يبقى الأمن الهاجسَ الأساس الذي يؤرق اللبنانيين، فمِن جهة فلتان وفوضى وعصابات ورصاص عشوائي يزهق أرواح الأبرياء، ومن جهة ثانية تفجيرات وشائعات وتهديدات تتزايد كلّما زاد اشتعال نار الأزمات التي تضرب المنطقة، وخصوصاً في الميدان السوري حيث تتسارع العمليات العسكرية بشكلٍ عنيف وغير مسبوق، وتؤشّر إلى تطوّرات دراماتيكية ونوعية على أكثر من جبهة، ولا سيّما على طول الخط الممتد من الرقة إلى منبج وصولاً إلى حلب.
ومع هذا الاحتدام، بالإضافة إلى التطوّرات الأمنية الداخلية، تبرز الحاجة الملِحّة مجدّداً إلى تعزيز مظلّة الأمان الداخلية، بما يَستعيد من جهة عنصرَ الأمن والأمان والاطمئنان للمواطن بالاقتصاص من العابثين، ومِن جهة ثانية، يَقي لبنان واللبنانيين ارتداداتِ العاصفة السورية، مع ما قد تحمله من مفاجآت وكمائنَ ينصبها الإرهابيون لهذا البلد.
وأمام هذه المهمّة المزدوجة تَكمن مسؤولية الدولة بكلّ أجهزتها السياسية والعسكرية والأمنية. للتأكيد بالقول والفعل أنّ لبنان ليس أرضاً رخوة أمام الإرهابيين، بل هو عصيٌّ عليهم.
وعلى هذا الأساس انعقد الاجتماع الأمني الموسّع في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة تمّام سلام، وهو الذي أملَته «معطيات أمنية حسّاسة»، بحسب ما أبلغَت مصادر أمنية «الجمهورية»، بالإضافة إلى المستجدّات الأمنية الأخيرة، ولا سيّما ما يتّصل بتفجير بنك «لبنان والمهجر» وما بلغَته التحقيقات حول الجهة المنفّذة، إضافةً إلى تقارير استخبارية محلّية وخارجية حول حركة الشبكات الإرهابية في بعض المناطق اللبنانية.
ومِن هنا كان تأكيد المجتمعين على الاستمرار في الإجراءات الأمنية المتّخَذة في كلّ المناطق اللبنانية، والحفاظ على أعلى مستويات اليقظة والجهوزية، بما يعزّز الاستقرار القائم ويُحبط أيّ مخططات تستهدف زعزعة الأمن في لبنان.
وقال مرجع أمنيّ كبير لـ«الجمهورية»: لبنان ليس منعزلاً عن محيطه، والأحداثُ المتسارعة من سوريا إلى العراق إلى كلّ البلاد العربية المشتعلة، بالإضافة إلى التهديدات التكفيرية، تَجعلنا نحتاط أكثر مِن أيّ وقتٍ مضى.
ليس أمامنا في هذا الجوّ إلّا أن نضعَ أمنَ بلدنا وأمنَ اللبنانيين مجدّداً في العناية المرَكّزة، ونعزّزَه بما يقتضيه مِن يقظةٍ وإجراءات مانعة لتمدّدِ الحريق السوري إلى بلدنا، وقبل كلّ شيء منعُ المجموعات الإرهابية مِن النفاذ إلى الداخل اللبناني».
وبحسب المرجع الأمني، فإنّ جهوزية القوى العسكرية والأمنية في أعلى مستوياتها، والجهد الأمني والعسكري والاستخباري يُبذل على غير صعيد، بالتوازي مع إجراءات ميدانية تمتدّ مِن الداخل اللبناني وصولاً إلى الحدود اللبنانية السورية.
وأمّا صورة الوضع بشكل عام، فيؤكّد المرجع الأمني «أنّ الأمنَ ممسوك، ونحن نقوم بما علينا، في الداخل وعلى الحدود مع سوريا، وقرارُ الجيش هو إبقاءُ لبنان آمناً مهما كلّف الأمر، وإحباطُ هدفِ الإرهابيين بإدخاله في دوّامة العنف والإرهاب. وها هو الجيش وكذلك الأمن العام وسائر الأجهزة الأمنية تحقّق نجاحاتٍ كبرى بإلقاء القبض على رؤوس كبيرة، وإفشال تسَلّل الإرهابيين واصطياد المتسَللين بالعشرات.
ولفتَ المرجع الأمني إلى تطويرٍ في التكتيك الأمني والمخابراتي لدى الأجهزة العسكرية والأمنية، وقد فرَضت ذلك معلومات ورَدت إلى الجهات الرسمية والأمنية والعسكرية المعنية، تفيد بتغيير أدخلَته المجموعات الإرهابية على خططِها، نتيجة التضييق على خلاياها من قبَل الجيش والأجهزة وتطويق حركتِها ونشاطها، بحيث استعاضت عن الاستعانة بعناصر إرهابية من خلاياها في الداخل، بعناصر عربية وأجنبية ترسلهم من الخارج، وتحديداً ممّن ليسوا في خانة الشبهة. وهذا الأمر دفعَنا إلى استنفار أكبر في كلّ المرافق والمرافئ، وخصوصاً في المطار.
