توَزَّع الاهتمام السياسي أمس بين بروكسل التي أجرى فيها رئيس الحكومة تمّام سلام محادثات مع نظيره البلجيكي شارل ميشال ومسؤولين أوروبّيين، مُعلِناً عن «توقيع اتّفاق مع الاتّحاد الأوروبي بقيمة 135 مليون أورو»، وبيروت التي تتابع تحضيرات الحوار المرتقَب بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، ووسطِها حيث استأنفَ أهالي العسكريين المخطوفين الغاضبين إشعالَ الإطارات في رياض الصلح عصراً، وقطعَ طريقِ الصيفي مساءً، بعد تعَثّر المساعي لإطلاق أبنائهم وتجدُّد التهديدات بإعدام جبهة النصرة العسكري المخطوف علي البزّال، وسط تخبُّطٍ سياسيّ حول آليّة التفاوض المباشَر مع الخاطفين وهويّة المفاوضين، في وقتٍ تستمرّ حملة وزير الصحّة وائل أبو فاعور لِسلامة الغذاء، فطلبَ أمس إقفالَ مسلخ دواجن شركة التنمية الزراعية في البقاع، فيما أحالَ وزير المال علي حسن خليل 55 موظفاً في الشؤون العقارية ومسؤولي المساحة إلى النيابة العامة المالية.
كشفَ سلام لـ«الجمهورية» أنّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أكّد له أنّ الهبة السعودية على طريق التنفيذ، وأنّ الفرنسيين مصمّمون على بدء تسليم السلاح للجيش اللبناني ابتداءً من منتصف الشهر الجاري.
كذلك كشفَ أنّه حصل على وعد أوروبي بضرورة دعم لبنان، مشيراً إلى أنّ الهدف من اجتماعه مع الرئيس الجديد للاتّحاد الأوروبي اليوم ليس مجرّد التهنئة فحسب بل بغية إرساء علاقة متينة مع الاتّحاد للمرحلة المقبلة.
ولمسَ سلام لدى الحكومة البلجيكية «حماسةً للمضيّ في دعم لبنان اقتصادياً، مؤكّداً أنّ بلجيكا «خائفة على لبنان من الإرهاب والمرحلة الدقيقة التي
يمرّ بها بسبب الوضع الإقليمي والنزوح السوري الذي يشكّل تحدّياً أمنياً واجتماعيا».
وطالبَ سلام «بدَعم الجيش اللبناني، خصوصاً أنّ لبنان يشكّل نموذجاً للإعتدال والعيش المشترك، وهذا الأمر بالغُ الأهمّية لمستقبل المنطقة». ولفتَ إلى «وجود تفاهُم وقرار بالمتابعة بشكلٍ حثيث، وتبادل زيارات قريباً لدعم لبنان».
ومِن جهة ثانية، أكّد سلام «أنّ الحكومة مستمرّة في التفاوض لإطلاق سراح العسكريين، وهي تبذل جهوداً عبر اللواء عبّاس ابراهيم، ولن تنتظر عودة أيّ وسيط، لأنّ القضية لا تحتمل الانتظار، كذلك فإنّ ابو فاعور يلعب دوراً جيّداً.
ولفتَ سلام الى أنّه طلب من الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عندما التقاه في نيويورك لعبَ دورٍ في هذا الملف، على غرار دور تركيا في قضية مخطوفي إعزاز وراهبات معلولا، ووعدَني بالاهتمام بهذا الملف، لكن حتى الساعة لم يحصل أيّ شيء إيجابي».
رئيس الوزراء البلجيكي
من جهته، أكّد رئيس الوزراء البلجيكي إرادة بلاده القوية لدعم لبنان، خصوصاً لدى الهيئات الدولية، والمطلوب تجييش المجموعة الدولية للتضامن مع لبنان ووقوفها إلى جانبه من أجل إيجاد حلول لموضوع اللاجئين. «وعرضنا المسألة الأمنية ورأينا أنّه يجب على الجميع العمل من أجل محاربة التطرّف والعمل من أجل السلام والأمن اللذين يجب أن يكونا هدف كلّ القوى السياسية».
