Site icon IMLebanon

قلقُ المسيحيين يتفاقم.. وبرّي متفائل نفطيّاً وجنبلاط مع ضوابط

 

مع دخول الملفّات الداخلية في استراحة عيد الفطر، يُنتظر أن تنطلق بعدها الخطوات الأولى على طريق قطفِ ثمار «الملفّات الإنقاذية»، التي من شأنها – إنْ صَدقت النيّات إزاءَها، وتمَّت مقاربتُها بتغليب مصلحة البلد أوّلاً- أن تعيد بثَّ الروح في الاقتصاد اللبناني، ولعلّ أبرزَها ملف الثروة النفطية والغازية الضائعة في عمق البحر. وفيما يَشهد الوضع الأمنيّ هدوءاً ملحوظاً، بفِعل الإجراءات المشدّدة للجيش اللبناني في مختلف المناطق، ما زالت تردّدات الهجوم الإرهابي على بلدة القاع تتفاعل، وطنياً، ومسيحياً، مع تنامي خوف المسيحيين على موقعهم ودورهم ومصيرهم في لبنان، ولأسباب متعدّدة، فاقَمتها الهجمة الإرهابية التي يُخشى منها أن تستنسخ الصوَر السودَ وما تَعرّض له المسيحيون في العراق وسوريا وسائر المشرق.

كما بات واضحاً، فإنّ الهجوم الإرهابيّ على القاع، أشعلَ القلق المسيحيّ على المصير، في ظلّ محاولات مجموعات ظلامية تحاول استضعافَهم وتريد محوَ تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم، وهذا ما عبّرَت عنه المرجعيات الروحية والسياسية التي دقّت ناقوس الخطر ودعَت إلى توفير كلّ شروط القوّة والحماية لأحد المكوّنات الأساسية لهذا البلد.

وقال مرجع سياسي كبير إنّ الهجوم الإرهابي على القاع فعلَ فِعله، وأبرزَ الخطرَ الحقيقيّ المحدق بالمسيحيين، بلا استثناء، انطلاقاً مِن تلك النقطة الحدودية، خصوصاً بعدما تكشّفت نيّات المجموعات الإرهابية لاغتيال القاع ومحو هويتها اللبنانية والمسيحية، عبر جعلِها إمارةََ سوداء تَحكمها جاهلية بغيضة، ونقطةَ انطلاقٍ لزرع القتل والفتنة في محيطها وسائر المناطق اللبنانية.

وما من شكّ في أنّ هذا الخطر التكفيري الآني، يأتي في رأس هرم المخاطر التي تَتهدّد المسيحيين، ويقتضي تشخيص المرض الذي يعاني منه المسيحيون، الاستنفار الوطني العام، والمسيحي على وجه الخصوص، لبناء جدار الأمان بالشراكة في ما بينهم وفي ما بينهم وبين سائر مكوّنات البلد.

ويتقاطع كلام هذا المرجع السياسي مع قراءة مفصّلة للواقع المسيحي، يحدّد فيها مرجع سياسي مسيحي، مكامنَ الخطر الأخرى على المسيحيين، ويوزّع المسؤوليات على بكركي بالدرجة الأولى، كما على سائر المرجعيات المسيحية.

ويقول المرجع المسيحي، إنّه بالإضافة إلى الدور الاجتماعي الذي تقوم به المؤسسات الكنَسية، فإنّ الثقلَ السياسي الكبير، يقع على البطريركية المارونية في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، وهنا تكمن مسؤوليتها في ملء جزءٍ من الفراغ في المشهد الوطني، وحرصُها على عدم تغييب المكوّن المسيحي ومحو دوره وتقليص موقعه وفعاليته، لأنّ رئاسة الجمهورية هي الموقع الأوّل ليس لمسيحيّي لبنان فقط، بل لمسيحيّي الشرق، لذلك وفي ظلّ الفراغ المستفحل في موقع الرئاسة الأولى، هناك خوف حقيقي، ماروني ومسيحي، من ضعفِ موقع الرئاسة، لا بل مِن فقدانه، وبالتالي تَحوُّل المسيحيين تبعاً لذلك، إلى مجرّد أقلّية بلا فعالية، ولا تملك أن تقرّر أو أن تكون شريكة في قرارِ بلدٍ كان المسيحيون في مقدّمة بُناته.

ولا تقلّ مسؤولية القوى السياسية المسيحية عن مسؤولية بكركي وسائر المرجعيات الروحية المسيحية، فلهذه القوى دورُها الفاعل في نزع أسباب الخوف المسيحي على المصير، ودورُهم الأساس يَكمن في خوض معركة الكيان والاستقلال والمؤسسات وليس معركة السلطة والمحاصَصة.

فكلّما خاض المسيحيون معركةً سيادية، شَعروا بانتمائهم إلى الدولة، وكلّما تمّ تحوير المعركة إلى معارك أحجام وسلطة ومغانم، تشتَّت المسيحيون وشَعروا بالخوف والضياع.

