Site icon IMLebanon

تشدُّد سعودي يلجم حركة سلام… وإجراءات الرياض «تتدحرَج» خليجيّاً

ظلَّ التصعيد السياسي سِمة المرحلة، ففيما كان رئيس الحكومة تمّام سلام يكثّف اتصالاته استعداداً لجولته الخليجية، بتفويض من مجلس الوزراء مجتمعاً، لم تشفَع محاولات لبنان الرسمي تداركَ الأزمة الناشئة مع المملكة العربية السعودية، ولا بيان الحكومة «التوافقي» بعد بيان قوى 14 آذار، ولا حملة التوقيع على «وثيقة الوفاء للمملكة والتضامن مع الإجماع العربي»، ولا زيارات التضامن إلى السفارة السعودية في بيروت، في حملِ الرياض على تبديل موقفِها والتراجع عن خطوتها بوقف هبة الأربعة مليارات من الدولارات للجيش والقوى الأمنية.

إستتبعت السعودية قرارها بوقف الهبة للبنان بالطلب أمس من جميع رعاياها عدم السفر إلى لبنان «حرصاً على سلامتهم»، وكذلك طلبَت من السعوديين المقيمين فيه أو الزائرين «المغادرة وعدم البقاء هناك إلّا للضرورة القصوى، مع توخّي الحيطة والحذر والاتصال بسفارة المملكة في بيروت لتقديم التسهيلات والرعاية اللازمة».

وحذت دولة الإمارات العربية المتحدة حذوَ السعودية فسارعَت الى رفع حالة التحذير من السفر الى لبنان ومنع السفر اليه اعتباراً من أمس وقرّرت تخفيض أفراد بعثتها الديبلوماسية فيه الى حدّها الأدنى، مؤكدةً أنّها «تنسّق حالياً مع الجهات المعنية لوضع هذا القرار موضع التنفيذ الفوري».

كذلك كرّرت وزارة خارجية البحرين في بيان الطلبَ من جميع المواطنين «عدم السفر نهائياً إلى الجمهورية اللبنانية، وذلك حرصاً على سلامتهم»، مناشدةً المواطنين البحرينيين الموجودين في لبنان «ضرورة المغادرة فوراً، وعدم البقاء فيه مع توخّي أقصى درجات الحيطة والحذر حتى المغادرة».

وقد أتى القرار السعودي والإماراتي والبحريني حول تقييد سَفر رعايا هذه الدول إلى لبنان، ليؤكد أنّ السعودية اتخذت قراراً باعتماد إجراءات تصعيدية وتصاعدية، خصوصاً بعدما وجدت أنّ الحكومة لم تتّخذ الإجراءات الكافية لتصحيح السياسة الخارجية للبنان والتي بدت وكأنّ حزب الله يسيطر عليها بشكل كامل. وتشير المعلومات إلى أنّ خطوة سحبِ سفراء هذه الدول من لبنان وُضِعت على الأجندة الخليجية،

وأنّ إجراءات أخرى ستنفّذ في سياق تشديد الضغط على خلفية عدم الحزم في التعامل اللبناني مع الملفّ، وتكشف المعلومات أنّ السعودية غير راضية عن أداء قوى 14 آذار داخل الحكومة، وقد أبلغَت هذه القوى بهذا الأمر، وأضافت أنّ استقالة وزير العدل أشرف ريفي، لم تكن محصورةً بأسباب داخلية فقط، بل أتت في سياق اتّصالات عربية على أكثر من مستوى، وقد لوحِظ أنّ استقبال ريفي أمس في السفارة السعودية كان مميّزاً، حيث عَقد لقاءً مغلقاً مع السفير عسيري نوقِشَت فيه الأزمة التي تعيشها العلاقة اللبنانية السعودية.

سلام

وعلمت «الجمهورية» أنّ ردّة الفعل السعودية لجَمت تحضيرات سلام لترجمة قرار مجلس الوزراء. وقالت مصادر حكومية لـ»الجمهورية» أن لا بدّ من انتظار بعض الوقت لجلاء المواقف بغية استئناف المساعي لزيارة الرياض وأنّ اتصالات قد تتوسّع في اتجاهات عدة لعلّ بعض الوسطاء يَدخلون على خط الوساطة لترطيب الأجواء وتحديد الموعد المطلوب.

