Site icon IMLebanon

الحريري وجعجع على تمايزهما الرئاسي

إختلط أمس حابل المبادرات بنابل الخلافات، ما استدعى عشاءً عاجلاً في معراب أقامَه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع على شرف الرئيس سعد الحريري، أُريدَ منه لجمُ المضاعفات التي أحدثها خطاب «البيال» بشقّه «القواتي» في القاعدة القواتية والتي كادت أن تعطّل خطّة لمِّ شملِ 14 آذار التي أُنيطت بمنسّقها العام النائب السابق الدكتور فارس سعيد. وفي الوقت الذي مهَّد الحريري بتوضيحات نهارية لهذا لعشاء مشفوعةً بتأكيد تمسّكِه بترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، انتظمَ فريق 14 آذار من قمّته إلى قاعدته، وإلى جانبه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في دعوة الجميع للنزول إلى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس من بين المرشحين الثلاثة المطروحين، وذلك في سياق السيناريو الذي لاحَت ملامحُه على وهج ذكرى 14 شباط. لكنّ الاهتمامات ستنصَبّ اليوم على المواقف التي سيعلِنها الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله على رغم أنّ البعض توقّعَ أن تكون هذه المواقف عابرةً لمواقف الحريري وحلفائه إلى الوضع الإقليمي ومستقبله ومستقبل الأزمة السورية ودور المقاومة.

ظلّت عودة الرئيس سعد الحريري متصدّرةً العناوين والاهتمامات السياسية لليوم الثاني ومُحدِثةً استنفاراً سياسياً على جبهات عدة، لكنّ المؤشرات لا تدلّ إلى أنّها ستساهم في فكفكة العقد التي تعوق إنجاز الاستحقاق الرئاسي وإنهاء الشغور في قصر بعبدا.

ويبقى التعويل على ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات، بعدما كشَف الحريري أنّ إقامته في لبنان ستطول هذه المرّة، وأكد التزامه موقفَه تجاه ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنحية، واعداً بالمشاركة في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة في 2 آذار، مكرّراً أنّ على الجميع النزولَ الى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية من بين المرشحين الثلاثة.

مع «القوات»

وكان الحريري توّجَ نهاره الطويل أمس بزيارة معراب، لإسدال الستار على المضاعفات السلبية التي أثارها كلامه الذي وجّهه الى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في «البيال» في صفوف «القوات» قيادةً وقاعدة،

ورفض جعجع بعد اللقاء الذي تخَلله عشاء أقامه على شرف الحريري، القول إنّ زيارة الحرير ي له هي «زيارة اعتذار»، قائلاً «إنّ بيننا وبين الشيخ سعد لا يوجد اعتذارات بأيّ شكل من الأشكال»، وهو» لم يقصد أيّ شيء سلبي ضدّي أو ضد «القوات» أو ضد المسيحيين».

ومن جهته أكّد الحريري أنّ ما عناه في خطابه في «البيال» هو «أنّ لبنان كان ليكون أفضل لو حصلت كل المصالحات في وقت أبكر»، مُعتبراً «أنّ شباب «القوات» و«المستقبل» ضيَّعوا الأساس في هذا الخطاب بسبب حماسهم».

وشدّد الحريري وجعجع على وجوب أن ينزل جميع النواب والمرشحين الى مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية. وتساءل الحريري «ألا يقولون إنّهم انتصروا؟ ويوجد مرشّحان لـ8 آذار؟ فليتفضّلوا ويحَصّلوا انتصارهم»…

ورأى جعجع أنّه «لم يعُد لدى فريق 8 آذار أيّ مبرّر في حال كان يَعتبر الجنرال عون مرشّحه الأوّل، ولو أنّ سعد الحريري لا يريد التصويت له، وهذا حقّه، وبالتالي لم يعُد لديهم من حجّة للتغيُّب عن الجلسة».

وقالت مصادر قريبة من «القوات» لـ«الجمهورية» إنّ اللقاء استمرّ من التاسعة إلا ربعاً وحتى الثانية عشرة منتصف الليل، ونوقشت خلاله كل القضايا بعمق وصراحة ومكاشفة، وقرّر الحريري وجعجع في نهايته التفاهم على طريقة التعاطي مع المرحلة على الرغم من استمرار التمايز بينهما في الموقف من ملف رئاسة الجمهورية.

