أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه برّي ليل أمس جلسة الحوار الوطني التي كانت مقرّرة اليوم في عين التينة، وذلك بسبب وفاة السيدة تميمة رضا مردم بك والدة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، على أن يُحدّد موعداً جديداً لهذه الجلسة لاحقاً. وكان منتظراً أن يتناول الحوار في جلسته المؤجلة تحريك الملفات الحسّاسة المطروحة، ولا سيّما منها الاستحقاق الرئاسي وتفعيل التشريع في مجلس النواب وقانون الانتخاب في ضوء ما هو مطروح من مقاربات في شأنها، وعلى قاعدة أنّ لبنان ينبغي أن يكون مستعدّاً لتلقّف أيّ معطى إقليمي إيجابي لاستثماره في معالجة هذه الملفات وعلى رأسها موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وفي هذا الإطار تكتسب زيارة الرئيس سعد الحريري لموسكو التي وصَل إليها مساء أمس تلبيةً لدعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أهمّية بالغة لجهة الوقوف على حقيقة الموقف الروسي من الأزمة اللبنانية وكلام المسؤولين الروس الدائم عن وجوب إنجاز الاستحقاق الرئاسي. ويرافق الحريري وفدٌ يضمّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والدكتور غطاس الخوري ومدير مكتبه نادر الحريري، ومن المقرّر أن يلتقي الحريري لافروف قبل ظهر اليوم ويُجري معه محادثات تتناول مجمل الأوضاع في لبنان والمنطقة، ويعقبها غداء عمل تُستكمل خلاله مواضيع البحث.
بعد دخول مجلس النواب عقدَه التشريعي العادي، تنصبّ الاهتمامات على التشريع، حيث يسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري الى عقدِ جلسة تشريعية لإقرار المشاريع الملحّة، فيما ترفض الأحزاب المسيحية وكتلة «المستقبل» التشريع في غياب رئيس الجمهورية، الأمر الذي قد يدفع الى رفع وتيرة الاهتمام والعمل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في اعتباره أولوية مطلقة لدى غالبية القوى السياسية.
«التكتّل»: لا للتشريع
وفي هذا الإطار، أعلن تكتل «التغيير والإصلاح» أنّه «لن يكون هناك تشريع في ظلّ غياب الميثاق أو تغييبه»، وقال: «في ضوء تطوّر الأمور سلباً في اتجاه ضرب الميثاق والإمعان في ضربه، فلا جلسة تشريع طالما إنّ الميثاق غير مُطبّق. نحن في موقع المطالب بحقوق ميثاقية، وقبل نيلِ حقوقنا، لن يكون هناك تشريع في ظلّ غياب الميثاق أو تغييبه، وهذا الأمر أخطر. الميثاق يعني ميثاقية النظام، ميثاقية التمثيل النيابي وميثاقية الموقع الرئاسي، في ضوء الصيغة اللبنانية الفريدة والمادة 49 من الدستور».
هاشم
وقال عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب قاسم هاشم لـ«الجمهورية»: «من المؤسف ان تصل الأمور الى هذا الحد، التشريع يجب ان لا يكون مشروطاً، فهو مصلحة للوطن وللبنانيين ولتسيير امور الدولة، وعندما تصل الامور الى هذا المستوى من التعاطي فهذا يعني انّنا امام أزمة ويجب الانتباه الى المضاعفات والتداعيات».
وأضاف: «هذه المواقف تضع الجميع امام مسؤولياتهم، هل نحن امام دستور؟ ام انّ كلّاً منّا يعمل على هواه؟ الدستور هو الحَكم هو الذي يحكم، والتوافق هو الاساس في البلد. ومِن هذا المنطلق يجب ان يكون التعاطي مع كلّ القضايا والملفات الخلافية.
لكن أن يكون الدستور وأن تكون كلّ الامور هي تحت إمرة ومصلحة المصالح السياسية للمجموعات والأفراد، فهذا يعني أنّ الأزمات ستتضاعف يوماً بعد يوم». وقال: «علينا أن ننتظر الحوار الذي سيتناول في جلسته المقبلة موضوع الجلسة التشريعية بشكل أساسي والعودة الى التشريع وتفعيل عمل المجلس النيابي لأنه هو أمّ السلطات، وقانون الانتخاب الذي لم تستطع لجنة التواصل الوصول الى إنجاز إتفاق حوله. ومن المؤسف مقاربة قضايانا من زوايا المصالح السياسية والمذهبية والطائفية والمناطقية، وهذا ما يؤكد أنّ علّة العلل في هذا الوطن هي الطائفية.
لبنان يتميّز في هذا العالم بطوائفه، لأنّ هذا التنوّع الطائفي هو نعمة لهذا الوطن، لكنّ تحكّم الطائفية بمسارنا ومصيرنا هو العلّة في هذا الوطن وسبب كلّ ما يصيبنا ويصيب وطننا، ولا يجوز الاستمرار في هذا النهج، فاللبنانيون يدفعون اليوم ضريبة بعض السياسات والأهواء والارتباطات والرهانات والارتهانات، ولا أظنّ أنّ هذا الوطن يستطيع ان يستمرّ على هذا النهج».
