يبقى الفشل في حلّ الملفات الساخنة سِمة المرحلة، حيث فشلَ مجلس النواب مجدّداً في انتخاب رئيس جمهورية، لعدمِ اكتمال النصاب في جلسة الانتخاب الأربعين، وقد اقتصر الحضور على أربعين نائباً، فأُرجئَت إلى 23 حزيران الحالي. وفشلت الحكومة في اتّخاذ قرار بملف سد جنة، فسُدَّ عليها النقاش في باقي بنود جدول الأعمال. وانسحبَ الفشل على ملف قانون الانتخاب، على رغم التقدّم الطفيف الذي سُجّل في مداولات اللجان النيابية المشتركة التي تستأنف مناقشاتها في جلسةٍ تُعقد قبل ظهر الثلثاء والخميس المقبلين، في وقتٍ أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق جهوزية الوزارة لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
لم تأتِ أجواء جلسة مجلس الوزراء على قدر التوتّرات والتصريحات التي سبقتها، وكأنّ الجميع أدرك قرفَ الناس ومللَ رئيس الحكومة تمام سلام من إدارة معارك «دونكيشوتية»، تحمل في كلّ فصل عنواناً.
واستباح سد جنّة وقتَ المجلس على مدى 4 ساعات تحوّلَ فيها الوزراء الى خبراء، مستنِدين الى مقاطع استطاعوا اقتطافَها من تقارير فنّية، فنجحوا إلى حد ما في تمرير جلسة تقنية مع خلفية سياسية لم تخلُ منها تصريحات الوزراء لدى دخولهم الى الجلسة وخروجهم منها.
بدأت الجلسة بكلمة لسلام نوَّه فيها بنجاح الانتخابات البلدية، وقال: «الذي يستطيع إجراء هذه الانتخابات يستطيع إجراء انتخابات رئاسية وانتخاب رئيس». ثمّ بدأ مباشرةً بالبند الاوّل، بند سد جنة.
فتحدّث بدايةً وزير البيئة محمد المشنوق عارضاً تقارير الأثر البيئي لهذا المشروع. ثمّ تحدّث وزير الطاقة آرتور نزاريان عارضاً مستندات لدراسات تؤكد الفائدة المائية والاقتصادية والكهربائية جرّاء هذا السدّ. ولفتَت الوزراءَ مداخلتُه المطوّلة وهو معروف عنه أنّه قليل الكلام، وقال أحدهم: واضح أنّه دارسٌ ملفّه بشكل جيّد.
وعرضَ نزاريان للتقرير الذي أجرَته شركة «خطيب وعلمي» عام 2008 على الموقع الاوّل للسد قبل نقلِه مسافة 600 متر، فسأل عمّا إذا كان هذا التقرير يصلح للموقع الجديد. فكان الجواب بأنّه لم يكن يَعلم بالموقع الجديد لا هو ولا وزير الطاقة السابق جبران باسيل.
وتبيّن أنّ الأعمال بدأت بالسد في موقعه الجديد من دون دراسة جديدة، ثمّ طلبت الدراسة في 31 آب 2015 لكنّ الوزراء لم يتسلّموها إلّا منذ مدة قصيرة، وهي الدراسة التي قامت بها شركة GICOM.
وبقيَ منسوب النقاش في الجلسة مقبولاً ولم تتخللها مواجهات حادة كانت متوقّعة تماشياً مع أجواء البلد والسجالات الدائرة بين السياسيين والوزراء على خلفية نتائج الانتخابات البلدية.
ولم يناقش مجلس الوزراء أيّ بند آخر على جدول الأعمال، حتى إنّ سلام لم يحدد موعد الجلسة المقبلة. ووعد بإجراء اتصالات قبل ان يرفع الجلسة.
كما تمّ الاتفاق على تعيين جلسة استثنائية الاسبوع المقبل لم يحدّد موعدها، لمناقشة كلّ مشاريع مجلس الإنماء والإعمار.
