في زمن الفراغ الرئاسي المديد، الذي ضمّ إليه بالأمس، جلسة جديدة فاشلة في انتخاب رئيس الجمهورية بفقدان النصاب، والتعطيل المجلسي الذي يكاد يُسكن برلمان ساحة النجمة بالأشباح، من الطبيعي أن يُلقى كلّ الحِمل السياسي والاقتصادي والمعيشي وكلّ شيء على الحكومة بوصفِها آخرَ معلَم من معالم الدولة، الذي يمكن أن يتحمّل مسؤولية إبقاء الروح موجودة في المؤسسات، إلى أن تحينَ ساعة انتقال الدولة إلى برّ الأمان السياسي، الذي يوفّره ملءُ الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى وانتخابُ مجلس نيابيّ جديد تُرسَم من خلاله الحياة السياسية للسنوات التالية. وفي هذه الاجواء، انعقدت جلسة حوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» في عين التينة.
في أيّ حال، الوضع الحكومي ليس على ما يرام، باعتراف الجميع، وتبعاً لذلك، لا بدّ من الإقرار بأنّ الرهان على الحكومة الحالية يضعف شيئاً فشيئاً، فتجربة حكمِها منذ بدء الفراغ الرئاسي وحتى اليوم، دلّت إلى أنّها جسم هشّ أعرَج بالكاد يمشي، والارتباك الذي تمرّ به يظهِرها وكأنّها آيلة إلى السقوط، وأداء الوزراء ومناكفاتُهم ومزايداتهم على بعضهم البعض وصراعاتهم على المشاريع، محلّ شكوى كبيرة ليس من خارج الحكومة فحسب، بل من داخلها، وعلى وجه الخصوص من قبَل رئيسها تمام سلام الذي صارَح كثيرين في الآونة الأخيرة أنّ رائحة الفساد تنبعث من ملفات عديدة، ووصَل به غيظه من الحال الذي آلت إليه حكومته الى أن «يبقّ» البحصة ويصفَ حكومته بأنّها الأسوأ والأكثر فشلاً وفساداً.
وبحسب معلومات موثوقة فإنّ سلام يحاول في هذه الفترة إعطاءَ فرصة جديدة لحكومته، لعلّها تقلِع مجدّداً بما تيَسّر من مسؤولية وطنية، علماً أنّ زوّارَه في الآونة الأخيرة لاحظوا أنّ كيلَه قد شارفَ على أن يطفح من حكومة صارَت في مهبّ الريح نتيجة المزايدات والنكايات بين مكوّناتها، وأيضاً نتيجة المزاجيات السياسية التي تحاول أن تتحكّم بها فتعطّل مسارَها وإنتاجيتَها، ووزراء الحكومة جميعُهم صاروا في صورة أنّ سلام صار على مشارف اتّخاذ قرار حاسم يضَع فيه النقاط على الحروف ويضع الجميعَ أمام مسؤولياتهم.
وبحسب ما ينقل الزوّار، فإنّ سلام يدرك حساسية وخطورة الظرف الذي تمرّ فيه المنطقة ولبنانُ ضمنها، ومِن هنا وبرغم القرَف الذي يشعر به فإنّ قراره هو ألّا يتخلّى عن مسؤولياته أو يُقدمَ على قفزة في المجهول، بل سيبقى صابراً، لعلّ الشعور بالمسؤولية يتغلّب على كلّ ما عداه، وتعود الحكومة إلى سابق اسمِها حكومة مصلحة وطنية.. إلّا أنّ للصبر حدوداً.
رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يشارك سلام كلّ ما يشعر به تجاه حكومته، وفي معرض تقييمه السلبي لأداء الحكومة وبعض الوزراء، يلاقي رئيسَ الحكومة في قوله انّه لم يسبق ان مرّ على لبنان حكومة كهذه الحكومة.
ولأنّ وظيفتها لم تنتهِ، ولأنّ الحاجة اليها ملحّة وضرورية، تبدو الحكومة وكأنّها شرٌّ لا بدّ منه، ما يعني انّ بقاءَها والحفاظ عليها يجب ان يقترنا بتحسين الأداء وتفعيله الى الحدّ الاقصى، في وقت يشهد البلد انحداراً على كافة المستويات، وفي مقدّمها الوضع الاقتصادي والمعيشي.
