لم يسبق أن حظيَ عيد الاستقلال بهذا الكمّ من المواقف الخارجية والداخلية الداعية إلى تحصين الوضع اللبناني وانتخاب رئيس جديد للجمهورية واستكمال بناء المؤسسات وترسيخ الاستقرار، وإلى ما هنالك من دعوات صادقة في هذه المحطة التأسيسية لإدارة اللبنانيين شؤونَهم الذاتية بعيداً من منطق الاستعمار والوصايات والتدخّلات الأجنبية، ولكنّ هذه «الهجمة» الإيجابية تؤشّر في مكان ما إلى مخاوف من انزلاق لبنان إلى مخاطر أمنية، وهذا ما يجعل الرسائل الدولية مظلّات أمان داخلية. وفي موازاة الحِرص الخارجي على تحييد لبنان برزَ كلامُ الرئيس سعد الحريري الذي جَدّد مبادرتَه بكلام متقدّم راسماً خريطة طريق للمرحلة المقبلة: «مشاورات للتوافق على انتخاب رئيس، يضع في أولوياته إحياءَ الحوار وتعطيل ألغام الفتنة، وفكّ الاشتباك الأمني والعسكري مع الحرب السوريّة».
توزّعَت الحركة الديبلوماسية أمس بين فيينا التي شهدَت كباشاً دولياً ـ إيرانياً في جولة ربع الساعة الأخير من المفاوضات النووية مع اقتراب انتهاء المهلة المحددة للوصول إلى اتفاق نهائي، وسط إشارات عن إمكانية تمديدها الى آذار المقبل، وبين موسكو التي شهدَت محادثات روسية ـ سعودية بين وزيرَي خارجية البلدين سيرغي لافروف والامير سعود الفيصل، انتهَت الى اتفاق على إنشاء مجموعة عمل لتنسيق التعاون في مواجهة الإرهاب.
وعلمَت «الجمهورية» أنّه على رغم الطابع الإيجابي الذي غلّفَ تصريحات لافروف، إلّا أنّ مؤشّرات عدّة تدلّ على أنّ الطرفين لم يتوصّلا الى توافقات مهمة في ملفات عدّة، أبرزُها الأزمة السورية والمساعي الروسية الهادفة الى عقد مؤتمر «جنيف 3» بداية العام المقبل.
وثمّة مَن يرى أنّ ظهور لافروف منفرداً في المؤتمر الصحافي بعد تأخيرٍ استمرّ لأكثر من ساعة، يشير إلى أنّ الفيصل لم يحقّق ما جاء من أجله، وهو إقناع الروس بالتنازل عن الرئيس بشّار الأسد، في وقتٍ ركّز لافروف بتصريحاته على قضية حساسة بالنسبة لبلاده، وهي قضية أسعار النفط التي أدّت الى تراجع اسعار صرف الروبل مقابل الدولار بنسبةٍ تفوق الستين بالمئة.
وتحدّثت بعض المعلومات عن انّه كان مقرّراً ان يلتقي الفيصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتتويج نتائج زيارته، لكنّ عدم تحقيق تقدّم في مباحثاته مع لافروف نسفَ اللقاء مع بوتين.
وكان البيان الصحافي المشترَك أوضح أنّ الجانبين ناقشَا مجموعة من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، واتّفقا على ضرورة انطلاق جهود حلّ الأزمة السورية على أساس (جنيف 1)، مع التركيز على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها.
وعلى وقع أجواء الترقّب والحذر التي رافقَت أجواء فيينا، خصوصاً مع إعلان البيت الابيض أنّه لا تزال هناك «تباينات كبيرة» في ظلّ سباق مع الوقت تخوضه الوفود من دون كلل للتوصّل الى اتفاق قبل انتهاء المهلة النهائية الاثنين،
انشغلَ اللبنانيون بمتابعة أخبار العاصفة «ميشا» التي لم تكن بحجم التوقّعات والتحذيرات من تداعياتها حتى الساعة، في وقتٍ غابَت مظاهر الاحتفال الرسمي بالذكرى الحادية والسبعين للاستقلال هذا العام مع غياب رئيس الجمهورية، واقتصرَت على وضع أكاليل زهرٍ على أضرحة رجالاتِ الاستقلال، فيما لم تنجح المواقف الصادرة في المناسبة، على أهمّيتها، في تعبئة الفراغ الحاصل، علماً أنّها ركّزَت بمجملِها على التعجيل في انتخاب رئيس جمهورية جديد وتحصين الوحدة الوطنية والوقوف الى جانب الجيش ودعمه في معركته ضد الإرهاب.
