IMLebanon

 إستنفار أمني لحماية المصارف… وإصرار على متابعة الإجراءات

طغى التفجير الذي استهدف المقر الرئيس لمصرف «لبنان والمهجر» في فردان، على ما عَداه من تطورات، واحتلّ الأولوية المطلقة في التحرّكات السياسية والاقتصادية، بحيث سارعت الدولة بمسؤوليها وقياداتها السياسيّة والأمنية والاقتصادية الى احتواء أيّ تردّدات سلبية للتفجير. وقد شملت الخطوات التطويقيّة الامن والاقتصاد في آن معاً، خصوصاً أنّه بات معلوماً لدى الجميع أنّ هزّ الاستقرار المالي والنقدي خطّ أحمر ممنوع الإقتراب منه أو اللعب فيه، وسط إصرار المصارف على متابعة الإجراءات المطلوبة لحماية موقع لبنان في النظام المالي العالمي، في حين استكملت التحقيقات أمس مع استبعاد تنفيذ «داعش» او «النصرة» هذه العملية.

لم تتأخّر جمعية المصارف في التحرّك الفوري، توازياً مع تكثيف الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأجهزة كافة إجراءاتها المشدّدة، لأنّ الحرب الاستباقية تُعتبر أساسيّة في مواجهة تحديات مماثلة، والتنسيق والتكافل بين الأجهزة الامنية والمواطنين أساسي في كَبح التفجيرات الإرهابية.

وفي هذا الإطار، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش شَدّد إجراءاته الأمنية في العاصمة بيروت وفي شارع المصارف وسَيّر دوريات وحواجز، وكثّف من تدابيره الأمنية حول المصارف في كل لبنان خوفاً من تكرار الاستهدافات، وذلك بالتعاون مع القوى الأمنية كافة».

وشدّد المصدر على أنّ «الجيش مثلما يعتبر أنّ الأمن والاستقرار خطّ أحمر، فإنّ الأمن النقدي والمالي خطّ أحمر لن يسمح بالمَسّ به أبداً لأنه يطاول كلّ لبناني».

وأشار المصدر الى أنّ «المؤشرات والتحقيقات أثبَتت حتى الساعة أنّ التفجير لا يدخل في سياق الأعمال الإرهابية التي تقوم بها «داعش» و«النصرة»، والتي تهدف الى إيقاع أكبر أضرار ممكنة وسقوط عدد كبير من الضحايا، بل يأتي في إطار الرسائل المعروفة الغاية»، وطمأن الى أنّ «الوضع الأمني ما زال تحت السيطرة، لكنه ليس سهلاً».

تعاون أمني واسع

من جهة ثانية، كشفت مصادر أمنية واسعة الإطلاع لـ»الجمهورية» أنّ خطوط التواصل فتحت بين مختلف الأجهزة الأمنية والإستخبارية سعياً وراء التدقيق في بعض المعلومات الأولية التي توافرت حول منفذي العملية. ونَفت المصادر بعض الروايات التي نشرتها وبثّتها وسائل إعلام عدة، عمّا يعوق التحقيق، تارة بالقول إنّ كاميرات المصرف لم تكن تعمل، أو بالقول إنّ هناك عوائق مادية تعوق التحقيق.

حمود

ومتابعة لمجريات التحقيق، أوضح مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود لـ«الجمهورية» أنّه لم يَتلقّ بعد أيّ تقرير نهائي من الأجهزة الأمنية المختصة حول حجم العبوّة الناسفة التي قدّرت قوتها التدميرية بما يوازي ثمانية كيلوغرامات من المتفجرات. ودعا الى «الترَيّث في الحديث عن حصيلة التحقيقات في انتظار العمل الجاري على أكثر من مستوى، ولا سيما تحليل الأفلام التي فكّكت من محيط المبنى مباشرة، وللفترة التي سبقت التفجير ورافَقته وتَلته، وصولاً الى متابعة سائر الأفلام التي تمّ تفكيكها من المحيط الأوسع للمبنى المستهدَف، والطرق المؤدية اليه، بحثاً عن تفاصيل إضافية لرصد حركة السيارة التي أقلّت واضِع العبوّة في اتجاه وصولها الى المنطقة، والجهة التي قصدتها بعد العملية». ولفت حمود الى أنّ «التحقيق العلمي يحتاج الى مزيد من الوقت لاتخاذ ما يقتضي من إجراءات بناء على ما يمكن اكتشافه».

إجتماع السراي

وكان عُقد أمس في السراي الحكومي اجتماع طارئ ضمّ رئيس الحكومة تمام سلام، وزير المال علي حسن خليل، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف جوزف طربيه لمناقشة تداعيات التفجير الذي طاولَ المقرّ الرئيس لمصرف «لبنان والمهجر».