على أنّ التعثّر الحكومي له أسبابه المتعددة، وفي طليعتها أداء بعض الوزراء وممارساتهم الفوقية والمصلحية، وكذلك آليّة اتّخاذ القرار في مجلس الوزراء التي اتّبِعت منذ بدء الشغور الرئاسي. والمعلوم هنا أنّ برّي ليس راضياً على هذه الآليّة، وهو من أنصار اعتماد التصويت في مجلس الوزراء، فبهذه الحالة تسير الحكومة بلا أي معوقات أو تعقيدات.
لم يعُد الوضع مقبولاً، يقول بري أمام زوّاره، ولا بدّ بالتالي من تفعيل عمل الحكومة من دون أيّ إبطاء، فالبلد لم يعُد يحتمل ايّ نوع من التباطؤ أو التراجع أو إبقاء الوضع على ما هو مِن تخبّط وإرباك وتعطيل.
وقال: «دلّت التجربة منذ فترة طويلة أنّنا غرقنا في مراوحة حكومية سلبية بلا إنتاجية كما يجب، الامر الذي انعكس ضرراً فادحاً في مصالح لبنان واللبنانيين، ولذلك لم يعُد مقبولاً أن نظلّ تائهين في هذه المراوحة، وصار لا بدّ مِن تفعيل الحكومة. ولا عذرَ لأحد في هذا السياق، الكلّ مسؤولون. علماً أنّ مشاورات جدّية تجري على اكثر من صعيد ومن مستوى للتوافق على هذا التفعيل، والأجواء إيجابية».
عرَيجي
وفي سياق التفعيل الحكومي، صبّت مجموعة من المواقف الوزارية، حيث قال وزير الثقافة روني عريجي لـ«الجمهورية» بضرورة الانتقال الى تفعيل عمل الحكومة لأنّ ظروف البلد لم تعُد تتحمّل أيّ تراخٍ.
ورأى عريجي أنّ «غياب رئيس الجمهورية وارتضاء قاعدة الإجماع في مجلس الوزراء قدر الإمكان وعدم اللجوء الى التصويت، وفي ظلّ التشنّج السياسي القائم في لبنان والمنطقة، كلّ ذلك أدّى وسيؤدي إلى معوقات كبيرة في وجه عمل الحكومة، وبالتالي على القوى السياسية تحييد الملفّات الإدارية والحياتية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية عن التجاذبات السياسية.
وأكّد أنّ الحكومة مستمرّة بقوّة البقاء في ظلّ الشغور الرئاسي، وهي تنتج بالحدّ الأدنى».
زعيتر لـ«الجمهورية»
وأوضَح وزير الأشغال العامة غازي زعيتر لـ«الجمهورية»: «أنّنا نعيش اليوم ظروفاً استثنائية كحكومة، وسط تعثّر انتخاب رئيس الجمهورية، إضافةً إلى الظروف الاقتصادية والأمنية، لذلك علينا ان نتحمّل مسؤولياتنا جميعاً، لا أن يغنّي كلّ على ليلاه ويفسّر الدستور على هواه».
وقال زعيتر»إنّ المشاكسة تمظهرَت في آلية عمل مجلس الوزراء التي اعتمدها الرئيس سلام والتي خرَجنا فيها عن النصوص الدستورية.
فمجلس الوزراء مجتمعاً يتمتّع بصلاحيات رئيس الجمهورية، لكنّ القرارات تؤخَذ بالتوافق أو بالتصويت، والرئيس سلام شاء منذ البداية اعتمادَ هذه الآلية كنوعٍ من تحمّلِ المسؤولية ولكي يجعل الأجواء توافقية ، لكنّ اعتراض فريق أو مكوّن على أيّ قرار يوقف أعمالَ الناس وبات في قدرة كل طرف تعطيل العمل الحكومي، وأرى أنّ هذا ما يصنع مشاكسةً ويعطّل العمل الوزاري، فلو اعتمَدنا الآلية المعتمدة دستورياً لَما كان ذلك يحصل».
وعن سُبل الخروج من هذا الوضع وتفعيل العمل الحكومي أكثر، أجاب زعيتر: «على الرئيس سلام وضعُ الجميع أمام مسؤولياتهم، ولا أعتقد أنّ هناك فريقاً سياسياً في ظلّ الظروف التي ذكرت سيتخلّى عن مسؤولياته ويقول هذا ليس من شأني، هذا شأننا جميعاً وعلينا التعاون والتفاهم والتلاقي على حلّ كلّ المشاكل».
