فيما دائرة المواجهة بين السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة و«حزب الله» من جهة أخرى، تتّسع بعد التضييق عليه سياسياً وإعلامياً، وبينما العقدة الرئاسية تُراوح مكانها في غياب أيّ معطى جديد، وحلّ أزمة النفايات يدخل مخاض ما قبل الولادة، قفَز الملف الأمني إلى واجهة الأحداث مجدداً ومن بوّابة البقاع الشمالي، بعد تسطير الجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك انتصاراً جديداً على المجموعات الإرهابية، أثبتَ من خلاله أنّ اليد على الزناد، وأنّه بات المتحكّم بزمام المبادرة والمعركة هناك، من دون تركِ أيّ فرصة للإرهابيين للتسَلل إلى الداخل اللبناني.
لم يسجَّل أيّ جديد على جبهة الاستحقاق الرئاسي في ضوء جلسة الحوار الوطني التي تناولته بالبحث أمس، والتي وصَفها رئيس مجلس النواب أمام زوّاره بأنّها كانت جيّدة، موضحاً أنّ النقاش فيها لم يكن بالحدّة التي تحدّث عنها البعض.
الحريري
وفي هذه الأجواء أطلّ الرئيس سعد الحريري في مقابلة متلفزة مع الزميل مارسيل غانم في برنامج «كلام الناس» أكّد خلالها أنّ «الكرة في ملعب «حزب الله» لأنه يمنع الانتخابات الرئاسيّة»، مشيراً الى «أننا سننتخب رئيساً للجمهورية، وأنا أوافق الدكتور سمير جعجع بانتخاب رئيس في نيسان، وهناك ضغط متصاعد في هذا الإتجاه». وأكد «أنّ لرئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية أسبابه لعدم النزول الى جلسة الانتخاب، وأنا اتفهّمه لأنه هو ايضاً من فريق 8 آذار».
وعن طرح الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله «السلّة الكاملة»، اعتبَر الحريري أنّ نصرالله «استغنى عنها في آخر مقابلة، ومع كلّ احترامي للسيد حسن نحن موجودون في البلد ورشّحنا شخصاً من فريقه، نحن لا ننفّذ تعليمات «حزب الله «ولكن نريد تسيير امور البلد، فإذا كان أحد يريد وقف البلد ويَعتقد أنّ البلد يسير هكذا، فالبلد لا يسير هكذا».
ورأى الحريري أنّ «الحوار يجب ان يحصل مع «حزب الله» الذي نختلف معه، واتّفقنا في كثير من الامور معه في السابق، ولكننا نختلف ايضاً، وأحد وجوه الاختلاف الملف الرئاسي». وأضاف: «مع كلّ محبتي للحكيم أو للجنرال عون أو لأيّ شخص آخر لا أحد أكبر من بلده «فليفهموها كلّن».
وأوضح انّ «ما أريده من «حزب الله» هو تسليم المتّهمين باغتيال والدي إلى المحكمة الدولية وأنا لا أخوض معركة من أجل الانتقام، وهذه هي المرّة التي تقول فيها محكمة إنّ هؤلاء هم من نفّذوا الاغتيال، وإذا كان هؤلاء من نفّذ عملية الاغتيال فهذه وصمة عار على «حزب الله»، ولكن هم مكوّن سياسي في البلد».
وأعلن الحريري «أنّ السعودية ليست ضد الحوار مع «حزب الله»، وهي تقوم بحوار مع الحوثيين في اليمن، والحوار يكون بين الأفرقاء المتخاصمين». واعتبر «أنّ انتخاب رئيس الجمهورية هو مفتاح الحل، وبعد ذلك يكون هناك حوار مع «حزب الله»، مؤكداً أن «لا مانع من لقائي نصرالله في حال كانت هناك مصلحة البلد».
