ينتظر العالم ومعه لبنان، أن يتظهّر مسار الجولة الأخيرة من المفاوضات النووية بين طهران ومجموعة دول 5+1 الجارية في فيينا حول الملف النووي الإيراني، وهل سيتصاعد الدخان الأبيض وتُكتب نهاية سعيدة قبل 24 الجاري، أم لا؟ (التفاصيل ص 14-15) وفيما يسود الساعات الحاسمة في فيينا غموض وتشكيك، أبدى وزير الخارجية الاميركية جون كيري تشاؤمه من إمكان التوصّل إلى اتّفاق نووي مع إيران، مشدّداً على رفض بلاده التمديدَ للمفاوضات، فيما اعتبر المفاوض الروسي سيرغي ريابكوف أنّ «المفاوضات النوويّة تتمّ في جَوّ شديد التوتّر، ما يُصعّب التوصّل إلى اتّفاق»، وفقَ ما نقلت عنه وكالة «ريا نوفوستي» الروسيّة. وتابع: «لا دفعَ جديداً في المفاوضات، وهذا يعني أنّ التوصّل إلى اتّفاق صعبٌ، فالوقت يمُرّ، واللقاءات تتواصَل، والبحث في الصيَغ المختلفة للاتفاق المنشود مستمرّ بلا انقطاع».
تأتي هذه التطوّرات، فيما يصل وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل اليوم إلى موسكو، حسب ما أكّدت الخارجية الروسيّة. وبحسب المعلومات، فإنّ المحادثات بين الفيصل ونظيره الروسي سيرغي لافروف ستتناول مسائلَ عدّة، في مقدّمها الملفّ النووي الإيراني والأزمة السوريّة وأسعار النفط في السوق العالميّة، إضافةً إلى العلاقات الثنائية.
وخلافاً للسخونة التي تتّسمُ بها المفاوضات الجارية في فيينا بين إيران ومجموعة الـ»5+1» في الملف النووي الايراني، وعشية وصول العاصفة الطبيعية الى لبنان، سيطرَت البرودة السياسية على الواقع السياسي الداخلي، وانسحبَت على جلسة مجلس الوزراء التي لم يرشح عنها أيّ جديد، وأرجأت البتّ في بندَي استدراج العروض لشراء الفيول أويل والغاز أويل، ومنح تراخيص بفتح كليات لبعض الجامعات الخاصة، في حين سيحضر ملف الاتصالات «الساخن» في اجتماع يُعقد في السراي الحكومي اليوم برئاسة رئيس الحكومة تمّام سلام وحضور الوزراء بطرس حرب وجبران باسيل ومحمد فنيش.
إلّا أنّ هذه البرودة لم تنسحب على ملف الإستحقاق الرئاسي، على رغم الشغور المستمر في موقع الرئاسة الأولى منذ 24 أيار الماضي، في موازاة الدعوات الدولية الى ضرورة إنهائه بالشروع فوراً في انتخاب رئيس للجمهورية بعدما مُدّدت ولاية المجلس النيابي.
وفي هذا السياق تفاعلت «مبادرة» رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون القائلة بتعهّد الكتل النيابية التزام التصويت له أو لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع شرطاً أساسياً للمشاركة في جلسات الانتخاب، في وقتٍ وصفَتها «القوات» بأنّها مبادرة «إيجابية ولو أتت متأخّرة».
لكنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي أدرجَ مبادرة عون في سياق السجال الدائر بين الجانبين حول الاستحقاق الرئاسي، ولم يُبدِ حيالها أيّ تعليق إضافي. أمّا سلام فشدّدَ في كلمة له في ذكرى الاستقلال استهلّ بها جلسة مجلس الوزراء، على ضرورة انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت ممكن، وأشار الى أنّه «بات واضحاً أنّ التمترس خلف المواقف المتشدّدة من هذه الجهة أو تلك، لم يوصلْ، ولن يوصلَ، إلّا إلى طريق مسدود».