وأضافت: «لربّما استعجل الرئيس سعد الحريري عودته إلى الرياض بغية تشغيل ماكينة الأصدقاء فيها للتخفيف من أجواء الغضب السائد في بعض الأوساط الملكية السعودية، في وقتٍ بدأت اتّصالات بالفعل بكثير من مراكز القرار في أكثر من دولة وإمارة خليجية للتخفيف من ردّات الفعل المتوقّعة لئلّا تكون مأسوية تنعكس على مصالح مئات الألوف من اللبنانيين».

وتخوّفت هذه المصادر«من أن تسبق بعض دول الخليج السعودية الى تعليق برامج العمل للبنانيين وفقَ تصنيف قد يتوسّع هذه المرة ليشمل رجال أعمال من طوائف عدة».

عسيري

وكان السفير السعودي علي عواض عسيري أكّد أمام وفود لبنانية أمَّت السفارة «أنّ كلّ مَن يسعى للإساءة إلى علاقات لبنان بأشقّائه يسيء إلى لبنان، لأنّ الأشقّاء هم العضُد، وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التي تحرَص كلّ الحرص على أمن لبنان وسيادته واستقراره، وعلى تمكين الدولة اللبنانية من النهوض وممارسة مسؤولياتها وعلى تقديم المساعدة للبنان وأبنائه من كافة الطوائف والمناطق، وقد سبقَ أن أثبتَت هذه المواقف بالأفعال، فيما سعى بعض الجهات الى تفريق اللبنانيين وإضعاف الدولة وإدخال لبنان في ما يؤذي وحدتَه الوطنية ومناعتَه».

برّي

ومِن بروكسيل حيث حلّ ضيف شرف على البرلمانين الأوروبي والبلجيكي، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري «أنّ السعودية هي دولة عربية ولبنان دولة عربية، وليس هناك من مصلحة على الإطلاق في ان يكون هناك خلاف بين لبنان وأيّ دولة عربية، وما حصَل هو نتيجة معادلات، سواء في سوريا أو العراق، ونحن لدينا في لبنان أطراف وأحزاب، ونتمتّع بحرّية الرأي، وما حصل انّ السعودية تأثّرَت وأوقفت الهبة، وقد جرَت معالجة الأمر في الحكومة وخرَجنا بصيغة واحدة لتلافي أي خلاف مع أيّ بلد عربي. نحن بلد عربي ونشدّد على هذا الموضوع». وشدّدَ على أنّ «الحكومة ستبقى، وهي استطاعت حيال موضوع حسّاس أن تقف موقفاً موحّداً، ولا يوجد خطر إيقافها».

وعن اتّهام «حزب الله بأنه «يصادر القرار في لبنان»، قال بري: «علينا أن نفصل بين ما يقوله بعض الإعلام وبين موضوع المقاومة. من دخلَ أراضي الآخر، نحن أم إسرائيل؟. هي التي شرّدت الشعب الفلسطيني، وبذريعة وجود الفلسطينيين اجتاحت لبنان عام 1978، وفي حينه ماذا فعلَ لبنان؟ هل كانت توجد مقاومة.

لقد ذهبنا إلى الامم المتحدة ومجلس الأمن وصدر القرار 425 بناءً لمشروع أميركي، وبدلاً من أن ينسحب شارون قام بعد أربع سنوات باجتياح العاصمة بيروت، الأمر الذي أجبَر الشعب اللبناني على أن يقاوم، وكانت هذه المقاومة من أطراف عدّة، والآن يَحمل رايتها حزب الله، وهو لا يهدف الى السيطرة على القرار اللبناني. حزب الله يحرَص تماماً على الصيغة اللبنانية كما أنا وسَعد الحريري وأيّ لبناني آخر.»

وفي الملفّ الرئاسي اعتبَر بري «أنّ الأزمة ليست بسبب الاختلاف بين المسلم والمسلم، أو المسيحي والمسيحي، أو المسلم والمسيحي، هي مشكلة بين الموارنة أنفسِهم، وهناك مرشّحان الآن، كلّ واحد منهما يؤيّده فريق. والبعض الآن يستعمل النصاب من أجل تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية».

