في غياب أيّ خطوات عملية تبعث على التفاؤل بإمكان اختراق الملفّات الخلافية بمعالجات ناجعة، بدأ الاهتمام بالوضع الأمني يتصاعد بعد وصول السفيرة الأميركية الجديدة إليزابيت ريتشارد التي «بشّرَت» بدعم أميركي جديد للجيش والقوى الأمنية لمكافحة الإرهاب الذي بدأ يتحرّك في مخيّم عين الحلوة وربّما في مناطق أخرى. وبدا للمراقبين من كلام ريتشارد أنّ الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية عموماً كانت ولا تزال تَعتبر الحفاظ على الاستقرار في لبنان الأولوية المطلقة، قبل الانتقال إلى معالجة الاستحقاقات، ومنها الاستحقاق الرئاسي الذي يُمنّي بعضُ القيادات السياسية النفسَ بإمكان إنجازه الشهرَ المقبل، لمناسبة انعقاد مجلس النواب في جلسة انتخابية جديدة.
تكاثرَ الكلام في الأيام المنصرمة على الوضع الأمني في مخيّم عين الحلوة، وتزايدت المخاوف من تأثير تنامي الحركات الأصولية المتطرّفة فيه سلباً على أمن المخيّم، وامتداداً إلى الجنوب كونه يجاور بوّابته صيدا.
إبراهيم لـ«الجمهورية»
وقد سألت «الجمهورية» المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عن وضع المخيّم كونه يتابعه عن كثب بالتواصل مع الفصائل والأحزاب الفلسطينية والأجهزة المعنية، فقال: «إنّ الأوضاع في عين الحلوة ليست وليدة الساعة، بل عمرُها عشرات السنوات، وما يحصل يندرج في الأطر التقليدية التي اعتاد عليها المخيّم من مرحلة «جند الشام» إلى «فتح الإسلام»، وصولاً إلى «داعش» و«جبهة النصرة».
أمّا القنابل الدخانية التي تطلَق منذ أيام عدة فلا تأتي بجديد… الأوضاع قابلة للسيطرة والعلاج، ولا شيء خارج السيطرة، لكن المطلوب إبعاد المخيّم عن التداول الإعلامي، ومعالجة مشاكله في الظلّ، لأنّ تسليط الضوء عليه إعلامياً يؤثّر على معالجة المواضيع القائمة. فالأجهزة متيقّظة وعينُها على المخيّم، وليطمئنّ الجميع إلى أنّ الأمور لن تذهب لا إلى حرب أو إلى مواجهات».
وأضاف ابراهيم: «إعتدنا على مرّ السنوات أن يشهد هذا المخيم نشوءَ حركات أصولية تحت مسمّيات مختلفة هي نتاج انعكاس لتطوّرات المنطقة عموماً، لأنّ الظروف المعيشية في المخيّم، من فقرٍ وجَهل وانعدام فرَص العمل وحرمان، تَجعل منه بؤرةً صالحة وأرضاً خصبة لنموّ حركات أصولية متشدّدة، تماماً كما حصل في نهر البارد، ونحن نأخذ في الاعتبار هذه الظروف في سعينا المستمرّ مع الفصائل للمعالجة…المخيّم ليس متروكاً لا لسيطرة «داعش» ولا لغيرها من التنظيمات الإرهابية، والأفضل أن يدعوا المعنيين بالمخيّم يَعملون بصمتٍ من دون تشويش».
وزير الداخلية
وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق قال أمس ردّاً على سؤال حول تضارب المعلومات بما يخصّ الوضع في مخيّم عين الحلوة: «نعم هناك مشكلة اسمُها عين الحلوة، والوضع الامني في المخيم ليس جديداً، وقد تحدّثتُ عنه منذ سنتين، والتضخيم ناجم من أنّنا في مواجهة مفتوحة، وليس الموضوع يبدأ وينتهي في عين الحلوة، وبالتالي نحن نتّخذ احتياطات في كلّ الأمكنة والمناطق، وهناك تعاطٍ جدّي لكلّ الاجهزة الامنية، ولا أعتقد أنّ الحديث في الإعلام عن هذا الموضوع مفيد».
الجيش يَضبط باخرتين
وفي مجال أمني آخر، أكّدت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» أنّ وحدات الجيش اللبناني ضبَطت باخرتَي شحن في البحر بينما كانتا مبحرتين من تركيا إلى طرابلس، وذلك للاشتباه بنقلهما موادَّ خطيرة.
وأوضَحت المصادر أنّ «إخباريات تنطوي على جدّية وصدقية عالية» قد بلغَت مخابرات الجيش اللبناني، حول تحضيرات لإرسال شحنات من السلاح والذخائر والمواد التي تشكّل خطراً كبيراً جداً على الأمن اللبناني.