ودعا إلى «التعامل بإيجابية مع أيّ إشارة انفتاح أو مبادرة طيّبة تصدر عن أيّ طرف من الأطراف، والتعامل معها بإيجابية والبناء عليها لفتحِ كوّة في جدار الأزمة». وأكّد سلام «أنّ معركة لبنان مع الإرهاب صعبة، وانتصاره يتطلّب تعزيزَ المناعة الداخلية والتزام مبدأ النأي بالنفس عن النزاعات الخارجية والالتفافَ حول القوات المسلّحة الشرعية».
ومن جهته علّق رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميّل على طرح عون حصرَ الترشّح بينه وبين جعجع، فقال: «هذه حرب إلغاء للديموقراطية، ونرفض أن يُفرَض على اللبنانيين منطق كهذا».
«القوات»
لكنّ «القوات» رحّبَت بحذَر بهذه المبادرة العونية، وقال عضو كتلتها النائب جورج عدوان: «منذ البداية طرحنا هذا الموضوع، وقلنا فليتفضّل العماد عون وينزل لنجريَ الانتخابات، ومن يربح فيها يهنّئ الآخر. أعتقدُ أنّ العماد عون تبنّى ذلك الآن، وهذا أمر جيّد. في الجلسة المقبلة إذا استطعنا تقديمَ موعدها، فليحضر العماد عون وتتمّ الانتخابات الرئاسية، ومن ينجح نهنّئه بكلّ ديموقراطية. ونحن في «القوات» على استعداد للنزول الى الانتخابات، والدكتور جعجع هو مرشّحنا، وإذا حصلت الانتخابات من ينجحْ نهنّئه».
كنعان
وأكّد أمين سر تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية» أنّ مبادرة عون «ليست موجّهة إلى طرف واحد، بل إلى جميع الأطراف في لبنان»، وقال: «إنّ إحدى الطرُق لمعالجة الخَلل في النظام السياسي، خصوصاً على مستوى التمثيل المسيحي هي احترام إرادة المسيحيين من خلال الانتخابات الرئاسية، وإذا كانت القوانين الانتخابية الجائرة المعتمَدة منذ «الطائف» وحتى اليوم منعَتهم من أن يكونوا شركاء فعليّين من خلال تمثيل سليم وصحيح في المجلس النيابي وحرَمتهم من ان تكون لهم الكلمة الفصل في استحقاقات كثيرة، ولا سيّما منها الاستحقاق الرئاسي، أتَت مبادرة العماد عون في السياسة ـ إذ نعلم طبعاً أنّه بالقانون والدستور يحقّ لكلّ شخص أن يترشّح ـ لتعطيَ الكُتَل النيابية الفرصة لكي تترجم وعودَها ومواقفَها حول الاستحقاق الرئاسي من خلال انتخابات تكون بين المرشّحَين الأقوى على الساحة المسيحية».
وعن حظوظ نجاح هذه المبادرة قال كنعان: «كلّ من لا يريد تمثيل المسيحيين بحجمهم سيجد ألفَ عُذرٍ وعُذر لكي يخرج من هذا الطرح. لقد تقدَّمنا حتى اليوم بثلاث مبادرات: طرح دستوريّ بتعديل المادة 49 وانتخاب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشَر، وطرح الانتخابات النيابية على أساس قانون يؤمّن المناصفة، واليوم نطرح مبادرة سياسية لا تعدّل الدستور والقوانين، إنّما تتطلّب من كلّ الكُتل إرادةً للنزول الى المجلس النيابي واحترام التنافس المسيحي ـ المسيحي واختيار أحد المرشّحَين.
فإذا رُفِضت هذه المبادرة فعندها ستسقط كلّ الأقنعة لأنّها مبادرة لا تمسّ الدستور ولا تطرح تعديلاً ولا تؤدّي إلى أيّ نتيجة سلبية، ففي النهاية من يدعم جعجع فليتفضّل وينتخبه، ومن يدعم العماد عون فليتفضّل وينتخبه أيضاً».
