تتّجه أنظار اللبنانيين إلى فرنسا اليوم لمتابعة نهائيات كأس أوروبا 2016 لكرة القدم، على وقعِ اعتصامات واعتداءات وقطعِ طرُق وإحراق إطارات، تأخذ في الظاهر عنوانَ مطالب اجتماعية وعمّالية، لكنّها قد تخفي أهدافاً خطيرة، نظراً إلى المخاوف الأمنية التي تعيشها القارّة الأوروبية جرّاء ضربات إرهابية تَلقّتها خلال الأشهر الأخيرة، وفي ظلّ تحذيرات عدة، أبرزُها تحذير الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من أنّ «التهديد الإرهابيّ قائم للأسف ولفترة ستكون طويلة»، مؤكّداً حشدَ تسعين ألف شخص «لضمانِ أمن» البطولة. (تفاصيل ص 18).
محلّياً، أطلقَ الرئيس سعد الحريري جملة مواقف في أوّل إفطار رمضاني يقيمه هذا الشهر، فأكّد تمسّكَ تيار «المستقبل» بالاعتدال واتفاق الطائف، وأكّد أنّ «ما مِن شيء يمكنه أن يعكّر العلاقة بيننا وبين المملكة العربية السعودية».
وأعلنَ الحريري أنّه سيفتح خلال شهر رمضان العديدَ من الدفاتر ويتحدّث بما يمليه عليه ضميره. وأكّد أنّه يتحمّل بنفسه المسؤولية عن استخلاص نتائج الانتخابات البلدية، قائلاً: أنا في رأس الهرم السياسي لتيار المستقبل، سأتحمّل النتائج مهما كانت قاسية.
وأوضح أنّ «معركتنا الحقيقية في بيروت لم تكن مع اللائحة الثانية بل كانت المناصفة في المجلس البلدي، وهذه هي الحريرية السياسية قولاً وفعلاً، ولو لم تتحقّق المناصفة في بيروت كنتُ سأطلب من المجلس البلدي الاستقالة فوراً».
وإذ لفتَ الحريري الى أنّ «هناك محاولة لتشويه صورة دينِنا الحنيف، وتقديمه على أنّه دين إرهاب وتطرّف»، أكّد «أنّنا سنبقى نمارس فعلَ الاعتدال ونتصدّى لهذه المحاولة وهذه الفتنة بكلّ ما أوتينا من قوّة، لكنّنا لن نسكت بالمقابل على أخطاءٍ ترتكبها بعض الأجهزة، وحملات التجنّي التي تشنّها بعض الجهات السياسية والإعلامية على الشباب المسلِم بذريعة مكافحة التطرّف والإرهاب».
وشدّد الحريري على التمسك باتفاق الطائف فهو «واحد من عدّة مفاصل استراتيجية وقفَت فيها المملكة العربية السعودية مع لبنان… لأجل مشروع الدولة في لبنان، ولأجل مصلحة اللبنانيين، كلّ اللبنانيين من دون تمييز».
أزمة «حزب الله» والمصارف
في هذه الأجواء، شنّت كتلة «الوفاء للمقاومة» هجوماً على مصرف لبنان وبعض المصارف، وقالت «إنّ الموقف الأخير لحاكِم المصرف المركزي جاء ملتبساً ومريباً، وهو يشي بتفلّت السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية، ولذلك فإننا نرفضه جملةً وتفصيلاً. وعلى الجميع أن يدرك أنّ جمهور المقاومة ومؤسساته التربوية والصحية عصيٌّ على محاولات النَيل منه من أيّ كان مهما علا شأنه».
وفي سياق متّصل، قالت مصادر مطلعة على مواقف «حزب الله» لـ»الجمهورية» إنّ «الانتقادات التي يوجهها الحزب الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إنّما تنطلق من كون الأخير لم يبادر إلى معالجة ملف الحسابات المصرفية الخاصة بمؤسسات تربوية واجتماعية واستشفائية تابعة للحزب، ومنها على سبيل المثال، ملفّ حساب مستشفى الرسول الأعظم. وقد فشلت المفاوضات معه حول هذا الموضوع».
