يُفترَض أن يكون اللقاء الذي انعقد في عين التينة مساء أمس بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري قد أرسى معالجات للانفلات الذي شَهده الشارع في الأيام المنصرمة وكاد أن يتسبّب بفتنة داخلية. وقد دعا الرَجلان إلى التصَدي لـ»الحملات المشبوهة ومواجهة كلّ محاولة لإشعال نار الفتنة، حِرصاً على لبنان واللبنانيين». وجاء هذا اللقاء عشيّة الجلسة النيابية الـ 36 المقررة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتي تشير كلّ المعطيات إلى أنّ مصيرها سيكون كسابقاتها من حيث عدم اكتمال النصاب، لغياب التوافق على شخص الرئيس العتيد، فيما تستمرّ الاتصالات والمساعي لإعادة تطبيع العلاقات اللبنانية السعودية بعد قرار المملكة العربية السعودية بوقف هبة الأربعة مليارات دولار المقرّرة للجيش والقوى الأمنية اللبنانية. وفي هذا الإطار توجّه وزير الصحة وائل أبو فاعور إلى الرياض مساء أمس. فيما أكّد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح في مؤتمر صحافي بعد توقيعه اتّفاق «العبور» مع حلف «الناتو» «أنّ المساعدات الكويتية للشعب اللبناني الشقيق مستمرّة»، مشيراً إلى «أنّ المطلوب من لبنان أن يكون في أجواء محيطه العربي وهمومه ومشكلاته».
علمت «الجمهورية» أنّ مِن بين المواضيع التي تناوَلها بري والحريري في لقائهما، إلى الأحداث التي شهدها الشارع، كان موضوع جلسة الانتخابات الرئاسية وما يجري في شأنها من «بوانتاجات» لها في حال نزول الجميع إليها لخوض العملية الانتخابية ديموقراطياً بين المرشحين الثلاثة؛ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية وعضو «اللقاء الديموقراطي» النائب هنري حلو.
وتفيد المعلومات أنّ الحريري حبَّذ أن تحصل «صدمة» بانعقاد هذه الجلسة ويتنافس فيها المرشحون ليفوز أحدهم، لأنّ من شأن ذلك أن يغيّر مسار الأوضاع، لاقتناعه بأنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي يعالج خمسين في المئة من المشكلات التي تعانيها البلاد. وتَردَّد أنّ الحريري قد يغادر إلى الخارج بعد جلسة الغد في حال وجَد أنّ أفقَ الحلول سيبقى مقفَلاً. لكن أيّ شيء رسمي بهذا المعنى لم يصدر عنه بعد.
وعُلم أيضاً أنّه أثيرَ في اللقاء بين بري والحريري مصير الحوار الثنائي بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» وأنّ الحريري لم يحبّذ استمرار الحوار في الوتيرة التي يسير بها، مشيراً إلى أنّ هناك ضغوطا عليه داخل تيار المستقبل لوقفِ هذا الحوار، خصوصاً في ضوء التطورات الأخيرة، ومنها ما أصاب العلاقة اللبنانية – السعودية.
وذكرَت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» في هذا المجال أنّ جلسة الحوار الاخيرة الاسبوع الماضي كادت أن لا تنعقد، مع العِلم أنّها لم تدُم أكثر من نصف ساعة، حيث تناول خلالها الحاضرون القهوةَ ثمّ انفضّت، ولكن ما فرَض انعقادها كان إصرار بري من بروكسيل خلال الاتصال الذي جرى بينه وبين الحريري، حيث حذّر بري من مخاطر توقّف الحوار في ظلّ ما كان يَشهده الشارع من توتّر وأعمال شغب.
وأكدت المصادر انّ بري أصرّ مجدداً في لقائه مع الحريري على ضرورة استمرار هذا الحوار في موازاة استمرار الحوار بين قادة الكتل النيابية، لأنّ البديل من هذين الحوارين هو الشارع بما ينطوي عليه من مخاطر على أمن البلاد واستقرارها.
بيان
وبعد اللقاء الذي تخلّله عشاء، صَدر عن بري والحريري البيان الآتي:
«برزت خلال الأيام الأخيرة ممارسات لا تمتّ إلى الإسلام بصِلة في إطار حملة منظمة لإثارة المشاعر وإلهاب النفوس وتحريض المواطنين بعضهم على بعض.
وبرزت بما لا يدَع مجالاً للشكّ نيّات مبطّنة لدسّ الكلام المريب والمشبوه والمقصود الذي تطاوَل على مقام الدين الحنيف وتفسير آياته البيّنات وأحاديثه الشريفة، وبما يحدث وقعاً عند صغار النفوس والجهلة، خصوصاً لجهة التعرّض الى صحابة الرسول والخلفاء الراشدين (رض) وهم مَن عَملوا على نشر الإسلام وإعلاء كلمته.
