Site icon IMLebanon

 مصير الحكومة مرتبط بالنفايات… و«الحزب» مرتاح لموقف «المستقبل»

وقَع مجلس الوزراء مجدّداً في الشلل نتيجة دوّامة أزمة النفايات، وربَط الرئيس تمّام سلام مصير الحكومة مباشرةً بحلّ هذه الأزمة، حيث قال إنّه لن يكتفي بتعليق الجلسات، إنّما سيقلب الطاولة على الجميع ويُقدم على الاستقالة. وترافقَ هذا الكلام مع استمرار مفاعيل القرارات الخليجيّة ضد «حزب الله»، واتّهام إيران بأنّها تضرب استقرار لبنان، وترحيب الحزب بموقف وزير الداخلية نهاد المشنوق في مؤتمر وزراء الداخلية العرب. ووسط زحمة الملفات خَرقت زيارةُ رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل إلى الرئيس سعد الحريري في «بيت الوسط» الجمودَ السياسي، حيث عرَضا للأوضاع السياسية الراهنة.

طغى ملف العقوبات الخليجية على «حزب الله» وتصنيفه إرهابياً على بقيّة الملفات، وسرقَ الضوء من جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت أمس على وقعِ عدم حسمِ ملف النفايات الذي يتطلّب بعض الوقت، كما يبدو، لحلّه، أو إنّ هذه الأزمة ستنفجر مجدّداً وتفَجّر معها الحكومة.

ولعلّ كلام الرئيس سلام أنّ هذا الملفّ بات بمثابة فضيحة وطنية، يعكس مدى التردّي الذي وصلت إليه معالجة الملفات الحياتية والمعيشية والاقتصادية في البلاد.

وما يزيد الوضع سوءاً، استمرار سياسة التعطيل وشلُّ المؤسسات، ومقاطعة بعض الكتل لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ما يشكّل عائقاً أساسياً أمام انتظام عمل المؤسسات، وضرباً للشراكة الوطنية في الحكم.

وعلى رغم التصعيد الإقليمي، وقرار الخليج بالمواجهة، ومساندة الدوَل العربية للسعودية في تصَدّيها لمدّ النفوذ الإيراني، إلّا أنّ هذه التوتّرات لم تُترجَم مزيداً من التشنّج في بيروت، بل إنّ تيار «المستقبل» و«حزب الله» يستمرّان في بناء مداميك الحوار واستكماله من حيث توقّفَ في الجلسة ما قبل الأخيرة، وسط معلومات عن نجاح الاتصالات لإعادة ترتيب البيت الداخلي ولجمِ التوتّر السنّي- الشيعي.

الجسر

وفي هذا السياق، أكّد عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر لـ«الجمهورية»، أنّ «تيار «المستقبل» سيكون حاضراً بكامل أعضائه المشاركين في جلسة الحوار الثنائية مع «حزب الله» في 16 آذار الجاري، على عكس الجلسة الأخيرة، وسيكون الحوار تحت عنوانَي تخفيف الاحتقان السنّي- الشيعي، وإيجاد حلّ لأزمة الفراغ الرئاسي».

وأوضَح الجسر أنّ «موقفَنا من التطورات الخليجية والعربية سيكون وفقَ السقف الذي حدّده المشنوق في مؤتمر وزراء الداخلية العرب، وهو سيحضر الحوار، والأحداث الأخيرة ستشكّل حافزاً لاستمرار الحوار وضبط الشارع».

إيران و«حزب الله»

وفي أوّل ردّ إيراني، حذّرَت طهران من قرار دوَل الخليج. وقال نائب وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان إنّ «هؤلاء الذين يصِفون «حزب الله» بالإرهابي يستهدفون سواءٌ أكان عمداً أم لا، أمنَ لبنان واستقرارَه».

ولم يتأخّر ردُّ «حزب الله» أيضاً على القرارات، إذ رأت كتلة «الوفاء للمقاومة» أنّ «القرار الخليجي طائشٌ وعدواني». ودانَت «ما تَضمَّنه بيان مجلس وزراء الداخلية العرب لجهةِ وصفِ «حزب الله» بأنه إرهابي»، مبديةً ارتياحَها لاعتراض المشنوق على هذا الوصف «التزاماً بموقف الحكومة اللبنانية».

من جهته، أكّد المشنوق خلال كلمةٍ ألقاها أمام مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، أنه «من الظلم اتّهام جميع اللبنانيين بالخضوع للسياسة الإيرانية». وأوضَح لاحقاً أنه «قبل المجيء إلى تونس تحدّثتُ مع سلام في الخطوط العريضة والخطوط الحُمر التي لا يمكن تجاوزها، وتشاورتُ مع الحريري في مسألة الفصل بين الأوصاف التي يمكن أن تُطلَق على «حزب الله».

مجلس الوزراء

وفي هذه الأجواء، عَقد مجلس الوزراء جلسةً عادية في السراي الحكومي، وعرَض سلام لآخر ما توصّلت إليه جهود اللجنة الوزارية المختصة بمعالجة ملف النفايات الصلبة، لافتاً إلى «أنّ اللجنة حقّقت تقدّماً في عملها، وقطعَت ثلاثة أرباع الطريق نحو الحلّ المرحلي المتمثّل بالمطامر».

