يحفل النصف الثاني من شهر حزيران الجاري بثلاث محطات أساسية: الأولى: جلسة الحوار الوطني في 21 منه، ويحلّ قانون الانتخاب طبقاً دسماً على طاولة المتحاورين. الثانية: جلسة جديدة للّجان المشتركة في 22 لاستكمال النقاش حوله. الثالثة: جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 23 منه، في ظلّ انعدام التوافق على الرئيس العتيد. أمّا اليوم فتُسجَّل محطتان بارزتان: جلسة لمجلس الوزراء قبل الظهر استبَقتها توقّعات بمناقشات ساخنة، وكلمة للرئيس سعد الحريري مساءً في إفطار “بيت الوسط”. وفي غياب أيّ بوادر حَلحلة في الآفاق الرئاسية والحكومية والنيابية، حذّرَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي مِن غضبِ الشارع ما لم نتوصّل إلى قانون انتخابي جديد، وهو ينتظر رد تيار المستقبل على “مشروع ميقاتي”. وفي زيارةٍ لافتة تُعبّر عن حجم الأزمة العراقية وتحوّل بيروت موقعاً للتفاهمات الديبلوماسية السرّية، علمت “الجمهورية” أنّ وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري سيصل إلى بيروت اليوم، وسيلتقي كلّاً مِن الرئيسَين نبيه برّي وتمّام سلام، ووزيرَ الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وعدداً من القيادات السياسية، ولا سيّما الشيعية منها. وقالت مصادر واسعة الاطّلاع إنّ “الجعفري سيلتقي قيادة “حزب الله” وديبلوماسيين، في لقاءات مغلقة غير معلن عنها مسبَقاً، وتَردَّد أنّها تتّصل بالمرحلة الدقيقة التي يشهدها العراق، وتشكّل امتداداً لوساطةٍ ما يقودها الحزب في الداخل العراقي”.
تعود التباينات والخلافات السياسية إلى مسرح مجلس الوزراء اليوم على خلفية ملفات تفجيرية عدة، أبرزُها سَد جنّة والنفايات والاتصالات.
سلام
وقالت مصادر الرئيس تمام سلام لـ”الجمهورية” ان مجلس الوزراء سيبدأ جلسته باستكمال البحث في بند سدّ جنة من دون التوصل الى حلّ لأن الاتصالات افضت الى تشبث كل فريق بموقفه، وبالتالي ما يزال كل فريق متمترساً خلف موقفه وتقاريره، ويبدو ان هناك قراراً مسبقاً بعدم الاقتناع برأي الفريق الآخر والإبقاء على المواجهة.
وتوقعت المصادر ان تكون جلسة اليوم جلسة مشاكل في ظلّ غياب الحلول لكل الملفات العالقة؛ وقد اضيفت الى ملف سدّ جنة، العودة الى ملفي النفايات وأمن الدولة.
ورأت المصادر ان كل ما يحصل داخل مجلس الوزراء، يندرج تحت سقف تعطيل الدولة المتعمّد وسببه الأساس غياب رئيس الجمهورية وتوقف المؤسسات واهترائها المستمر.
وأشارت الى ان الوزراء سيأتون اليوم الى المجلس ولا أحد يملك تصوراً لاتفاق أو حلّ لأي من الملفات العالقة، إذ يبدو ان ليس لديهم نوايا للانفتاح على امكانية التوصل الى تسويات وحلول.
حكيم
وفي السياق، توقّعَ وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم “أن تكون الجلسة ساخنة”، مبدياً اعتقاده بأنه سيكون هناك مشكلة كبيرة على بند سد جنة.
وقال حكيم لـ”الجمهورية”: لنكُن واضحين، فلهذا السدّ اليوم تأثيرات على البيئة والآثار والسياحة، وعلى وزراء البيئة والثقافة والسياحة أن يتحمّلوا مسؤولياتهم. فإذا كانت لديهم نقاط غير إيجابية في هذا الملف يجب أن يتحدّثوا فيها ويأخذوا موقفاً.
الأمر تقنيّ ويتطلب إعادة نظر في المواضيع المطروحة، وهناك دراسات عدة، بعضُها إيجابي وبعضها سلبي، فعلى الأقلّ ليكُن هناك قرار للجنة أو لشركة مستقلة تقرّر ما هي النقاط البيئية والسياحية والأثرية”.