وقد حاولت هذه الحملة والمشاركون فيها أن يوقعوا بين المسلمين وأن يثيروا الفتنة بين المذاهب التي تشكّل تيارات رافدة لنهر الإسلام العظيم. إنّ هؤلاء إنّما يكذّبون بالدين ويوهمون العالم بأنّهم الأشدّ حِرصاً على الإسلام، بينما يعملون على تشويهه لغاية في نفسِ أصحاب مشاريع السيطرة على مواردنا البشرية والطبيعية، وهم في الواقع أدوات تتحرك في إطار استراتيجية نشرِ الفوضى التي تتجاهل عدوّنا اسرائيل، وتَعمل على تقسيم الدول وخلق إسرائيليات جديدة وجعل العالم العربي يَفقد ذاكرته تجاه فلسطين وصولاً إلى إيقاظ الفتنة، ووضعنا على محاور التقاتل الداخلي وإعادتنا عقوداً إلى الوراء.
إنّ قادة الرأي في لبنان والقيادات الدينية والسياسية ومختلف مؤسّساته الإعلامية والثقافية مطالبة بالتصدي لهذه الحملات المشبوهة ومواجهة كلّ محاولة لإشعال نار الفتنة، حِرصاً على لبنان واللبنانيين».
ما قبل لقاء برّي – الحريري
وقبل اللقاء بينهما كان بري والحريري ومعهما رئيس «اللقاء الديموقرطي» النائب وليد جنبلاط قد بقوا على تواصل مستمر منذ مساء السبت عقبَ التوتّر الأمني الذي رافقَ عودة رئيس المجلس من بروكسل بساعات قليلة، حيث عَملوا على تطويق ذيول تحرّك مناصري حزب الله في بيروت والضاحية الجنوبية وساحل المتن الشمالي والأشرفية وطرُق عدة في الجنوب والبقاع وبعلبك، ومنع أية ردّات فعل كانت متوقّعة، وذلك احتجاجاً على الفيديو الذي بثته محطة «إم. بي. سي» ووجَدوا فيه إساءةً للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله.
سحب ملف سماحة
ومن جهة ثانية، في جديد التحضيرات الجارية لجلسة مجلس الوزراء المقررة العاشرة قبل ظهر بعد غدٍ الخميس قالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ جدول الأعمال الذي عُمم على الوزراء نهاية الأسبوع الماضي ضمّ 169 بنداً، بعضُها جديد والبعض الآخر متبَقٍ من الجلسات السابقة التي ناقشَت جدول أعمال من 379 بنداً طوال الأسابيع القليلة الماضية منذ أن استأنف المجلس جلساته عقب جلسة الحوار الوطني التي أقرّت تفعيل العمل الحكومي مطلع السنة الجارية.
وأضافت هذه المصادر أنّ الجدول الجديد أسقط بنداً مؤجّلاً من الجلسات السابقة، ويتصل بطلب وزارة العدل إحالة ملف الوزير السابق ميشال سماحة الى المجلس العدلي الذي تسبّب تأجيل البتّ به باستقالة وزير العدل اللواء أشرف ريفي وعلى رغم مطالبة وزيرَي العمل سجعان قزي والسياحة ميشال فرعون بالبتّ به في الجلسة السابقة.
ريفي يرفض التعليق
وفي الوقت الذي رفض ريفي التعليق على الموضوع، في اتّصال أجرته «الجمهورية» معه، قالت مصادر وزارية إنّ بعض الوزراء سيثير الموضوع في الجلسة المقبلة، وخصوصاً قزي وفرعون اللذين تلقّيا وعداً من رئيس الحكومة بإثارته فور وصول المناقشات الى البند الخاص به، فإذا بالجدول الجديد ينهي البحث في هذا الملف نهائياً بمجرّد سحبه من الجدول الجديد الذي ستجري المناقشات على أساسه.
إلى ذلك، من المتوقع أن يناقش المجلس استقالة ريفي للبتّ بها، وإعطاء الإشارة إلى وزير شؤون المهجّرين القاضية أليس شبطيني ممارسة مهمّات وزير العدل بالوكالة، عملاً بمضمون مرسوم البدائل الصادر في 16 نيسان 2014.