وكان الحريري استهلّ لقاءاته بزيارة رئيس الحكومة تمام سلام في السراي الحكومي قبل التوجّه الى الصيفي للقاء رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، وأوضَح أنّه سيلتقي رئيسَ مجلس النواب نبيه بري، وأكّد «أن لا أحد يمكنه اللعب على علاقته مع «القوات اللبنانية». وأنّ كلامه في الأمس لم يكن موجّهاً لجعجع، وقال: «نمدّ يدَنا للجميع، ولن ألتقيَ المرشحين للرئاسة، ويَللي بِحِبّ يِجي لعندي أهلاً وسهلاً».

بالتوازي، أكّد تيار «المستقبل» أنّ العبارة التي توجّه بها الحريري الى جعجع في احتفال 14 شباط «لم تقصد من قريب أو بعيد، تحميلَ «القوات اللبنانية» مسؤولية تأخير المصالحة المسيحية، إنّما قصَدت التعبير«بكلّ محبّة وأمانة»، عن تمنّيات الرئيس الحريري بحصولها منذ سنين».

بدورها، رفضَت النائب ستريدا جعجع التعليق على كلام الحريري عن المصالحة المسيحية، «لكي يبقى التركيز على مضمون كلمته»، ولفتت إلى «أنّ ما يجمعنا هو سيادة لبنان ودماء شهداء 14 آذار».

في الصيفي

وقال أحد المشاركين في لقاء الصيفي لـ«الجمهورية» إنّ الجميّل رحّبَ بـ»أوّل مَن يزور مكتبَه في البيت المركزي بحلّته الجديدة بعد ترميمه، وتقبّل التهاني بالديكور الجديد» ، وأوضَح «أنّ الحريري استرسَل في الحديث عن الظروف التي رافقَت خطوتَه الأخيرة بترشيح فرنجية والتي ما زال متمسّكاً بها من دون أيّ تعديل، لملء الشغور الرئاسي، بعدما انعكسَ انهياراً في الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، واهتراءً في المؤسسات الدستورية المتمثلة بالشَلل في مجلس النواب الذي تَعطّل دوره التشريعي نهائياً وعمل الحكومة بالتقسيط».

وأشار إلى أنّ الحريري والجميّل جدّدا موقفَهما من التطورات الأخيرة وأهمّية إقناع مقاطعي الجلسات الانتخابية بضرورة النزول الى مجلس النواب في 2 آذار المقبل لانتخاب الرئيس العتيد، وأكّدا استعدادهما لتهنئة الفائز أيّاً كان والوقوف إلى جانبه.

وكرّر الجميّل رفضَه ترشيحَي فرنجية وعون، وطالبَ بـ»رئيس يلاقينا في منتصف الطريق لنؤكّد له أنّ أصوات كتلة نواب الكتائب ستكون له، وإلّا سنشارك في الجلسة التي يَكتمل فيها النصاب وسنهنّئ مَن يفوز بأصواتنا أو بغير أصواتنا مذعِنين لِما يسمّى الديموقراطية متى تحقّقَت».

جنبلاط والرئيس المقبل

وحضَر الاستحقاق الرئاسي في تغريدات رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط «التويترية»، حيث رأى فيها مواكبَ المرشّحين تتّجه نحو المجلس النيابي. وغرّد قائلاً: «لا يمكننا الاستمرار في البحث عن الرئيس عبر الحاسوب، كما أنّه لا يمكننا الانتظار أكثر، فلنذهب الى المجلس النيابي للتصويت، لدينا ثلاثة مرشحين وربّما أكثر، فسعد الحريري كان واضحاً في الأمس، ونحن ندعمه».

وأضاف: «على ما يبدو أنّ مواكب المرشّحين تتّجه نحو المجلس النيابي، أحدُهم قادم في قطار وهو على عجَلة من أمره، والآخر على متن قارب، أتمنّى أن يصل في الوقت المناسب»، وخَتم: «يبدو أنّ صورة الرئيس المقبل بدأت تتّضح».

