل ساعات على احتفال «البيال» سَرت عصر أمس الاول رواية مفادها انّ الحريري سيشارك شخصياً، وأنّ كلمته لن تكون مُتلفزة للعام الثاني، فالإستحقاقات الداخلية كانت ضاغطة وقد تلقّى الحريري سيلاً من النصائح بضرورة الحضور لطَي عدد من الملفات الداخلية التي لن يحلّها الظهور المُتلفز، خصوصاً على مستوى تركيبة «المستقبل» التي كانت قد أنجزت تحضيراتها ليكون حضور التيار ومناصريه من الحلقة الضيقة جداً جداً، وهو أمر يفرض حضوره.
وعلى هذه الخلفيات، قالت مصادر المستقبل لـ«الجمهورية» انّ رسائل واضحة وجّهت الى جميع أطراف «14 آذار» تدعو الى حَصر الحضور بالمدعوين من التيارات والأحزاب اللبنانية الحليفة والصديقة، خصوصاً عندما صدر بعض الكلام عن حضور شعبي لحزب «القوات اللبنانية» الذي قالت مصادره انه سيتمثّل في الاحتفال بوفد رفيع تتقدمه النائب ستريدا جعجع، وانّ مناصريه سيشاركون في الاحتفال شعبياً.
وعليه، فإنّ مجرد الإعلان صباح أمس عن وصول الحريري الى بيروت غَيّر منسوب التمثيل الحزبي، فتقرّر ان يحضر جعجع شخصياً وسقطت المحاذير الأمنية التي كان يتذرّع بها البعض لتبرير التغيّب، فيما لم تغيّر عودة الحريري من تمثيل باقي الأطراف في «14 آذار» فظلت على حالها، خصوصاً على مستوى القيادة الكتائبية التي تمثّلت بمشاركة الرئيس امين الجميّل ونجله النائب سامي الجميّل رئيس الحزب ووفد كبير من أعضاء مكتبه السياسي. كذلك شارك الوزير أشرف ريفي والنائب خالد الضاهر، ولم يُثِر حضورهما أي تساؤل أو استغراب لدى جمهور «المستقبل».
خطاب نصرالله
وتوقعت مصادر سياسية مطلعة تواكِب التطورات الأخيرة، عبر «الجمهورية»، أن يغيّر خطاب الحريري في شكل خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ومضمونه، الذي سيلقيه غداً.
وقالت انّ نصرالله كان حريصاً على تجنّب الدخول في كثير من تفاصيل الإستحقاق الرئاسي، معتبراً انّ ما تناوله في مناسبات سابقة كان كافياً للإشارة الى موقف الحزب من هذا الإستحقاق والمرشحين. لكنه، وبعد خطاب الحريري، لا بد من ان يردّ على مضمونه ويوضح بعض المواقف.
وفي جانب من الخطاب سيتوسّع نصرالله في الحديث عن الوضع في سوريا، وسيحذّر من مخاطر التدخل السعودي ـ التركي في شمال سوريا بعدما تبيّن انّ معظم التحضيرات الجارية تشير الى احتمال تدخّل بَرّي وجوّي قريب، بعدما نقلت الرياض طائراتها الى قاعدة إنجرليك التركية لتكون قريبة من المواقع المستهدفة في شمال سوريا، ولا سيما منها مواقع «داعش».
الحريري
وكان الحريري جَدّد حملته على «حزب الله» وانتقد مشاركته في الحرب الدائرة في سوريا، وقال: «عندما يجعلون من لبنان ساحة لمخالفة القوانين وحماية المجرمين، سيَهون عليهم تعطيل المؤسسات وتبرير الشغور وإسقاط اعلان بعبدا، وتجنيد الشباب للتورّط في الحرب السورية».
