IMLebanon

باريس مُصرَّة على الهبة السعودية… واللعب بالشارع خطّ أحمر

أقفَلت البلاد على عطلة نهاية أسبوع كانت أمنية بامتياز، كادت لولا تدخّل الجيش والقوى الأمنية مغطاةً بتوجيات سياسية حاسمة، أن تُحدث اهتزازاً أمنياً خطيراً مِن شأنه أن يعطّل الحوار ويطيح كلّ المحاولات والمساعي الجارية لإيجاد مخارج للأزمة بشقوقها المختلفة. وإذ جاءت هذه الحوادث الأمنية التي شهدها الشارع هنا وهناك على خلفية المضاعفات التي نجَمت من التدبير السعودي بوقفِ الهبة السعودية للجيش والقوى الأمنية، والذي هو موضع اتصالات محلّياً ومع الرياض لمعالجته، فإنّ هذه الاتصالات ستستمرّ هذا الأسبوع، خصوصاً أنّ رئيس الحكومة تمّام سلام ينتظر ردّ القيادة السعودية على رسالته التي تمنّى فيها العودة عن هذا التدبير، فيما البلاد على موعد مع جلسة انتخابات رئاسية جديدة بعد غدٍ الأربعاء تشير كلّ الدلائل حتى الآن إلى أنّها لن تنعقد كسابقاتها لعدمِ اكتمال نصابها وغياب الاتفاق على انتخاب الرئيس العتيد. وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي العائد من بلجيكا أمام زوّاره أمس إنّ قوله في بلجيكا إنّ لبنان بات قريباً من انتخاب رئيس جمهورية جديد يَستند إلى تفاؤل لديه في هذا المجال، حيث يعتقد أنّ الأزمة بلغت مرحلةً بات ينبغي معها أن يتّفق الجميع على إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

في انتظار الرد السعودي على رسالة سلام، تحدّثت معلومات لـ«الجمهورية» عن إصرار فرنسا على إعادة إحياء الهبة السعودية من جديد، وعلى أن يتسلّم الجيش اللبناني السلاح الذي يُصنَّع في مصانعها. وتضيف المعلومات أنّ باريس قدّمت للرياض ضمانات بأن يصل هذا السلاح للجيش ولا يذهب لأيّ طرف آخر، وخصوصاً لـ«حزب الله».

كذلك علمت «الجمهورية» أنّ اتصالات حثيثة أميركية وفرنسية وكندية تُجرى مع السعودية، لأنّ هناك ما يفوق ثلاثين في المئة من اللبنانيين العاملين في المملكة يحملون جنسيات أوروبية وأميركية وكندية، وقد تدخّلت دولهم من أجلهم.

أوضاع صعبة

وفي موازاة التصعيد السياسي المستمر على خلفية الأزمة بين بيروت والرياض، وإقرار جميع الاطراف بأنّ الأوضاع الراهنة صعبة وحرجة، توسّعت مروحة الاتصالات للجم التوتر في الشارع إثر تنفيذ مناصري «حزب الله» في الساعات الماضية تحركات احتجاجية على الأرض ترافقَت مع قطع طرق وإحراق دواليب وأعمال شغب، احتجاجاً على شريط فيديو ساخر بثّته محطة «إم. بي. سي» السعودية ويسيء إلى الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله.

وكثّفَ الجيش اللبناني ليل امس من إجراءآته الأمنية في احياء من بيروت، فنفّذ انتشاراً واسعاً في مناطق المزرعة والكولا ومحيط السفارة الكويتية امتداداً الى المدينة الرياضية لضبط أي تحرّكات احتجاجية وخصوصاً عقب تزايد التوتّر جرّاء التحركات التي قادها حزب الله في الضاحية الجنوبية وارتفاع منسوب التوتر جرّاء الهجمة العنيفة على السعودية على أعلى المستويات.

مراجع أمنية لـ«الجمهورية»

وقالت مراجع أمنية لـ«الجمهورية» «إنّ ما حصل أمس كان يمكن ان يؤدي الى فتنة كبيرة لولا الاتصالات التي تسارعت على اكثر من مستوى سياسي وحزبي لوقفِ التحركات الاستفزازية في اسرع وقت ممكن ووقف إطلاق النار الذي ترافقَ مع التحركات الشبابية وأعمال الشغب التي أثارت الذعر في صفوف المواطنين، خصوصاً أنّها امتدّت الى مناطق سكنية وطرق بعيدة عن البيئة الحاضنة لحزب الله للمرّة الأولى».

