لم تسترح الحكومة بعد معركة النفايات وما خلّفته من تصدّعات هوَت بها من دون أن تسقِطها بفعل قرار بقائها. وعلى ما يبدو، فإنّ هذا القرار لن يعدوَ كونه سقفاً متّفقاً عليه بين القوى السياسية لتغطية ما تبقّى من بلد مكشوف من رأس الهرم إلى أسفله، وحتى فضائه الذي تبيّن أنّه مشرّع أمام السرقة والتجسّس. وهذا السقف لم يُحصّن مجلس الوزراء بمناعة تمكّنه من تخطّي ملفّاته الخلافية، فشهدَ مجدّداً في جلسة الأمس خلافاً مثلّث الأضلاع: أزمة جهاز أمن الدولة، معركة التعيينات المزمنة، وقنبلة «القمح المُسرطن» المستجدّة التي فجّرت معها حرب مختبرات امتدّت إلى الوزراء المعنيين. وفي غضون ذلك أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن قلقِهم العميق «إزاء الشغور في سدّة الرئاسة منذ نحو 21 شهراً، والأزمة السياسية الحاليّة في الحكومة»، مجدّدين دعوتَهم جميعَ القادة اللبنانيين إلى»عقدِ دورة برلمانية، والشروع في انتخاب الرئيس». وناشَدوا الحكومة «تحديدَ مواعيد لإجراء الانتخابات المحلية، وإجرائها ضمن الجدول الزمني المحدّد».
علمت «الجمهورية» أنّ رئيس الحكومة تمام سلام افتتح جلسة مجلس الوزراء بكلمة دعا فيها الوزراء الى مناقشة جدول الاعمال مباشرة والبحث في البنود المتراكمة، مفسحاً المجال لمناقشة قضايا من خارج جدول الاعمال لكن بعد الانتهاء منه، وقال: «أنا شخصياً لديّ ثلاثة ملفات أريد مناقشتها».
وإذ تحدّث الوزيران آلان حكيم وميشال فرعون مطالبين بحل أزمة جهاز أمن الدولة. كرر سلام موقفه الداعي الى مناقشة جدول الاعمال وترك بقية المواضيع الى ما بعد الانتهاء منه، مبدياً امتعاضه من تصريح حكيم قبل الجلسة الذي هدّد فيه بمغادرة مجلس الوزراء قبل الدخول اليه ومناقشة الامر داخله.
فتدخّل الوزير جبران باسيل مُعقّباً على أزمة جهاز أمن الدولة ومتطرقاً الى موضوع التعيينات والوظائف في القطاع العام والغبن المسيحي الحاصل فيها.
فانفعل سلام وطلبَ من الجميع التوقّف عن الكلام، وبنبرة عالية وبأجواء متشجنة قال: «بيكفي لهون وبَس، رئاسة الحكومة ليست ممسحة، من حقّي كرئيس حكومة ومن صلاحياتي ان احدّد ما يناقَش وما لا يناقَش بحسب جدول الاعمال، وهذا الاسلوب لم يعد مقبولاً على الإطلاق، أنتم تخرجون من مجلس الوزراء وتطلقون النار على الحكومة، وفي الداخل تقولون لي إنّكم معي وإنّ الحكومة باقية.
«أنا ما رح إقدر كفّي هيك»، إما ان نحترم بعضنا وتحترموني وتحترموا صلاحياتي بإدارة الجلسة وإمّا لنَرفعها». وإذ همَّ سلام بالخروج مهدداً بترك الجلسة، تدخّل الوزراء القريبون منه ووزراء حركة «أمل» و»حزب الله» طالبين منه العودة.
وبلغَت الأجواء ذروة التشنج، وتوجّه الوزير علي حسن خليل الى باسيل قائلاً: «هذه الطريقة لإثارة ملف التعيينات ليست مقبولة، فلنأخذ الموضوع في سياقه الدستوري والقانوني». وعندما هدأت الأجواء وعد سلام بأن يستكمل اتصالاته المتعلقة بجهاز أمن الدولة وأن يدرج ملفّه في جدول أعمال الجلسة المقبلة.
وعندها باشر الوزراء مناقشة جدول الاعمال وسط أجواء هادئة، فأقرّوا معظم البنود، فيما كان عدد كبير من المراسيم يجول على الوزراء للتوقيع.