في المقابل، تضيف المصادر، «إنّ سلامة لا يمارس الضغوطات المطلوبة على بعض أعضاء جمعية المصارف الذين يمارسون دورَ حصان طروادة أميركي في القطاع المصرفي اللبناني». وتقول المصادر إنّها ستضطرّ إلى كشفِ أسماء هذه المصارف ودورها.
وتختم بالتأكيد على أنّ الحزب» لن يسمح بمحاولة لَيّ ذراعه من خلال الضغط عليه عبر القطاع المصرفي اللبناني، أو عبر أيّ صيغة ضغط أخرى».
سلامة
وكان حاكم مصرف لبنان قد كشفَ في حديث تلفزيوني عن إقفال 100 حساب مرتبط بـ»حزب الله»، تطبيقاً للقانون الأميركي. وقال: أولويتُنا إبقاء لبنان على الخريطة المالية الدولية، ولذلك اتّخَذنا قراراً بأن ننفّذ القانون الأميركي في لبنان، وأرسَينا البنية اللازمة للقيام بذلك، لتحقيق أهداف هذا القانون، وفي الوقت نفسه ضمان حقوق الشيعة في الولوج إلى المصارف.
أضاف: كلّما حسَّنا سمعتَنا، نحصل على المزيد من الأموال. ونحن لا نريد أموالاً غير مشروعة في نظامنا، كما لا نريد لعددٍ قليل من اللبنانيين أن يُفسدَ صورة البلاد أو الأسواق الماليّة في لبنان.
مجلس وزراء
وفي أوّل جلسة بشَهر الصوم، صامَ مجلس الوزراء عن استنباط الحلول لأزمتِه المستفحلة وتحوّل إلى مجلس «عالقطعة» والمزاجية، مستعيداً معادلة: ملف مقابل ملف.
فالجلسة التي استمرّت أربع ساعات ونصف الساعة، غاب عنها «سوق عكاظ» سد جنّة، لكنّه حضر في ملفَّي النفايات والتوظيفات التي أصبح تطييفها سِمة النقاشات.
وبدأت الجلسة بـ«لازمة» الرئيس تمّام سلام لجهة الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية والتحذير من استمرار الشغور الرئاسي الذي يؤثّر سلباً على عمل المؤسسات الدستورية ويُلحق ضرراً بالغاً بالمصلحة الوطنية في الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد.
ثمّ تحدّث وزير البيئة محمد المشنوق طالباً استكمالَ البحث في سد جنّة. فردَّ سلام أنّ هذا الأمر أخَذ وقتاً طويلاً من النقاش ولم نتوصل فيه الى حلّ.
تدخّلَ الوزير نبيل دوفريج طالباً الأخذ باقتراحه تحكيمَ لجنة أو مؤسسة يَكفلها البنك الدولي.
فردّ الوزير جبران باسيل: هذا كلام للكلام فقط، فالبنك الدولي يحتاج الى إجراءات ربّما تستغرق سنتين، ونحن لا نستطيع انتظار كلّ هذه المدة.
أجابه دوفريج: إذا كانت الدراسات مُنجَزة فالبنك الدولي يَستعين بها ويدرسها ويبتّ بالأمر سريعاً.
عندها قاطعَ سلام النقاش بحدّة وضربَ يدَه على الطاولة قائلاً: إذا كنتم ستكرّرون النقاش نفسَه، فلا داعي لهذه الجلسة ولنَرفعها. النقاش بسَد جنّة نتداول به خارج قاعة المجلس، وإلّا فلن نتوصّل إلى حلّ.
وعليه، بدأ الوزراء بنقاش جدول الأعمال بعد تأجيل البحث بسد جنّة من دون معرفة مصير الملف أو المعيار الذي تمّ على أساسه التأجيل.