ورأى «انّ لبنان يدفع يومياً من استقراره، ضريبة الارتجال السياسي والارتباك الاقتصادي والاندفاع غير المسؤول، في تعريض لبنان لعلاقات غير مسؤولة، خصوصاً تجاه السعودية ودول الخليج»، سائلاً: «أيّ عقلٍ متهوّر يحرّك هذه السياسات في مقاربة العلاقات الأخوية؟
هل نحن أمام أحزاب تعمل لله أم أمام أحزاب تعمل للفتنة؟ نحن عرب على رأس السطح، ولن نسمح لأحد بجَرّ لبنان الى خانة العداء للسعودية ولأشقائه العرب.
لن يكون لبنان تحت أي ظرف من الظروف ولاية إيرانية. ورفض تحميل تيار «المستقبل» المسؤولية عن الفراغ، واكد انّ «مصير رئاسة الجمهورية بيَد اللبنانيين»، موضحاً: «لن نخشى وصول أيّ شريك من الوطن الى السلطة، يلتزم اتفاق الطائف وحماية العيش المشترك وسلامة لبنان على سلّم المشاريع الإقليمية».
وعَدّد الأسباب التي دفعته الى ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وقال: «أربعة مرشحين موارنة اجتمعوا في بكركي، واتفقوا بعضهم مع بعض وبرعاية بكركي، وكانت هذه بداية إنهاء الفراغ، وذهبنا الى مجلس النواب بمرشّحنا الدكتور جعجع، ولكن بعد 35 جلسة يبقى الفراغ. بعد ذلك تمّ طرح اسم الرئيس أمين الجميّل في حال قبوله، وعندها ينسحب جعجع، لكن بقي الفراغ.
وكنّا قبل ذلك فتحنا حواراً مع ميشال عون وكانت النتيجة تشكيل حكومة جديدة، لكننا لم نرشّح عون، على عكس ما يقوله البعض اليوم من أننا رشّحناه، ومع ذلك بقي الفراغ».
أضاف: «بقي من الأربعة سليمان فرنجية، ففتحنا حواراً معه والتقيتُه في باريس، وتوصّلنا معه الى تفاهم، وقد شَرحه». وباركَ الحريري مبادرة معراب، وتوجّه الى جعجع قائلاً: «ليتَ هذه الخطوة حصلت من زمان، فكم كنت وَفّرتَ على المسيحيين واللبنانيين».
وتحدث عن وجود «ثلاثة مرشحين هم: سليمان فرنجية وميشال عون وهنري حلو»، لافتاً إلى أنه «قد يكون هناك مرشحون آخرون، فلدينا نظام ديموقراطي، ويطالب النواب في الذهاب الى مجلس النواب، إلّا إذا كان مرشحكم الحقيقي هو الفراغ». وأكّد «مباركة أي رئيس يصِل الى رئاسة الجمهورية».
فرنجية يزور الحريري
وقالت مصادر بنشعي إن فرنجيّة أبدى إرتياحه الى موقف الحريري، خصوصاً لجهة تبنيه ما كان كان قدّ قاله في مقابلته التلفزيونيّة حول لقائهما في باريس. وأشارت الى أنّ فرنجيّة سيزور الحريري اليوم.
جنبلاط عند برّي
وقال جنبلاط مساء أمس، بعد زيارته والوزير وائل أبو فاعور رئيس مجلس النواب نبيه برّي في حضور الوزير علي حسن خليل: «يستنتج المرء بعد مخاض طويل وجلسات عدة وطويلة للحوار، أننا توصّلنا في النهاية الى توصيف مواصفات رئيس الجمهورية والى نتائج ايجابية.
واليوم، المطروح علينا انتخاب رئيس جمهورية، وهناك ثلاثة مرشحين فلنتفضّل وننزل الى المجلس النيابي ولتكن اللعبة ديموقراطية، وهذا أمر بسيط. وإنّ الحوار الذي أرسَاه الرئيس برّي نجح، وتوصّلنا الى هذه النتيجة، ويبقى الترجمة الدستورية الديموقراطية».
ووصف جنبلاط عودة الحريري بأنها «ممتازة»، وقال: «سمعنا كلامه في احتفال «البيال» وكان أيضاً ممتازاً ويفتح الطريق على اللعبة الديموقراطية التي نؤيّدها، ونحن نتفق مع كلامه».