القمح المسرطن؟
إلّا أنّ الهدوء النسبي خلال مناقشة جدول الاعمال لم ينسحب على ختام الجلسة، حيث اشتعل فتيل التوتّر مجدّداً لدى إثارة قضية القمح المسرطن وحصلت مشادة كلامية حادّة بين حكيم ووزير الصحة وائل ابو فاعور على خلفية التضارب في نتائج المختبرات
وفي معلومات «الجمهورية» أنّ حكيم اتّهم ابوفاعور بالتصرّف «بطريقة شعبوية دعائية» بعيدة من المسؤولية واستعمال المواطنين لهذه الغاية. فردّ ابو فاعور الاتّهام متّهماً حكيم بـ«الطعن في الظهر»، واحتدّ السجال بينهما الى ان حسَمه رئيس الحكومة بالدعوة الى اجتماع عاجل يعقَد اليوم بين الوزراء المعنيين، حكيم وابوفاعور واكرم شهيب . وانتهت الجلسة من دون انتهاء التوتر الذي عكسته تصريحات الوزراء لدى خروجهم.
مشادة جريج ـ بوصعب
وإلى ذلك، سُجّلت مشادة إعلامية بين وزيري الاعلام والتربية رمزي جريج والياس بوصعب الذي قال إثر الجلسة إنّ «مجلس الوزراء يسير على شفير الهاوية وإنّ الساعة الأولى (من الجلسة) شهدت تشنّجاً وتوتراً، خصوصاً في موضوع التوظيفات».
فردّ جريج على بو صعب قائلاً: «هو من يَسير نحو الهاوية وليس مجلس الوزراء».
و لاحقاً ردّ بوصعب على جريج، في تغريدة على «تويتر»، قائلاً: «لو كان معالي وزير الإعلام حاضراً جلسة مجلس الوزراء اليوم لأدركَ عمقَ الأزمة والهاوية التي تحدَثتُ عنها…»
رفع النفايات
وفيما لم يناقش مجلس الوزراء موضوع شبكة الانترنت غير الشرعية أبدى ارتياحه الى مسار قرارات الحكومة المتعلقة بخطة رفع النفايات، وطلب شهيب ساعات اضافية لإستكمال اتصالاته لتذليل بعض العقبات من امام التنفيذ، في وقتٍ أعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق انّ ساعة الصفر ستبدأ مساء اليوم.
ولفتَ باسيل لدى خروجه إلى أنّه «تمّ الأخذ بنتائج المباراة المتعلقة بالسلك الديبلوماسي، وعددُ المسيحيين الناجحين فيها يشكّل 56 في المئة».
حكيم
وقال حكيم لـ«الجمهورية»: «عرضتُ خلال الجلسة كلّ الموضوع المتعلق بقضية القمح، وحقيقة الأمر أنّ وزير الصحة وائل ابو فاعور اتصل بي يوم الخميس الماضي وأخبرَني عن مشكلة القمح وأنّ لديه فحوصاً من مختبر الفنار تؤكد أن القمح يتضمن مواد مسرطنة، فأرسلتُ، من موقعي كوزير مسؤول، كتاباً الى حماية المستهلك على رغم أنّه خارج صلاحياتي، وطلبتُ منه أن يأخذ عيّنات ويرسلها الى المختبر، كذلك طلبتُ من الوزير ابو فاعور ان نعقدَ اجتماعا ثلاثياً يضمّنا ووزيرَ الزراعة أكرم شهيب.
وافقَ ابو فاعور وحدّد الإثنين موعداً حتى إنني تساءلت حينها وفوجئتُ بأنّه ألغى الموعد وأرجأه الى الأربعاء، ثمّ ألغاه وفاجأنا جميعاً بإعلانه في مؤتمر صحافي بمفرده عن قضية القمح فاتّصلتُ بالوزير شهيّب سائلاً عن السبب، وطلبتُ منه ان يرسل فريقاً من وزارة الزراعة لأخذ عيّنات صباح أمس.
في هذا الوقت وصلتني النتائج التي أرسلناها الى معهد البحوث الصناعية IRI وهو المختبر الاوّل والاكبر للدولة اللبنانية، وكانت النتائج سلبية، اي أنّ القمح لا يتضمن موادّ مسرطنة، وأنا أسأل هنا: مَن الأهمّ؟
هذا المختبرالعلمي الكبير أم مختبر هو كدكّانة صغيرة؟ كذلك أسأل: إذا سلّمنا بأنه إذا كانت هناك فعلاً موادّ مسرطنة فهل يتمّ التداول بالامر هكذا عبر إثارة الذعر والهَلع في صفوف المواطنين؟ أم بالذهاب الى إعلان حالة طوارئ وتحديد آلية باتخاذ إجراءات فورية، ونَبحث عن القمح ونسحبه من السوق ونلاحق التاجر ونَسجنه؟ ما جرى لم يكن سوى حملة دعائية للوزير ابو فاعور».
