إنتظر اللبنانيون أن تتمخّض «ثلاثية الحوار» عن إنجازٍ ما في السياسة، فجاءَهم من الميدان إنجازٌ حقّقه الجيش اللبناني في أجواء عيده الحادي والسبعين. تمثّلَ في عملية أمنية نوعية أطبَقت خلالها وحدةٌ من الجيش على موقع لتنظيم «داعش» الإرهابي، في عمقِ أماكن تمركزِه، وألقت القبضَ على عدد من الرؤوس الكبيرة التي روّعت لبنان قتلاً وترهيباً. واللافت، بالتزامن مع هذا الإنجاز ضدّ داعش، التهديدُ الجديد الذي أطلقَه التنظيم الإرهابي، وتوعُّده أوروبا بهجمات دامية ودعوتُه إلى حرقِ فرنسا، بحسبِ شريط الفيديو الذي نشرَته صحيفة «ميرور» البريطانية أمس الخميس، ويَظهر فيه عناصر التنظيم وهم بصَدد خوضِ معارك دامية مع الجيش العراقي في ريف مدينة كركوك. وقد ارتسَمت ملامح الفرح والنصر على وجوه إرهابيّي «داعش» لدى قصفِهم المكثّف لمناطق تمركزِ الجيش، فيما عبّروا عن استعدادهم لتدمير أوروبا وحرقِ فرنسا بشكل خاص.
إنتهت ثلاثية الحوار بلا توافق رئاسي أو حكومي، أو على مستوى القانون الانتخابي، بل جلُّ ما حقّقته أنّها حاولت دخولَ مجلس الشيوخ، لعلّ التوافق عليه يشكّل جسر عبور إلى توافقات أخرى، ومنحت لنفسها فرصة حتى الخامس من أيلول المقبل لتشكيل لجنة لبحث آليات «بناء» مجلس الشيوخ.
رئيس مجلس النواب نبيه بري أعربَ أمام زوّاره عن بالغ ارتياحه للمسار الذي سَلكته الثلاثية والجوّ الإيجابي والجدّي الذي ساد المناقشات.
وقال إنه نتيجة هذه الأجواء خرجَ من الجلسات الحوارية أكثرَ تفاؤلاً ممّا كان عليه قبل الدخول الى الثلاثية، إلّا أنّ الامور تبقى في خواتيمها و»ما تقول فول ليصير بالمكيول».
وأكّد بري على الوعد الذي قطعه بأنه سيسعى ليلَ نهار للوصول الى توافقات، خصوصاً حول القانون الانتخابي وكذلك حول رئاسة الجمهورية.
وأشار بري الى انّ المتحاورين توافقوا على ان يُحال قانون اللامركزية الادارية الى اللجان المشتركة (لجنة الادارة والعدل ولجنة الداخلية)، وقال إنّ في إمكان اللجنتين الشروع في دراسة هذا الأمر اعتباراً من اليوم.
وبعدما أبدى ارتياحه للنقاشات التي احاطت طرحَ تشكيل مجلس الشيوخ، اشار بري الى انّ الكرة الآن في ملعب القوى السياسية التي عليها ان تسمّي مندوبيها او ممثّليها في ورشة العمل التي تَقرَّر إنشاؤها تحضيراً لاقتراح قانون بهذا الخصوص يرسَل الى اللجان النيابية المختصة، على ان يزوّدني اعضاء هيئة الحوار بأسماء مندوبيهم وممثليهم لورشة العمل قبلَ الخامس من ايلول.
ولفتَ بري الانتباه الى أنّ هناك فرصة لتحقيق إصلاحات، سواء عبر إنشاء مجلس شيوخ والبحث في المجلس النيابي الوطني خارج القيد الطائفي، والمهمّ عدم تجاهل أهمّية انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن. (راجع ص. 6 – 7)
الجيش يضرب «داعش»
في تطوّر أمنيّ لافت للانتباه في مكانه وزمانه ونوعيتة ودلالاته، نفّذت وحدة من الجيش اللبناني عملية امنية نوعية في خراج بلدة عرسال، واقتحمت مركزاً لتنظيم «داعش» الارهابي، وألقت القبض على من فيه.
وبحسب معلومات «الجمهورية»، أنّه وبعد عمليات رصدٍ ومتابعة، نفّذت وحدة خاصة من الجيش هجوماً مباغتاً في محلّةِ وادي عطا في جرود عرسال على مركز كان تتمركز فيه مجموعة من تنظيم داعش، حيث دارت اشتباكات بين الجيش وعناصر المجموعة، تمكّنَ خلالها الجيش من الإطباق على المجموعة المؤلفة من أربعة عناصر، توفّي أحدهم متأثّراً بجراحه. فيما اقتيدَ الثلاثة الآخرون الى مديرية المخابرات في بيروت وبوشِر التحقيق معهم.
وقال مصدر عسكري لـ«الجمهورية» إنّ العملية كانت نظيفة بالكامل، بحيث تمّت من دون أيّة إصابات في صفوف وحدة الجيش اللبناني، كما انّها
كانت عملية شديدة الاحتراف، وفي هذا الإطار تلقّى الجيش في ساعات ما بعد العملية سلسلة اتّصالات من أجهزة عسكرية ومخابراتية غربية، تشيد بالعملية وبحِرفيتها.