ولفتَ الى أنّ «الإجراءات الخليجية أحرجَت لبنان وجميع اللبنانيين وليس فريقاً معيناً، وهذه الدول هي من تقرّر مصالحها، لكن جميع اللبنانيين متضررون، وإذا كان هناك فريق يعتبر أن لا علاقة له بلبنان فهذه مشكلة، وعلينا أن نعمل لكي لا تُستكمل هذه الإجراءات»، مشيراً الى أنه «لا يمكن أن يقوم «حزب الله» بكل ما يعمل في الخليج ومن ثمّ يقول إنّ الإجراءات الخليجية تضرّ الوحدة الوطنية». وأكّد الحريري أنه «لا يفرّقني عن حلفائي إلا الموت».
جنبلاط وهولاند
وسط هذا المشهد، تترقّب الأوساط السياسية ما سيُسفر عنه اللقاء في قصر الإليزيه اليوم بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي سيلتقي أيضاً وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت العائد توّاً من إجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة.
وكان جنبلاط التقى امس في الإليزيه مستشارين للرئيس الفرنسي ووزير الخارجية الفرنسي السابق ورئيس المجلس الدستوري لوران فابيوس، ووزير الثقافة السابق ورئيس معهد العالم العربي جاك لانغ.
وعشية لقائه مع هولاند، قالت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«الجمهورية» إنّ جنبلاط يحمل معه الى الإجتماع اربعة ملفات أساسية يسعى الى مناقشتها واستكشاف الأجواء الفرنسية والدولية منها، بعد الوقوف على نتائج الإتصالات التي شهدتها باريس في الفترة الأخيرة عقبَ زيارة الوفد السعودي اليها برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وعضوية وزير الخارجية عادل الجبير، وعشية اللقاءات الفرنسية مع أطراف الحلف الدولي على الإرهاب.
وأوضحت المصادر أنّ الملفات الأربعة يمكن إدراجها تحت عناوين اقليمية ومحلية نظراً للتداخل في ما بينهما ويمكن تلخيصها بالآتي:
أوّلاًـ إنتخاب الرئيس العتيد للجمهورية في ضوء المبادرات التي قادتها فرنسا في الفترة الماضية مع القيادة الإيرانية بعد زيارة الرئيس حسن روحاني اليها والفاتيكان وما شهدَته باريس من لقاءات تناولت الإستحقاق الرئاسي وحصيلة مشاورات موفديها الى المنطقة، وتحديداً الى طهران والرياض والفاتيكان سعياً الى مقاربة يمكن ان تنهيَ الشغور الرئاسي المتمادي في قصر بعبدا قبل تسعة عشر شهراً تقريباً.
ثانياًـ المظلّة الدولية الحامية للبنان وسبل تعزيزها والإستفادة منها قدر الإمكان واستثمارها لما يَضمن الإستقرار الداخلي واستمرار الهدوء على الساحة اللبنانية وإبعاد النار السوريّة عنها، وما يقتضيه ذلك من دعم للجيش والقوى الأمنية اللبنانية على كل المستويات العسكرية والتقنية وبرامج التدريب التي تعزز من كفاية القوى الأمنية وقدرات أجهزتها وأسلحتها على خلفية وقف العمل بالهبة المالية السعودية من الأسلحة الفرنسية.
ثالثاًـ الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه لبنان نتيجة تداعيات النزوح السوري وسبل تعزيز الاستقرار النقدي والمالي والخروج من الحصار الاقتصادي الخليجي المفروض حديثاً على لبنان والذي يهدّد مصير عشرات الألوف من العائلات اللبنانية ومصدر عيشها، والحدّ من الضغوط التي يتعرّض لها لبنان جرّاء النزوح السوري وحجم اللجوء الذي لم تستوعب مثيلاً له القارة الأوروبية بكل دولها.
رابعاًـ الأزمة التي تشهدها سوريا وتداعياتها الخطيرة على دول الجوار السوري ولبنان إحداها، بالإضافة الى ما هو مطروح على طاولة الحلف الدولي وموسكو وطهران والرياض من مشاريع في مواجهة الإرهاب الذي يهدد لبنان ودول المنطقة.