الحوار
وعلى المقلب الآخر، يترقّب الجميع انطلاقَ الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، حيث إنّ التهدئة السياسية فرضَت نفسَها حتى قبل انطلاق هذا الحوار الذي من المتوقّع أن يساهم في مزيد من التبريد السياسي، وأن يمهّد لمرحلة سياسية جديدة من أبرز عناوينها منحُ الحكومة دفعاً إضافياً، وتنفيس الشارعَين السنّي والشيعي، وتلمُّس إمكانية التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وذكرت معلومات أنّ الرئيس بري تلقّى أجوبة إيجابية من كلّ من «حزب الله» و«المستقبل»، وأنّه مرتاح لهذه الأجوبة، وأنّ عواصم عربية وإقليمية مهتمّة بهذا الحوار وتؤيّده.
العودة إلى السكّة الصحيحة
وكان سلام شدّدَ على أهمّية الحوار، مؤكّداً أنّه مفيد للبلد، وغيابُه يوصلنا إلى مشاكل وعقَد كثيرة. وتمنّى أن يكون الانفراج اليوم بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» والذي يسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري لإدارته، خيراً للبلد. ورأى أنّ الأمر لا يتمّ بين ليلة وضحاها، وأكّد أنّه سيُبحَث خلاله وبعمق موضوع الانتخابات الرئاسية والنيابية، والمواضيع التي يمكن أن تعيدَ لبنان إلى السكة الصحيحة، مشيراً إلى أنَّ الحكومة تواكب هذا الأمر.
«حزب الله»
من جهته، شدّدَ عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض «على ضرورة أن يخطو الجميع باتجاه الحوار بخطوات ثابتة ومسؤولة، لأنّ فيه مصلحة للجميع وليس لطرفٍ أو لفئة، وعوائدُه ستصبّ في مصلحة الوطن أوّلاً وأخيراً».
«الكتائب»
بدوره، رأى حزب الكتائب في الحوار المباشر الممكن بين «المستقبل» والحزب «عاملاً مساعداً للاستقرار عقبَ الاحداث الأليمة الأخيرة خصوصاً في منطقة الشمال، ومقدّمةً لحوار وطنيّ شامل سبقَ ودعَت إليه القيادة الكتائبية».
ملفّ العسكريين
وفي موضوع ملف العسكريين، فقد قطعَ أهاليهم طريقَ الصيفي في الاتجاهين فور إعلان «النصرة» مساء أمس أنّها تلقّت من الحكومة اللبنانية رفضَها المقايضة، وأنّها قرّرت تنفيذَ الإعدام بحقّ الجندي علي البزال، إضافةً إلى عسكري آخر لم تعلِن عنه. كما قطعَ الأهالي الطريق الدولية التي تربط البزالية باللبوة في البقاع الشمالي احتجاجاً على التهديد بقتل البزّال. واستُتبع تحرّك الأهالي ببيان عن شباب آل البزّال هدّدوا فيه بالثأر، قائلين:
«ليعلم القاصي والداني، لن نكون بمنأى عن ثأرنا إذا ما أصاب علي البزّال مكروه، فلتعلموا أنّ أيّ شيخ أو إمرأة او رجل أو ولد من عرسال أو سوريّ الجنسية لن نرحَم، ولتعلموا ولا تقولوا ليس لهم علاقة، فإبنُنا ليس للمتاجرة وتحصيل الأهداف لمصلحة أيّ طرف، ونكرّر يا أهلنا في عرسال لا تجبرونا على قطعِ صلة الوصل ولا تجرّبونا إذا ما أصاب علي مكروه، ودمُه برقبة صغيركم وكبيركم، ولن نكون رحومين، العين بالعين والسنّ بالسنّ، وعلي دمُه غالٍ.
ولتعلموا أنّ عرسال بصغيرها وكبيرها هي هدفُنا، ولتعلَم يا مصطفى الحجيري أنتَ السبب بكلّ ما سيحصل، وأعذِر مَن أنذر». وبعد تلقّي الأهالي التطمينات بتأجيل الإعدام نتيجة الاتصالات العاجلة التي أجرِيَت أعادوا فتحَ الطريق في الصيفي.