باسيل
وقال الوزير جبران باسيل لـ«الجمهورية»: «سنعبر السد بسلاسة المياه، ولن يستطيع أحد توقيفَ الأعمال فيه، لأننا نعتبره من أمننا الوطني. ما يحصل هو مضيَعة للوقت، المشروع تمّت الموافقة عليه منذ 4 سنوات، وهُم يبحثون عن أيّ حجّة لتوقيفه، أثبتنا لهم اليوم بالوثائق الدامغة أنّ السد حاجة وله منافع كبيرة، السد «ماشي» والمياه «ماشية» ولا قرار لمجلس الوزراء بتوقيفه.
شهيّب
وقال الوزير أكرم شهيّب لـ«الجمهورية»: لا صفقات في سد جنة، الصفقة الوحيدة التي حصلت هي أنّ بيروت لن تعطش ولا جبَيل ستعطش، وسنأخذ مئة ميغاواط كهرباء بطريقة بيئية في مساقط الماء، هناك مرسوم وقانون لمشروع السد، وبالتالي لا يمكن لأحد توقيف الأعمال فيه».
حكيم لـ«الجمهورية»
وقال الوزير ألان حكيم لـ«الجمهورية»: النقاش كان فنّياً تقنياً بيئياً، لكنّ الطاغي فيه كان السياسة، لسوء الحظ، والاستنسابية. موقفُنا واضح داعمٌ مئة في المئة للبيئة، نحن مع السدود لكنْ في الأماكن المدروسة.
أبو فاعور لـ«الجمهورية»
وقال الوزير وائل ابو فاعور لـ«الجمهورية»: وضِع ملف سد جنة في عهدة دولة الرئيس الذي سيقوم باتصالاته حتى الجلسة المقبلة، ليرى إذا كان يمكن إدخال تحسينات معيّنة تضمن تجنّبَ المشاكل التقنية. طلبتُ أن يكون هناك لجنة فنّية علمية تقرّر «لأنها مِش شَغلة الوزراء».
حنّاوي لـ«الجمهورية»
وقال الوزير عبد المطلب الحناوي لـ«الجمهورية»: «نحن مع خطة استراتيجية للمياه، والسدودُ جزء منها، هناك خلافات تقنية تحتاج إلى لجنة».
بوصعب لـ«الجمهورية»
وقال الوزير الياس بوصعب لـ«الجمهورية»: شَعرنا أنّ النقاش يجري وفقَ مبدأ «عنزة ولو طارت»، وأنا استعملت هذه العبارة على طاولة المجلس لأنه في كلّ مرّة نعطي فيها أجوبة توجَّه إلينا الأسئلة نفسها. قلنا إنّ نقلَ موقع سد جنة هو لاستيعاب 7 ملايين متر مكعّب زيادةً، فعادَ الوزير حرب وسألَ عن أسباب النقل، ثمّ أين المشكلة في نقل السدود، هذا يحصل عادةً عندما نكتشف فائدةً أكثر بتغيير موقعِها.
دوفريج لـ«الجمهورية»
وقال الوزير نبيل دوفريج لـ«الجمهورية»: لو أديرَ ملفّ سد جنة تقنياً لكُنّا أنهيناه بربع ساعة، نحن لسنا بتقنيين، وهناك دراسات متضاربة، أنا اقترحتُ الطلب من البنك الدولي أن ينفّذ مشاريع كبرى وصعبة في كل دول العالم، وأن يعتمد مؤسسة نزوّدها بكلّ الدراسات التي أجريَت في لبنان، ونَطلب منها أن تذهب الى الموقع وتقوم بدراستها الخاصة ونَلتزم أخلاقياً قرارَها، فنحلّ المشكلة.
شبطيني لـ«الجمهورية»
وقالت الوزيرة أليس شبطيني لـ«الجمهورية»: أستغرب هذا النقاش الطويل حول سد جنّة، فالمسألة تحتاج الى عرض تقني وفنّي للتقارير. واقترحت استدعاء الشركات التي أصدرت تقارير متضاربة لمناقشتها أمام مجلس الوزراء .