وأكدت المصادر أنّ العلاقات المميزة التي تجمع جنبلاط بهولاند منذ سنوات تحت رعاية «الإشتراكية الدولية» تَسمح له بجدول أعمال واسع لا يتجاهل أياً مِن الملفات المحلية والإقليمية والدولية المفتوحة على شتّى الإحتمالات، السلبية منها والإيجابية، وعلى خلفية مخاوفه على الاستقرار في لبنان والتي تشكّل هاجساً كبيراً يرافق عمله وممارساته في بيروت، وفي أيّ لقاء يَجمعه مع قياديين في أيّ دولة من العالم.
ملحمة جديدة للجيش
مِن جهة ثانية، سطّرَ الجيش اللبناني أمس ملحمة بطولية جديدة في حربه على الإرهاب، حيث باغتَ بهجوم استباقي مواقعَ لتنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك كانت تخطّط لمهاجمة مواقعِه في المنطقة.
وفي التفاصيل، أنه بعد عمليات مراقبة طويلة وتقَصٍّ لتحرّكات المجموعات المسلحة في الجرود، شَنّت عناصر من الفوج المجوقل في الجيش عند الثالثة والنصف فجر أمس، هجوماً كبيراً على مركز قيادة متقدّم لتنظيم «داعش» في تلّة «خلف» في جبل «المخيرمة» في جرود رأس بعلبك، حيث دارت اشتباكات عنيفة استخدمَ فيها مختلف أنواع الأسلحة وبمساندة المروحيات والقصف المدفعي، وقد استشهد الجندي محمد حسام السبسبي (مواليد عكّار)، وسقط 4 جرحى من العسكريين نقِلوا إلى عدد من المستشفيات، فيما تمكّن الجيش من قتل وجرح عدد من الإرهابيين إضافةً إلى تدمير المركز بأسلحته وعتاده.
مصدر أمني لـ«الجمهورية»
وفي هذا الإطار، أكّد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ «العملية جاءت بعد توافر معلومات للجيش عن نيّة الإرهابيين شَنَّ هجوم على مراكزه، خصوصاً أنّ المركز الذي كانت تسيطر عليه «داعش» يطلّ على مراكز الجيش في المنطقة.
وبالتالي، يشكّل خطراً بالمفهوم العسكري»، ولفتَ إلى أنّ «الجيش استطاع من خلال هذه العملية السيطرة على نقطة عسكرية مهمّة تُتيح له مراقبة مراكز التنظيم الموجودة هناك، والتي أصبحت تحت مرمى نيرانه، ما يُتيح له رصد تحرّكات المسلحين وتأمين الحماية لمراكزه».
قهوجي
من جهته، أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي «أنّ الجيش يمتلك المبادرة، وسيضرب الإرهابيين بكلّ قوّته وبحسب توقيته». وقال: «لن نتركهم يأتون إلينا، بل سنلاحقهم وسنضربهم أينما وُجدوا، هذا هو قرارنا الذي اتّخذناه ولا رجعة عنه، وإنّ ما قام به العسكريون اليوم (امس) هو رسالة للقاصي والداني بأنّ الجيش يمتلك الإرادة والقرار بهزيمة هذا العدوّ، وسنهزمه وسنمنعه من تحقيق أهدافه بتخريب بلدنا وإقامة إماراته ومشاريعه وإشاعة الفوضى والفتنة فيه».
وشدّد قهوجي على أنّ «عيوننا يقظة أكثر من أيّ وقت مضى، قلناها ونكرّرها اليوم. جيشنا قوي أكثر من أيّ وقت مضى، وأثبتَ أنه من أكثر الجيوش تماسكاً وجدارةً في قتال الإرهابيين، وهو يمتلك زمام المبادرة». وأضاف: «لن نسمح للإرهاب بنسف بيتنا الداخلي أو بتهديد وحدة لبنان وأمنِه واستقراره».