وأضافت هذه المراجع «أنّ التحرّكات السريعة لوحدات الجيش منعَت ردّات فعل كان يمكن ان يستدرجها التحرّك الذي شهدته مناطق «الجديدة» وسن الفيل ومستديرة الصالومي التي كانت تشهَد حركة سير ناشطة ككلّ ليلة سبت، خصوصاً أنّ بعض شبّان المنطقة سارَعوا إلى حيث اندلعَت النيران التي سبَقهم إليها الجيش وقبله فرار من أشعلوها من الطرق في اتّجاه النبعة سيراً وتغلغلوا بين المباني المكتظة في المنطقة باتّجاه عمقِها السكني».

وأوضحَت المراجع «أنّ التحرّك السريع لقيادة تيار «المستقبل» في بيروت فوَت ردّات الفعل التي كانت متوقّعة، خصوصاًَ أنّ أعمال إطلاق النار وحرق الدواليب ترافقَت مع موجة إشاعات عن احتمال القيام بأعمال شغَب في مناطق حساسة من بيروت تتلاقى فيها القوّتان السنّية والشيعية على تماس مع شوارع فلسطينية ما أدّى الى لجمِ ردّات الفعل فتجاوزت بيروت ليل السبت ـ الأحد «قطوعاً» أمنياً يمكن أن تفلتَ تردّداته عن السيطرة في أيّ وقت آخر».

برّي

واهتمّ رئيس مجلس النواب نبيه بري بالأوضاع الامنية وأجرى لهذه الغاية اتصالات حثيثة بالجهات المعنية طالباً خلالها ان تتخذ القوى الامنية والعسكرية الإجراءات اللازمة لمنع أيّ أعمال شغب وتوقيف كلّ من يرتكبها، الى أيّ جبهة انتمى. وشدّد بري على اهمّية استمرار الحوار «لأنّ البديل منه قد يكون ما يحصل في الشارع الآن».

جنبلاط

تمنّى رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، أن «تقبل المملكة الاعتذار من أجل العلاقة التاريخية»، معتبراً أنّ «تجميد المساعدات السعودية للجيش اللبناني سيضعِف الدولة اللبنانية».

ورأى أنّ «هناك تغييراً في الخرائط في الشرق الأوسط»، معتبراً «أنّ حرب اليمن لن تتوقف إلّا من خلال الحلّ السياسي والحوار». وقال «إنّ «حزب الله» جزء من منظومة إيرانية في لبنان، وكلّ الكلام عن مؤتمر تأسيسي غير واقعي». وأكّد أنّ «اللبنانيين لا يستطيعون تغيير الواقع في سوريا ولكنّ «حزب الله» لن ينسحب منها، ووقفُ إطلاق النار من دون حلّ سياسي سرعان ما ينهار».

باسيل

ومِن جهته، قال رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل في برنامج «الأسبوع في ساعة» عبر «الجديد» أن «لا مانع من التواصل مع وزير الخارجية السعودية، لكن يجب أن تكون هناك رغبة سعودية»، معتبراً أنّ «لبنان يتعرّض عبر وزارة خارجيته لتغيّر سياسة المنطقة»، مؤكداً أنّ «كلام رئيس الحكومة عن ارتكابنا غلطة في السياسة الخارجية لا يمثّل لبنان ولا سياسة الحكومة».

وأوضح أنّ «النأي بالنفس عن الأزمات المجاورة جاء في البيان الوزاري ولم يعترض عليه وزير الداخلية نهاد المشنوق»، مشيراً الى أنّ «بيان الحكومة الاخير كان أقلّ مِن ما دعونا له»، كاشفاً أنّ «البعض يرفع السقف خارج الحكومة وفي الإعلام أمّا في الداخل فيوارب ويقول كلاماً بسقف أدنى».