وأضاف: «الإرادة السياسية هي ما نريد، ولا ننتظر مواقفَ ولا نرصد ردّات فعل، فالذين يريدون حقيقةً احترام إرادة المسيحيين، وانتخاب رئيس لأنّ هناك من يتلطّى وراء قضية النصاب ولا يؤيّد فعلياً انتخاب رئيس يمثّل المسيحيين، هؤلاء ستسقط الأقنعة عنهم اليوم إذا تعاطوا مع هذه المبادرة سلباً».
وأكّد كنعان «أنّنا لن نألوَ جهداً لتصحيح التمثيل المسيحي وتأمين الشراكة الوطنية الفعلية في النظام، والتي وحدها تؤمّن حماية لبنان والعَيش المشترك».
فتفت
من جهتِه، وصفَ عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ«الجمهورية» مبادرة عون بأنّها «طرحٌ استفزازيّ وغير ديموقراطي، لأنّه يمنع جميعَ الناس من أن يترشّحوا، ويطلب التزاماً من النواب بالتصويت إمّا له وإمّا للمرشّح الآخر، وهذا منافٍ للدستور الذي يمنع وضعَ أيّ شروط على أيّ قرار يتّخذه النائب، وهو بذلك يلغي الحياة السياسية في لبنان».
وقال: «طرحُ عون مناورة يحاول من خلالها نزع مسؤولية التعطيل عن ظهره، لأنّ حَظه بالفوز صفر في المئة، فطرحُه غير سياسي وغير قانوني، ولينزل إلى المجلس وليَخُض معركة ديموقراطية، ومَن يفُز يفُز، فلماذا يخاف مِن خوضِها؟».
واستغربَ فتفت طرحَ عون «فهو منذ مدّة قال إنه يرفض الترشّح ضد جعجع، إنّها مشكلة، كيف سنتعاطى معه؟ هذا الشخص كلّ يوم برأي، عندما يتسلّم سدّة المسؤولية لا نعرف أيّ رأي سيلتزمه، لم تعُد هناك صدقية لا لمشروع ولا لبرنامج ولا لكلام ولا لالتزام. ثمّ إنّ عون يَعتبر أنّ المجلس النيابي غير شرعي وغير دستوري، فكيف يطلب منه أن ينتخبَه رئيساً للجمهورية؟».
طعنُ «التيار»
من جهة ثانية يعقد المجلس الدستوري اجتماعَه الثاني برئاسة رئيسه الدكتور عصام سليمان العاشرة قبل ظهر اليوم للنظر في الطعن الدستوري المقدّم من كتلة نوّاب «التيار الوطني الحر» في قانون التمديد لمجلس النوّاب، وذلك في ضوء التقرير الذي أعدّه مقرّر المجلس في شأن هذا الطعن. وقال أحد أعضاء المجلس لـ«الجمهورية» إنّ درس التقرير يحتاج الى أكثر من جلسة، وإنّ الجلسة التمهيدية والقراءة الأولى لهذا التقرير ستتمّ اليوم، وسيضع أعضاء المجلس ملاحظاتهم الأوّلية عليه.
وأضاف: «إنّ الأمر الوحيد الذي لم يعُد ممكناً بعد دخول المجلس النيابي اليوم يومَه الأوّل من الولاية الممدّدة بموجب القانون الثاني، هو القرار الذي كان متوقّعاً بتقصير مهلة التمديد من عامين وسبعة أشهر إلى مهلة تقنية أو إدراية قُدّرت يومها بسنة حدّاً أقصى».
وقال «إنّ هذا التوجّه يمكن ان يكون ترجمةً لاقتناع المجلس بأنّ المهلة المحدّدة للتمديد طويلة جداً. لا بل فهي مهلة خيالية إذا انطوى القرار في أسبابه الموجبة على الأسباب والظروف الأمنية التي دفعت الى التمديد طوال هذه الفترة».