تحرّك فرنسي

ووسط هذا المشهد، بَرز تحرّك فرنسي في اتّجاه السراي الحكومي و»بيت الوسط»، فزار السفير الفرنسي ايمانويل بون سلام والحريري وأجرى معهما جولة أفق تناولت العلاقات الثنائية والأوضاع في المنطقة. وأبلغَ بون الى سلام انّ بلاده تتابع «الحوار مع السلطات السعودية من جهة ومع السلطات اللبنانية من جهة أخرى للوصول الى الهدف الذي نعمل عليه والذي يهمّ الجميع ألا وهو حماية لبنان وتنفيذ برنامج تجهيز الجيش اللبناني».

وأوضَح أنّه أجرى وسلام «تقويماً للوضع السياسي والوضع في المنطقة، وخصوصاً ضرورة حماية لبنان وضمان أمنِه واستقراره في ظلّ الظروف الصعبة. كذلك بَحثنا في مسألة تأمين تجهيزات للجيش اللبناني وأبلغتُ إلى الرئيس سلام وقوفَ فرنسا المستمر إلى جانب لبنان لحمايته من نتائج النزاعات في المنطقة، وجميعُنا لدينا فائدة استراتيجية من الاستقرار في لبنان، وذكّرتُه بأنّ برنامج تجهيز الجيش اللبناني الذي قرَّرَت فرنسا تنفيذه مع المملكة العربية السعودية لديه هدف محدّد ألا وهو تجهيز الجيش اللبناني بهدف تأكيد تأمين أمن لبنان واستقراره بكلّ استقلالية».

في الموازاة، حضَر موضوع دعم الجيش اللبناني والمساعدات العسكرية الاميركية وعلاقات التعاون بين جيشَي البلدين في زيارة القائم بالأعمال الأميركي ريتشارد جونز لكلّ من وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي.

البيان الحكومي

في هذا الوقت، ظلّ بيان مجلس الوزراء حول الإجماع العربي محور المواقف السياسية في البلاد، وهو حازَ على تأييد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي أوضَح قبَيل سفره الى الفاتيكان أنّ «تاريخ لبنان معروف بأنّه بلد الصداقة مع كلّ الدوَل، ولا مصلحة له في معاداة أيّ دولة من الدول، لأنّنا لسنا قوّة في ذاتها قادرة عن الاستغناء عن أيّ أحد».

وأكّد أنّ «لبنان قائم على علاقاته مع هذه الدول شرقاً وغرباً، ولا مصلحة له في معاداة أيّ دولة من الدول مهما كان السبب، ويجب أن تعالج الأمور بالطرق السياسية والديبلوماسية إذا حصل أيّ خلاف». وتعجّبَ من «التركيز على موضوع إنْ كان عربياً أم لا، ففي الدستور يُذكر أنّ لبنان عربي، ولبنان هو أحد مؤسّسي جامعة الدول العربية وعضو فيها، وهل يحتاج الأمر لإعلان أكثر من ذلك؟».

جعجع

ووصَف رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع بيان مجلس الوزراء بأنه «شِعر بشِعر»، مُشدّداً على أنّ «المشكلة لا تُحَلّ ببيان وزاري، والوضع الداخلي من سيّئ إلى أسوَأ، خصوصاً أنّ هناك من يصادر قرار الدولة». وسأل: «أين هي الوحدة الوطنية من خوض «حزب الله» معاركَ شاملة في المنطقة ككلّ؟ وأين هي الوحدة الوطنية من التهجّم على السعودية؟».

ورأى أنّ» أزمتَنا أعمقُ من بيان مجلس الوزراء، وعلى الحكومة التطرّق بعمق الى الأزمة، ألَا وهي خوضُ «حزب الله» لمعارك ضد المحور السعودي»، وقال: «من الأفضل أن تستقيل الحكومة على أن تغطّي هذا الوضع الحالي في حال عدم حلّ الأزمة».