«الحزب»

تزامُناً، تابعَ «حزب الله» حملته على السعودية مكرّراً القول «إنّ لبنان لم يسئ لأحد ولن يعتذر لأحد». وقال نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إنّ ما تقوم به السعودية هو «ضغط العاجز، وسينعكس على جماعتها لا علينا». وأكد أنّ الحزب «لن يتأثّر بهذه الضغوط ولن يغيّر مواقفه» . وأشار الى انّ «كلّ النتائج السلبية التي ستنشأ ستكون موجّهة إليهم وإلى جماعتهم». وسأل: «أليس الصبح بقريب».

ترّو

وفي المواقف، قال عضو»اللقاء الديموقراطي» النائب علاء الدين ترو لـ»الجمهورية»: «إنّ الانقسام الحاصل في البلد مخيف، والحوار كان كفيلاً بضبط ايقاعات كل ما يحصل في الشارع، ووقف الحوار اليوم في ظل التشنجات والانقسامات الحاصلة امر خطير جداً. بعد كل التجارب المريرة التي عاشَها لبنان عدنا جميعاً إلى التسويات والمصالحات، فلا يفكرنّ أحد بأن يُدخلنا مجدداً في هذه التجارب القاتلة للبلد والتي تسيء لأهله ولجميع التيارات السياسية فيه».

وأكّد ترو أنّ رئيس اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أجرى اتصالات مع جميع الاطراف وعلى أعلى المستويات، وشملت اتصالاته الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله والرئيس سعد الحريري والسعودية، فهو كعادته في المحطات المفصلية، يحمل مطفأته من أجل تجاوز الانقسامات الحادة والمخيفة لسلامة البلد وأمنه واستقراره في ظلّ النيران العربية المشتعلة حولنا».

وعن جلسة 2 آذار قال ترو: «نسعى بكل إمكاناتنا لتأمين نصاب الجلسة، وكما قال النائب جنبلاط مراراً، هناك 3 مرشحين فلننزل الى المجلس وننتخب أحدهم ولننتهِ من الفراغ، فرئيس الجمهورية هو الضمان للبلد وعامل حاسم للَجم النزاعات والتخفيف من حدّة الانقسامات الحاصلة».

فتفت

وأوضَح عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ«الجمهورية» أن «لا قرار في تيار»المستقبل» بعد بوقف الحوار مع «حزب الله» لكنّ المنطق يقول إنّه لم يعُد لهذا الحوار أيّ معنى، فالحزب غير معنيّ مطلقاً بالمصلحة الوطنية اللبنانية لا على الصعيد الامني، ولا على الصعيد الاقتصادي، ولا على الصعيد السياسي. لديه أجندة اقليمية ومحلية واستراتيجية يعمل عليها، غير آخِذ في الاعتبار أيّ فريق آخر».

وعن المخاوف من إمكانية حصول فتنة سنّية ـ شيعية، قال فتفت: «القضية ليست قضية فتنة سنّية ـ شيعية بمقدار ما هي أداة ضغط يستعملها «حزب الله» على الصُعد كافّةً، في محاولةٍ منه للخروج من المأزق الذي يتخبّط به، وأنا لا أستغرب ان يحصل أيّ حدث أمني في البلاد، كاغتيال أو شيء من هذا القبيل، وهذا ما نراه دائماً عندما يكون الحزب محشوراً ومضغوطا».

وأضاف: «لقد ثبتَ مجدداً، وبالدليل القاطع، أنّ الحزب يريد الحوار فقط كمظلة ولتمرير الوقت، ولا يريد ان يقدم شيئاً في الحوار، حتى إذا فعل، فيفعل بالشكل ولا يلتزم بما يقدّم منذ عام 2006 وحتى اليوم، وبالتالي اصبحت نتائج الحوار سلبية اكثر مما هي ايجابية .

أمّا لجهة وظيفة الحوار تخفيفُ الاحتقان، فكلام الحزب الذي نسمعه يومياً والتظاهرات التي نراها وحرق الدواليب لمجرّد نقدٍ سياسي عبر كاريكاتور، كلّ ذلك يؤكد أن لا جدوى من الحوار» .

