حافَظ المشهد السياسي العام على نمطه، ولم يحمل يوم أمس أيّ خرقٍ سياسي، على رغم استقالة الكتائب من الحكومة التي تجتمع قبل ظهر اليوم في غياب وزراء العدل أشرف ريفي والعمل سجعان قزي والاقتصاد والتجارة آلان حكيم. إلّا أنّ الملف الساخن الذي بَرز مجدّداً، تَمثّل بطرح أزمة مديرية جهاز أمن الدولة على طاولة البحث، بعدما كانت المديريّة أرسَلت إلى مجلس الوزراء في نهاية شهر أيّار الماضي مرسوم إحالة نائب المدير العام العميد محمد الطفيلي إلى التقاعد، إلّا أنّها لم تتلقَّ ردّاً حتى الآن. ما استدعى استنفاراً مسيحياً عامّاً لمواجهة أيّ خرقٍ قانوني جديد في الجهاز.
تفاعلَ خبر مديرية «أمن الدولة» بعدما تمّ تداول أخبار مفادُها أنّ رئيس الحكومة تمّام سلام سيمدّد خدمة الطفيلي التي تنتهي في 27 حزيران الجاري، ما اعتبرَته الأحزاب المسيحية والمرجعيات خرقاً للقانون، لأنّ إقدام سلام على مِثل هكذا خطوة من دون اقتراح من مدير عام أمن الدولة اللواء جورج قرعه يُعتبر خرقاً للقانون. وقد سبّب هذا الموضوع استنفاراً مسيحياً عامّاً، لِما تُمثّله خطوة سلام، إنْ تمَّت، من تخَطٍّ لصلاحيات المدير العام وتمديدٍ للأزمة وضربٍ للجهاز.
لحّام
وتابعَت المرجعيات المسيحية السياسية والروحيّة آخِر المستجدّات، وفي السياق، أكّد بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام لـ«الجمهورية» أنّ «ملف أمن الدولة في عهدةِ الوزراء المسيحيين الذين نَدعم ما يقومون به من أجل إيجاد حلّ عادل لقضية الجهاز»، مشدّداً على «أنّنا نريد الحلّ المنطقي والقانوني ولسنا سُعاة مواجهة».
وفي حال عدمِ تحقيق الحلّ القانوني، لفتَ لحّام الى أنّه «عندها سيكون لكلّ حادث حديث، وسنجتمع ونقرّر». وأكّد أنّ مشكلة جهاز «أمن الدولة» مرتبطة أيضاً بغياب رئيس الجمهورية، ولو كان الرئيس موجوداً لكان الحلّ أسهلَ، لأنه القائد الأعلى للقوات المسلّحة وحامي الدستور، لذلك يجب استعجال انتخابه اليوم قبل الغد».
الأحزاب المسيحية
وفي حين كان مقرَّراً أمس عقدُ اجتماع للأحزاب المسيحية برئاسة رئيس مؤسسة «لابورا» الأب طوني خضرا، للبحث في مصير جهاز أمن الدولة والتمديد للطفيلي، علمت «الجمهورية» أنّ «الاجتماع أرجِئ بعدما تأكّدت «لابورا» والأحزاب المسيحية من أنّ آخِر مهلة لتسريح الطفيلي هي 27 حزيران وليس 16 منه، وبعدما تمّ التأكّد من أنّ سلام لن يقدِم على تأجيل تسريح الطفيلي، وبالتالي فإنّ خدمته ستنتهي فعلاً في 27 حزيران».
وأشارت مصادر المجتمعين الى أنّ «تعيين نائب لمدير جهاز أمن الدولة من قبَل سلام يتطلّب اقتراحاً من مدير عام أمن الدولة، وأيّ تعيين من دون اقتراح قرعه غيرُ قانونيّ وسنواجهه»، لافتةً إلى «أنّنا جاهزون لمواجهة أيّ قرار غير قانوني، فنحن نريد حقوقنا في هذا البلد مِثل غيرنا، ولا نريد استفزازَ أحد».
فرعون
وعلى خطّ تحرّكِ الوزراء المسيحيين الذين يتابعون هذا الملف، أكّد وزير السياحة ميشال فرعون لـ»الجمهورية» أنّ التمديد لنائب المدير العام لأمن الدولة «خطوة غير قانونية». واستبعَد أن يتّخذ الرئيس سلام «إجراءً من الواضح أنّه غير قانوني أصلاً، وكلّ الدراسات تدلّ الى عدم قانونيته». وقال: «لو تمّ ذلك فسيكون له تداعيات كبيرة».
