Site icon IMLebanon

 التهديدات تُسرّع عودة الوسيط القطري.. وانطلاق المرحلة التنفيذية للحوار

بعد صباح ونهاوند رحل سعيد عقل. رحيل الكبار يدقّ ناقوص الخطر للشعوب: أوطان من دون إبداع ومبدعين لا تستحق الحياة. وعظمة لبنان هي في مبدعيه. هؤلاء الكبار الذين نظموا له القصائد ورفعوه من مرتبة الوطن إلى مصاف الرسالة. رحل بالأمس فيلسوف القومية اللبنانية التي أرادها أن تشكل عنصراً جامعاً ومشتركاً بين اللبنانيين من أجل تجاوز ترسيماتهم الطائفية والمذهبية والفئوية والحزبية، هذه الترسيمات التي ما زالت تفرز اللبنانيين وتقسِّمهم وتحول دون خلاص لبنان. وعشيّة رحيل من أحبّ لبنان بوجدانه وروحه أطلّ الرئيس سعد الحريري داعياً للحوار ومحدداً خريطة طريقه تحت عنوان: تقريب المسافات بين اللبنانين لترسيخ الاستقرار.

افتتح الحريري بإطلالته مرحلة سياسية جديدة تشكل استمراراً لمرحلة تأليف الحكومة وتطويراً لها بالانتقال من سياسة ربط النزاع إلى سياسة البحث عن تفاهمات وتسويات ترمي إلى تبريد المناخات المتشنجة وزيادة المنعة الداخلية.

ومع إطلاقه صفّارة انطلاق الحوار «الجدي الذي يفضي إلى نتائج» انتقل البحث إلى الآليات العملية في ظلّ ترحيب من جانب حلفاء الطرفين، وتعويل على اختراقات تتجاوز الارتياح النفسي وتبديد المخاوف من الفتنة إلى تحقيق إنجاز وطني بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وفي هذا السياق قالت مصادر مطلعة على الحوار لـ«الجمهورية» إنّ الجمود السياسي الذي وصلت إليه البلاد حَتّم الذهاب نحو الحوار في محاولة للخروج من هذه المراوحة التي يمكن أن تتحول إلى سلبية في مرحلة معينة في حال لم يُسعَ إلى صيانتها، وهذه الصيانة لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الحوار.

وأكدت المصادر أن الحوار سيكون مفتوحاً وشاملاً ولن يستثني قضية أو إشكالية، وقالت إن الخرق لا يتحقق إلّا بالجلوس حول طاولة واحدة، ودعت إلى رؤية نصف الكوب الملآن لا الفارغ.

«الدستوري» ردّ الطعن

وفي تطوّر طوى صفحة التمديد النيابي قضائياً، ردّ المجلس الدستوري بالإجماع، وبحضور كامل اعضائه العشرة، الطعن بالتمديد النيابي الذي تقدّم به «التيار الوطني الحر» للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية.

واعتبر أنّ «تمديد ولاية مجلس النواب يتعارض مع المبادىء التي نصّت عليها مقدمة الدستور ومع مفهوم الوكالة النيابية وفق المادة 27 من الدستور، غير انّ الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد على الصعيد الامني يبرر تمديد الولاية، ولكن لا احد يستطيع ان يتكهّن بأنّ الظروف الاستثنائية ستستمر سنتين وسبعة اشهر».

وأكّد المجلس على الامور الآتية:

1 – انّ دورية الانتخابات مبدأ دستوري لا يجوز المس به مطلقاً.

2 – انّ ربط اجراء الانتخابات النيابية بالاتفاق على قانون انتخاب جديد او ايّ ظرف آخر عمل مخالف للدستور.

3 – انّ التدابير الاستثنائية ينبغي ان تقتصر على المدة التي يوجد فيها ظروف استثنائية فقط.

4 – إجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية الممددة.

5 – انّ تعطيل المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، انتهاك فاضح للدستور.

لا استقالة

واعتبر رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون انّ «قرار المجلس الدستوري خاطئ»، ورأى انّ «حجّة فراغ المؤسسات غير مبررة».