بوصعب لـ«الجمهورية»
إلّا أنّ وزير التربية الياس بوصعب أكّد لـ”الجمهورية” أنّ مجلس الوزراء سيمرّ على موضوع سد جنّة مرور الكرام “لأنّ المشكلة المفتعَلة حوله هي للتغطية على مواضيع أخرى، خصوصاً ملفّ الاتصالات”. وتوقّعَ أن يغيب وزير الاتصالات بطرس حرب عن جلسة اليوم، وبالتالي أن يتمّ تأجيل مناقشة ملف الاتصالات بسبب هذا الغياب.
ورفضَ اعتبار أنّ جلسة اليوم “هي جلسة لزوم ما لا يلزم” لافتاً إلى وجود بنود عادية عدة، والمجلس سيناقشها.
أمن الدولة
وفيما يغيب ملف أمن الدولة عن الجلسة، أكّد وزير السياحة ميشال فرعون أنّ أزمة هذا الجهاز هي سياسية بامتياز. وقال من معراب: يبدو أنّ الكيدية ما زالت موجودة وتنتصر على ضرورة إعطاء المقوّمات لهذه المؤسسة لمكافحة الإرهاب كباقي المؤسسات الأمنية، وهذا الملف متواجد في عهدة رئيس الحكومة تمّام سلام الذي وعد بالإفراج عن بعض مستحقّات هذا الجهاز، ولا سيما أنّ الأخير يقوم بواجباته على أكمل وجه كما نشهد من عمليات أمنية وإلقاء قبض على خلايا إرهابية.
قانون الانتخاب
في الملف الانتخابي، وبعد وصول المناقشات في جلسات اللجان النيابية المشتركة إلى حائط مسدود، حذّرَ رئيس مجلس النواب من “غضبة الشارع في حال لم يتمّ التوصّل إلى قانون جديد للانتخابات، وبقيَ قانون الستّين الذي لا يؤمّن تطلعات اللبنانيين في التمثيل الصحيح”. وأكّد إجراء الانتخابات النيابية، والرفض المطلق للتمديد تحت أيّ ذريعة.
مكاري
وكان نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري قد عرضَ مع برّي النقاط والخلافات التي تواجِه قانون الانتخاب داخل جلسات اللجان، ونقل عنه وعدَه بالعمل على إيجاد الحلول، لافتاً إلى وجود “نقاط لا يستطيع النواب في اللجان تقديمَ تنازلات حولها للتوصّل إلى توافق”، وقال: أعتقد أن ليس لديهم الصلاحية لأخذِ مِثل هذه الخطوة التي تحتاج إلى حلّ مِن رؤساء الكتَل الذين يجتمعون إلى طاولة الحوار، وبالتالي هي المكان الصحيح لبحث هذا الموضوع وإعطاء التوجيهات في شأنه.
فيّاض
وأكّد عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي فيّاض “أنّ فرَص المختلط تضاءَلت، وكلّ محاولات التوفيق بين مشروعَي برّي و”الثلاثي”(“المستقبل” ـ”القوات” ـ “التقدمي الاشتراكي”) باءَت بالفشل لغاية الآن، وتكرّرت هذه المحاولات في اللجنة النيابية الخاصة ويُعاد تكرارها الآن في اللجان.
وقال فيّاض لـ”الجمهورية”: كلّ ما فعلته هذه المحاولات هو أنّها تمكّنَت مِن إحصاء الفروقات بين المشروعين، لكنْ لم تتمكّن من “تجسير” الصلة بينهما، والسبب في أنّ مشروع “الثلاثي” غير قابل للاستفادة منه، أنّه مشروع استنسابي وخير تعبير عبَّره الشيخ سامي (الجميّل) عندما قال بصراحة وبطريقة غير ديبلوماسية إنّ القوى الثلاثة وزّعت الحصص الانتخابية في ما بينها على حساب كلّ المكوّنات الأخرى.
لذلك لدينا ملاحظات ميثاقية عليه، فالمشروع يعاني من اختلالات عميقة وجوهرية، ومقابل تعنّتِ “المستقبل” وتمسّكِه بمواقفه في ما يتعلق بالثلاثي باءَت كلّ المحاولات بالفشل.
لذلك، تتوجّه الأنظار الآن باتّجاه طاولة الحوار الوطني، على أمل أن يُرسَم توجّه جديد في مقاربة القانون الانتخابي، على قاعدة محاولة إقناع “المستقبل” بصورة أساسية، والقوى التي لم تكن مشاركة في الحكومة أي “القوات” والكتائب. وبحسب مواقف “القوات” أثناء النقاش لا يبدو أنّ لديها اعتراضاً جوهرياً على مشروع الحكومة.