«القوات»
وقال مصدر مسؤول في «القوات» لـ«الجمهورية»: «انّ الحريري لم يضع فيتو على أيّ مرشح للرئاسة، لا على عون ولا على حلو ولا على فرنجية ولا على ايّ مرشح آخر، إن وجد.
كذلك التزم حضور نواب «المستقبل» جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي الكرة باتت في ملعب فريق 8 آذار، أي أنّ 14 آذار بكلّ مكوّناتها، وعلى رغم مقارباتها المختلفة حول الرئاسة، ستلعب اللعبة الديموقراطية حتى النهاية».
وشدد المصدر على «انّ مشهدية «البيال» رَدّت الروح الى 14 آذار»، وقال: «القوات» لا يمكن ان تكون الّا أوّل المبادرين والمساندين والمدافعين عن حمايتها، لأنّ 14 آذار هي روح مجتمع وثورة، وإذا أردنا لبنان الدولة والاستقلال فلا نستطيع ان نكون إلّا 14 آذار». واكد «انّ التفاهم بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» ثابت ومستمر».
وعلمت «الجمهورية» انّ جعجع بعد احتفال «البيال» بَقي نحو ساعة ونصف الساعة يلتقط الصوَر مع جمهور تيار «المستقبل».
كرم
وفي تغريدة عبر «تويتر»، رأى النائب فادي كرم: «طالما انه لا مشكلة عند الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» بوصول الجنرال (ميشال) عون للرئاسة، فلم يعد لحزب الله حجّة للتغيّب عن جلسات الانتخاب وإيصال عون رئيساً».
سعيد لـ«الجمهورية»
وقال منسق الأمانة العامة لقوى آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية»: «الجملة المفتاح في خطاب الحريري أمس هي: هناك ثلاثة مرشحين لرئاسة الجمهورية فلننزل جميعنا الى المجلس النيابي ولننتخب رئيساً ونبارك له ونسمّيه فخامة الرئيس.
وهو حَقق من خلال هذه الجملة الاهداف التالية:
أولاًـ رفع مسؤولية تعطيل انتخاب الرئيس لأنه لم يحصر مشاركته في جلسات الانتخاب بوصول مرشحه، بل فتح الباب امام جميع المرشحين.
ثانياًـ ردّ على «حزب الله» الذي كان بدأ حملة إعلامية بتحميل تيار»المستقبل» مسؤولية التعطيل، مع العلم انّ جميع اللبنانيين يدركون أنّ الحزب هو مَن يعطّل انتخاب الرئيس، بالتكافل والتضامن مع العماد ميشال عون.
ثالثاًـ إصراره على بقاء 14 آذار وعلى إعادة تفعيلها.
وختمَ سعيد: «الله يكون بـ«عَون» الأمانة العامة».
سلام والحريري وملف سماحة
وفي الوقت الذي عاد رئيس الحكومة تمام سلام الى بيروت، ينتظر ان ينعقد اليوم لقاء بينه وبين الحريري في «بيت الوسط» للتشاور في التطورات الأخيرة، ولا سيما منها الملفات العالقة التي أثارت بلبلة في بعض الأوساط الحكومية.
وتوقعت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» ان يتناول اللقاء ملف إحالة سماحة الى المجلس العدلي بعد سحبه من المحكمة العسكرية على رغم بلوغه مرحلة التمييز، والتي من المنتظر ان تصدر حكمها فيه في 18 الجاري تزامناً مع جلسة مجلس الوزراء العادية في اليوم نفسه.
وترددت معلومات ليل أمس انّ الإجراءات التي اتخذتها محكمة التمييز العسكرية سَبقت الإجراءات الحكومية، خصوصاً إذا أصدرت المحكمة قرارها الأخير في جلسة الخميس بما يعطّل نهائياً خطوة الإحالة الى المجلس العدلي بمجرد صدور قرار إعادة توقيفه لثلاث سنوات، وفق تقديرات قضائية، بعدما اعترف مجدداً بما ارتكبه.