وقد أحيطت تلك الإخباريات بجدّية، ووضِعت فرضية أن يكون طرف إرهابيّ ما قد استغلّ الوضع التركي الأخير لمحاولة تهريب شحنات سلاح إلى مجموعات إرهابية في لبنان، الأمر الذي فرض إعداد خطة مواجهة، تولّت تنفيذَها مخابرات الجيش التي نصَبت مكمناً للباخرتَين، وأطبقَت عليهما ودهمتهما لحظة دخولِهما إلى رصيف مرفأ طرابلس.
وأشارت المصادر إلى أنّ تفتيش الباخرتين بدأ فوراً، وتبيّنَ أنّهما تنقلان شاحنات، وموادَّ أخرى، فبوشِر تفريغهما والتحضير لنقلِ الشحنات وسائر المواد إلى بيروت لمزيد من الفحص والتفتيش نظراً لوجود جهاز «السكانر» فيها.
وفيما رفضَت المصادر الإفصاح عن المواد الخطرة، إلّا أنّ بعض المصادر تحدّث عن العثور على كمّيات من الأسلحة، وأنّ الباخرتين انطلقَتا من أحد المرافئ التركية وتَنقلان كمّيات كبيرة من السلاح والذخائر، وأنّهما مرسلتان من جهات خارجية إرهابية تابعة لـ»داعش»، إلى مجموعات تمتُّ لها بصِلة في لبنان وتحديداً في منطقة الشمال.
إلّا أنّ المصادر العسكرية رفضَت تأكيد ذلك، مشيرةً إلى أنّ الجيش اتّخذ إجراءات مشدّدة تكفَل حماية الأمن الوطني، لافتةً الانتباه الى أنّ في يد الجيش معطيات حول تحضيرات خطيرة من قبَل المجموعات الأرهابية، وأنّ الجيش يتّخذ في مقابل ذلك إجراءات احترازية ووقائية بالغة الشدّة والدقة.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: «حتى ساعات متأخرة من الليل لم يتمّ العثور على أسلحة، لكن كلّ الأمور رهن التحقيق حالياً، هناك موقوفون (طاقم الباخرة) وسيتمّ الإعلان عن كلّ التفاصيل فور الانتهاء من التحقيق والتفتيش».
مجلس الوزراء والخلوي
حكومياً، ظلّ ملف الخلوي خارج التغطية، وأخفقَ مجلس الوزراء مجدداً في اتّخاذ قرار في شأن التجديد للشركتين المشغّلتين للشبكتين الخلويتين، وذلك بعد نقاش دام ثلاث ساعات في جلسته العادية التي عقِدت أمس، تخلّلها سجالات حادة بين وزير الاتصالات بطرس حرب ووزير الخارجية جبران باسيل.
وفي هذا الإطار، علمت «الجمهورية» أنّ البحث ترَكّزعلى النقطة نفسِها المتعلقة بدفتر شروط التأهيل للمناقصة العامة، وخصوصاً البند المتعلق بوضع شرط على الشركات المتقدّمة بأن تكون قد شغّلت عشرةَ ملايين خط خلال الأعوام الخمسة الماضية، حيث يصرّ حرب على أن تكون الشركة قد شغّلت كمّية الخطوط هذه كلّ عام من السنوات الخمسة، بينما يطلب الوزير محمد فنيش، المساند لباسيل في هذا الملف، أن تُحتسب الخطوط لسنة واحدة من أصل السنوات الخمس.
وعلى هذا الأساس، فتِح النقاش على جبهتين: جبهة حرب من جهة، وجبهة باسيل ـ الوزير الياس بوصعب ـ فنيش من جهة ثانية. وبدأ النقاش تقنياً ثمّ تحوّلَ سياسياً بنبرة عالية.
باسيل
عندها توجّه باسيل إلى حرب قائلاً: «أنت تلتفّ على الموضوع وتدور حوله، قُلها بصراحة، أنت لا تريد شركة الـ«ألفا» وتَعتبرها عونيّة، وأنت دائماً تشكو من الشركتين، فلتتخلّص من الاثنتين معاً، وكلّ ما قمتَ به في دفتر الشروط مِن تزوير وتحريف لقرارات مجلس الوزراء هدفُه إبعاد شركة «ألفا».
واتّهَم باسيل حرب بأنّه «غيَّر بخطّ يده» أحد الشروط الواردة في قرار مجلس الوزراء، والذي يؤكّد أنّ حجم الخطوط يجب أن يلحظ للشركة في آخر السنة، فغيَّرها إلى «آخر السنتين».
حرب
وقد أثار هذا الكلام حفيظة حرب، فردّ قائلاً: «عيب هذا الكلام، أنا لا أنظر إلى هوية الشركة، وهذا الكلام غير مقبول».
