وكأنّ ضريبة الدم لا سقفَ لها في معركة لبنان مع الإرهاب، فقد انضمّ شهيد آخر أمس، هو خبير المتفجّرات في الجيش اللبناني المعاون محمود علي نور الدين، إلى رفاقه الستّة الذين استشهدوا في مكمن في جرود بلدة رأس بعلبك وشُيّعوا في البقاع والشمال، وأُصِيب اثنان آخران بجروح غير خطِرة، بعد انفجار عبوة ناسفة في جرود عطا في عرسال، أثناء الكشف عليها تمهيداً لتفكيكها. إلّا أنّ الجيش الذي بدا مصمّماً على الذهاب إلى النهاية في معركته وملاحقة فلول الإرهابيين، مدعوماً بغطاء سياسيّ وشعبيّ لافت، أوقفَ في جرود رأس بعلبك أكثرَ من 40 شخصاً بين لبنانيّ وسوري للتحقيق معهم، وشدّد إجراءاته الأمنية على حواجزه المنتشرة على طول أوتوستراد بعلبك باتجاه الحدود السورية، كذلك عند مداخل مخيّم عين الحلوة وفي عدد من مناطق الشمال.
إستأثرَ توقيف مديرية المخابرات للمدعوّة سجى الدليمي بكلّ الاهتمام الداخلي والخارجي لمعرفة مدى ارتباطها بزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي كما بأيّ دور محتمَل لها على مستوى التواصل مع الشبكات الإرهابية، وفيما أكّدت وزارة الداخلية العراقية أنّها ليست زوجة البغدادي بل هي شقيقة شخص أدِينَ بالتورّط في تفجيرات جنوب العراق، نقلت «وكالة أنباء الأناضول» عن مصدر قضائي أنّ نتائج الحمض النووي أكّدت أنّ الدليمي هي زوجة البغدادي، بعدما تمّ تطابق الحمض النووي العائد له والمرسَل من العراق مع فحوصات الأطفال الثلاثة المحتجَزين. أمّا قناة «المنار» فأشارت إلى أنّ فحوص الحمض النووي أثبتَت أنّ «هاجر» هي ابنة البغدادي من سجى الدليمي.
مصادر أمنية
وفي خضمّ هذه المعمعة والتخبّط الإعلامي والأخذ والردّ ونسج سيناريوهات وإطلاق شائعات عن هوية زوجة البغدادي، علمَت «الجمهورية» من مصادر أمنية متابعة أنّ «معظم التقارير والمعلومات التي تمّ التداول بها ومن ضمنِها خبر فحوصات الـ «دي أن إي»، غير دقيقة، وتهدف الى إحداث معمعة وإرباك داخل المؤسسات الأمنية للتغطية والتعمية على هذا الإنجاز النوعي الذي تحَقّق». ولفتت المصادر الى أنّ «الحقيقة في مكانها الصحيح، وسيُعلن عنها في الوقت المناسب بما يخدم مصلحة لبنان واللبنانيين».
رواية أخرى
إلّا أنّ مصادر أمنية أخرى كشفَت في المقابل لـ»الجمهورية» أنّ اللغط الذي رافقَ توقيفَها من أنّها زوجة البغدادي ثمّ نفيُ الداخلية العراقية، سببُه أنّ الدليمي وبعد تسليمِها الى ابو عزام الكويتي ضمن صفقةِ راهبات معلولا، سرَت معلومات أنّها زوجة ابو بكر البغدادي، لكنّ الدليمي نفَت هذا الأمر وأكّدَت أنّ زوجها متوَفٍّ منذ خمس سنوات، ولم يتمّ التأكّد من هذا الأمر، ما جعلَ القضية مبهَمة، وسُلّمت آنذاك لشقيقها ابو ايوب العراقي وهو قيادي في «النصرة»موجود في القلمون.
وكشفَت المصادر أنّ الدليمي دخلت أكثر من مرّة الى لبنان، وهي منذ مدّة تعيش مع أولادها الثلاثة في بحنين في الشمال، وأوقفَها أحد الأجهزة صدفةً بعدما اشتبه بهويتها.
وبعد توقيفها وكشفِ هويتها، وبسبب اللغط الذي رافقَ قضيتها في المرّة الاولى طُلِب إجراء فحص الحمض النووي من أجل التأكّد من المعلومات السابقة التي تحدّثت عن ارتباطها بالبغدادي، فتبيّنَ أنّ فحوص الـ«دي ان اي» لابنتها هاجر ذات الأعوام الستّة مطابقة للحمض النووي للبغدادي.