بوصعب لـ«الجمهورية»
وعزا وزير التربية الياس بوصعب لـ«الجمهورية» الحفاظ على الحكومة «الى وجود قرار سياسي عند الجميع بوجوب التمسك بها والابقاء عليها لان سقوطها يعني سقوط آخر معالم الدولة في ظل غياب رئيس الجمهورية ومجلس النواب، ما يعني ان المخرج الوحيد المتاح امامنا هو الذهاب الى مؤتمر تأسيسي، وهذا امر نرفضه جميعا».
وشدد بوصعب ردا على سؤال على الشراكة والتوازن والتوزيع المنطقي والعادل وقال :»حتى في الامور المعيشية يجب ان يكون التوزيع منطقيا ومتوازنا، فعندما تسود هذه القناعة ويطبق المعيار على الجميع سواسية تزول العراقيل، لا ان تحظى ملفات بأولوية، وملفات اخرى تعني آخرين توضع في الدرج. كذلك لا نبحث ملفات في مجلس الوزراء ونأخذ القرارات خارجه.
كما يجب ان يكون القرار في ملفات اساسية مثل ملف النفايات ومجلس الانماء والاعمار والمشاريع الانمائية داخل مجلس الوزراء لكي لا نقع في ازمة بضغط من السياسيين ويرحل الملف لمعالجته خارج المجلس».
شهيب
بدوره، اكد وزير الزراعة اكرم شهيب لـ«الجمهورية» ان «جلسة اليوم ستناقش مشاريع مجلس الانماء والاعمار وهناك اسئلة لدى الوزراء من حقهم طرحها.
اما كيف ينشط عمل مجلس الوزراء، فهناك ملفات خلافية اكبر منا واكبر من البلد ولا حل لها وهي مرتبطة بامور كبرى في المنطقة، وهناك مواضيع نستطيع حلها اذا تفاهمنا عليها مثل الكهرباء والغاز والمياه وسد جنة وغيرها ، فلنتفاهم عليها ، في النهاية هي مواضيع تعني الناس وتهمهم».
والى متى ستستطيع الحكومة السير بواسطة الدفع؟ اجاب شهيب:» الحكومة باقية الى الى ان يأتي الله بجديد في انتخاب رئيس الجمهورية».
خليل: صدمة إيجابية
وكان وزير المال علي حسن خليل قال «إنّ الحكومة لا تستطيع التقدّم خطوةً الى الامام، وهي ترى الانهيار والتراجع الاقتصادي والمالي، وقد طلبنا من رئيس الحكومة تحديد جلسة لبحثِ الموضوع الاقتصادي والمالي، لنقول إنّ الأمور لم تعُد تُحتمل، ونحن بحاجة الى صدمة إيجابية حقيقية تعيد الروحَ الى دورتنا الاقتصادية والمالية».
أبو فاعور: التفعيل
ودعا وزير الصحة وائل ابو فاعور من عين التينة القوى السياسية المكوّنة للحكومة لبذل جهد مشترك لإعادة تفعيل عمل مجلس الوزراء. لنعطي بعض الثقة والأمل للمواطنين بأنّ المؤسسة الوحيدة الباقية التي تمثّل مَعلماً مِن معالم بقاء الدولة اللبنانية هي على قيد الحياة وهي بخير أيضاً».
حوري
وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب عمّار حوري لـ«الجمهورية»: «كلّنا يعلم ظروف تشكيل هذه الحكومة وكيف أتت عشيّة الفراغ الرئاسي، وبالتالي هي حكومة أفضل الممكن أو أفضل المتاح في ظلّ هكذا ظروف. بعد حصول الشغور في موقع الرئاسة أصبح استمرار هذه الحكومة ضرورةً لا بدّ منها، خوفاً من الذهاب الى الفراغ الكبير. الرئيس سلام كان صادقاً وصريحاً، مُعترفاً بالأداء السلبي للحكومة، ولكن على رغم هذا الأداء السلبي، يبقى استمرارُها أفضل مِن عدمه».
مجلس الوزراء… النفط
وفي هذه الأجواء، يعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم في السراي الحكومي يحضرها وزير العمل سجعان قزّي، للبحث في جدول أعمال عادي، البارزُ فيه تقرير مجلس الإنماء والإعمار والمشاريع العائدة له، سواء أكانت جديدة أو قيد التنفيذ.
ووصَفت مصادر وزارية الجلسة بأنّها جلسة اشتباك سياسي، نَظراً للاختلافات الحادّة بين الوزراء على بعض التفاصيل الكامنة في تقرير مجلس الإنماء والإعمار، وقال زعيتر لـ«الجمهورية»: إنّ جلسة اليوم تتعلق بمناقشة أشغال مجلس الإعمار، ما أنجز منها وما هو قيد الإنجاز، ومشاريع أخرى، وبالتالي لا يجب ان يحصل أيّ اشتباك سياسي بين الوزراء، خصوصاً أنّنا نعيش في وضعٍ استثنائي يتطلب الرَويّة والهدوء في مقاربة كلّ الأمور».
