على وقع تزايد المخاوف والهواجس من توطين النازحين السوريين وتجنيسهم، أنجِزت المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتَي الجنوب والنبطية بنجاح، في الوقت الذي يستعدّ الشمال للمرحلة الرابعة والأخيرة يوم الأحد المقبل. وفي هذه الأثناء، لا تغيب الملفات السياسية الكبرى، وحتى الصغرى، عن دوائر الاهتمام، خصوصاً مع تصاعد الكلام عن احتمال إجراء انتخابات نيابية مبكِرة في ضوء المناخ الذي أشاعته مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري على طاولة الحوار قبل أيام.
بَدا من الأجواء السائدة أنّ التحرك في شأن الملفات الداخلية يتعثّر بـ«قنبلة» التوطين والتجنيس التي فجّرها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في تقريره الاخير، والتي لم تنفع معها كل بيانات النفي والتوضيح الصادرة عن بعض معاونيه.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الدوائر المختصة تجري اتصالات في مختلف الاتجاهات بعيداً من الأضواء لاستكشاف حقيقة ما ورد في تقرير بان والمعطيات التي بُني عليها حتى أتى على ذكر توطين النازحين وتجنيسهم. ومن المنتظر ان يتم التفرّغ فعلياً لمعالجة هذا الأمر فور انتهاء الانتخابات البلدية.
في الموازاة، أكدت مصادر مواكبة لهذا الملف لـ«الجمهورية» أن «ليس من قبيل المصادفة ان تكشف الأمم المتحدة عن مضمون تقرير أمينها العام الذي يتضمن اقتراح تجنيس النازحين حيث هم حين تتعذّر عودتهم، في الوقت الذي ينشغل لبنان بخوض استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، وكأنّ الهدف هو إمرار الموضوع من دون إثارة ايّ ضجة». وأشارت المصادر الى «انّ حسابات حقل نيويورك لم تتطابق مع حسابات بيدر بيروت، فجوبِه الموضوع في لبنان برفض شامل.
وجاء الرفض بداية إفرادياً على صعيد بعض الوزراء كوزير الخارجية جبران باسيل ووزير العمل سجعان قزي، ليتحول لاحقاً رفضاً وزارياً من خلال اللجنة الوزارية المكلّفة ملفّ النازحين السوريين، وقد تحدث باسمها وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، مؤكداً «انّ موقف لبنان موحد بأفرقائه كلها وطوائفه ومؤسساته»، وقائلاً: «لا نقبل أن نعطي جنسيتنا لأحد ولا نقبل للآخرين أن يتخلّوا عن جنسيتهم، هذا موقف قاطع للحكومة لا لبس فيه».
وتبع موقف اللجنة رفض حكومي شامل من خلال الموقف الذي صدر بعد جلسة مجلس الوزراء الاخيرة والذي أكد «التمسّك بالدستور والإجماع اللبناني على رفض التوطين، وأي سياسات تقوم على تشجيع استيعاب النازحين في أماكن تواجدهم»، معتبراً أنّ «الحل الوحيد لأزمة النزوح هو بعودة السوريين السريعة إلى وطنهم، وهو ما يتناقض مع مفاهيم العودة الطوعية والاندماج والتجنيس».
وهو الأمر الذي يؤكد أنّ رفض تثبيت النازحين السوريين يشكّل قاسماً مشتركاً للمكونات اللبنانية الأساسية التي اكتوت من تجربة تثبيت اللاجئين الفلسطينيين باسم اللجوء الموقت.
وقد شكّل هذا الرفض السريع الذي برز من لبنان بارقة أمل لوحدة اللبنانيين حيال قضية وطنية بهذا الحجم، وشكّل دافعاً للأمم المتحدة، وحتى للولايات المتحدة الاميركية، لكي تتحرّكا سريعاً لتطويق الضجة التي أثارها موقف الأمين العام في تقريره، فزار القائم بالاعمال الاميركي ريتشارد جونز رئيس الحكومة تمّام سلام وكلّف مجلس الوزراء وزير الخارجية الإبلاغ الى المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ موقف لبنان الرسمي، فيما زار منسّق أنشطة الامم المتحدة والممثل المقيم لبرنامج الامم المتحدة الانمائي في لبنان فيليب لازاريني وزير العمل سجعان قزي الذي سيستقبل كاغ قبل ظهر اليوم.
موقف سلام
وفي المعلومات انّ ذروة التحرك اللبناني في هذا الإطار سيكون الموقف الذي سيعلنه رئيس الحكومة تمام سلام في القمة الانسانية العالمية التي ستعقد اليوم في اسطنبول التي وصل اليها أمس، حيث سيبلغ كل من يعنيهم الأمر من الامين العام للأمم المتحدة الى المسؤولين العرب والدوليين الموجودين في اسطنبول رفض لبنان مثل هذه الطروحات المشبوهة.