خطاب الحريري

وكان الحريري عَقد لقاءات ديبلوماسية وسياسية في «بيت الوسط» وتلقّى اتصالات تهنئة بعودته، أبرزُها من نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر، فيما لاقى خطابُه ترحيباً أميركياً وسعودياً وإماراتياً، وقال القائم بالأعمال الاميركي ريتشارد جونز بعد زيارته الحريري إنّ الخطاب «كان قوياً» وإنّ الحريري «وجَّه رسالة واضحة مفادُها أنّه آنَ الأوان لانتخاب رئيس، وهذا الأمر لطالما عملت الولايات المتحدة لإنجازه».

وأملَ السفير السعودي علي عواض عسيري في أن «يشكّل هذا الخطاب خطوةً أولى في مسيرة حوار ومصارحة تفضي للتوصّل إلى الحلول المطلوبة، وأن تلاقيَه كافة القوى السياسية بروحٍ منفتحة تساهم في إطلاق دينامية جديدة تنهي الشغور في موقع رئاسة الجمهورية وتطلِق عجَلة الاقتصاد وتحصّن لبنان من الأخطار الإقليمية المحيطة به».

أمّا السفير الإماراتي حمد بن سعيد الشامسي فاعتبَر «أنّ الخطاب يعبّر عن رؤية واضحة للحفاظ على ثوابت لبنان ومؤسساته الدستورية والشرعية». وأملَ في أن يكون وجود الحريري «عامل خير يؤدّي لإنهاء الشغور». والتقى الحريري وزيرَ العدل أشرف ريفي والنائب أحمد فتفت فمنسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد.

نصرالله

وفيما يَنتظر الجميع ما سيعلِنه الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله مساء اليوم في مهرجان «الوفاء للقادة الشهداء» في الضاحية الجنوبية لبيروت، وسط تساؤلات عن موقف الحزب ممّا احتواه خطاب الحريري في «البيال»، استبعَدت مصادر معنية أن يردّ نصرالله على هذا الخطاب، وأكّدت لـ«الجمهورية» أنّه سيركّز على الشأن الإقليمي وعلى دور المقاومة ومعنى الشهادة والنزاع مع إسرائيل والوضع في المنطقة، والأزمة السورية من باب الحلول السياسية والواقع الميداني والتهديدات السعودية بالدخول البَرّي إلى سوريا.

«8 آذار»

في الموازاة، قالت مصادر قيادية في فريق الثامن من آذار لـ«الجمهورية» إنّ خطاب الحريري لم يحمل أيّ معطى سياسي جديد، بل كان الهدف منه لملمة 14 آذار بالتصويب على «حزب الله».

وسألت هذه المصادر: «طالما إنّ الحريري يهاجم الحزب الى هذا الحد، ويَعتبره حزبَ فِتنة، ويحمّله مسؤولية كلّ الموبقات السياسية في البلد، فمع مَن سيتحاور إذاً؟ ومع مَن سيُجري انتخابات رئاسية وبلدية ونيابية، خصوصاً أنّه يدرك كما الجميع أنّ «حزب الله» هو الفريق الأساسي في 8 آذار وأنّه لا يستطيع أن يتجاوزه، وهو القائل إنّ إقامتَه في لبنان ستطول، فمع من سيتحاور إذن؟. واستبعَدت المصادر أيّ حلحلة في الملف الرئاسي قريباً.

الحضور المسيحي

من جهةٍ ثانية وفي إطار اللقاءات التي بدأتها بكركي لمتابعة الوضع المسيحي وحضوره في الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات المستقلّة، علمت «الجمهورية» أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سيلتقي قبل ظهر اليوم وزيرَي الاتصالات بطرس حرب وشؤون المهجرين القاضية أليس شبطيني لاستئناف البحث في هذا الموضوع والمخارج والحلول المطروحة لمواجهة هذا الملف وتداعياته.

وأوضَحت مصادر متابعة أنّ حصيلة المشاورات الوزارية ستُدرَج في تقرير خاص يتولّى الراعي التداولَ بشأنه مع المعنيين بالملف في نهاية جولته الاستشارية، ليُبنى على النتائج ما يمكن القيام به.