وتبدو لافتةً الإشادةُ الدائمة للرئيس نبيه برّي بجهود الأجهزة العسكرية والأمنية وتأكيدُه أمام مَن يَستفسره بأنّ «أمنَ بلدنا أفضل من أية دولة». ويلاقيه وزير الداخلية نهاد المشنوق بتأكيده أمام السفير البريطاني في لبنان هيوغو شورتر أنّ «الأمن ممسوك»، وإشارتُه إلى أنّ «لبنان من الدوَل القليلة التي نجَحت فيها القوى الأمنية والعسكرية في القيام بعمليات استباقية وكشفِ شبكات الإرهاب».
وكذلك وزير الدفاع سمير مقبل الذي طمأنَ إلى الوضع الأمني في لبنان «خصوصاً أنّ الجيش والأجهزة الأمنية حاضرةٌ وجاهزة لأيّ حدثٍ أمنيّ للحفاظ على الاستقرار». وعندما سُئل مقبل عن تفجير بنك «لبنان والمهجر»، قال: «ماذا حصل في فرنسا أو في أميركا أو في ألمانيا؟ لا يزال الوضع الأمنيّ في لبنان بألف خير».
وفي السياق ذاته يأتي كلام المرجع الأمني لـ«الجمهورية» بقوله: «نعيش وضعاً أمنياً أفضل بكثير ممّا كنّا عليه». وأضاف: ولكن على رغم هذا الهدوء الذي ننعَم به، لا نستطيع أن ننام على حرير، فلا نُسقِط من حسباننا الغدرَ التكفيري في أيّ لحظة؛ وتهديدات المجموعات الإرهابية نأخذها على محمل الجدّ، ونحن نتوقّع منها أيّ شيء.
لا نستطيع أن نقول إنّنا بمنأى عن هذا الخطر، لكنّنا نقول إنّنا يقِظون، والإجراءات التي نفّذها الجيش اللبناني من الداخل وحتى الحدود، بالإضافة إلى مهاجمة تجمّعات الإرهابيين في الجانب السوري قرب الحدود اللبنانية، أدّت إلى إقفال معابر الموت، و«تصعيب» حركة الإرهابيين.
مِن هنا، يضيف المرجع الأمني: «لنكُن موضوعيّين، المخاطرُ الأمنية لم تلغَ نهائياً، وتَمكّنا من خلال الإجراءات والنجاحات التي حقّقها الجيش والأجهزة على مستوى التوقيفات للإرهابيين، مِن تقليص تلك المخاطر، والأهمّ أنّنا أحبَطنا الهدفَ الأساس لتلك المجموعات الإرهابية، وهو الإطباق على لبنان وإقامة محمياتها فيه، وبالتالي زعزعة أمنِه واستقراره وإغراقه في الفتنة القاتلة».
يتوازى الجهد الأمني الداخلي مع إشارات خارجية متزايدة في الآونة الأخيرة، عن حِرص غربي أميركي وأوروبي على استقرار لبنان. وثمَّة مراسلات في هذا الصَدد وردَت أخيراً إلى بعض المستويات السياسية.
وإذا كانت بعض تلك المراسلات تنطوي على تحذير من نشاطات إرهابية في هذه المنطقة أو تلك، فإنّ بعضَها الآخَر ينطوي على ثقةٍ بقدرةِ اللبنانيين على تجنّب تلقّي الصَدمات.
وفي هذا السياق، أكّدت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية»، نقلاً عن شخصية دبلوماسية أميركية، أنّ لبنان لم يخرج من دائرة اهتمام واشنطن، بل هو في صلب هذا الاهتمام.
وتبعاً لذلك نحن ننظر بارتياح إلى الوضع الأمني في لبنان، ولا نعتقد أنّ هناك ما يبعث على الخوف على أمنه واستقراره، ونحن متأكّدون من أنّ اللبنانيين يريدون الحفاظ على بلدهم، فهم يرَون ما يجري في دوَل المنطقة مِن دمار وانهيار، ولا يريدون أن تنتقل تلك الحروب إلى بلدهم.
وتؤكّد الدبلوماسية الأميركية على حماية لبنان ومنعِ انهيارِه. فأكثر ما تخشى هو أنّ انهيارَ لبنان، إنْ حصَل، فلا يذهب به فحسب، بل سيخلق مشكلةً كبرى من شأنها أن تفتح المنطقة على تعقيدات خطيرة، إقليمية ودولية. لذلك، فإنّ استقرار لبنان بالنسبة إلينا أولويةٌ وضرورة، وقد عبّرت واشنطن عن هذا الموقف بتسريع برنامج تسليح الجيش اللبناني بما يمكّنه من صيانة هذا الاستقرار، ومن المواجهة والانتصار في الحرب التي يخوضها ضدّ الإرهاب.