وجدّد قهوجي التأكيد على أنّ «الجيش لن يترك كرةَ النار الإقليمية تتدحرج إلى لبنان، وسيواجه أيّ محاولة تهدف إلى إحياء مشاريع الفوضى والتفرقة والتقسيم، أو الإطاحة بصيغة العيش المشترك والوحدة الوطنية».
ملفّ النفايات
على صعيد آخر، لم يبصِر حلّ أزمة النفايات النور بعد، إذ لم يكن اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة حلّ هذه الكارثة مساء أمس حاسماً ولا نهائياً، بحيث إنّه كلّما يتقدم البحث خطوات كان يدخل في تعقيدات جديدة تفرضها التفاصيل على الارض.
وعلمت «الجمهورية» أنّ النقاش في اجتماع الامس كان متشنّجاً، خصوصاً أنّ رئيس الحكومة تمام سلام يَدفع اللجنة الى العمل تحت ضغط الوقت، ويَعتبر أنّ القوى السياسية لا تزال تمارس الإزدواجية بين مواقفها الداعمة وعدم فعاليتها بفرض الحل. وعُلِم أنّ سلام كان حاسماً برفضه استخدام القوّة لفرض المطامر حتى لا يتحوّل الحل صداماً آخر.
وتُعاود اللجنة اجتماعها عصر اليوم وتستكمل البحث استناداً إلى أجوبة يفترض ان تأتي بها القوى السياسية حول الثلث المتبقّي من الحل الذي تحدّثَ عنه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، فإمّا يحصل التوافق وإمّا يرَحّل البحث مجدداً إلى اجتماع آخر.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «إنّ تقدّماً ملموساًَ حصَل في موضوع النفايات، خصوصاً لجهة توزيع المطامر، وإنّ هذا الملف بات ينتظر تغطية بقرار سياسي وآخَر مالي».
وأشارت الى انّ ما تمّ حسمه تقريباً هو أنّ مكبّ برج حمود سيكون لنفايات المتن وكسروان والشويفات لنفايات عاليه والشوف ولكوستابرافا» للضاحية، أمّا نفايات بيروت فتوزَّع على الجميع». وتوقّعت المصادر أن يتبلور الحلّ خلال الساعات المقبلة.
المشنوق
وقال المشنوق لـ«الجمهورية»: «المساعي التي يقوم بها كلّ مِن الرئيس نبيه بري والرئيس تمام سلام والنائب وليد جنبلاط ومسؤولي «التيار الوطني الحر» وحزب «الطاشناق» و»حزب الله» ستُمكّن من التوصّل الى حلّ، لأنّ الجميع جادّون في عملهم».
وعن نأي جنبلاط بنفسه، قال المشنوق: «هو ينأى لأنّه بعيد خارج الحدود ويتواصل عبر الهاتف».
حكيم لـ«الجمهورية»
في مجال آخر، كشفَ وزير الاقتصاد والتجارة ألان حكيم لـ«الجمهورية»: «أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري أعطى دعمه الكامل من الناحية التشريعية في ما خصّ شروط انضمام لبنان الى منظمة التجارة العالمية، وأبدى الاستعداد الكامل لإقرار كل القوانين المطلوبة في المجلس النيابي لتعبيد الطريق أمام الدخول الى هذه المنظمة الدولية».
وذكّر حكيم بالقوانين الواجب إقرارها في مجلس النواب لهذه الغاية، ومنها: قانون سلامة الغذاء، (أقِرّ)، مشروع قانون الحجر البيطري، قانون التجارة الخارجية المطروح حاليّاً أمام اللجان النيابية، تعديل شروط الخدمات القانونية، تحرير قطاع النقل البحري، تحديد تنفيذ قطاع خصخصة الهاتف الخلوي.
وكان بري قد استقبل رئيس فريق العمل الخاص لانضمام لبنان الى منظمة التجارة العالمية مندوب فرنسا في المنظمة جان بول توييه ورئيس قسم الانضمام الى المنظمة شييدو اوزاتوي، برفقة وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم، وتمّ البحث في ملف انضمام لبنان الى هذه المنظمة التي تضمّ 162 دولة حتى الآن.