ولفتَ الى أنّ الرئيس ميشال سليمان تحدّثَ مع رئيس الحكومة مؤكّداً له «أنّ التمديد، في ما لو حصَل، سيكون إجراءً غيرَ قانوني لا مِن قريب ولا من بعيد، وسيشكّل مخالفة قانونية طويلة عريضة».
جعجع والجميّل
وقد ارتفعَت نبرة الأحزاب المسيحية أمس، رافضةً تخطّي صلاحيات مدير عام أمن الدولة، والاستمرارَ بالممارسات غير القانونية في الجهاز، ورأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «أنّ التمديد لنائب رئيس جهاز أمن الدولة فيما لو حصل، لا يمكن تفسيره إلّا بنيّة عند البعض بالتمديد لأزمة ضرَبت جهاز أمن الدولة منذ سنة وحتى الآن».
وحذّرَ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل مِن الاستمرار بالتلاعب بموضوع جهاز أمن الدولة، أكان في موضوع التمديد لنائب رئيس الجهاز أو الاستمرار في التضييق على عملِه وقطعِ الأموال عنه».
مجلس وزراء
إلى ذلك، يَعقد مجلس الوزراء جلسةً قبل ظهر اليوم للبحث في جدول أعمال من 56 بنداً، تغيب عنها البنود الخلافية المتعلقة بسَد جنّة وأمن الدولة، علماً أنّ الجدول يتضمّن بنوداً تخصّ وزارتَي العمل والاقتصاد والتجارة، إضافةً إلى البند 22 الذي يقدّم تقريراً عن الوضع الإداري القائم والشواغر في وزارة الاتصالات ومراحل صدور قانون الاتصالات رقم 431 والأعمال والمهام المكلّفة بها هيئة أوجيرو في مجال إدارة وصيانة واستثمار وتشغيل المرفق العام للهاتف الثابت في إطار العقود الموقّعة مع وزارة الاتصالات منذ العام 94 والذي وزّع على الوزراء بتاريخ 22 /2/ 2016 ويتضمّن البند في شقّه الثاني «باء» طلبَ وزارة الاتصالات فتحَ اعتماد إضافي بقيمة 24000000000 ليرة لبنانية في موازنة وزارة الاتصالات الملحقة للعام 2016 لجهة تنفيذ قرارات مجلس شورى الدولة المتعلقة بتحويل رواتب فنّيي وزارة الاتصالات من الجداول الإدارية إلى الجداول الفنّية الملحقة.
مصادر وزارية
وتوقّعَت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أن يُحدث النقاش في هذا البند فصلاً جديداً من التوتر بين وزير الاتصالات بطرس حرب ووزراء «التيار الوطني الحر». وتوقّعت أيضاً أن تفرض استقالة وزيرَي الكتائب نفسَها على طاولة النقاش، إمّا انتقاداً وإمّا تفهّماً بسبب ما آلت إليه أوضاع الحكومة ومجالس الوزراء المتعثّرة وما يرافقها من أجواء تشنّج جعَلتها تتحوّل حلبة نزاع ومناكفات واستمرار غياب الحلول للملفات المستعصية».
ورأت المصادر أنّه وعلى الرغم من أنّ استقالة الكتائب أحدثَت نكسةً جديدة لمجلس الوزراء فإنّها لن تتسبّب بانهياره أو بدءِ فرطِ عقدِه، إذ تعلم كلّ القوى السياسية الأساسية الرافعة للحكومة أن لا بديلَ عنها، وقرار الإطاحة بها سيودي بالبلاد الى الفراغ الكامل والمصير المجهول مع غياب التسويات والمبادرات».