وفيما قال أمين سر «التكتل» النائب ابراهيم كنعان: «لم نطّلع بعد رسمياً على قرار ردّ الطعن، وننتظر استلامه بحسب الاصول من قلم المجلس خلال 24 ساعة»، وانّ «الخطوات المقبلة رهن بما سيقرره «التكتل»، قالت مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» انها فوجئت بتوقيت ردّ الطعن، وأضافت: «المجلس الدستوري كان سيرفض التمديد في المرة الماضية، لكنه فضّل التهرّب من الرفض من خلال عدم اكتمال النصاب أمّا هذه المرة فقد شرّع التمديد. وبالتالي، فإنّ أعلى سلطة قضائية دستورية تشرّع اليوم امراً غير شرعي».

وجزمت المصادر ان لا استقالة لوزراء «التيار» ونوابه، مشيرة الى انّ هناك اساليب أخرى أقوى وأفضل من الاستقالة، وختمت بالقول: «بكلّ هدوء نقول: مع احترامنا للمجلس الدستوري نعتبر انّ أعلى مؤسسة قضائية سقطت، إذ انّ حيثيات القرار كانت كلها لصالح الطعن باستثناء القرار، ولسنا مقتنعين بأنّ رفض الطعن جاء للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية، فتعبئة هذا الفراغ يكون من خلال إجراء انتخابات نيابية في مواعيدها واحترام الدستور».

العسكريون المخطوفون

وعلى خط آخر، وفيما كادت اجواء الارتياح ترخي بظلالها على الساحة الداخلية ويترقّب الجميع انطلاق الحوار بين تيار»المستقبل» و»حزب الله»، والذي توقع رئيس مجلس النواب نبيه بري انطلاقه قبل نهاية العام الجاري، عاش اللبنانيون عموماً وأهالي المخطوفين العسكريين خصوصاً ساعات عصيبة بفِعل تلاعب الجهات الخاطفة بأعصابهم من خلال التهديدات المستمرة بقتل احد المخطوفين قبل ان تتراجع بفعل تدخّل الأمن العام الذي تواصل مع الجانب القطري وتبلّغ عودة الموفد القطري في الساعات المقبلة الى بيروت، وبفعل المواجهات التي شهدها الشارع من خلال قطع الطرق وما استتبعها من مواقف واتهامات وتراشق كلامي وردّات فعل.

فمنذ الصباح الباكر، لم يَعل صوت على اصوات الاهالي الذين نفذوا تهديدهم بقطع الطرق خصوصاً طريق الصيفي، ما حَدا بالقوى الامنية الى محاولة فتحها بالقوة، الامر الذي تسبب بمواجهات بينها وبينهم، لم توفّر الجسم الإعلامي، خصوصاً المصورين، في وقت أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق من السراي الحكومي انّ قطع الطرقات ليس حلاً، ولن يُسمح به بعد اليوم.

واكد أنّ «الحكومة لم تقصّر منذ اللحظة الاولى في إجراء التفاوض وفق قواعد وأصول أقرّت في مجلس الوزراء، وهي تقوم بواجباتها، وإذا كانت استقالتي تحررّ المخطوفين فأنا حاضر». وأعلن: «لن نستسلم لمزاج الخاطفين والاتصالات قائمة والقوى الامنية قامت بواجبها». واتهم المشنوق حزب الله بـ»الاستعراض» من خلال تحرير الاسير المجاهد عماد عياد، وقال: «هو عمل ضدّ الحكومة، وتعبير أكثر فأكثر عن المشكلة الحاصلة في البلد».

كلام المشنوق ترك استياء في صفوف الاهالي الذين دعوا وزير الداخلية الى الاستقالة قبل أن يناشدوا اللبنانيين الحضور الى ساحة رياض الصلح عند الساعة 10 من قبل ظهر اليوم لدعم قضيتهم، فيما انتقد النائب وليد جنبلاط المشنوق من دون ان يسمّيه، وقال مغرّدا عبر «تويتر»: «بعضاً من التواضع يا أصحاب «المعالي»، ومعيب هذا التصرف في حق العائلات المفجوعة حول مصير ابنائها»، ورأى انّ «الدولة فقدت أعصابها تجاه عائلات المعتقلين بدل التفاوض الجدي». من جهته، تمنى الوزير وائل ابو فاعور لو انّ «هذه الشِدّة استُعملت في تحرير العسكريين المخطوفين بدل استعمال البطولة الوهمية في حقّ أهاليهم».