إرتدادات الانتخابات البلدية
في غضون ذلك، توسّعَت مساحة ارتدادات نتائج الانتخابات البلدية، الإيجابية منها والسلبية. في الأولى سُجّل تقدّم على خط العلاقة بين تيار «المستقبل» والوزير المستقيل أشرف ريفي، من خلال إعلان رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة أنّه على اتصال بريفي، مؤكّداً في الوقت نفسه انّ نتائج انتخابات طرابلس «قيد الدراسة المستفيضة داخل تيار المستقبل».
وكان ريفي قد أهدى الانتصار في الانتخابات البلدية «لروح الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكلّ من يسير على هذه الطريق». ووجّه تحية للحريري قائلاً: «رمضان كريم وكلّ عام وأنت بخير، ولنَعد إلى المبادئ التي انطلقنا منها.»
وأعلن أنّه ليس عضواً في تيار «المستقبل»، و»لكنّني مقاتل شرِس في وجه من يحاول إلغاءَ الحريرية السياسية»، مؤكّداً أن لا عودة عن استقالته من الحكومة.
إرتدادات سلبية
أمّا الارتدادات السلبية فظهرَت في تدهوُر العلاقة بين «المستقبل» و«القوات اللبنانية» عقبَ السجال الأخير بين الحريري ورئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع على خلفية المواقف التي أعلنَها الاخير في مقابلته المتلفَزة، ولم يستطِع الاجتماع الذي عُقد بين السنيورة والنائب جورج عدوان في مجلس النواب أمس التخفيفَ مِن حدّة هذا التوتّر.
كما ظهرَت هذه الارتدادات في هجوم شنَّه الوزير بطرس حرب على الوزير جبران باسيل من دون أن يسمّيه. وقال حرب: «إنّ محاولات البعض لتدمير شرفات مداميك الكرامة في تنّورين ما هي إلّا دليل على فقدان الآداب والأعصاب وعلى الخيبة». وأضاف: «البترون لن تكون مزرعة للأقزام الذين قذفَتهم القربى إلى ممارسة العمل السياسي».
فتفت لـ«الجمهورية»
ووصَف النائب أحمد فتفت العلاقة بين «المستقبل» و«القوات» بأنّها متوتّرة، لكن «من دون سبب جوهري أساسي إلّا الاختلاف على أمور سلطوية لا دخلَ لها بالأمور السياسية الاستراتيجية الفعلية».
وقال فتفت لـ«الجمهورية»: «في الأمس شَعرنا بالأسى والأسف بأنّ الدكتور جعجع يشنّ هجوماً على تيار «المستقبل» بهذا الشكل، وشعرنا بأنّ هذا الشخص صاحب العقل الاستراتيجي الكبير، يضَيّع الاستراتيجية بتكتيكات السلطة وكرسي بلدي وكرسي اختياري، بدل الهمّ الاستراتيجي، فيما هناك معركة كبيرة يَخوضها «حزب الله» بتفكير استراتيجي ويسيطر على البلد تدريجياً. فبدل أن نعود الى ثوابت 14 آذار، نغوص في خلافات السلطة.
وأنا كصديق لجعجع، أقدّره كثيراً لكن في الأمس صدمني بهجومه حين بدَّى التكتيكات على الاستراتيجات».
واعتبَر فتفت «أنّه إذا لم يعُد كلّ طرَف الى ثوابت 14 آذار فالأمور لن تمشي، فمعاركُنا المشتركة، من معركة انتخابات 2005، الى معركة إخراج الدكتور جعجع من السجن، الى كلّ معارك 14 آذار المشتركة، كانت مبنية على ثوابت، وإذا لم نعُد إليها لن نستطيع أن نلتقي».
وقال فتفت إنّ جعجع «فتح المعركة منذ أن أبرم ورقة إعلان النوايا» مع «التيار الوطني الحر»، فالخسائر اليوم هي لـ 14 آذار، ولا يتوهمنَّ أحد أنّه سيربح بمفرده، لأننا جميعاً سنذهب ضحايا إذا لم نُعِد توحيدَها».