مصادر كتائبية
وقالت مصادر كتائبية لـ«الجمهورية» إنّ «إستقالة الحزب من الحكومة لم تكن بنتَ ساعتها، وإنّ الاتصالات التي تلقّاها رئيس الحزب قبل إعلان الاستقالة، بدت وكأنّها تكرار لاتصالات سابقة تلازَمت مع وعود ظلّت مجرّد كلام بكلام، والدليل ما آلَ إليه ملف النفايات وسد جنّة وصولاً إلى ملف المديرية العامة لأمن الدولة الذي يُعتبَر بصِدق أكبرَ فضيحة في تاريخ التعاطي مع أدوار المؤسسات الأمنية والعسكرية، خصوصاً إذا تنازلَ رئيس الحكومة عن حقّه بطرح مرسوم إحالة العميد الطفيلي الى التقاعد الى مجلس الوزراء في أوّل جلسة له (اليوم).
وفي حال لم يطرَحه اليوم من خارج جدول الأعمال سيكون السيناريو الذي تحدّث عن النية في تمديد الأزمة التي شلّت المديرية منذ نحو عام ونيّف أمراً واقعاً. وهو أمرٌ يتعدّى الشائعة أو «التسريبة» التي تحدّثَت عن تفاهم رئيس الحكومة مع رئيس مجلس النواب للاستمرار في المواجهة المفتوحة بين نائب المدير ومديره، خلافاً لكلّ النصوص».
وأكّدت أنّه «على رغم تعهّد رئيس الحكومة البحثَ عن مخرج يُنهي الأزمة بالعودة إلى تطبيق القوانين المرعيّة الإجراء في المديرية، فقد ظلّ متفرّجاً ومستسلِماً للمؤامرة عليها، ولم يقُم بأيّ مسعى في هذا الاتجاه إلى الأمس القريب، وهو ما سيُعَدّ تجاوزاً خطيراً وانحيازاً تامّاً إلى فئة الساعين إلى تدمير المديرية وتعطيلها لأسباب مذهبية ولأهداف طائفية لم يَفهمها أحد بعد من الوزراء سوى أنّها مظهر من مظاهر القهر والكيدية السياسية».
ولم تشَأ المصادر الكتائبية الجزمَ بالخطوات التي ستَلي إعلانَ الاستقالة، خصوصاً في بعض المحطات المنتظرة، وإنْ استبعَدت أن يتقدم وزيرا الحزب بالاستقالة خطّياً إلى الحكومة، باعتبار أنّ البتّ بها هو حق شخصي ودستوري لرئيس الجمهورية غير الموجود، وهي صلاحية لا يمكن أن تنتقل إلى الحكومة بأيّ شكل، ما سيؤدّي إلى استمرارهما في تصريف الأعمال من مكاتبهم الخاصة وليس من مكاتبهم الوزارية، وهو ما ترجَمه أمس وزير العمل سجعان قزي من خلال مداومتِه في مكتبه الخاص وتصريف أعمال وزارته منه حيث وقّع بريدَه والتقى مسؤولين إداريّين وفقَ جدول مواعيده المقرّر قبل الاستقالة».
وعن المرحلة المقبلة وسُبلِ مقاربة القرارات الحكومية إذا ما تمادَت الحكومة في قراراتها من دونَ العودة إلى مواقف الحزب، قالت المصادر «إنّ الشارع سيشهد موجةً من التحرّكات الشعبية في مواقع محدّدة، وسيكون الناس من الجمهور العريض الى جانبهم، وسنكون مرتاحين فيها لأنّها لا تتناقض مع استمرار وجودنا في الحكومة التي نكون قد تحرّرنا منها.
وعن حضور الجميّل اجتماعَ هيئة الحوار الوطني المقرّرة في عين التينة في 21 حزيران الجاري، قالت المصادر إنّ «الاستقالة من الحكومة لا تنطبق لا في شكلها ولا في مضمونها مع مشاركة الحزب في الهيئة، وإنّ الأمور مرهونة بأوانها».
دوفريج
في المواقف من عمل الحكومة بَعد الاستقالات، شدّد الوزير نبيل دوفريج على أنّه «عندما يكون المرء في موقع المسؤولية يأخذ قرارَه لمصلحة الوطن وليس لمصلحته الخاصة».
وقال لـ«الجمهورية»: إنّ مصلحة الوطن تكمن في المشاركة حتى لو كانت صعبة جداً في هذه الظروف، فيجب أن نكون جميعاً متكاتفين لكي ننتخبَ رئيس الجمهورية، هذا هو الحلّ الوحيد. أمّا الاستقالة فليست الحلّ، وأساساً لا يمكن ان تكون قانونية إلّا في وجود رئيس الجمهورية».