وعند الوصول إلى البندين 6 و7 من جدول الأعمال واللذين ينصّان على الموافقة على مشروع مرسوم يرمي إلى الترخيص بأشغال أملاك عامة بحرية لإنشاء مركز موَقّت للمعالجة والطمر الصحّي في محيط نهر الغدير المعروف بـ«الكوستابرافا»، وطلبِ مجلس الإنماء والإعمار الموافقة على دمجِ أشغال الحماية البحرية وأشغال معالجة النفايات، وتشغيل خلايا الطمر في موقع برج حمّود في تلزيم واحد، اعترضَ وزيرا حزب الكتائب آلان حكيم وسجعان قزي.
وقال حكيم: نحن لدينا ملاحظات على هذين البندين، ونطلب التأجيل للأخذ بملاحظاتنا. وأضاف: هناك استنسابية في مناقشة البنود والموافقة عليها، فكيف تُطلب دراسة بيئية لسد جنّة، ولا تُطلب لمشاريع إنشاء المطامر؟
ثمّ خرجَ حكيم وقزي من القاعة وأجرَيا اتّصالاً برئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، قرّرا على أثره الانسحاب من الجلسة من دون ان يصل القرار إلى الانسحاب من مجلس الوزراء أو المقاطعة، كما أكّدا في ما بعد.
وبعد انسحاب وزيرَي الكتائب، أقِرّ البندان مع تحفّظ وزيرَي «التيار الوطني الحر» باسيل والياس بوصعب.
قزّي
وقال قزّي: خروجُنا من الجلسة هو لتأكيد اعتراضنا على إقرار جزء متعلق بمعالجة موضوع النفايات، لا بل بعدم معالجة موضوع النفايات كما يجب، ولوجود ثغرات في مشروع تلزيم ومناقصة ودفتر شروط ومعالجة وفرز النفايات المرشّح أن تتكدّس في برج حمود والجديدة، هذا الشاطئ الذي يجسّد ثروةً سياحية واقتصادية وبيئية للبنان، وخروجنا من الجلسة لا يعني بالطبع مقاطعةَ مجلس الوزراء أو الخروج من الحكومة.
باسيل وزعيتر
بندٌ آخَر في الجلسة استحوَذ على مواجهة حادة بين الوزيرين باسيل وغازي زعيتر، هو البند المتعلق بمرسوم تمديد العقود لعاملين في وزارة الأشغال منذ العام 1974، يدخل في هيكلية وزارة الأشغال العامة والنقل، وهو بند يتجدّد سنوياً بمرسوم عادي، لكنّه استجرّ نقاشاً يتكرر في كلّ مرّة عند مناقشة أيّ بند يتعلق بالتوظيف ويُستحضر فيه النفَس الطائفي.
وطلبَ باسيل إعادة النظر بمسألة التكليف بالفئة الثانية والثالثة، مُطالباً بإعادة المراكز الى الطائفة المسيحية وإعادة التوزيع. فردّ زعيتر قائلاً: أنا آسف لمقاربة هذا الأمر من زاوية طائفية ومذهبية، فنحن حريصون على المشاركة، لكن عندما يحصل لدينا نقص معيّن لا يمكن إيقاف العمل وتسيير شؤون الوزارة.
فأجاب باسيل: منذ عامين وأنا أطالب بثلاثة مراكز للطائفة المسيحية، لثلاثة مدراء عامّين، مدير عام الطيران المدني، مدير عام المباني والطرُق، ومدير عام التنظيم المدني، ولا أحدَ يبتّ بهذا الأمر.
فردّ سلام: نحن حاليّاً لا نجري تعيينات، وهذا يتطلّب مناخاً مختلفاً. فتدخّلَ زعيتر مجدّداً قائلاً: الأمور لا يمكن أن تسير بهذه الطريقة، فنحن نأخذ في الاعتبار التوزيع الطائفي، لكن لا يمكن ان نحدّد كلّ موقع في الفئة الثانية والثالثة وما دون بحسب الطوائف، فهذا يخالف الدستور والطائف.