خلية الأزمة
ونفَت مصادر خلية الأزمة لـ«الجمهورية» أن تكون الدولة اللبنانية أبلغَت الى الجهات الخاطفة رفضَها المقايضة، وأكّدت أنّ هناك نقاشاً جدّياً حول أن تقوم الدولة بإجراءات بحقّ أتباع «النصرة» و«داعش»، من بينها الإعدام أو الترحيل الى سوريا. وحذّرت المصادر من الدور المشبوه الذي يقوم به الشيخ مصطفى الحجيري الملقّب بـ«ابو طاقية».
جنبلاط
في هذا الوقت، وصفَ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط المطالبة بإعادة تفعيل التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري بالبِدعة المستجدّة؟ سائلاً: «ما الذي يحقّقه لبنان من التنسيق العملاني بين الجيشين، ولماذا على لبنان الرسمي أن يعيدَ تعويم النظام السوري وجيشه، بعدما أصبحت مصداقيته في الحضيض؟
ولماذا يتمّ الربط بين إطلاق المخطوفين اللبنانيين وإطلاق جنود سوريّين؟». واستغربَ الاتهامات الصادرة حيال مواقف الحزب من قضية العسكريّين، ومحاولات البعض تظهيرَ رأيه «على أنّه ينطلق من اعتبارات مذهبيّة».
واستغربَ أيضاً «كيف تُظهر بعض الأوساط الوزاريّة ضيقَها بالمجهود الذي يقوم به الحزب التقدمي الاشتراكي في ملفّ العسكريين المخطوفين، وكأنّ المطلوب عدم تقديم المساعدة لإنهاء هذه القضيّة التي ترقى إلى مستوى المأساة الوطنيّة. فإمّا أن تتوحّد الكلمة داخل خليّة الأزمة الوزاريّة لوضع حَدٍّ لهذا الأمر، أو تتوقف نوايا التشكيك الدائمة بما نقوم به، لا سيّما أنّ وقتاً طويلاً قد مرّ على هذه المسألة من دون إيجاد الحلول الجذريّة لها».
وفي السياق نفسه، غرّد جنبلاط على تويتر، قائلاً: «أمّا وقبِلَ أخيراً كبارُ القوم بمدأ المقايضة، فلنُخرِجْ أنفسَنا من دوّامة العدد لأسباب معروفة وغير معروفة في دولة لا تسيطر على سجن رومية».
ورأى أنّ «من المفيد السرعة»، مشدّداً على أنّ «الموضوع عام، وطني، وليس فئوياً». وختمّ قائلاً: «أتمنّى أن لا يكون اعتراضٌ على كلامي وأياً كان المفاوض فلا مشكلة، المهم التفاوض والمقايضة وحياة العسكر المخطوف.».
مصدر عسكري رفيع
على صعيد آخر، وفيما تحدّثت صحيفة «تلغراف» البريطانية عن مهمّة سرّية تقوم بها قوات بريطانية بالتنسيق مع الجيش اللبناني لمراقبة الحدود مع سوريا في بلدة رأس بعلبك، لمنعِ مسلّحي «داعش» من التسَلل عبر سوريا إلى لبنان، وعن تشييد فرَق سرّية بريطانية في تمّوز الماضي 12 برجاً للمراقبة على طول حدود البلدة لمنع سقوطِها في أيدي مسلحي التنظيم، ما سمحَ بمساعدة الجيش في وقف زحف «داعش» باتّجاه مناطق غربي البلاد، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ ما نُشِر في الصحيفة ليس سرّاً، فقد سبقَ أن نُشِر في صحيفة «الجمهورية» في تاريخ 23 تشرين الأوّل الفائت، وأكّد الجيش عليه».
وأوضحَ أنّ «المشروع يقضي بمساعدة بريطانيا ببناء أبراج للمراقبة في البقاع والشمال ومناطق انتشار الجيش من أجل ضبط الحدود ومحاربة الإرهاب».
ونفى المصدر نفياً قاطعاً وجودَ «أيّ قوات بريطانية في لبنان، لافتاً إلى أنّ الموجودين هم مِن الفرَق التقنية التي تساعد في بناء أبراج المراقبة»، واستغربَ القول إنّها «موجودة سرّاً، فكلّ الناس ترى الأبراج، وهذا المشروع ليس سرّياً». وأوضحَ أنّ «ما ورد في الـ»تلغراف» موجّه إلى الداخل البريطاني للقول إنّ بريطانيا ما زالت قويّة وجيوشُها تنتشر حول العالم، ولا يعني الداخل اللبناني».