واعتبَر دوفريج أنّ «مصلحة المواطنين لا تكمن في ذهاب الوزراء المستقيلين الى وزارتهم لتسيير شؤونهم، بل في المشاركة في معالجة مشكلاتهم داخل مجلس الوزراء»، لافتاً إلى أنّ «الملفات السياسية الكبيرة ليست موجودة على طاولة مجلس الوزراء بل على طاولة الحوار، وجلسات مجلس الوزراء هي لتسيير شؤون الناس خلال مرحلة الشغور التي طالت ولا ندرك إلى متى».
واعتبر القول إنّ مِن أسباب الاستقالة هو رفضُ أن نكون شهود زورٍ على صفقات تحصل داخل مجلس الوزراء «هو إهانة لنا جميعاً، بمعنى أنّهم يقولون إنّنا موافقون على صفقات تحصل»، وأضاف:» إذا كنتم تعتبرون أنّ في المجلس أوادم وأنّكم تدافعون عن «الآدمية» فمفروض أن نكون جميعاً داخل مجلس الوزراء نَمنع الفساد، لا أن ننسحب ونقول إنّنا نرفض أن نكون شاهدي زور».
إطلالة لنصرالله
وفي هذه الأجواء، تشخصُ الأنظار إلى المواقف التي سيعلِنها الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله في الذكرى الأربعين لاغتيال مصطفى بدر الدين، عصرَ الجمعة 24 حزيران الجاري، خصوصاً أنّها تأتي بعد صمتِ «حزب الله» الطويل على تفجير فردان الذي استهدف بنك «لبنان والمهجر»، وأعقبَ المواجهة بين الحزب والمصارف والحملة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة
الإنترنت غير الشرعي
وعاد ملف الإنترنت غير الشرعي إلى الضوء بقوّة، وأعطى وزير المال علي حسن خليل الإذنَ بالاستماع إلى بعض مسؤولي الجمارك حول ملفات الإنترنت، وكان هذا الملف أمس على مشرحة اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات.
وليل أمس كشفَ المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لـ»الجمهورية»، والذي شاركَ في الاجتماع أنّ القضاء سينظر بكثير من الجدّية في مضمون الإحالة التي ستَرفعها لجنة الاتصالات بما جاء من معلومات في مداخلتَين اثنتين تَقدّمَ بهما نائبان في جلسة سابقة للّجنة، على أساس أنّها بما تحويه من معلومات تستحقّ أن تكون إخباراً يُرفع إلى المراجع القضائية للتحقّق مِن مدى جدّيتها وصدقية ما حوَته.
وأوضَح حمّود «أنّ أمانة سرّ اللجنة النيابية ستتولّى تفريغَ مداخلةِ النائبَين وإحالة النصّ حرفياً إلى النيابة العامة المالية للنظر فيها واتّخاذ ما يلزم من إجراءات على أساسها».
ووصفَ اجتماع اللجنة أمس بأنّه «كان غنياً بالمناقشات وطرحَ علينا النواب سلّة من الأسئلة طالبين توضيحات واستفسارات، فتَقدّمنا بما يلزم من أجوبة لتبديد الاعتقاد بأنّ القضاء يُهمل سيرَ التحقيق ويتردّد في اتّخاذ بعض القرارات، وأوضحنا لهم الآلية القضائية التي علينا احترامها، وهي بمجملها من حقوق المدّعى عليهم ولسلامة التحقيق».
يوسف قد لا يحضر
وسيَحضر ملفّ الإنترنت غير الشرعي اليوم في قصر العدل في الجلسة المقرّرة في مكتب قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي في ملفّ إحالة كبار الموظفين في «أوجيرو» وآخرين إلى القضاء كمدّعى عليهم، ومِن بينهم مديرعام هيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف ومديران رفيقان له، وآخران موقوفان، وغير موقوفين مِن موظفين، ومدنيّين من أصحاب شركات الإنترنت.
وقالت مصادر قضائية لـ«الجمهورية» إنّ يوسف «قد لا يحضر اليوم أمام قاضي التحقيق، وقد يكتفي وكلاؤه بتقديمِ الدفوع الشكلية التي أمهلهم عنيسي أسبوعاً للتقدّم بها في الجلسة السابقة ليبنيَ على مضمونها الخطوات اللاحقة التي يمكن اللجوء إليها في المرحلة المقبلة».