واعتبَر أنّ من صوّت لريفي «كان يصوّت لأفكار تيار»المستقبل»، لكنّه لم يقبل التنازلات التي قُدّمت، أي إنّه دقّ جرَس إنذار بالسياسة، ليقول إنّه يرى الأمور خلاف ذلك ولن يقبل التنازلات، ومعه حقّ، لأنّ الحوار مع «حزب الله» غير مجدٍ، وكلّ الأمور غير مجدية، وبالتالي يتطلب الأمر إجراء دراسة وتقييم».
ودعا فتفت الى عدم الخلط بين موضوع ريفي وموضوع جعجع، «فجعجع خيارُه «إعلان النوايا» والتحالفات ومحاولة إلغاء المسيحيين المستقلين».
وعن زيارة ريفي إلى دار الفتوى وتهنته الحريري وإعلان السنيورة أنّه على اتّصال به، أجاب فتفت: «وأنا أيضاً على اتّصال به، وهنّأتُه في الانتخابات، وريفي مثلما يصف نفسَه هو حريريّ، لا خلافات معه على الأسُس بل اختلافات على التوجّهات، واليوم في طرابلس الخاسرُ الأكبر هو من كان يوهِم الناسَ بأنّه زعيم المدينة أي الرئيس نجيب ميقاتي، وأحد أسباب الخسارة أنّنا تحالفنا معه، والناس رفضَت هذا التحالف».
«بيت الوسط»
وفي السياق، ذكرَت مصادر تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» أنّ القراءة النهائية للانتخابات البلدية، ولا سيّما في طرابلس ستكون مدارَ بحثٍ وتحليل نهائي في اللقاء المرتقَب في «بيت الوسط» والذي ينتظر عودة الحريري إلى بيروت في الساعات المقبلة بعد جولة خارجية قادته الى الكويت والرياض. وأوضحت أنّ الأجهزة المختصة التي شاركت في إدارة العملية الانتخابية شارفت على وضعِ تقريرها النهائي.
وردّاً على ما رافقَ إطلالة جعجع المتلفزة وردّ الحريري عليه، قالت المصادر إنّ تعليقات الحريري «جاءت واضحةً ولا تحتمل أيّ تفسير أو لبسٍ، وأنّه سجّل الموقف المناسب بأقلّ العبارات الممكنة وللبحث صِلة».
وأكدت المصادر انّ خطوط التواصل فتِحت مجدداً بين قيادة «المستقبل» وريفي، وأنّ الملف بيَد السنيورة «الذي يتولّى معالجة الموضوع، وهو على اتصال دائم مع ريفي بوسائل عدة، منها عبر أصدقاء مشتركين لم يتوقّفوا عن تبادل الرسائل بين الطرفين من حين إلى آخر».
ولفتت إلى «أنّ الرهان على التباعد بين ريفي و«التيار» يحمل الكثير من سوء النوايا، وأكثر ممّا يحتمل الحرصَ على العلاقة بين الطرفين. وإنّ القابلَ من الأيام سيوفّر المعطيات الكافية، والدخولُ في أيّ تفاصيل إضافية ليس أوانه بعد».
ريفي عند الراعي
ويزور ريفي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل ظهر اليوم، في إطار جولة يقوم بها على المراجع الروحية، بدأها بزيارة دار الفتوى أمس.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» إنّه قصد القيام بهذه الزيارة من أجل توضيح الظروف التي قادت إلى انتخابات طرابلس وما أحرزَته اللائحة المدعومة منه في الانتخابات.
وسيشرح ريفي للراعي ما رافقَ الانتخابات وما أدّى إلى غياب التمثيل المسيحي والعلوي عن المجلس البلدي الجديد، وسيؤكّد أنّ طرابلس كانت وستبقى ملاذاً للعيش المشترك، لكنّ القانون الانتخابي هو السبب في ما حصل، مبدِياً الاستعداد لأيّ حلّ يمكن التوصّل إليه إذا صَفت النيّات وتضافرَت الجهود لهذا الهدف.