وسيبلغ سلام الى الامين العام للمنظمة الدولية انّ لبنان ليس راغباً الدخول في مواجهة مع الامم المتحدة، لأنه دولة مؤسسة لها تؤمن بالقوانين والشرعية الدولية، وكانت طوال تاريخها على أحسن العلاقات معها، إنما هناك خطوط حمر لا يستطيع ان يتخطّاها مع اي طرف، حتى مع الأمم المتحدة، وهذه الخطوط هي توطين النازحين السوريين في لبنان وتجنيسهم.
مواقف أوروبية وبريطانية
وعلمت «الجمهورية» انّ مواقف اوروبية اخرى، خصوصاً فرنسية وبريطانية، ستصدر هذا الاسبوع معلنة عدم تأييدها توطين النازحين السوريين، علماً أنّ كل هذه المواقف تبقى حبراً على ورق، أو كلاماً في الأثير، ما لم تضع الأمم المتحدة والدول الكبرى، ولا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية وروسيا، خطة لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وهو أمر متوافر مع انقسام سوريا اليوم بين منطقة للنظام ومنطقة أخرى للقوى المناهضة له.
لجنة النازحين
وعلمت «الجمهورية» انّ اللجنة الوزارية المكلفة ملف النازحين السوريين ستجتمع هذا الاسبوع لدرس خطة تُعدّها لجنة من الخبراء والاختصاصيين، تتضمّن آلية معاكسة لطرح الأمين العام للأمم المتحدة.
المصري
ورداً على سؤال عن سبل محاربة توطين النازحين السوريين في لبنان، قال الاستاذ في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري لـ«الجمهورية»: «انّ تصريح الامين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون في شأن اللاجئين السوريين استَند الى نصوص قانونية دولية منها اتفاقية شؤون اللاجئين التي صدرت عام 1951 ومنحَت اللاجئين المسجّلين لدى المفوضية التابعة لها منافع عدة، منها إمكانية توطينهم في الدولة المضيفة او في دولة ثالثة، الّا أنّ هذه الموجبات المُلقاة على الدول بصدد تطبيق الاتفاقية محصورة بالدول التي وقّعتها، علماً أنّ لبنان لم يوقّع هذه الإتفاقية، ولكنه سمح أصلاً بوجود المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وبتسجيل عدد كبير من هؤلاء في سجلاتها. لذلك، يجب على مجلس الوزراء الآن ان يرسل تأكيداً الى الأمين العام للأمم المتحدة لكي يبلغ أصحاب الشأن أن لبنان مُستثنى من هذه الاحكام».
وقيل للمصري: الا يعتبر انّ تسليم باسيل الى السيدة كاغ رسالة خطية موجهة الى الامين العام تتضمّن موقف لبنان برفض التوطين وأيّ شكل من أشكال البقاء الطويل للسوريين إجراء كافياً؟ فأجاب: «ليس كافياً إطلاقاً، لأنّ هذا الموضوع يقتضي ان تواجهه السلطة الاجرائية في لبنان الناطقة باسم السياسة اللبنانية أي مجلس الوزراء وليس بمجرد كتاب من وزير».
المرحلة الثالثة
وفي الاستحقاق البلدي، انشَدّت الانظار أمس الى محافظتي الجنوب والنبطية اللتين خاضتا استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، فيما شهد قضاء جزين انتخابات فرعية لملء المقعد الماروني الذي شَغر بوفاة النائب ميشال الحلو.
وقد تنافس عليه 4 مرشحين، وهم: مرشح «التيار الوطني الحرّ» امل أبو زيد ودعمته «القوات اللبنانية»، إبراهيم سمير عازار، العميد صلاح جبران وباتريك رزق الله. وقد انتهى اليوم الطويل الهادئ بفوز أبو زيد واحتفاظ «التيار» بمقعده النيابي.
وأظهرت النتائج الأولية غير الرسمية نيل أبو زيد 14653 صوتاً، عازار 7759 صوتاً، جبران 3163 صوتاً، ورزق الله 398.
وحضر رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل مساء الى مقر ماكينة «التيار» في جزين وشارك في الاحتفال بالفوز، وقال: «إننا نريد انتخابات نيابية في كل لبنان وفق قانون انتخابي جديد، وجزّين عاشَت تحت الاحتلال وتحررَت بوجود المقاومة، ولن تكون جزّين في أزمة طالما هناك تيار. جزّين تمثّل الحرية، وما أعظم النصر في جزّين، عاش مرشّحنا». (التفاصيل ص 6).