ونفى ما تردَّد في وسائل الإعلام عن وجود فكرة لتعليق عمل مجلس الوزراء، معتبراً أنّ «الأمر أبعدُ من مجرّد تعليق للعمل الحكومي، وإنّه يتعلق بوجود الحكومة نفسها وجدواه».

وأشار إلى أنّه «لن يوجّه دعوةً إلى عقد جلسة الأٍسبوع المقبل إذا لم يُحلّ موضوع النفايات». وأضاف: «في حال عدم التوصّل إلى مخرج خلال أيام فإنّني سأعلِن فشلَ الحكومة، وبالتالي عدمَ وجود مبرّر لاستمرارها».

نقاشات الجلسة

وعلمت «الجمهورية» أنّ سلام أبلغَ أمس الأوّل لجنة النفايات نيّته تأجيلَ جلسة مجلس الوزراء إلى حين الاتفاق على حلّ الملف، كونه سبقَ وقال إنّ هذه الجلسة (جلسة الأمس) ستكون حاسمة، لكنّ الوزراء المشاركين في اللجنة طلبوا منه عدم التأجيل كونه سبقَ ودعا إلى الجلسة، وربّما يفهم التأجيل أنّه تعَثّر، في وقتٍ يتقدّم النقاش في اللجنة وبابُ الاتفاق على المطامر وشيك.

فأجاب سلام المجتمعين: «لم أعد قادراً على التحمّل، لقد عُدنا إلى تفعيل عمل الحكومة بعدما أنجَزنا ملف الترحيل، أمّا وقد فشلنا في الترحيل فلا أستطيع الدعوة إلى جلسات لمجلس الوزراء إذا فشلنا أيضاً في الاتفاق على المطامر».

وتراجَع سلام عن التأجيل مشترطاً التوصّل إلى اتفاق على النفايات للعودة عن قراره. واللافت أنّ سلام لم يهدّد فقط بتعليق الجلسات إنّما بتطيير الحكومة، الأمرُ الذي اعتبرَته مصادر وزارية أسلوباً عاليَ السقف لحضّ كلّ القوى السياسية على العمل والاتفاق، لأنّ الأمور لم تعُد تُحتمل.

وأكدت المصادر أنّ «إطاحة الحكومة غير واردة وغير مطروحة في النقاش السياسي، بل على العكس، فإنّ حكومة سلام أخذت جرعات دعم إضافية لاستمرار بقائها، من الجميع، وآخر المواقف الواضحة بهذا الشأن أتت على لسان الحريري».

وعلمت «الجمهورية» أنّ «الاتفاق على ثلاثة مطامر أنجِز ولم يعُد هناك عراقيل أمامه، والبحث يقتصر الآن على مطمر «كجك» في الإقليم، وهو مطمر يراعي الشروط وبَعيد عن الأحياء السكنية، وتجري اتصالات لتأمين توافق القوى السياسية حوله».

القرارات الخليجية

ولم يستطع مجلس الوزراء إبقاءَ نوافذه مقفَلة في وجه عاصفة إدراج «حزب الله» على لائحة الإرهاب، فهو لم يصدّق كيف تجاوَز قطوع موقف الوزير باسيل الأخير ليجدَ نفسَه مجدداً أمام موقف المشنوق، فخلصَ إلى أنْ لا الخارجية ولا الداخلية تستطيعان العبورَ على وحدة لبنان والسلم الأهلي إلى إجماع العرب.

وفي التفاصيل، أنّ النقاش في هذا الملف بدأ بمداخلةٍ لوزير «حزب الله» حسين الحاج حسن اتّسَمت بلهجة حادّة وصَف فيها قرار مجلس التعاون الخليجي بالمسيء والمتماهي مع إسرائيل، فيما رفضَ وزراء «المستقبل» هذا التوصيف، وبدأ نقاشٌ ساخن حول الأزمة المستجدّة منذ توتّر العلاقات بين لبنان والسعودية.

وتوالت المداخلات التي تَدخّلَ فيها سلام أكثر من مرّة لضبط سقف النقاش الذي لم يصل إلى حدّ التصادم بسبب المشترَك الوحيد بين الجميع وهو رفضُ تصنيف «حزب الله» بالإرهابي.

وتلقّفَ الوزير محمد فنيش تصعيد الحاج حسن، وأكّد حرصَ «حزب الله» على الحكومة، مثمّناً موقفَ المشنوق، واصفاً إيّاه بـ«الإيجابي».

وقال إنّ الأمور الخلافية نُعبّر عنها في الخارج. أمّا وزيرا «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والياس بو صعب، وانطلاقاً من رفض مبدأ الشتاء والصيف تحت سقف واحد، سألا عن الفرقِ بين موقفَي باسيل والمشنوق، خصوصاً بعدما سمعا توصيفاً من وزراء «14 آذار» لموقف المشنوق بأنّه بطوليّ.