وختم: «إنّ قرار تقصير الولاية كان من مهمة المجلس في الولاية السابقة، وليس الجديدة التي تبدأ غداً (اليوم)، وهو إنْ بدأَ ولايته الجديدة لن يعود قادراً على تقصيرها إلّا بموجب قانون جديد، وهذا ما وعدَ به «التفاهم النيابي الواسع» الذي كوّن الأكثرية النيابية من 95 نائباً أيّدَت قانون التمديد، وسيبقى الأمر رهناً بترجمة وعدِهم بأنّ مدّة الولاية الممدّدة يمكن أن تقصّر فور انتخاب رئيس جمهورية جديد الى الفترة التي تسمح تقنياً وإدارياً ومادياً وأمنياً بإجراء الإنتخابات النيابية».
الحوار بين «المستقبل» و«الحزب»
من جهة ثانية، تتواصل التحضيرات بعيداً من الأضواء لإطلاق حوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله». وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي لزوّاره أمس إنّه مستمرّ باتصالاته من أجل تهيئة الأرضية اللازمة لهذا الحوار، ويعمل حالياً على إعداد مسوّدة جدول أعماله بالتزامن مع وضع تيار «المستقبل» مسوّدة مماثلة.
وشدّد على أن «لا شروط مسبَقة للحوار، وأنّ هناك اتّفاقاً على مبدأ حصوله». وأشار إلى أن ليس من الضروري ان يحضرَه هو أو رئيس «اللقاء الديموقراطي»، لأنّ المقصود منه هو توصّل «التيار» و»الحزب» الى تفاهم في ما بينهما.
وأكّد برّي أنّ «من المبكر القول إنّ هذا الحوار سيحصل خلال أيام قليلة، ولكنّ تحديد الموعد يتمّ في ضوء إنجاز جدول الأعمال، ومتى أمكننا معرفة
متى يبدأ، يمكن التكهّن بموعد انتهائه». وقال: «إنّ جدول الأعمال سيتضمّن كلّ المواضيع التي يمكن الاتفاق عليها، وذلك على غرار ما يحصل في جلسات مجلس الوزراء، أي مناقشة ما يَسهُل الاتفاق عليه وتركُ المواضيع الشائكة بين الطرفين ألى أوانها».
وردّاً على سؤال عن مطالبة المملكة العربية السعودية مجلسَ الأمن الدولي بوضع حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية وإمكان تأثير ذلك سلباً على الحوار بينه وبين «المستقبل»، قال برّي: «ستحصل خلال أيام اتصالات مع السعوديين في شأن موقفِهم المستجد من حزب الله، لكي لا يشوّش هذا الموقف على جهود الحوار».
مصدر عسكري رفيع
وفي الملف الأمني، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «ملاحقة الخلايا الإرهابية مستمرّة في كلّ مناطق لبنان، والعمل لا يتركّز على المناطق التي شهدَت اشتباكات فقط، والتي كانت تأوي بؤَراً إرهابية»، لافتاً إلى أنّ «الإرهابين يبتعدون فترةً عن تلك البؤَر لأنّ الخِناق قد ضاق عليهم، ويلجَؤون الى مناطق بعيدة عن الصدامات، ضمن استراتيجية هروب جديدة يعتمدونها، لذلك، فإنّ العين الأمنية تراقب كلّ المناطق بلا استثناء، لكي لا تُستخدَم أيّ منطقة منصّةَ عملٍ وانطلاقٍ لتلك الجماعات».
الى ذلك، أكّد المصدر أنّ «عمليات الدهم التي حصلت في بريتال تؤكّد أنّ الجيش ماضٍ في تطبيق الخطة الامنية بقاعاً، وملاحقة المجرمين والمهرّبين والعصابات كافّة، ومنفّذي جريمة بتدعي».
وكانت دورية من مخابرات الجيش دهمَت منزل علي شهاب اسماعيل الملقّب «علي السرعيني» والمطلوب بمذكّرات توقيف عدّة بجرائم السرقة والسَلب بقوة السلاح في بريتال، وأطلقَت النار في اتجاهه لدى محاولته الفرارَ فأصِيب بجروح طفيفة وتمّ توقيفُه وبوشِرالتحقيق معه.