دوفريج
وقال الوزير نبيل دوفريج لـ«الجمهورية»: «على رغم المشادّات التي شهدتها الجلسة فأنا لا أرى انّ الحكومة ذاهبة في اتجاه الهاوية، وأطالب بأن تعقد جلسة استثنائية ببندٍ وحيد هو بند التوظيف في دوائر الدولة وأن نستدعي الى الجلسة مجلس الخدمة المدنية، فنضع حدّاً للخلافات القائمة على خلفية هذا الملف خصوصاً لجهة موضوع التعيين المسيحي في القطاع العام».
بوصعب لـ«الجمهورية»
وقال بوصعب لـ«الجمهورية»: «لم نتعوّد أن نكذب على الناس أو أن نخفي الامور، فمَن حضر الجلسة وسمع النقاش فيها وكيف انّ رئيس الحكومة كاد أن يرفعَها بعد نصف ساعة على انطلاقها، ومن سمعَ كلّ «الخناقات» والتوتّرات اعتبرها أكبر دليل على أنّ المجلس بات على شفير الهاوية و«يمكن أكثر»، وأنّ الامور «مِش ماشية بهالطريقة» فإمّا يجب ان يكون هناك حلّ للأزمة السياسية الموجودة بين جميع الأفرقاء وعدم الثقة والاتهامات وعدم الإقرار بالشراكة بإدارة الوطن، وإمّا لا نستطيع أن نستمر في هذا الاتجاه».
ما قبل الساعة الصفر
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ البدء بإزالة النفايات وجمعِها من المكبّات العشوائية والشوارع مساء اليوم ليس مؤكداًَ إذا لم تؤدّ الإتصالات الجارية الى حلحلة آخِر العقد التي تَحول دون ذلك لينطلق العمل في توقيت واحد في مكبَّي «الكوستابرافا» و«برج حمود» تزامناً مع إعادة فتح مكب الناعمة الذي سيستوعب النفايات المجمّعة منذ أشهر عدّة في بعض المناطق اللبنانية من بيروت والأقضية الأخرى.
مرجع أمني لـ«الجمهورية»
وقال مرجع أمني لـ «الجمهورية» إنّ الاجهزة الأمنية المختلفة على تنسيق تامّ مع المراجع الوزارية والادارية والمؤسسات المكلفة تنفيذ خطة إخلاء وتجميع النفايات، وهي تنتظر حصيلة المشاورات الجارية على مستوى وزاري وإداري للانطلاق في مواكبة الشاحنات المكلفة نقل النفايات الى المكبّات.
وأكّد المرجع أنّ القيادات الأمنية التي تواكب هذه الإتصالات ابلغَت الى سلام والمعنيين بالملف انّها جاهزة منذ الثلاثاء الماضي للمهمّات التي كلّفها بها الإجتماع الوزاري ـ القضائي ـ الأمني الإثنين الماضي وهي تنتظر الساعة الصفر التي ستقرّرها المراجع المعنية لتحدّد على اساسها جدول سير الشاحنات بنحو لا يزيد من الازدحام على مداخل بيروت الجنوبية والشرقية، بالإضافة الى تحديد الخطوات الأمنية الضرورية لإنجاز المهمات المناطة بها في أفضل الظروف.
على صعيد آخر، طمأن المرجع الى انّ الوضع الأمني ممسوك ولا خوف من ايّ خضّات متوقعة، لافتاً الى «أنّ ما نشهده مرصود ولا شيء يدعو الى القلق».
قانون الانتخابات
في مجال آخر، أظهرت النتائج التي انتهت إليها اللجنة النيابية المكلفة درسَ قانون جديد للانتخابات النيابية، فشلاً موصوفاً، حاولت تغطيته ببيان ختامي يتبيّن لمَن يطّلع عليه أنّه يؤكد المؤكّد: لا اتّفاق على قانون جديد للانتخابات.
يشير مضمون التقرير (ص 6) إلى انّ الأفرقاء تمسّكوا بقوانينهم، وبالتالي لم يتمّ إحراز أي تقدّم في هذا المجال. وتُظهر الاعتراضات والتحفّظات التي قدّمها كلّ من النواب: علي فياض، آلان عون، سامر سعادة، باسم «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وحزب الكتائب عمقَ هذه الخلافات.