من جهةٍ ثانية، علمت «الجمهورية» أنّ سلام لم يقبَل بعد باستقالة وزير العدل أشرف ريفي، لكن وزيرة العدل بالوكالة أليس شبطيني وقّعَت بعض المراسيم والأوراق بالوكالة، من دون أن تتسلّم المهام رسمياً.

خليل

من جهته، أوضَح وزير المال علي حسن خليل، أنّ «موقف الحكومة من السياسة الخارجية عبَّرنا عنه بوضوح ضمن البيان الذي أصدرناه حول هذه المسألة. وعلينا إعادة النظر في نقطة يجب أن تكون محطّ إجماع، وهي الرفض الحاسم لتصنيف «حزب الله» بالإرهابي».

دو فريج لـ«الجمهورية»

بدوره، قال الوزير نبيل دو فريج لـ«الجمهورية»: «الأسباب الموجبة لتأليف هذه الحكومة كانت تأمين سَير المؤسسات والاهتمام بشؤون المواطنين، ونحن متّفقون كقوى سياسية أن نتحدّث في الخلافات الكبرى على طاولة الحوار.

كلّ واحد منّا رأيُه معروف، ولن نستطيع تغيير مواقف بعضنا البعض». وأضاف: «بالنسبة إليّ، النفايات اليوم أهمّ مِن كلّ المواضيع المطروحة، وأنا أعرف أنّ حدودي كوزير هي الاهتمام بشؤون الناس، وأتفهّم قرار رئيس الحكومة عدمَ الدعوة إلى جلسة مقبلة قبل حلّ أزمة النفايات».

عريجي لـ«الجمهوريّة»

وأشار وزير الثقافة روني عريجي لـ«الجمهوريّة»، إلى أنه «ليس المطلوب منّا أن نحلّ كلّ القضايا الخلافية على طاولة مجلس الوزراء، نحن معنيّون بإدارة البلد ونلتزم سقفَ البيان الوزاري، وهناك طاولة حوار لمناقشة الخلافات».

وفي حين تتّجه الأنظار إلى جلسة 23 آذار الرئاسية، ويتمترس كلّ فريق خلف مواقفه وترشيحاته، بَرز اللقاء الذي جَمع الحريري وباسيل في بيت الوسط. فقد علمت «الجمهورية» أنّ «باسيل طلب عَقده منذ أيام، وذلك في اتّصال أجراه مع نادر الحريري وفّرَه أحد المقرّبين من الرَجلين، وعبّر باسيل عن رغبته في الزيارة بعدما أكد الحريري أنه لن يزور أيّاً من المرشّحين الرئاسيين».

وتخلّل اللقاء قراءة مفصّلة للتطورات من مختلف جوانبها، ولا سيّما ما يتصل بالانتخابات الرئاسية والوضع الناجم عن السياسية الخارجية للبنان خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب ومؤتمر منظّمة الدول الإسلامية. واكتفَت مصادر مطّلعة بالقول لـ«الجمهورية» إنّ اللقاء لم يقدّم ولم يؤخّر في المواقف المعلنة لدى الطرفين اللذين عبّرا عن مواقف متناقضة.

وقد شدّد الحريري على وجهة نظره ممّا حصَل، محَذّراً من تداعياته على الوضع اللبناني، فيما برّر باسيل موقفَه بالقراءة التي أعلنَها أكثر من مرّة منذ أن بُحثت هذه المواقف في مجلس الوزراء وفي كلّ اللقاءات السياسية التي رافقَت هذه المرحلة.

قليموس

وفي الملف المسيحي، التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أعضاء لائحة «التجذّر والنهوض» برئاسة النقيب أنطوان قليموس. وأثنى على «أجواء التفاهم وتغليب المصلحة العامة التي شهدَها العمل على إعداد لائحة التجذّر والنهوض».

وأكد قليموس لـ«الجمهورية» أنّ «ما حصل في بكركي حدثٌ كبير جداً، والبطريرك الراعي أنصَفني وأعطاني الكثير، لدرجة أنني لم أتوقّع هذا الأمر». وأشار الى أنّه «من الآن وصاعداً لم يعُد هناك مجال للحديث عن التركيبة السياسية في الرابطة، فأنا أرفض منطق المحسوبيات، لأنّ الرابطة ليست حزباً سياسياً أو تجَمّعاً للوجاهة وأخذِ المناصب».

وقال قليموس تعليقاً على عدم رضى تيار «المردة» على إسم نائب الرئيس توفيق معوّض: «هذه حسابات زغرتاوية ولا أدخل فيها، وكلّ من يريد الكلام بعد اليوم عن انتخابات الرابطة وتركيبة لائحتنا أُحيله إلى البطريرك الراعي، فالموضوع بات في عهدته»، مؤكداً أنّ «القوات اللبنانية» والكتائب و«التيار الوطني الحر» أكثر مِن راضين عن اللائحة، ولم يطالبونا بأيّ شيء»، معلِناً أنه سيَعقد مؤتمراً صحافياً قريباً لإطلاق برنامجه، لأنّ «الرابطة ستَشهد ورشة عمل، ونهوضاً لا مثيلَ لها».