وأمّا العوامل التي فاقَمت المخاوف المسيحية، يقول المرجع المسيحي، فهي متعدّدة، ولعلّ أبرزَها الاعتبار الأمني الذي يضغط عليهم ويشكّل تهديداً لوجودهم، عِلماً أنّهم عانوا خلال الحرب من هجرتين داخلية وخارجية، والهجرة المتجدّدة تلوح في الأفق نتيجة التجارب المريرة للمسيحيين في العراق وسوريا، واحتمال تمدُّد حروب المنطقة إلى لبنان، وتفاقم العمليات الإرهابية خصوصاً بعد تفجيرات القاع.

ويلحَظ المرجع المسيحي، إلى جانب العامل الأمني المباشر، عاملاً سياسياً مرتبطاً بقوّة الدولة والمؤسسات الشرعية، فكلّما تراجعت قوّة الدولة شعَر المسيحيون بالخوف، لأنّ الكيان اللبناني مرتبط في لاوعيِهم بوجودهم، والعكس. كذلك يلحظ عاملاً اقتصادياً يتمثّل في الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي يعاني منها اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً.

ولأنّ المسيحيين مندرجون في معظمهم، في ما كان يعرَف بـ«الطبقة الوسطى»، فهذه الطبقة باتت شِبه معدومة، وبالتالي من الطبيعي أن يَشعر المسيحيون بالخوف على وجودهم، جرّاء غياب المقوّمات الاقتصادية لهذا الوجود.

ويشدّد المرجع المسيحي على دور بكركي، لافتاً الانتباه إلى أنّ البطريركية المارونية، كانت وراء نشأة فكرة الاستقلالية اللبنانية منذ البطريرك الأوّل للموارنة مار يوحنا مارون، واستكملت النضال على مرِّ التاريخ وصَمدت مع شعبِها على رغم شراسة الهجمات والغزوات التي واجَهوها، ولعبَت دوراً بارزاً في تاريخ لبنان الحديث وتَمثَّل ذلك في ثلاث مراحل أساسية:

ـ الأولى، لبنان الكبير، أي تأسيس الكيان اللبناني، حيث عملَ البطريرك الياس الحويّك على توسيع حدوده إلى الحدود المتعارف عليها اليوم، دون أن يفكّر بإنشاء بلد قومي للمسيحيّين.

ـ الثانية، مرحلة الاستقلال مع البطريرك عريضة، حيث أصرّت بكركي على استقلال الكيان على رغم العلاقة الوطيدة التي تربط الموارنة بفرنسا والامتيازات التي منحَتهم إياها.

ـ الثالثة، هي الحفاظ على السيادة والحرّية مع البطريرك مار نصرالله بطرس صفير. فكلّما اقترَبت بكركي من هذه المحطات والاعتبارات الثلاثة، كان دورها مساعداً في طمأنةِ المسيحيين، وكلّما ابتعدت أو تقلّصَ دورها زاد خوفُ المسيحيين.

ولا يَعفي المرجع المسيحي، المسلمين من مسؤولية تبديد الخوف لدى المسيحيين وطمأنتِهم، مشيراً إلى أنّ دور المسلمين، في هذا السياق، يَكمن في تطبيق شعار «لبنان أوّلاً»، وفي خوض معركة السيادة والاستقلال والحفاظ على الدستور والمؤسّسات، وعدم ربط لبنان بما يَجري من حوله.

وأكّد المرجع أنّ الشراكة المسيحية ـ الإسلامية على مستوى لبنان، هي الكفيلة بضمان الحدّ الأدنى من التوازن، في حين أنّ ربطَ حلول أزمة لبنان بأزمة المنطقة يجعل من لبنان جزءاً من بحر إسلاميّ أوسع، يخشى المسيحيون من أن يغرقوا فيه، ومِن أن يفقدوا الحدّ الأدنى من التوازن الديموغرافي والاقتصادي مع المحيط الإسلامي الواسع.

الملك سلمان والحريري

في غضون ذلك، بدت الحركة السياسية الداخلية شِبه معطلة عشيّة عيد الفطر، إلّا أنّها شهدَت حدثاً بارزاً من خارج الحدود اللبنانية، تجلّى السبت الماضي في استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الرئيس سعد الحريري في قصر الصفا بمكّة.

وفيما لم تَصدر أيّ معلومات رسمية حول اللقاء الذي يَنطوي على كثير من الدلالات شكلاً ومضموناً وتوقيتاً، قالت مصادر سياسية واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية»: «إنّ اللقاء تمَّ على مائدة إفطار أقامها الملك سلمان، ومجرّد وجود الحريري شخصياً في هذا الإفطار إلى جانب وليّ العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وعددٍ من الأمراء والمسؤولين السعوديين ورئيس أفغانستان محمد أشرف غني ورئيس الغابون علي بونغو، يَدحض كلَّ المقولات السابقة التي تمّ ترويجُها عن تدهور علاقة الحريري مع المملكة العربية السعودية.