أوباما
ومع غياب رسالة رئيس الجمهورية في هذه المناسبة الوطنية، جرياً على العادة ككلّ عام، وجَّه الرئيس الأميركي باراك اوباما رسالةً الى اللبنانيين أسِف فيها لمرور عيد الاستقلال في لبنان من دون وجود رئيس للجمهورية، مشدّداً على انّ انتخابه يجب ان يكون قراراً لبنانياً بحتاً. ولكنّه قرار يجب أن يُتّخَذ لصالح الشعب اللبناني.
وشدّد أوباما على أنّ الدولة لها وحدَها الشرعية والمسؤولية في الدفاع عن حدود لبنان وحماية مواطنيه، وهي مسؤولة تجاه جميع اللبنانيين. مؤكّداً وقوفَ الولايات المتحدة الدائم مع لبنان في مواجهة التهديدات التي يشكّلها المتطرفون لبلدينا وللعالم».
فرنسا
من جهتها، أملت فرنسا بلسان سفيرها باتريس باولي «في أن يتّحد اللبنانيون وينتخبوا رئيساً لجمهوريتهم»، وجَدّدت تأكيدَها أنّ هذا الموضوع شأنٌ لبنانيّ محض، وهي لا تتدخّل فيه.
الأمم المتّحدة
بدورِه، أملَ المنسّق العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي في «أن نرى رئيساً جديداً للبنان ونحتفل بالاستقلال في قصر بعبدا». وعلمَت «الجمهورية» أنّ بلامبلي العائد حديثاً من نيويورك طلبَ لقاءً عاجلاً مع رئيس الحكومة تمام سلام، فحدّد له موعد ظهر اليوم في المصيطبة، على رغم أنّ اليوم هو يوم عطلة رسمية. ومعلومٌ أنّ بلامبلي شاركَ الأسبوع الماضي في اللقاءات التي عُقدت في مجلس الأمن الدولي في نيويورك، وخُصّصت لتقويم ما تمّ إنجازُه من القرار 1701 والعوائق التي حالت دون استكمال تنفيذه.
الحريري
واعتبرَ رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري أنّه أمرٌ مشين ومُريب أن يحلّ عيد الاستقلال وليس بيننا رئيسٌ للجمهورية، وأكّد أنّ عيدَ الاستقلال مناسبة لتجديد الدعوة إلى خريطة الطريق التي تحمي لبنان من العواصف المحيطة، والمبادرة من دون أدنى تأخير لإجراء مشاورات للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية يضع في أولوياته إحياءَ الحوار الوطني وتعطيلَ ألغام الفتنة، وفكَّ الاشتباك الأمني والعسكري مع الحرب السورية.
وهذه الخريطة تشكّل القاعدة المتينة للاستقرار المطلوب، والبيئةَ الحاضنة للجيش ودوره في ضبط الحدود ومكافحة الإرهاب واسترداد العسكريين المخطوفين، وجسرَ العبور إلى دولة الاستقلال التي كانت وستبقى محَطّ أنظار جميع اللبنانيين.
قهوجي
وفي ذكرى الاستقلال، أعلنَ قائد الجيش العماد جان قهوجي أنّ الحرب ضدَّ التنظيمات الإرهابية مستمرّة حتى اقتلاع جذورهم من لبنان، وأكّد أنّ القيادة ستواصل بذلَ أقصى الجهود، ولن تدّخِرَ وسيلةً في سبيل تحرير العسكريين المخطوفين.