فقد أصرَّ فياض على تمسّكه باعتماد نظام انتخابي نسبي على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة أو على اساس المحافظات التقليدية الخمس، كذلك أكد عون تمسّكه باعتماد نظام انتخابي نسبي يعتمد لبنان خمس عشرة دائرة انتخابية. وأصرّ سعادة على اقتراح قانون يقوم على النظام الاكثري والدائرة الفردية.
وورد في ختام التقرير، إشارة واضحة الى انّ الامور تراوح مكانَها، وما فعَلته اللجنة في ختام أعمالها أنّها استعرضَت القوانين، وأشارت الى نقاط الخلاف والتلاقي بينها.
مجلس الأمن
من جهة ثانية، قدّمت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ تقريرَها الى مجلس الأمن الدولي حول تطبيق القرار 1701.
وأعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن قلقِهم العميق «إزاء الشغور في سدّة الرئاسة منذ نحو 21 شهراً، والأزمة السياسية الحالية في الحكومة، واللتين تؤدّيان إلى إعاقة قدرة لبنان على معالجة الحالة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة الى التحديات الإنسانية التي تواجه البلاد».
ودعا الأعضاء جميع القادة اللبنانيين إلى «التمسّك بالدستور اللبناني واتّفاق «الطائف» والميثاق الوطني، لوضع استقرار لبنان والمصالح الوطنية قبل السياسة الحزبية، كذلك حضّوا جميع الأطراف على تسهيل عمل مؤسسات الدولة وتقديم الخدمات العامة.
وأعرَبوا عن قلقهم من عجز البرلمان عن انتخاب الرئيس بعد عدم اكتمال النصاب القانوني، مجدّدين دعوتَهم جميعَ القادة اللبنانيين إلى التصرف بروح المسؤولية والقيادة والمرونة اللازمة لعقد دورة برلمانية، والشروع في انتخاب الرئيس. وناشدوا الحكومة اللبنانية تحديد مواعيد لإجراء الانتخابات المحلية، وإجرائها ضمن الجدول الزمني المحدّد».
وأكّد أعضاء المجلس «دعمَهم القوي لوحدة لبنان وسيادته واستقلاله السياسي». وشدّدوا على الدور الحاسم الذي لعبته القوات المسلحة اللبنانية، أي الجيش اللبناني، وقوات الأمن في توسيع سلطة الدولة والحفاظ عليها، إضافةً الى دعم الاستقرار في البلاد».
داعين الى «استمرار الدعم الدولي للقوات المسلحة اللبنانية، من خلال مساعدة إضافية وسريعة في المناطق التي تكون فيها هذه القوات أكثر حاجة إلى الدعم، بما فيها مكافحة الإرهاب وحماية الحدود».
وأعربَ الأعضاء عن «قلقهم المتواصل إزاء الأثر السلبي للأزمة السورية على استقرار لبنان وتهديدها المباشر لأمنه، واستمرار تدفّق النازحين، وانتهاك الحدود، بما في ذلك وجود جماعات متطرّفة إرهابية وعنيفة على الأراضي اللبنانية، وتورّط بعض الأطراف اللبنانية في القتال في سوريا بنحوٍ واسع والمخاطر التي يشكّلها ذلك على استقرار لبنان والشعب اللبناني.
وأكّدوا أهمية تفادي التفكّك في السياسة اللبنانية، داعين جميع الأطراف اللبنانية إلى وقفِ التدخّل في الأزمة السورية، بما يتّفق مع التزامها في البيان الوزاري للحكومة الحاليّة وفي «إعلان بعبدا» في 12 حزيران 2012».
إلى ذلك، أكد الأعضاء «دعمَهم الكامل لقوّة الأمم المتحدة المؤقّتة العاملة في لبنان (اليونيفيل) مجدّدين دعوتهم جميعَ الأطراف إلى التزامهم احترامَ سلامة هذه القوة وموظفي الأمم المتحدة الآخرين، كذلك حضّوا جميعَ الأطراف على بذل كلّ جهد ممكن لضمان وقفِ الأعمال العدائية.
موريتانيا
أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، محمد الأمين ولد الشيخ، أنّ بلاده تعتبر «حزب الله» منظمة إرهابية، تماشيًا مع قرار جامعة الدول العربية. وأكّد خلال مؤتمر صحافى بنواكشوط مساء أمس، أنّ موريتانيا عضو فى الجامعة العربية وتلتزم كلّ القرارات الصادرة عنها، بما فيها اعتبار «حزب الله» منظّمة إرهابية.
وجاء موقف ولد الشيخ لدى ردّه على سؤال عن أسباب منع الحكومة لنشاط تضامني مع «حزب الله» كان ينوى حزب التجديد الديمقراطي تنظيمه قبل أيام.