مجدلاني
وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب عاطف مجدلاني لـ«الجمهورية»: «نحن في قوى 14 آذار لا نزال محافظين على البيان الذي صدر عن هذه القوى، والقائل إنّنا مع تشريع الضرورة، فهناك مواضيع ضرورية يجب ان تشرّع، لأنّ المواطن بحاجة اليها.
ويذكر الجميع جلسة التشريع التي أقرّ خلالها أربعة قوانين ماليّة واقتصادية أنقذت لبنان من تصنيفه في مصاف الدول غير المتعاونة وذلك بعد جهد بَذله الرئيس سعد الحريري الذي أعلن أنّ كتلة «المستقبل» لن تذهب إلى أيّ جلسة تشريعية لا تكون مخصّصة لمناقشة قانون جديد للانتخابات بهدف التوصّل إلى صيغة لإقراره. ونحن لا نزال عند هذا الموقف. وإننا ننتظر ما سيقرّره الحوار في هذا الصدد».
سجال «المستقبل» ـ «التكتّل»
في الموازاة، تَجدّد السجال بين تيار «المستقبل» وتكتّل « التغيير والإصلاح» على خلفية مواقف وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الاخيرة من ملفّ النازحين السوريين، حيث شنَّ «المستقبل» حملة عنيفة عليه واستنكر ما سمّاه «الطريقة المعيبة» التي تصرّفَ بها باسيل مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وتساءلَ عن «السبب في اختراع مسألة توطين النازحين السوريين»، ودعاه الى «الاعتذار والتراجع عن الأخطاء التي ارتكبَها».
في المقابل، دافعَ «التكتل»عن باسيل مؤكداً أنه «لم يرتكب أيّ خطأ بروتوكولي» في زيارة الامين العام للأمم المتحدة الى بيروت، وسأل «أهل تيار المستقبل وأتباعه» لماذا تعتبرون أنفسكم أنّكم مُتّهمون بالتوطين؟ هل تَجزمون بأن لا توطين، أو أنّ التوطين مجرّد فزّاعة كما تقولون؟!».
أمن الدولة
وفي هذه الأثناء يَحضر ملفّ مديرية أمن الدولة بنداً أساسياً على طاولة مجلس الوزراء غداً في حال عدم تأجيلها أيضاً، حيث اتّخذت الأحزاب المسيحيّة والوزراء المسيحيون قراراً حازماً بالذهاب في هذا الملف حتى النهاية، واعتبار تهميش المدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة وإبعاده عن الاجتماعات الأمنية في السراي الحكومي، وحصار هذه المديرية، ضرباً لحقوق المسيحيين في وظائف الدولة.
ويَحظى فتح هذا الملف في الحكومة بغطاء المرجعيات المسيحيّة، خصوصاً مع تأكيد مصادر بكركي لـ»الجمهورية» أنّ «البطريركية المارونية لا تهمِل هذا الملف ولا تترك المرجعيات الكاثوليكيّة تواجه وحيدةً، بل إنّها تحاول حلَّ هذا الملف بالهدوء والتروّي والحوار، وقد استقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اللواء قرعة منذ مدة، واستمع منه الى شرح مفصّل عن أزمة المديرية العامة لأمن الدولة وسَلّمه ملفّاً شاملاً وواضحاً عن التهميش الذي تتعرّض له، وقد أعطى الراعي تعليماته للمعنيين للتحرّك. كما تمّ البحث في هذا الملفّ أيضاً خلال استقبال الراعي للوزراء المسيحيين».
وأكّدت المصادر أنّ «بكركي تتمنّى حلَّ هذا الملفّ سريعاً، وإلّا ستُدرس خطوات التحرّك بتأنٍ، لأنّ الدولة اللبنانية تحتاج في هذه المرحلة الحساسة الى تضافر جهود كلّ الأجهزة من جهة، ومن جهة ثانية تعتبر بكركي أنّ الحلّ الأساسي يكون بانتخاب رئيس للجمهورية الذي هو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة ويستطيع ان ينصفَ الجميع ويعيد التوازن إلى مؤسسات الدولة».
وفي هذا السياق دعا تكتّل «الإصلاح والتغيير» إلى فكّ «الحصار المالي والوظيفي والسياسي عن جهاز أمن الدولة وإعادته إلى العمل في ضوء مهمّاته النوعية». كذلك دعا إلى «الكفّ عن التسلّط على الأجهزة الأمنية». سائلاً: «مَن له حقّ حجبِ المال عن جهازٍ أمنيّ؟! ومَن أعطى وزير المال تحديداً، الحقّ والسلطة في أن يحاصر هذا الجهاز ماليّاً ويحجب عنه المال؟».
وتجدر الإشارة الى أنّ مشروع مرسوم تنظيم المديرية العامة لأمن الدولة أدرِج تحت البند الرقم 65 في مجلس الوزراء على رغم الوعد بإعطاء الأولوية لهذا الموضوع في جلسة الغد بناءً لتعهّد رئيس الحكومة تمّام سلام في جلسة مجلس الوزراء قبل اسبوعين.