وخاطبَ العسكريين في «أمر اليوم» قائلاً: «أنتم مَن أحبَط حلمَ إقامة إمارة ظلامية من الحدود الشرقية للوطن إلى البحر، والتي لو حصَلت لأدّت إلى حوادث مذهبية مدمّرة تشمل لبنان بأسره». ودعاهم إلى البقاء «على أتمّ استعداد لمواجهة «العدوّ الإسرائيلي»، وللحرص على التزام القرار 1701 ومندرجاته بالتنسيق والتعاون مع القوات الدولية.
جعجع
شدّدَ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على أنّ «الأمل في انتخاب رئيس للجمهورية يبقى كبيراً لأنّ الدولة بلا رأس ستبقى معطّلة ومشلولة»، واعداً بـ»أنّنا سنسعى دوماً الى إجراء هذا الاستحقاق المهمّ في أسرع وقت ممكن لتستقيم الأمور السياسية في البلاد وتعود الحياة الى ربوع الوطن».
وأكّد جعجع، خلال استقباله وفداً من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، الفائزين في الانتخابات، أنّ «نتائج الانتخابات الطالبية في كلّ جامعات لبنان تُظهر جليّاً خيارَ الشباب المسيحي بأكثريته الى أيّ فريق سياسي ينتمي وبأيّ مبادئ يؤمن».
ودعا جعجع الطلاب الى «أن يكونوا ناشطين سياسيين في مجتمعاتهم، ويحضّروا للانتخابات النيابية المقبلة وكأنّها حاصلة غداً»، مشيراً إلى «أنّ حزب «القوات» وحلفاءَه سيسعون الى إقرار قانون انتخابي جديد يؤمّن التمثيل الحقيقي للجميع».
المجلس الدستوري
على صعيد آخر، انتهَت الجلسة الثانية للمجلس الدستوري أمس والتي بحثَت في تقريرٍ رفعَه مقرِّر المجلس حول بَتّ الطعن المقدّم من «التيار الوطني الحر» بشأن التمديد للمجلس النيابي، من دون أن يصدر أيّ قرار عن المجتمعين.
وفي خطوةٍ التزموا بها جميعاً، أغلقَ رئيسُ المجلس والأعضاءُ خطوطَهم الخلوية طيلة نهار أمس بتوافقٍ رافقَ الاجتماع. وعُلِمَ أنّ المجتمعين باشروا قراءة التقرير وتوَزَّع أعضاؤه العملَ حسب الاختصاص في عناوين وفصول التقرير الإدارية والدستورية تمهيداً لصدور قرار معَلّل بالتفصيل لردّ الطعن أو القبول به.
وفي المعلومات أيضاً أنّ المجلس أطلقَ ورشة عملٍ منظّمة لبَتّ الطعن سريعاً وسيعقد اجتماعين أسبوعياً، بدءاً من الأسبوع المقبل، للبحث في الطعن، وسط أجواء توحي بأنّ أيّ طرف آخر لن يتقدّم بأيّ طعن أمام المجلس، علماً أنّ المهلة مستمرّة لشهر كامل. وهي التي تحتسَب بدءاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية يوم الخميس الماضي في 13 الجاري وإلى 13 كانون الأوّل المقبل.
إجتماع «الخلوي» الاثنين
في مجال آخر، نفَت مصادر سلام أن يكون اللقاء المقرّر للّجنة الوزارية المكلّفة متابعة البحث في ملف وضع دفتر الشروط الجديد لإدارة شركتَي الخلوي قد ألغِيَ أمس، وأكّدت أنّ اللجنة دُعِيَت الى الاجتماع أصلاً في التاسعة قبل ظهر الإثنين المقبل في السراي، في حضور كامل الأعضاء: الوزراء بطرس حرب، جبران باسيل، محمد فنيش ونبيل دو فريج.
وقالت المصادر إنّ الاجتماع سيخصَّص للبحث في الصيغة النهائية لدفتر الشروط، بعدما تقلّصَ الوقت الفاصل عن انتهاء مهلة العقد السابق لإدارة الشركتين، والذي ستنتهي مفاعيله منتصف كانون الثاني مطلع العام المقبل.
ولم تستبعد مصادر معنية أن تلجأ الحكومة الى تمديد العقد ستة أشهر ليتسنّى لها وللمراجع المعنية وضعَ دفترِ الشروط الجديد في أفضل الظروف.