واستنكر سلام التفجير ووصَفه بأنّه «جريمة إرهابية تهدف إلى ضرب الاستقرار الاقتصادي»، مؤكّداً أنّ «هذا العمل المُدان يرقى إلى مرتبة المَساس بالأمن القومي للبنان، باعتبار أنّ القطاع المصرفي هو محرّك أساسي للدورة الاقتصادية الوطنية، وإحدى الركائز الرئيسة للدولة في ظل الشلل الذي تعانيه المؤسسات الدستورية».

وعرض المجتمعون للوضع المصرفي في البلاد، مؤكّدين «الثقة بالإجراءات التي يقوم بها المصرف المركزي محلياً ودولياً لحفظ النظام المالي اللبناني وتعزيز مناعته وتثبيت سمعة لبنان المالية».

وأوضحت مصادر المجتمعين أنّ سلام تبلّغ من الجسم المصرفي إصراره على متابعة تنفيذ الإجراءات المطلوبة لحماية موقع لبنان في النظام المالي العالمي، وأنّ عمليات من هذا النوع لن تُغيّر في ما هو مطلوب من قرارات التزاماً بالقوانين التي تتّخذ الصفة الشمولية والكونية.

ونقل طربيه أجواء اجتماع جمعية المصارف التي استعرضت الوضع المصرفي في البلاد، مؤكدة الثقة بالاجراءات التي يقوم بها المصرف المركزي محلياً ودولياً لحفظ النظام المالي اللبناني وتعزيز مناعته وتثبيت سمعة لبنان المالية.

وفي السياق، قالت مصادر متابعة الملف لـ»الجمهورية» إنّ «الحسابات التي يجب أن تُقفَل تطبيقاً للتعميم الأميركي أقفِلت وانتهى أمرُها، لكنّ المشكلة تكمن في الجمعيات الخيرية والمؤسّسات التعليمية والمستشفيات، خصوصاً أنّ معظمَها متعاقد مع الجيش اللبناني والأمن العام وتعاونية قوى الأمن ومؤسسات التأمين وغيرها، أمّا معاشات النوّاب والوزراء والمسؤولين فهذا الأمر يعالَج برويّة وهدوء مع الحاكم والمصارف».

وأوضحَت المصادر أنّ «الحديث عن استغلال جهة دخلت على خط الخلاف بين «حزب الله» والمصارف هو أمرٌ محسوم، لأنّ البحث البديهي عن المستفيد يَجعل أمرَ اتّهام «حزب الله» بسيطاً، لكنّ هذا لا يعني أنّه ليس هناك مشكلة كبيرة يجب أن تُعالج بهدوء للحفاظ على الاستقرار، وطمأنة «حزب الله» كجزء لا يتجزّأ من النسيج الداخلي من جهة وحماية المصارف وتأمين سوق مالي ونقدي متوازن من جهة ثانية، وهذا يتطلّب الوعيَ والحكمة في التصرّف وإيجادَ الآلية التي تؤمّن الهدفين معاً بالحدّ الأدنى، والأمور قيد المعالجة».

برّي يُلمّح الى إسرائيل

وتوالت ردود الفعل المستنكرة عملية التفجير، فرأى رئيس مجلس النواب نبيه برّي أنّ «الأيادي الآثمة التي سَعَت إلى إرباك الوضع في لبنان وزعزعته إنّما تستهدف لبنان أولاً و»حزب الله» ثانياً، قبل أن تصِل شظاياه الى أحد أهمّ مصارفنا «لبنان والمهجر»، وهي تدلّ على نفسها، إذ إنّ بصمة هذه الجريمة المنظّمة وأبعادها واضحة للعيان وتستدعي القول: كاد المريب أن يقول خذوني».

ودعا برّي الى «التنبّه إلى الأبعاد الحقيقية الكاملة وراء استهداف لبنان في قلب عاصمته واستهداف نظامه المصرفي المميّز الذي نافسَ ولا يزال على رغم الحروب والاجتياحات والمحاولات الإسرائيلية لمجاراة خبرتنا ونظامنا الاقتصادي الحر». وطالب بـ«عدم التسرّع والانجرار خلف المخططات المشبوهة التي استهدفت وتستهدف حاضر لبنان ومستقبله وصيغته الفريدة».

الحريري

وأشار الرئيس سعد الحريري الى أنه «في الأمس تعرّض لبنان واقتصاده والقطاع المصرفي فيه لرسالة إرهابية واضحة». ودعا الطلاب والاطفال الذين أقام لهم إفطاراً في «بيت الوسط» الى الوقوف» ليس دقيقة صمت بل «دقيقة تصفيق»، تحيّة وتضامناً مع جميع الصامدين في لبنان، ومع القطاع المصرفي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة»… قائلاً: «فلنصفّق لجميع الأبطال الصامدين في وجه الإرهاب».

وجعجع ينتظر التحقيق

من جهته، اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، عبر «تويتر»، «أننا ما زلنا ننتظر نتائج التحقيقات الأولية للأجهزة الأمنية نظراً لدقة الموضوع وحساسيته». وتمنّى على مصرف لبنان وجمعية المصارف والمصارف «اتخاذ كل التدابير اللازمة ليبقى القطاع المصرفي في لبنان مقبولاً ومرتبطاً بالمجموعة المصرفية الدولية مهما يكن الثمن».