وقال أحد الوزراء «إنّ مشروع المرسوم الذي عمّمته الأمانة العامة لمجلس الوزراء بالتعديلات المقترحة على تركيبتها يتصل بتشكيل مجلس قيادة للمديرية على غرار مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي، وهو ما يفرض إصدارَ قانون جديد في اعتبار انّ تركيبة هذه المديرية اقرّت بقانون، وأيّ تعديل على هذا القانون لا يتمّ إلّا بقانون.
ورجّحت مصادر وزارية عبر «الجمهورية» أن يتمّ تأجيل البتّ بالمشروع الجديد بسبب المواقف المتناقضة والتي أدّت إلى استمرار فرض الحظر المالي على المديرية المفروض منذ فترة طويلة لدى وزير المال بما فيها المصاريف السرّية ومجموعة طلبات حيوية تتّصل بشؤون التجهيز والقضايا الإدارية اليومية بمجرّد أن يوقّعها المدير العام اللواء جورج قرعة بمفرده من دون حاجة إلى نائبه الذي يرفض التوقيع إلى جانبه.
على أنّ بين الوزراء من ينادي بتأجيل البحث في أيّ تعديلات على تركيبة المديرية العامة لأمن الدولة التي لا تحتاج بمهمّاتها العادية الى مجلس قيادة، ويطالب أصحاب هذا الرأي بحلّ سريع يتمثّل بتعيين مدير عام ونائب له جديد، طالما إنّ حلّ الخلاف القائم بين الحاليين يبدو مستحيلاً.
الإنترنت والقضاء
وعشيّة اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات النيابية لمتابعة فضيحة الإنترنت غير الشرعي، قالت مصادر قضائية لـ»الجمهورية» إنّ معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي داني الزعني الذي انهى تحقيقاته مع العسكريين وفريق الفنّيين من مؤسسة «أوجيرو» الذين شاركوا في تفكيك محطات البث، طلبَ في كتاب رسمي الى مؤسسة «اوجيرو» وضعَ تقرير بالوقائع يتناول حجم ونوعية وعدد الأجهزة التي تمّ ضبطها وتفكيكها وتحديد مصدرها في دولة المنشَأ وطريقة إدخالها الى لبنان ووجهة استخدامها والتثبُّت من دخولها بالطرق الشرعية عبر المعابر البرّية أو البحرية والجوّية، وسُبل استخدامها وسِعتها وقوّة إرسالها وتلقّيها للترددات وسُبل استخدامها على شبكة التوزيع التابعة لها والكلفة المقدّرة لسعتها ووسائل تسويقها».
وقفُ تحويلات
على صعيد آخر، بَرز في الأيام الأخيرة، تطوّر مُقلِق على مستوى الإجراءات التي تتّخذها المملكة العربية السعودية على خلفية الأزمة مع لبنان. إذ أفادت المعلومات أنّه تمّ فعلياً وقفُ التحويلات المالية من السعودية الى لبنان، ولو أنّ هذا الامر لم يتمّ بقرار رسمي مُعلن.
وكشفَت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية» أمس، أنّ إدارات المصارف اللبنانية عمّمت على فروعها، خبرَ وقف التحويلات المصرفية بين السعودية ولبنان.
وأوضحت المصادر أنّ السلطات السعودية لم تصدِر قراراً أو تعميماً رسمياً علنياً بعدُ حول هذا الموضوع، لكنّها تقوم بتطبيقه في التعاملات المصرفية ليس فقط على اللبنانيين الأفراد المقيمين في السعودية، ولكن حتّى بالنسبة الى التحويلات المالية المصرفية للشركات.
وتعمد المصارف السعودية الى تطبيق هذا القرار غير المعلن رسمياً، من خلال جعلِ عملية تحويل الأموال من السعودية الى لبنان مستحيلة، وذلك عبر طلبِ مستندات وأوراق وإثباتات وموافقة من الكفيل السعودي والتحقّق من مصادر الأموال ووجهتها في لبنان، وهي إجراءات لم تكن معتمَدة سابقاً، ويَصعب، بل يستحيل الالتزام بها. (تفاصيل ص11)
أمن المطار
إلى ذلك، وبعد كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق عن ثغرات أمنية في المطار، طمأنَ وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر أمس الى انّ مطار رفيق الحريري الدولي هو من أكثر المطارت أماناً في العالم، وتمنّى أن لا يزايد أحد عليه في أمن المطار. وأعلن «أنّ هناك نقصاً في تأمين الاعتمادات للتجهيزات»، وقال: «لم تتوافر الاعتمادات لسور المطار المقرّر عام 2010 إلّا في العام 2014».
وأوضَح أنّ المبلغ المطلوب لإنجاز الإجراءات الأمنية في المطار هو مليون و400 ألف دولار، وقال: «إذا أقِرّت الإعتمادات في جلسة مجلس الوزراء وتمّ توفيرها سنباشِر بالعمل، وإذا لم تقَرّ في الجلسة (غداً) سأطلب من المتعهّد المباشرة بالعمل الخميس (غداً) بالمبلغ المتوافر لديّ».