خلية الأزمة

ومساء، علمت «الجمهورية» انّ خلية الازمة استنفرت من اجل إعادة تصويب الامور، وسُجلت اتصالات على اعلى المستويات أفضَت الى تأكيد قطر انّ الموفد احمد الخطيب سيتوجّه في اقل من 48 ساعة الى لبنان، وانه باشر اتصالاته من قطر مع الجهات الخاطفة من اجل تخفيف حدة التشنج.

وبلغ تحرّك خلية الازمة الى حد تواصل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مباشرة مع جبهة «النصرة» للاستفسار عن هذه التهديدات في ظل «التعهد المبرَم» من قبلها للوسيط القطري بعدم المساس بأيّ عسكري طيلة فترة التفاوض.

ونشطت الاتصالات ليلاً، لكنّ الارباك وتضارب المعلومات ظلّا سيدَي الموقف. ففي حين نُقل الى اللواء ابراهيم نية «النصرة» التراجع عن تهديداتها، عمدت مصادر في «النصرة» الى تسريب خبر عبر «وكالة الاناضول التركية» مفاده انّ التهديد بقتل المخطوف علي النزال لا يزال ساري المفعول.

لكنّ «الجمهورية» علمت انّ «النصرة» اكدت للوسيط القطري أنها تنتظره ولن تُقدم على ايّ خطوة قبل وصوله. وابدَت مصادر خلية الازمة عبر «الجمهورية» استياءها من طريقة تعاطي البعض في ملف العسكريين وتدخّلهم بشؤون التفاوض، فيما هم غير مطلعين عن كثب على تفاصيل عملية التفاوض وحيثياتها، فهم بدل ان يساعدوا في ضبط الامور، تلاعبوا بطريقة مباشرة او غير مباشرة وعن قصد او عن غير قصد بالأهالي وبالاعلام على حدّ سواء.

وحذرت المصادر من انّ استمرار التعاطي على هذا النحو سيعيد الامور الى بداياتها، وذكّرت انه عندما كثر الوسطاء وكثر وضع اليد على الملف انعكس حينذاك تأزماً للأمور وإراقة للدماء وفقدان الحلقة».

تسريع المحاكمات

وفي سياق متصل، تعمل الأجهزة القضائية على تسريع المحاكمات في قضية الإسلاميين الموقوفين في سجن روميه ربطاً بملف العسكريين المخطوفين، حيث عقد المجلس العدلي اربع جلسات متفرعة عن نهر البارد وجلسة تناولت قضية الزيادين وارجأ بعضها لاصدار الحكم.

موفد اميركي في بيروت

وفي هذه الأجواء، كشفت مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع لـ»الجمهورية» انّ مبعوثاً اميركياً وصل الى بيروت منذ يومين بعيداً من الاضواء لاستطلاع الوضع والمنطقة ووضع المسؤولين اللبنانيين في الظروف التي رافقت المفاوضات النووية ما بين ايران والدول الخمسة زائداً واحداً في فيينا بعد مسقط.

وجاءت زيارة الموفد الأميركي قبل ساعات قليلة على مغادرة السفير الأميركي دايفيد هيل الى واشنطن عبر فرانكفورت للمشاركة في سلسلة من الاجتماعات المخصصة لتقويم الوضع في المنطقة في ضوء التطورات الأخيرة.

والتقى الموفد الاميركي المسؤولين اللبنانيين ناقلاً أجواء البيت الأبيض الى بيروت تزامناً مع قيام موفدين آخرين بجولة مماثلة على عواصم الدول المعنية بالمفاوضات الجارية مع ايران لِما لها من انعكاسات على ساحاتها على المستويات كافة. ولفتت المصادر الى انّ الموفد اطلع المسؤولين اللبنانيين على المطالب الدولية من ايران لإثبات سلمية برنامجها النووي، وما هو مطلوب منها لتسهيل بعض الاستحقاقات

في لبنان وبعض عواصم المنطقة.