كما لم يُعلن بعد عن إدراج ملف النفط في جدول أعمال جلسة اليوم، ولا سيّما إصدار المرسومين العائدين إلى هذا الموضوع واللذين يتأسّس عليهما الشروع في وضعِ الثروة النفطية والغازيّة اللبنانية على سكّة الاستفادة الفعلية منها.
برّي: مرتاح
ولمسَت «الجمهورية» ارتياحاً لدى بري لِما استجدّ حول موضوع النفط، إلّا أنّه لا يستطيع أن يقول إنّه متفائل كما يجب إلّا إذا وضَع يده على شيء ملموس، سواءٌ المرسومان أو غير ذلك من تفاصيل تتّصل بإطلاق عجَلة قطار النفط.
وأشار بري أمام زوّاره إلى أنّه أثار في جلسة الحوار الأخيرة موضوع إدراج ملفّ النفط في جدول أعمال الجلسة مع رئيس الحكومة تمّام سلام الذي كان متجاوباً إلى أبعد الحدود، كذلك بدت هذه الإيجابية في مداخلات الرئيس فؤاد السنيورة والوزير جبران باسيل والنائب غازي العريضي وغيرهم من أطراف طاولة الحوار.
وعلم ان هذا الملف سيكون على جدول اعمال اللجنة الوزارية المعنية بملف النفط في جلسة يدعو اليها رئيس الحكومة تمام سلام، لكي يصار الى انجاز كل ما هو مطلوب ووضع الصياغات النهائية للمرسومين.
وردا على سؤال قال برّي إنّ أجواء كلّ الأطراف إيجابية. وآمل أن يصدر المرسومان في أقرب وقت ممكن، وهناك ما يجب ان ننتبه إليه، أنّه حتى ولو صدرَ المرسومان فلا يَعني ذلك أنّنا انتهَينا، بل تبقى المسألة ناقصة ما لم تقترن بقانون من مجلس النواب، تحدَّد فيه الضوابط الضريبية التي تتيح للشركات المهتمة بالموضوع النفطي أن تعرف ما لها وما عليها.
مع الإشارة الى انّ وزير المال علي حسن خليل قد أعدّ مشروع قانون في هذا الخصوص، ولا ينقص سوى أن يقرّه مجلس الوزراء، وبعد إقراره وإحالته إلى مجلس النواب سأدعو إلى جلسة تشريعية في وقتٍ قريب جداً لإقراره. إذ إنّ هذا الموضوع من المواضيغ الأكثر من مهمّة وأكثر من ضرورة وجدوى للبلد.
ودقّ بري مجدّداً جرسَ إنذار بوجوب الانتهاء من الملف النفطي قبل أيّ عمل آخر. وحسَناً فعلوا في وزارة الطاقة حينما أدركوا حجمَ الأهمّية التي تعتري هذا الملف. يجب فتحُ البلوكات كلّها وطرحُها، وقد تبيّنَ أنّ للبنان ثروةً، كانت إسرائيل تَحجبها، وكامنة في البلوكين 8 و9 حيث تبيّن أنّ دراسات أجريَت قبل سنوات حول هذين الحقلين وتبيّن أنّهما غزيران بالنفط والغاز، ولا شيء يَمنع أن نبادر إلى الاستفادة من ثروتنا. قلت وأكرّر: إسرائيل حاولت وما زالت تحاول تعطيلَ استفادتنا من ثروتنا، وأمّا نحن فما علينا سوى التعجيل.
جرود عرسال
وفي ملف أمن الحدود، وقعت اشتباكات عنيفة في جرود عرسال، وادي العويني الزمراني وادي الخيل بين جبهة «النصرة» وتنظيم «داعش» أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى للطرفين وتدمير آليات لتنظيم «داعش» ومقتل قياديين ميدانيين من «داعش»، عرف منهم القيادي ابو صهيب وقائد ميداني كبير يدعى ابو عبد الرحمن العسكري وابو عبدو العسالي مسؤول مجموعة بارز، اضافة الى العديد من الإصابات. وعرف من قتلى جبهة «النصرة» مسؤول مجموعة المنتصر وأبو الخال مسؤول الحواجز وابو علي.