ولم ترشَح أيّ معلومات حول ما إذا كان الملف الرئاسي اللبناني، قد طرِح على بساط البحث بين الملك سلمان والحريري. إلّا أنّ مصادر «بيت الوسط» أكّدت لـ«الجمهورية» أنّ اللقاء شكّلَ مناسبة للتشاور في الوضع اللبناني بعناوينه الأساسية الكبرى، لا أكثر من ذلك.

وأضافت هذه المصادر: إنّ قضايا أخرى تناوَلها الحريري والقادةُ السعوديون والضيوف الكبار، بما فيها الظروف التي تمرّ بها المنطقة، والأزمة السورية تحديداً، وما ألقَته من ثقلٍ على كاهل لبنان واللبنانيين على أكثر من مستوى.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الحريري باقٍ في مدينة جدّة لتمضيةِ عطلةِ العيد، وهو سيؤدّي صلاة العيد في الحرم المكّي.

برّي: النفط أوّلاً

مِن جهةٍ ثانية، يُنتظر أن يشكّل الملفّ النفطي العنوانَ الأساس لمرحلة ما بعد عطلة عيد الفطر، متقدّماً على موضوع سلّة الحلّ الرئاسي والانتخابي والحكومي التي طرَحها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي. وإذ رحّبَ وزير الطاقة بـ«الاتّفاق الحاصل بموضوع ملف التنقيب عن النفط بين «التيار الوطني الحر» و«حركة أمل»، الذي طوى الاختلافَ الذي كان حاصلاً على استراتيجية التلزيم في البلوكات البحرية، والذي من شأنه تسريع إقرار المرسومين المتبقّيَين في مجلس الوزراء». قال برّي أمام زوّاره «إنّ ملف الثروة النفطية والغازية يَسير في المسار الصحيح. ولا توجد أيّ عقبات أو معوقات سياسية تؤخّره، على أمل أن ندخل فعلاً في الاستثمار الجدّي لهذه الثروة.

واستغربَ برّي الكلامَ الذي ذهبَ إليه البعض في القول باختزال الاتّفاق بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» للقوى السياسية الممثّلة في الحكومة، موضحاً «أنّ هذا الاجتماع الذي عقِد في عين التينة بيني وبين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل، تمَّ بعِلم رئيس الحكومة تمّام سلام وبناءً على رغبته، خصوصاً أنّه سبقَ له أن اشترَط أنّه لكي يتمّ عرضُ الأمر وطرحُ المرسومين على مجلس الوزراء، لا بدّ مِن تفاهم سياسي مسبَق عليه».

وشدّد برّي على أهمّية التعجيل في فتحِ البلوكات النفطية كلّها للتلزيم، لأنّ مِن شأن ذلك أن يقطع الطريق على إسرائيل ومحاولتها السطوَ على مساحة الـ 850 كيلومتراً البحرية، والتي ثبتَ أنّها المكان النفطي والغازي الأغزر.

ورأى برّي أنّ من الطبيعي أن يسلكَ هذا الملف طريقَه إلى مجلس النواب، وفقَ الآليّة التي تبدأ في اللجنة الوزارية المختصة ثمّ مجلس الوزراء ومن ثمّ البرلمان. وقال: «بمجرّد أن ينجز مجلس الوزراء مهمّته ويحيلَ البنود والمراسيم والمشاريع المتّصلة بالنفط إلى المجلس، فسأبادر فوراً إلى فتحِ المجلس النيابي وعقدِ جلسة تشريعية لإقرارها، خصوصاً أنّها من البنود الأكثر من ملحّة والأكثر من ضرورية. وكذلك إقرار اقتراح قانون يجيز التنقيبَ البرّي عن النفط».

جنبلاط: لضوابط نفطية

إلى ذلك، رحّبَ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بكلّ ما يؤدّي إلى الاستفادة من الثروة النفطية والغازية. وقال جنبلاط لـ«الجمهورية»: «علمتُ باللقاء الذي عُقد عند الرئيس نبيه برّي، وليست لديّ أيّ تفاصيل حول ما اتُفِق عليه، إنّما، على أهمّية هذه الثروة الوطنية وضرورتِها بالنسبة إلى الأجيال المقبلة، يجب أن لا تُسلق الأمور، بل إنّ المطلوب هو الوضوح الكامل في هذا الملف، فهناك دراسة مفصّلة وشديدة الأهمّية وضَعها الخبير في مجال النفط نقولا سركيس، وتُبيّن كلَّ التفاصيل وبعضَ مكامن الخلل والثغرات، ويمكن الارتكاز إليها والاستفادة منها لوضعِ الضوابط القانونية والمالية الشفّافة لهذا الملف البالغ الأهمّية».