ملفّ النازحين
وليس بعيداً عن الأمن، عادت قضية النازحين السوريين إلى دائرة الضوء مجدّداً بعد الحديث عن مشروع توطينهم في أماكن لجوئهم، على ما طالبَ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أخيراً، وأثارَ سخطاً لبنانياً عارماً.
وقد حضَر ملفّ النزوح في اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة متابعتَه في السراي الحكومي أمس برئاسة سلام، وكذلك في جولة رئيسة مجلس النواب الإيطالي لاورا بولدريني على المسؤولين، مُشدّدةً على أنّ هؤلاء اللاجئين «لا يمكن أن يكونوا جزءاً من النسيج اللبناني، خصوصاً أنّ ذلك يمسّ التوازنات الداخلية اللبنانية التي يجب أن نحافظ عليها، نظراً لدور لبنان المهم».
أمّا رئيس مجلس النواب نبيه برّي فحذّر أمام المسؤولة الإيطالية من «أنّ عدد النازحين واللاجئين أصبح يشكّل خطراً ليس على لبنان والمنطقة فحسب، بل أيضاً على الدول الأوروبية، ومنها إيطاليا، لأنه يزيد من التطرّف المقابل هناك».
الاستحقاق الرئاسي
وعلى مسافة أيام من الجلسة 41 لانتخاب رئيس الجمهورية، وفي غياب أيّ معطيات تشي بأنّها ستكون مختلفة عن سابقاتها لجهة عدمِ اكتمال النصاب، دخلَ اللقاء الفرنسي ـ الإيراني المحدَّد غداً الأربعاء بين الرئيس فرنسوا هولاند ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في باريس، اليومَ في دائرة رصدِ ما إذا كانت له مفاعيل لبنانية جدّية.
وعشيّة هذا اللقاء، أعلنَ الناطق باسمِ وزارة الشؤون الخارجية والتنمية الدولية الفرنسية رومان نادال أنّ الوزير جان – مارك آيرولت سيلتقي نظيرَه الإيراني في باريس الأربعاء».
وأوضَح أنّ «الوزيرين سيتبادلان وجهات النظر حول سُبل تعزيز التعاون بين فرنسا وإيران، بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني قبل نحو 11 شهراً، وكذلك قد يتطرّقان إلى عدد من الملفات الإقليمية، مِن بينها لبنان وسوريا والعراق وسواها».
الحوار والانتخاب
وفي هذه الأجواء، يبقى التباين الانتخابي سيّد الموقف في اجتماع هيئة الحوار الوطني بين أقطاب الكتل النيابية، في عين التينة ظهر اليوم، برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يفترض أن يتلقّى أجوبة المتحاورين على مبادرته الأخيرة لحلّ الأزمة.
كذلك سيَبحث المتحاورون في مشروع قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الانتخابي، إضافةً إلى القانون المختلط، في محاولة للوصول إلى صيغة تُمهّد الطريقَ أمام جلسة اللجان النيابية المشترَكة غداً الأربعاء.
برّي
وأكّد برّي أمس أنّ «العقبة الأساسية الأولى والثانية والإحدى عشرة هي عدمُ انتخاب رئيس للجمهورية»، قائلاً: «كلّ ما أسعى إليه هو أنّه إذا لم تستطِع أن تدخل من الباب حاوِل أن تصل مِن النوافذ».
وأضاف: «غداً (اليوم) ستكون هناك جلسةٌ للحوار الوطني، ونأمل إن شاء الله، أن نحصل على أجوبة لهذا الموضوع تَفتح المجال ليكونَ لدينا حلٌّ لبنانيّ متكامل».
فيّاض
في غضون ذلك، اعتبَر عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فيّاض أنّ مبادرة رئيس مجلس النواب «تتّسِم بالجدّية»، وشدَّد على أنّها «جديرة بأن تلقى كلَّ اهتمام من القوى الأخرى»، ورأى أنّها «تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، مع نفاذ الوقت أمام الاتفاق على قانون انتخابات جديد».
وقال فيّاض لـ«الجمهورية»: «موقفُنا على مستوى النظام الانتخابي هو التمسّك بالنسبية الكاملة، ولا مانعَ لدينا من أن تكون نسبيةً مع 13 دائرة، لأنّه عندما أقِرّ مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في الحكومة كنّا جزءاً من مكوّناتها. أمّا في ما يتعلق بالملفّات الأخرى فلا مانعَ لدينا تجاه أيّ منها، كلّ ملفّ ينضج للتسوية نحن جاهزون لمقاربته».