واحتدَّ النقاش، آخِذاً سقفاً عالياً دخلَ على خطّه الوزير روني عريجي، مقدّماً اقتراحاً وسطاً يقوم على أساس: الأخذ ولو مرّة واحدة شرط الـ 10 ملايين خط ويتمّ وضع نظام إعطاء علامات ونقاط يتمّ بموجبه تصنيف الشركات.
وأعاد اقتراح عريجي النقاش إلى المسار التقني، ورحّب به الوزراء، فتقرّر أن يدرسه حرب ويضيفه إلى الملاحظات والتعديلات. ولم يحدَّد موعد جديد لمناقشة هذا البند الذي قال فيه حرب إنّه يأخذ الملاحظات الموضوعية وليس تلك التي تَسمح لأحد أو لشركة بدخول المناقصة.
بوصعب
وأوضَح بوصعب لـ«الجمهورية أنّ السجال الذي دار في ملف الاتصالات والمناقصات في الشركات هو بسبب الخلاف على رأيَين: رأي يقول بوجوب فتح المناقصات وباب التنافس أمام الجميع فيفوز مَن لديه ملفّ أقوى وأفضل وأحسن، فيما الوزير حرب يَبذل المستحيل لكي يستثنيَ شركة الـ»ألفا» ويتّهمنا بأنّنا قريبون منها. فكان جوابنا أنّنا قريبون منها ومن شركة «ام تي سي» معاً، وإذا أردتَ استبعاد أيّ شركة فاستبعِد الشركتين، لا أن تستثني الـ»ألفا».
فبالتالي، نحن ندعو إلى التعامل بمساواة وفتحِ باب المنافسة أمام جميع الشركات، أمّا هو فيريد استثناءَ الـ»ألفا»، وقد استشهد بكلام سابق لي مؤكّداً استعداده للتغيير، ومعتبراً أنّ خبرةَ الخمس السنوات ليست مهمة، ويَقبل بسنتَي خبرة، حتى إنّه أبدى أمس استعداده للموافقة مع خبرة سَنة. فأبلغناه قلقَنا من قراراته العشوائية هذه، حيناً خمس سنوات وحيناً ثلاث وحينا آخر سنة.
وسَمعنا منه في جلسة واحدة 3 عروض. لذلك قلنا إنه لا يمكن أن تكون القرارات عشوائية بهذا الشكل، ولنكُن عادلين مع الجميع. فنحن لا نريد لأيّ شركة أن تفوز، بل أن تُفتح المناقصة وتكون عادلة وتعطي فرصة التنافس للجميع، وقلنا له إنّ الفارق بيننا وبينك أنك تريد إجراء مناقصة تستثني فيها البعض.
فنكرَ بدايةً، لكن في سياق الحديث وقعَ في الخطأ من حيث لا يدري حين قال إن شركة «ألفا» أعلنَت في الإعلام أخيراً أنّها أحبَطت المناقصة، متسائلاً: كيف تريدون أن أسمح لها بالتقدّم في المناقصة هذه المرّة»؟
عريجي
وقال عريجي لـ«الجمهورية: «إنّ المشكلة في موضوع التمديد لشبكتَي الخلوي تدور حول أحد شروط التأهيل، وأنا قدّمت من خلفية موضوعية 3 مقترحات، وفي المبدأ اعتمدوا واحدة منها، وكلّفت التواصل مع الوزير حرب في شأن دراستها. النقاشات التي دارت تقنيةٌ بخلفية سياسية، وآمل أن يتمكّن اقتراحي من إخراجهم من هذه المشكلة المستدامة».
سجال سلام ـ المشنوق
وكانت الجلسة قد شهدَت سجالاً آخر لم يكن في الحِسبان. إذ علمت «الجمهورية» أنّه وفي بداية الجلسة، طلبَ وزير الداخلية نهاد المشنوق تأجيلَ مناقصة نفايات بيروت المتعلقة بالفرز والجمع، والمقرّر أن يجريَها مجلس الإنماء والإعمار الاثنين المقبل.
فردّ رئيس الحكومة تمام سلام قائلاً: «نناقش هذا الأمر عند الوصول الى البند المتعلق بمحرقة بيروت». لكنّ المشنوق أصرَّ على استمهال المناقصة، مؤكّداً أنّ صلاحيته كرئيس للّجنة المكلفة إجراء الإشراف على تنفيذ خطة النفايات بقرار مجلس لوزراء تعطيه هذا الحقّ.
ولكنّ سلام احتدَّ وقال: «لن أتراجع، ولا أريد فتحَ هذا الملف مجدّداً على المزايدات والنقاشات التي لا تنتهي، وكلّ جهة تَعرف صلاحياتها جيّداً».
فما كان من المشنوق إلّا أن غادر الجلسة لمدّة نصف ساعة ثمّ عاد نافياً الخلاف والتوتّر.