أبوفاعور

في غضون ذلك، أبدى وزير الصحة وائل ابو فاعور اعتقاده بأن «لا أحد يريد تفجير الحكومة»، لافتاً الى أنّ «مساراً جديداً سيبدأ الرئيس تمام سلام بتطبيقه وهو يهدف الى إعادة تصويب العلاقة مع الدول العربية».

«التكتل»

وأسفَ تكتّل «الإصلاح والتغيير» لسوء استغلال موقف وزير الخارجية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل «المؤيّد بلا تحفّظ لبيان الحكومة» مؤكّداً أنّ «موقف باسيل كان أكثرَ تقدّماً لجهة التضامن مع السعودية»، وشدّد على أنّه «لن يقعَ في الأفخاخ المنصوبة له على طريق استحقاقاته ومواقع تحالفاته القائمة والمستجدّة ضمن نهج الانفتاح على الجميع».

ودعا «التكتل» إلى «الكفّ عن تحريف مواقفه واقتناعاته وممارساته والتزاماته، فالأمر مكشوف لدينا»، مؤكّداً أنّه «لا يمكن أحداً أن يزايد علينا في حِرصنا على السعودية ودول الخليج مِن منطلق أنّها دوَل عربية وشقيقة، وهذا الحرص هو بمقدار حرص هذه الدول على لبنان المقيم أو المنتشر»، وتمنّى «إخراج موضوع علاقة لبنان مع السعودية من السجالات الإعلامية والمزايدات الفارغة».

«المستقبل»

من جهتها، واصَلت كتلة «المستقبل»حملتها على باسيل، وعلى دور «حزب الله» «الذي أصبح يشكّل خطراً حقيقياً على حرّية لبنان وسيادته، وعلى مصالح اللبنانيين في الداخل والخارج». ودعَت اللبنانيين الى أوسع عملية توقيع على «وثيقة الوفاء للمملكة العربية السعودية والتضامن مع الإجماع العربي»، وناشدَت الملك سلمان والمسؤولين في المملكة «إعادةَ النظر في موقفهم».

بديل ريفي

وقبلَ 48 ساعة على جلسة مجلس الوزراء المقرّرة قبل ظهر غدٍ الخميس قالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» إنّ البحث في عودة الوزير المستقيل أشرف ريفي إلى الصف الحكومي أمرٌ غير وارد، بعدما أعلنَ رئيس الحكومة أنّه «تلقّى كتاب استقالته و»تمَّ إعداد مرسوم بقبول هذه الاستقالة وفقاً للأصول»، الأمر الذي فتحَ نقاشاً حول هوية البديل.

وقالت المصادر إنّ الجدل يدور حول أمرَين:

– الأوّل يقول باحتمال تنفيذ مرسوم البدائل فتتسلّم وزير شؤون المهجّرين أليس شبطيني مهمّات وزير العدل بالوكالة.

– الثاني يقول بضرورة تعيين بديل من ريفي للحفاظ على التوازنات الطائفية والسياسية من ضمن الحكومة، وهناك بحث جدّي في التمثيل الطرابلسي ليكون النائب سمير الجسر بديلاً منه.

وفي الحالَين بقيَ الجدل قائماً حول من ينفّذ صلاحيات رئيس الجمهورية في شأن استقالة ريفي، وعمّا إذا كانت صلاحية توقيع مرسوم قبول الاستقالة شخصية أو أنّه يمكن تجييرها إلى الوزراء مجتمعين ورئيس الحكومة الحاضر توقيعه في المرسوم في الحالتين الآنفتَي الذكر.

وفي مِثل هذه الحالة يَستذكر الذين يناقشون الموضوع المطروح شكلاً ومضموناً للمرّة الأولى في تاريخ الجمهورية اللبنانية في الجمهورية الثالثة والحقبة التي سَبقتها، ويتطرّق الجدل إلى تجارب عدة سابقة ما بين قبول استقالة عدد من الوزراء أو إقالتهم، وهو ما حصَل عند تسلّمِ الوزير أحمد فتفت مهمّات وزير الداخلية حسن السبع وفقَ مرسوم البدائل، أو تلك التي رافقَت تعيين بديل من الوزير جورج فرام حيث تمّ تعيين الوزير الياس حبيقة وزيراً للموارد المائية والكهربائية.