امّا المعركة الانتخابية البلدية في مدينة جزين، التي هي أكبر مدينة مسيحية في الجنوب، فقد انحصرت بين لائحتين: لائحة «نحنا لجزّين نحنا جاهزين» من جهة، وهي تحالفية بين «التيار الوطني الحر» و«القوات» والنائب والوزير السابق إدمون رزق وبعض العائلات، تُقابلها لائحة «الإنماء أوّلاً»، التي دعمها المرشّح عن المقعد الماروني الشاغر في جزين ابراهيم سمير عازار، والحزب «السوري القومي الاجتماعي» و حزب الكتائب اللبنانية. وأظهرت النتائج الأولية فوز لائحة «نحنا لجزين نحنا جاهزين». (التفاصيل ص7)
في صيدا
أمّا في صيدا فخاضَت المعركة الانتخابية ثلاثةُ لوائح: «إنماء صيدا» يدعمها تيار «المستقبل» و«الجماعة الإسلامية» والدكتور عبد الرحمن البزري، و»صوت الناس» يدعمها «التنظيم الشعبي الناصري»، و»أحرار صيدا» (غير مكتملة) يدعمها الدكتور علي الشيخ عمار ومناصرو أحمد الأسير. وقد تنافسَ 50 مرشّحاً على 21 مقعداً بلدياً. وقد بلغَت نسبة الاقتراع 44.5 في المئة.
ومع بروز «إنماء صيدا» في الطليعة ليلاً، توجَّه الرئيس سعد الحريري إلى المدينة مباركاً، وقال هناك: «مبروك لصيدا هذا العرس الديموقراطي، وإن شاء الله نراها كما أرادها الرئيس رفيق الحريري».
وقالت النائب بهية الحريري لـ«الجمهورية»: «لسنا أمام معركة إنّما امام استحقاق انتخابي إنمائي، وثقتي كبيرة بأهل صيدا».
أمّا الرئيس فؤاد السنيورة فأكّد لـ«الجمهورية»: «أنّ المشاركة في الانتخابات بمقدار ما هي حقّ فهي واجب»، وقال «إنّ غداً (اليوم) نهار جديد بصرفِ النظر عن النتيجة».
أمّا رئيس لائحة «إنماء صيدا» محمد السعودي، فأعربَ لـ«الجمهورية عن تفاؤله، وقال: «يطغى الإنماء على العمل البلدي وتقف السياسة خارجاً». وأظهرت النتائج الأولية تقدّم لائحة «إنماء صيدا» برئاسة السعودي بفارق 5600 صوت بعد فرز 83 قلماً من أصل 100. (تفاصيل ص.8).
المشنوق
وقال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مساء إنّ «كلّ الجهات المعنية والإدارات المتابعة لهذا اليوم الانتخابي، كان من الواضح أنّ الجهوزية لديها كانت أكثر دقّة وتطوّراً، وهذا يفتح العينَ على الدولة في لبنان، وإنّ الكلام عن لبنان كلام ثقة، ممّا يعني القدرة على اجتياز امتحان كهذا».
وعن المرحلة الرابعة من الانتخابات، قال المشنوق: «ستكون الجهوزية أعلى إن شاء الله»، معتبراً أنّ «مسألة الانتخابات البلدية ليست تقنية أو إدارية ومقدور عليها، لأن النظام اللبناني يحتاج الى رئيس جمهورية والنظام معطّل في لبنان في غياب رئيس الجمهورية».
وأكّد أنّ وزارة الداخلية والبلديات على «جهوزية كاملة للمرحلة الانتخابية المقبلة في الشمال». وأشار إلى أنّ «المشروعية السياسية لمجلس النواب مفقودة، ليس بسبب التمديد، إنّما بسبب عدم قدرته على انتخاب رئيس للجمهورية».
وكان المشنوق الذي عقد اجتماعاً موسعاً في سراي صيدا الحكومي مع قادة الاجهزة الامنية والعسكرية والقضائية في الجنوب، ثم ترأس اجتماعاً أمنياً وإدارياً في سراي النبطية، وزار جزين، اكّد خلال اليوم الانتخابي الطويل جهوز الوزارة لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، مشدداً على أنّ «اكتمال النصاب الدستوري يكون بانتخاب رئيس جمهورية في غياب أيّ ضمان بأنّ مجلس النواب الجديد بعد انتخابه لن يتعرّض للعقبات نفسها التي يتعرّض لها المجلس الحالي».
وكشف أنّ «جميع الديبلوماسيين الأجانب، وخصوصاً الغربيين، حصلوا على بطاقات للتجوّل في المناطق الانتخابية، وربما وصلوا إلى هنا بسبب الانتخابات النيابية».
وحول مبادرة بري الداعية إلى إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، قال: «الرئيس بري موضع احترام وتقدير، لكن لا أعتقد أنّ الانتخابات النيابية ستُجرى قبل الرئاسية، هذا رأيي الشخصي. أمّا إذا اتفق مجلس النواب على تقصير ولايته الحالية وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، فوزارة الداخلية مُلزمة بالقانون، لكن لا أعتقد أننا سنصِل إلى هنا».