الحوت

بدوره، قال نائب «الجماعة الإسلامية»عماد الحوت لـ«الجمهورية»: «إنّ «حزب الله» يصرّ على نقل احتدام الموقف السعودي ـ الإيراني الى الداخل اللبناني، ومُصرّ على نقل تداعياته الى لبنان، وهذا يَجعل الواقع اللبناني في وضع حرِج جداً امام المجتمع الدولي والاقليمي لأنه في نهاية الامر، «حزب الله» شريك في الحكومة، وبالتالي الموقف الرسمي ينبغي ان يصدر عن الحكومة، وهو لن يسمح، على ما يبدو، بصدور موقف كهذا».

وأضاف الحوت «إنّ جلسة انتخاب الرئيس المقبلة لن تكون مختلفة عن سابقاتها من جلسات، لأنّ موقف الحزب لا يزال واضحاً، فمرشّحه الحقيقي هو الفراغ الرئاسي وليس أيّ مرشح آخر، وبالتالي لن يسمح بتأمين النصاب لجلسة الانتخاب.

وما أخشاه فقط هو أن يزيد خطاب الشحن لدى «حزب الله» تجاه جمهوره في وجه السعودية خصوصاً، والسنّة عموماً، من إمكانية خطر الفتنة المذهبية والطائفية في لبنان، وأن ينفلتَ الشارع في ردات فعل، والدليل على ذلك ما حصَل ليل السبت كردّة فعل على برنامج تلفزيوني».

وأبدى الحوت اعتقاده بـ«أننا الآن امام مسارين متوازيين: الاوّل، إبقاء قنوات الحوار مفتوحة وغير مغلقة لامتصاص حدّة المواقف. والثاني مطلوب مواقف واضحة وليس رمادية تحت ذريعة امتصاص التوتر داخل لبنان، أي ان يعلن جميع الاطراف وفي وضوح رفضَهم النهج الذي يسير عليه «حزب الله»، خصوصاً أنّه تمّ أخيراً أسرُ مجموعة من مقاتليه في اليمن.

لقد أعلنَ أنّه ذهب الى القصير لحماية لبنان، ثمّ ذهب الى حدود حلب وإدلب، واليوم في اليمن. فماذا يفعل في اليمن؟ هل تحوّلَ «حزب الله» ميليشيا مسلّحة تريد أن تقاتل في كلّ الأمكنة نيابةً عن إيران؟

أم أنّه فصيل لبناني ينبغي ان يشارك في صنعِ السياسة اللبنانية ويلتزم بها؟ إنّ مختلف القوى السياسية مطالبة بموقف واضح وصريح، وإذا فعلت أعتقد أنّ المملكة ستقدّر هذا الأمر».

هل تقصد بهذه القوى تيار «المردة» و«التيار الوطني الحر»؟ أجاب الحوت:» نعم، بالإضافة الى «القوات اللبنانية» والكتائب، وكلّ القوى السياسية. ففي كلّ مرّة يخطئ «حزب الله» تجاه الأشقّاء العرب ينبغي ان يصدر موقف حاسم ورافض لهذا الامر.

اللبنانيون اليوم متّهمون بأنّهم يسكتون عن تهجّم الحزب على الدول العربية، وهذا حصَل فعلاً في الفترة الماضية تحت شعار عدم تأزيم الوضع في لبنان، والمطلوب اليوم كلّما عبّر «حزب الله» بنحو خاطئ، أن تصدرَ مواقف واضحة تقول له أن ليس من حقّك ان تتكلم بهذه الطريقة أو أن تتصرّف بهذه الطريقة».

الراعي

ومن جهته، أشار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي العائد من روما الى أنه «بتعطيل رئاسة الجمهورية تكمن خطيئة الأنانية والكبرياء والمصالح الخاصة. ولا بأس إذا فَقد لبنان دورَه، ولا بأس إذا غَدرنا ببلدنا وإذا عاش المواطن مع النفايات».

ولفتَ إلى «أنّنا نعيش في الشرق أحقاداً تُترجَم حروباً وقتلاً وهدماً وخطفاً»، موضحاً أنّ «قراراً صغيراً بحربٍ تبيد آلاف الناس، هو قرار شخصيّ له انعكاساته السياسية والمادية والاقتصادية والاستراتجية»، وقال: «نصَلّي لكي يرأفَ الله بنا، نحن الذين نحتاج إلى توبة، فينظر نحونا ويهزّ ضمائر مسؤولينا وحكّام الدول».