عسيري

وفي المواقف، أكد السفير السعودي علي عواض عسيري وقوف بلاده الدائم الى جانب لبنان، وقال خلال رعايته إفطاراً رمضانياً: «غير صحيح ما تدأب بعض الجهات على ترويجه أنها تخلّت عن لبنان، فلهؤلاء نقول: «هذا الحلم لن يتحقق، وهل يتخلّى الأخ عن أخيه؟».

ولفت عسيري الى أنّ «المنطقة تشهد أحداثاً استثنائية على قدر كبير من الأهمية نظراً لتأثيرها المباشر في أوضاع بعض دول المنطقة ومستقبلها، وأنّ لبنان يتلقّى نصيباً كبيراً من تردّدات هذه الاحداث على الصعد السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية.

من هنا ضرورة تحصين ساحته الداخلية وحمايته من خلال حوار وطني بنّاء تلتقي فيه الأسرة اللبنانية لوَضع حدٍّ للشغور الرئاسي في الدرجة الأولى وإيجاد حلول لكلّ الملفات لينأى لبنان عن الأخطار المُحدقة به وينصرف الى تعزيز وحدته الوطنية ووضعه الاقتصادي والانمائي».

ودعا عسيري القادة اللبنانيين الى تكثيف جهودهم والعمل على مَدّ الجسور في ما بينهم و»تغليب لغة الحكمة والانفتاح على الحسابات الضيّقة ليصلوا الى الحلول التي ينشدها المواطن، والتي تريح المرحلة الحالية وتؤمّن المصلحة العليا للبنان».

قانون الانتخاب

وفي سياق آخر، وفي انتظار جلسة الحوار الوطني في 21 الجاري، والتي سيطرح فيها رئيس مجلس النواب نبيه برّي على المتحاورين مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الانتخابي، قالت مصادر نيابية في قوى «14 آذار» لـ«الجمهورية» إنه يمكن الوصول الى قانون انتخابي بالمختلط فقط. ووصفت مشروع حكومة ميقاتي بأنه سيئ.

وقالت: «ليس وارداً الوصول الى توافق في شأنه لأنه نسبيّ بالكامل، وموقفنا واضح ومبدئي: أيّ نسبية عامّة غير ميثاقية في ظل وجود السلاح، وبالتالي فإنّ هذا المشروع لن يبصر النور».

وأكدت المصادر «أنّ الانتخابات لن تجري وفق قانون الستين الذي لَفظه الجميع»، معتبرة «أنّ المشكلة تكمن في أنّ البعض يأتي الى اجتماعات اللجان النيابية المشتركة لمناقشة المختلط وهو ضدّ المختلط، وتحديداً «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، ويتحدثون قبل الاجتماعات وبعد انتهائها عن النسبية العامة».

أبي نصر

وفي المواقف، قال عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب نعمة الله ابي نصر لـ«الجمهورية» إنه كان من المفترض باللجان النيابية وبالمجلس النيابي أن يبدأ بإقرار قانون انتخابي جديد، فور التمديد له، لأنه مُدّد له على هذا الأساس».

وأضاف: «إنّ مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كان مُدرجاً على جدول اعمال اللجان النيابية المشتركة كبند أوّل، وكان جديراً بالدراسة بصورة جدية لأنه يعتمد النسبية و13 دائرة ويُخصّص 6 مقاعد للاغتراب مقسّمين مناصفة بين مسلمين ومسيحيين، وتستطيع اللجان أن تطلب زيادة العدد أو إنقاصه، وهذه المرة الاولى التي يأتي فيها مشروع من الحكومة يفكّر بالاغتراب ويعطيهم حق الاقتراع والتمثيل في مجلس النواب ويعتمد النسبية. أمّا المشروع المختلط فاسمه فيه، يُدخل الناس بعضها ببعض بين أكثري ومختلط. والجهات المسيحية انتقدت القانون الأكثري».

وإذ اعتبر «أنّ الإصرار على اعتماد الستين هو تحدّ للمطلب المسيحي»، حذّر أبي نصر «من الذهاب نحو هذا القانون وإجراء الانتخابات على أساسه، في ظل وجود قرارات معلنة وقرارات مُبيّتة». وأمل في «أن نتمكّن من التوصّل الى قانون انتخابي يعتمد النسبية لأنه الأنسب ويؤمّن التمثيل الصحيح، خصوصاً بعد التهرّب من القانون الأرثوذكسي الذي يؤمّن تمثيلاً صحيحاً لكلّ شرائح المجتمع، لكن اعتُرض عليه لأسباب مذهبية».

وشدّد أبي نصر على وجوب إجراء الانتخابات النيابية، «خصوصاً بعدما كانت تجربة الانتخابات البلدية ناجحة»، مؤكداً أهمية «البدء بتنفيذ الاستحقاقات الدستورية سواء كانت الانتخابات الرئاسية قَبل النيابية أو العكس».