سلام

وسط هذا المشهد، يستعد رئيس الحكومة تمام سلام لمغادرة بيروت الاثنين الى بروكسيل في زيارة الى مقر الاتحاد الاوروبي، حيث سيمضي يومين يجري خلالهما لقاءات مع كبار المسؤولين في الاتحاد الاوروبي، خصوصاً المعنيين بقضايا الشرق الاوسط وملف اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري للاطّلاع على البرامج التي أعدّتها ولشَرح واقع لبنان وعدم قدرته على تلبية ما يتطلبه اللاجئون، وسيتمنى تعزيز التقديمات للبيئة الحاضنة للنازحين، خصوصاً انها بيئة فقيرة لا تتحمل هذا الحجم المطلوب. وكان سلام دعا الى تخفيف نبرة الكلام والمسارعة الى انتخاب رئيس جمهورية جديد.

وقال في افتتاح معرض الكتاب العربي الـ 58 في «البيال»: «في أيامنا هذه، كثر الجهل، والسياسة، بمعناها النبيل، ضاعت أو تكاد في غابة الفئوية والحسابات الضيقة. فصرنا لا نرى المسؤولية الوطنية إلا من منظار المصالح الخاصة، متعامين عن الأوجاع الحقيقية للناس، الذين ينتظرون منّا عملاً جاداً ومخلصاً ومتجرداً من أجل تأمين حاضرهم ومستقبل أبنائهم».

وأكد سلام أنّ «لبنان يحتاج اليوم الى إعادة الاعتبار الى السياسة، ويحتاج منّا جميعا الى إعلاء مصلحة لبنان العليا، وجعلها الهدف الأسمى الذي تجنّد له كل الطاقات وتسقط في سبيله كل الأنانيات». ورأى انه «بهذه الطريقة نستطيع مواجهة الواقع المرير الذي نعيش، ونخرج من دوّامة النزاعات التي لا تنتهي، إلى رحاب حياة سياسية طبيعية تتسِع للاختلاف والتنوع والتنافس، وللانتاج».

وشدد على ان «المطلوب منّا أن نتعالى، فنخفض نبرة الكلام لندرأ الفتن. ونتقارب لنتحاور. ونعيد عمل مؤسساتنا الى السوية الطبيعية لنحفظ نظامنا الديموقراطي، ونسارع إلى انتخاب رئيس للجمهورية».

بري

الى ذلك، لم تحجب التطورات في ملف العسكريين، على أهميتها، الاهتمام بمسار الحوار المرتقب بين «المستقبل» والحزب.

وفي هذا السياق، أبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري ارتياحه «الى جوّ الحوار المرتقب الذي يجب أن يحصل، بغضّ النظر عن التباعدات والخلافات الجوهرية، وهي لن تزول بين يوم وآخر»، واكّد انه يواكب بكلّ دقة أعمال لجنة التواصل النيابية التي تدرس القانون من خلال رئيسها.

واعلن النائب جورج عدوان من عين التينة مشاركة بري في عدم ارتياحه الذي كان سائداً لسَير مناقشات، «ولكن في الجلسة الاخيرة جرى تصحيح للمسار، ونحن ننتظر أن يستمر هذا المسار، لأنه لا يجوز ألّا نخوض في التفاصيل او ألّا نصل الى نتائج سريعاً، لأنّ الوقت يمر».

الجرّاح

من جهته، قال عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب جمال الجرّاح إنّ «الحريري ينطلق في هذا الحوار حرصاً منه على مصالح اللبنانيين كلهم». واكّد من معراب بعد زيارته رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «اننا على تواصل دائم مع حلفائنا في موضوع الحوار، وأيّ خطوة في هذا السياق ستكون منسّقة مع أركان قوى 14 آذار كافة».