تراخيص الإذاعات الخاصة على جدول الأعمال
وعلمت «الجمهورية» أنّ في جدول الأعمال الجديد بنود عدة مختلفة أبرزُها تجديد التراخيص لمختلف القنوات الإذاعية السياسية من الفئة الأولى والفئة الثانية وتفريغ بعض الأسهم من إذاعات لأشخاص ومالكين جُدد، بالإضافة الى بنود عدة تتصل بنقل اعتمادات بعشرات الملايين من الليرات لعددٍ من الوزارات والمؤسسات العامة وفقَ القاعدة الإثنتي عشرية وقبول هبات متنوّعة طبّية وعسكرية وإدارية، والموافقة على صرف مبالغ على سبيل التسوية تعود لكلفة زيارات رئيس الحكومة ووزير الخارجية ووفود وزارية إلى عدد من الدول العربية والغربية على سبيل التسوية والمشاركة في مؤتمرات إقليمية ودولية مختلفة. وأرفِق بجدول الأعمال أيضاً لائحة بـ 11 مرسوماً عادياً طلِب إلى الوزراء توقيعها لإصدارها، عملاً بمضمون المادة 61 من الدستور.
جريج
وإلى ذلك، برز تحذير دوليّ جديد، حيث عبّرَت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ عن «القلق حول عمل الحكومة التي يحتاجها لبنان الذي يعاني من فراغ رئاسي نتمنّى إيجادَ حلّ له، إذ يؤثر في سير عجلة البلد، والأمم المتحدة معنية بهذا الموضوع وتحاول العمل والدفع لحلّ سريع توافقي يمكن أن يكون مقبولاً من الجميع لمصلحة لبنان».
وقال وزير الإعلام رمزي جريج لـ»الجمهورية» إنّ «القلق على استمرار عمل الحكومة موجود، والأيام المقبلة ستكشف إذا ما كانت ستواصِل جلساتها أم لا»، لافتاً الى أنّ «جلسة اللجنة المكلّفة درسَ ملف النفايات برئاسة سلام غداً ستكون مفصلية، فإذا رأى سلام أنه لن نصل الى حلّ لمشكلة النفايات والمطامر فإنّه يفتح الباب على كلّ الاحتمالات، وعندها ستكون جلسة الخميس غير نافعة، ولذلك لا فائدة من استمرار الحكومة». وأكّد أنّ «هناك صدمةً لدى عدد من الوزراء في ملفّ ترحيل النفايات، إضافةً الى العجز عن حلّ هذه المشكلة منذ أشهر».
ومن جهة ثانية، أوضَح جريج أنّ التوتّر الأمني «لن يتطوّر، لأنّ الجميع لا يستطيع تحمّل فاتورة فلتان الشارع، والاحتجاجات التي حصلت في اليومين الماضيين تمّ احتواؤها بسرعة بفضل تدخّل الجيش، ولن تتطوّر إلى ما هو أخطر».
الراعي و«الرابطة»
وفي هذه الأثناء يعقد رئيس الرابطة المارونية النقيب سمير أبي اللمع مؤتمراً صحافياً اليوم في مقر الرابطة – الكرنتينا، يتناول فيه أعمال المجلس خلال ولايته، والاستعدادات الجارية لانتخابات المجلس التنفيذي المقررة في 19 آذار الجاري،
وقال أبي اللمع لـ«الجمهوريّة» إنّه سيعرض في مؤتمره للملفات التي عملت عليها الرابطة طوال الولاية السابقة، مِن بيع الأراضي إلى الحضور المسيحي في الدولة، والاستحقاقات المسيحية والوطنية، وأبرزُها إنتخابات رئاسة الجمهورية.
وأوضَح أنه سيتناول أيضاً ملفّ انتخابات الرابطة، حيث إنّ هناك عدداً من المرشحين من أصحاب الكفايات، لافتاً إلى أنّه «كانت هناك أصوات تدعو إلى تأجيل الانتخابات، لكنّ البطريرك الراعي رفض هذا الأمر، وطالبَ بإجرائها لكي تشكّلَ حافزاً لانتخاب رئيس الجمهوريّة».
ولفتَ أبي اللمع إلى أنّ «المرشّح الأبرز هو النقيب قليموس، ويسعى إلى تأليف لائحة ذات كفاية، وقد تظهر المساعي في اليومين المقبلين، مع العِلم أنّ احتمال تأليف لائحة مقابلة وارد، لكنّ الترجيحات تذهب في اتجاه عدم تاليف أيّ لائحة منافسة للائحة قليموس».
وقال «إنّ البطريرك الماروني، وفي آخر اجتماع عَقدناه معه طالبَنا بأن نصرّ على انتخاب رئيس للجمهورية، لأنه موضوع حيويّ»، كاشفاً أنّ «الاتصالات مستمرّة بين بكركي وقصر الإليزيه، وبين بكركي والفاتيكان وإيطاليا، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يؤكد في لقاءاته واتصالاته الدائمة مع الراعي أنّ باريس تقوم بكلّ ما بوسعها لتذليل العقبات من أمام هذا الاستحقاق، والأمر نفسُه ينطبق على سعي الكرسي الرسولي للدفع في هذا الاتجاه».