وعزَت المصادر نفيَ الداخلية العراقية ان تكون الدليمي زوجة البغدادي الى عدم ورود اسمِها في سِجلّات النفوس لديها وأنّ زوجتَي البغدادي حالياً معروفتان وهما أسماء القبيسي وإسراء القيسي، ما يشير الى أنّ زواج سجى من البغدادي إذا كان مسجّلاً رسمياً فقد تمّ خارج الاراضي العراقية، علماً أنّ الموقوفة متعدّدة الزيجات.
وكشفَت المصادر أنّ أولاد سجى موجودون حالياً في جمعية سيزوبيل، فيما هي موقوفة في وزارة الدفاع. وقلّلت المصادر من أهمّية احتجازها في إطار ملف العسكريين، وإنْ ثبتَ أنّ هاجر هي بنتُ البغدادي فعلى الأرجح أنّه لن يطالب بها ولن يسأل عنها أو حتى إنّه لن يعترفَ بها، وإذا كانت موجودة لدى السلطات اللبنانية فخيرٌ لها من أن تكون في أرض المعركة، كذلك إنّ السلطات اللبنانية ما الذي ستفعله بطفلة عمرها ستّة أعوام سوى وضعِها تحت المراقبة وتأمين الرعاية لها؟
المشنوق
وكشفَ وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ سجى الدليمي تزوّجت ثلاث مرّات، والبغدادي كان زوجها الثاني، وتزوّجته لمدة ثلاثة أشهر منذ 6 سنوات، وهي متزوّجة حالياً من شخص صيني، وأُجري فحص للحمض النووي لها ولابنتها وجلبنا الحمض النووي للبغدادي من العراق وتبيّن أنّ الفتاة ابنتُه.
خليّة الأزمة
وفي هذه الأجواء، عقدَت خلية الأزمة اجتماعاً مساء أمس برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام، وذلك عشية جلسة مجلس الوزراء.
وعلمت «الجمهورية» أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أطلعَ المجتمعين على آخرالمعطَيات المتعلقة بالتفاوض الجاري لإطلاق العسكريين، خصوصاً لجهة عدم وضوح مطالب الجهات الخاطفة، بحيث إنّه لم يحصل أيّ تقدّم منذ مغادرة الوسيط القطري لبنان في ما يتعلق باللوائح الإسمية التي طلبَها من الجهات الخاطفة.
وكشفَت مصادر الخليّة لـ«الجمهورية» «أنّ ملفّ التفاوض لا يزال غيرَ واضح، وأنّ الجهات الخاطفة ليست على مستوى من الجدّية يجعل من هذا الملف يقطع مراحل، فالخاطفون يتصرّفون بمزاجية ويعمَلون بـ«المفرَّق» يُسرِّبون بعض الأسماء بينما لا يعدّون لوائح أسماء رسمية يطلبونها للمقايضة.
ولا تزال الجهة المخوّلة التفاوض عندهم غير محدّدة، ما يُعقّد التعاطي معهم، خصوصاً أنّ من بينهم مَن يتصرّف برعونة وينشر شائعات بغية إحداث بلبَلة من شأنها التشويش على الملف.
كذلك كشفَت المصادر أنّ جبهة «النصرة» لم تهدّد يوم الاثنين الفائت بالإعدام ولم تؤجّل ولم تُصدر أيّ بيان، وكلّ ما حصل في الداخل اللبناني ومع أهالي العسكريين والذي وضعَ البلد على شفير الهاوية كان نتيجة تسريبات بهدف إحداث فوضى وبلبَلة، فيما أبلغَت «النصرة» الوسيطَ القطري أنّها لم تُصدر أيّ بيان بهذا الشأن.
وسألت المصادر: «على من نُقايض وبمَن؟ ففي الأمس استشهد سبعة عسكريّين، ماذا نقول لأهلهم؟ هل نذهب ونُقايض بمن يقتل أبناءَهم؟ ورجّحَت المصادر من خلال المعطيات الموجودة أن لا تُقدِم النصرة و«داعش» على قتل أيّ عسكري لأنّ ظروف القتل ولّت وبِتنا أمام مرحلة مختلفة يدرك فيها الخاطفون جيّداً أنّ القتلَ مكلِف وغير مجدٍ، خصوصاً أنّهم كانوا قد تعهّدوا عبرَ الوسيط القطري بعدم المسّ بأيّ عسكري مخطوف لديهم.
لكنّ المصادر لفتت في المقابل إلى «أنّ هذا الأمر لا يجعل لملفّ العسكريين نهاية قريبة، فالأمور ربّما تستغرق شهراً أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر، فلماذا يستعجل الخاطفون طالما إنّ لديهم ورقة ابتزاز وضغط على الدولة اللبنانية ولإحداث فوضى في الداخل وشرخٍ بين الأهالي والحكومة، وطالما لديهم ورقة ضغط لإمدادهم بالمال والمؤَن»؟ كذلك كشفَت المصادر أنّه وحتى بعد اتصال سلام بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لم يتحرّك الوسيط القطري على عكس ما فُهِم من وعود أمير قطر.