وقد علمتُ أمس أنّه في وزارة الاقتصاد عمدَ زميلنا العزيز على قلبي آلان حكيم الى تكليف 29 مسيحياً من أصل 32 في إهراءات الحبوب، وأمورٌ مماثلة حصلت في الخارجية وفي وزارة التربية، لذلك أقترح أن نُعيّنَ جلسة خاصة لمناقشة الشغور في إدارات المؤسسات العامة ومسألة التكليف.
دي فريج
وقال الوزير دي فريج لـ«الجمهورية»: لم يقُل أحد إنّ العمل في سد جنّة سيتوقّف، كما لم يقُل أحد إنّه سيستمرّ. هناك دراسات متناقضة، فصحيح أنّ مجلس الوزراء السابق قرّر إنشاءَ سد جنة لكنّ القرار لم يتطرّق إلى كيفية وصول المياه إلى ضبية ولا إلى التجهيزات الموجودة في ضبية من العام 1934 ولا إلى نوعية المياه التي ستصل، وهل ستبقى في السد أم أنّها ستتسرّب، وكلّ هذا ملحوظ في دراسة تثبتُ أن لا جدوى للسَد.
ورغم ذلك نقول: فليعيّن البنك الدولي جهةً خاصة، ونحن نوقّع له على بياض ونلتزم بما يقرّره، وطالما أبلغنا الفريق المدافع عن سد جنة هذا الأمر فأنا أسأل لماذا يستمرّ الوزير جبران باسيل بالرفض؟ فهذه علامة استفهام نطرَحها، كما أنّنا نلاحظ أنّ كلّ الملفات تُدار طائفياً ومذهبياً ومناطقياً، بينما بعضها تقني بامتياز.
درباس
وقال الوزير رشيد درباس لـ«الجمهورية»: «الكلّ اتّفقَ في الجلسة على أنّنا لسنا الجهة المؤهلة بالبتّ بموضوع سد جنّة».
المشنوق
وقال الوزير محمد المشنوق لـ«الجمهورية»: أكّدنا أنّ هذا الملف بيئيّ وتقني بامتياز، والمطلوب معالجتُه، كما المطلوب من وزارة الطاقة ان تنفّذ الدراسة التي كلّفت بها المهندس أنطوان سلامة في شركة «جيكوم» عام 2015، والمماطلة مستمرّة في عملية تطبيقها.
وأهمّ ما في هذه الدراسة التوصية التي تؤكّد بأنّه إذا لم يتمّ خفض المخاطر الموجودة والضغوط على السد فإنّه سيبقى في حالة الخطر، ونحن نسأل لماذا لا تلتزم وزارة الطاقة بالدراسة التي أجرَتها هي بنفسِها، ولا تنفّذ التدابير البيئية اللازمة؟
أزمة قرار شهيّب
على صعيد آخر، صعَّدت دمشق ضد قرار وزير الزراعة أكرم شهيّب بوقفِ استيراد الخضار والفاكهة من سوريا. واعتبَر وزير الاقتصاد السوري همام الجزائري أنّ «القرار لم يراعِ المهَل القانونية، وجاء مفاجئاً وفورياً، وهو لا يخدم الأعراف التجارية».
وقد احتاط شهيّب لردّةِ الفعل السورية المحتملة، وغَمز من قناة مطار رفيق الحريري الدولي الذي يستعمله الجانب السوري كمحطة ترانزيت لتصدير بضائعه، محذّراً من قطعِ هذا الشريان الحيوي أمامه.
وقد تفاوَتت مواقف القطاع الزراعي اللبناني بين الترحيب والانتقاد، خوفاً من ردّات الفعل وزيادة منسوب التهريب.
وكانَ وزير المال علي حسن خليل قد أثار في مجلس الوزراء قرارَ وقفِ الاستيراد من سوريا مطالِباً بإعادة النظر فيه، فوعد رئيس الحكومة بمعالجته بعد عودة شهيّب من موسكو اليوم.