وهل ستجري الانتخابات على أساس مشروع حكومة ميقاتي مع بعض “الروتوش”؟ أجاب فيّاض: لا نستطيع أن نقول ذلك، بل نقول هذه هي الطلقة الأخيرة التي يجربها الرئيس بري لإنقاذ التوافق حول قانون انتخابي جديد، علماً أنّ المعترض الأساس على “مشروع ميقاتي” هو “المستقبل”، أمّا الكتائب و”القوات” فمواقفهما توحي بأنّ هناك إمكانية للوصول إلى تفاهم معهما حول هذه المسألة، خصوصاً أنّ القوى المارونية اتّفقت في بكركي على شيء قريب من “مشروع ميقاتي”، اتّفقوا على نسبية كاملة مع 15 دائرة، فيما “مشروع ميقاتي” نسبية كاملة مع 13 دائرة، لذلك فالعقدة الأساس هي موقف”المستقبل”. وفهمنا في “لقاء الأربعاء” أنّ الرئيس برّي ينتظر ردّه حول هذه النقطة.
ورأى فياض أنّ الكلام عن رفض النسبية في ظلّ وجود السلاح “جدليّ وغيرُ مقنِع ولا يستحقّ الرد، لأنه لو سَلّمنا جدلاً بأنّ هناك تأثيراً انتخابياً أو وظيفة انتخابية للسلاح فالحلّ هو بالنسبية وليس بأيّ شيء آخر، علماً أنّ السلاح هو خارج تأثيرات العملية الانتخابية النيابية أو البلدية بالمطلق”.
الحريري
إلى ذلك، تنشَدّ الأنظار مساء اليوم إلى ما سيقوله الرئيس الحريري في أوّل إفطار يقيمه في شهر رمضان.
الجرّاح
وتوقّعَ عضو كتلة “المستقبل” النائب جمال الجرّاح لـ”الجمهورية” أن يؤكّد الحريري في كلمته مجدداً على متانة العلاقة مع المملكة العربية السعودية ووقوفِها إلى جانب لبنان واللبنانيين “في كلّ المحطات الأساسية، سواء في العام 2006 أو مع بداية ورشة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية واتّفاق الطائف، والتي قام بها الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
كذلك سيتناول الوضعَ الداخلي والملف الرئاسي وأهمّية الخروج من الفراغ، وتسمية الجهات التي تعطّل انتخابَ الرئيس الذي يؤدّي بدوره إلى انهيار المؤسسات وفقدانِ ثقة المواطن بدولته، ويُعبّر عن وجود قوّة إقليمية اسمُها إيران هي مَن تعطّل إنجاز هذا الاستحقاق الأساسي بالنسبة إلى جميع اللبنانيين، خصوصاً أنّ رئاسة الجمهورية هي عنوان الشراكة الإسلامية ـ المسيحية في لبنان.
وبالتأكيد سيتطرّق أيضاً إلى الوضع السوري، خصوصاً بعد خطاب الرئيس بشّار الأسد في مجلس النواب السوري والمجازر التي يَرتكبها هذا النظام وإصراره على استكمال الإبادة الممنهَجة في حقّ الشعب السوري”.
وطمأنَ الجرّاح في الوقت نفسِه إلى أنّ تيار”المستقبل” بألف خير، وقال: لا أعتقد أنّ “التيار” في أزمة حقيقية، كما يحاول البعض تصويرَ الأمور، والمسألة ضُخِّمت جداً في الإعلام ولدى الرأي العام، فهو تيار ديموقراطي وسياسي، وتَسوده أحياناً وجهات نظر ومقاربات مختلفة لبعض الأمور، يُعبّر عنها بكلّ صراحة سواء في الإعلام أو في جلساتنا المغلقة أو العلنية، لكن في النتيجة عندما يأخذ الرئيس الحريري قراراً ما يلتزم الجميع به.
عسيري
وعشية كلام الحريري، اعتبَر السفير السعودي علي عواض عسيري أنّ كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق “لا مبرّر له على الإطلاق”، رافضاً الكشفَ عن تفاصيل اللقاء الذي جمعَه به مساء الأحد، مكتفياً بالقول: “لقد شرحَ معالي الوزير وجهة نظره لكنّها ليست للنشر، وسأنقلها إلى المسؤولين في المملكة”.
ورفضَ تحليلات البعض في لبنان عن وجود تيّارين أو جناحين في المملكة، متمنّياً على اللبنانيين تركيزَ “اهتمامهم لحلّ مشاكل بلدهم، وليَتركوا السعودية بحالها، فلا يجوز أن يَجعلوا من المملكة شمّاعةً لأخطاء تُرتكَب بحقّ لبنان من قِبَل لبنانيين”.