مجلس وزراء ساخن؟
وقبل ظهر اليوم يلتئم مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية للبحث في جدول أعمال عاديّ وتقليديّ من 52 بنداً لا يحوي أيّ ملفّ خِلافي بعد ترحيل معظمِها الى لجان مختلفة أو إلى الوقت الذي تستلزمه إعادة النظر بمضمون العقود ودفاتر الشروط، كما هو حاصل في ملفات الاتصالات ودفتر الشروط النموذجي لإدارة شركتي الخلوي، كما بالنسبة الى النفايات الصلبة والترخيض للجامعات اللبنانية والفروع التابعة لها.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ الأهمّ في جلسة اليوم يكمن في الملفّات الحامية المطروحة من خارج جدول الأعمال، والتي يمكن أن تُحدِثَ مناقشات حامية، إلّا في حال تدخّل رئيس الحكومة بقوّة لمنعِ صِدام محتمَل بين بعض الوزراء، وهو أمر يتّصل بالمواقف المتناقضة بشأن بعض الملفات، ومنها ملف التفاوض مع الخاطفين.
وسيسأل بعض الوزراء عن حصيلة الاتصالات الجارية على أكثر من مستوى، وعن مكان وجود الوسيط القطري الذي تردَّد أنّه في بيروت منذ بداية الأسبوع، ليتبيّنَ لاحقاً أنّه ليس هناك من وسيط قطري في بيروت، فهو لم يعُد إليها حتى ليل أمس الأربعاء – الخميس، وهناك قول بأنّه لن يعود هو نفسُه، وأنّ هناك توجّهاً لاستبداله بآخر لم يحدَّد بعد.
وأكّدت المصادر أنّ بعض الوزراء لديه كلامُ كبير وكثير في عدم وضوح الموقف ممّا يجري والتسابق إلى مواقف غير دقيقة، لا سيّما عند الحديث عن قرارات لم تُتّخَذ في مجلس الوزراء بعد، خصوصاً في ملف المفاوضات المباشرة وغير المباشرة وتحميل مجلس الوزراء مواقفَ وتبعات قرارات لم تُتّخَذ بعد، وهو ما أوضحَه رئيس الحكومة الذي لفتَ من بروكسيل أنّ القرار بالمفاوضات المباشرة وغيرها لم يُبَتّ في المجلس بعد، وهو ما اعتبرَه البعض توضيحاً لِما أعلنَه قبل يوم عن صدور قرار بهذا المعنى واضطرّ إلى توضيحه في اليوم الثاني.
الحوار
وأمام انسداد الأفق الرئاسي، والدعوات المتتالية لانتخاب رئيس جمهورية جديد والتي لا تلقى آذاناً صاغية لدى المعنيين، يبقى الحوار هو المتنفّس الوحيد المتاح في هذه المرحلة.
وأكّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي «أنّ السير نحو الحوار الذي سعى إليه بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» هو بخير، وأنّ «الأمور ماشية» في خطواتها التمهيدية للبَدء به.
من جهتها، أعلنَت قوى 14 آذار «أنّ الحوار يبقى السبيلَ الوحيد للحفاظ على الاستقرار الداخلي ولجم الفِتن المذهبية حفاظاً على لبنان»، وأكّدَت أنّها «تدعم الحوار بين «المستقبل» و»حزب الله»، وتتمنّى توسيعَه كي يشمل الجميع، على قاعدة أنّ حلّ الأمور العالقة مسؤولية وطنية مشترَكة، حتى ولو بدا بعضُها من لون طائفيّ معيّن».
جيرو في بيروت
وإزاء الجمود الرئاسي، يبرز تحرّك ديبلوماسي غربي تجاه لبنان، وستكون إحدى محطاته زيارة المسؤول في الخارجية الفرنسية فرنسوا جيرو بيروت يومَي الخميس والجمعة في 8 و9 الجاري، ثمّ يعود إلى باريس ليحزم حقائبَه في زيارة الى طهران منتصف الشهر.
وتوقّعَت مصادر ديبلوماسية غربية أن يعقبَ هذا التحرك الفرنسي صدور مواقف متقدّمة لباريس إزاء الاستحقاقات اللبنانية، ومنها الاستحقاق الرئاسي.
بوغدانوف
ومساء اليوم، يصل إلى بيروت الموفد الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف في زيارة رسمية تستمرّ يومين، وسيلتقي غداً رئيس الحكومة تمّام سلام، على أن يلتقيَ لاحقاً برّي والنائب وليد جنبلاط وقيادات سياسية وحزبية، للبحث في آفاق التعاون والوضع في سوريا، في محاولةٍ لجذبِ الأطراف المتنازعين إلى مؤتمر ترعاه موسكو، يكون بديلاً من جنيف.