وأشار الى انّ من النتائج الفورية للعملية، انّها أربَكت المجموعات الارهابية، وقد رُصِدت استغاثاتٌ من قبَلهم. كما أنّ الجيش ظفر فيها على صيد ثمين، تجلّى أوّلاً في توقيف زعيم المجموعة المدعو طارق الفليطي، المعروف تاريخه الإجرامي والارهابي، فهو مسؤول في هذا التنظيم، وهو شقيق رنا الفليطي زوجة الدركي الشهيد علي رامز البزال. حيث كان المدعو طارق الفليطي قد أعطى الامر بإعدام صهره الشهيد البزال.
كما أنّه قتَل بيدِه قتيبة الحجيري منذ فترة قصيرة بتهمة أنّه يتعاون مع مخابرات الجيش. فضلاً عن أنّه من المخططين لأعمال إرهابية في الداخل اللبناني ومسؤول عن تفخيخ سيارات وإرسالها الى لبنان. وهو من المشاركين والمحرّضين على اعتداءات على الجيش والمواطنين في بلدة عرسال، وكان آخرها الاعتداء على المختار محمد علولي.
وتجلّى الإنجاز الثاني في قتلِ الإرهابي سامي البريدي المعروف بـ«سامح السلطان»، وبحسب المصدر فإنّ البريدي أصيبَ إصابة خطرة وسرعان ما توفّي متأثّراً بجروحه.
ولفتَ المصدر الانتباه الى انّ البريدي يعَدّ أحدَ أخطر مسؤولي داعش، فهو من المسؤولين المهمّين في داعش، وشاركَ في أحداث عرسال والاعتداء على مراكز الجيش اللبناني في آب 2014، وهو المسؤول عن اقتحام فصيلة قوى الامن في عرسال واعتقال عناصرها وتسليمهم الى داعش.
إضافةً إلى أنّه هو المسؤول عن تفجير بئر العبد والرويس، وإطلاق صواريخ على منطقة الهرمل، وهو كان حاضراً مع طارق الفليطي عندما أقدما على قتلِ قتيبة الحجيري. وكذلك في تفخيخ السيارات وإطلاق النار باتّجاه الجيش ومقتل الشهيد الرائد بيار بشعلاني والمعاون الشهيد ابراهيم زهرمان، وعمليات خطف وتصفية لأبناء عرسال.
وأشار المصدر الى أنّ مِن بين الموقوفين سوريَين اثنين، عُرف منهما محمد المحمد، وهو مطلوب لمشاركته في أعمال إرهابية وقتال الجيش. وقال المصدر إنّ كلّ أفراد المجموعة على درجة عالية من الخطورة، وكانوا يقومون بالتخطيط لعمليات إرهابية كبيرة في العديد من المناطق اللبنانية.
وقال المصدر إنّ رمزية العملية أنّها تأتي أوّلاً في شهر آب وفي أجواء عيد الجيش، والجيش لا ينسى ما تعرّضَت له وحداته في آب 2014، وثانياً أنّها تؤكد انّ الجيش قد استعاد المبادرة، وهو يقدّم على مدار الساعة الدليل تلوَ الدليل على أنّه هو المتحكّم بالميدان العسكري والرادع للمجموعات الإرهابية والمانع لها من ان تتسلّل الى لبنان وتبني إماراتها فيه.
أضاف المصدر أنّ هدف الجيش كان وما يزال وسيبقى أنه لا بدّ من الانتصار على الارهاب، كما أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي، ولا يظنّن أحد انّ الجيش سينسى شهداءَه أو جنوده المخطوفين، فهؤلاء أمانة لدى المؤسسة العسكرية، ولا يظنّ كلّ من ساهم في الاعتداء على البلد وسيادته وساهمَ في قتلِ المواطنين اللبنانيين وجنود الجيش، أنّه سيفلِت من العقاب والحساب.
مجلس الوزراء متمّم للحوار
تحت سقف طاولة الحوار التي عكسَت اتفاقاً ضمنياً بضرورة التهدئة خلال المرحلة المقبلة، وبروحيّة عدم الذهاب بنقاش أيّ ملف الى حدّ الصدام، انعقَد مجلس الوزراء عصر امس، بعد ساعة على انتهاء «ثلاثية الحوار»، في أجواء محتدمة لكن غير متفجّرة. إذ بدت الجلسة نسخةً متمّمة لطاولة الحوار، كلّ فريق لا يزال خلف متراسه: لا أحد تنازلَ، ولا طرف كسَر الآخر.
وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ رئيس الحكومة تمام سلام افتتح الجلسة بتذكيره المعتاد انّ انتخاب رئيس الجمهورية هو باب حلّ كلّ الأزمات، وطلبَ بَعدها وزير التربية الياس بوصعب الكلام، فأثار مأساةَ حادثة غرقِ الطفل كيفين مدلج خلال وجوده ضمن مخيّم صيفي، وقال: «منذ الحادثة عجزتُ عن تحديد المسؤولية، فمَن هي السلطة المسؤولة؟ ومَن يعطي التراخيص؟ الموضوع بدا متشعّباً جداً، فتبيّن انّ هناك أربعاً إلى خمس وزارات عليها مسؤولية في موضوع المخيّمات الصيفية، ولكن لا مرجعيّة محدّدة».
فطلبَ سلام القيام بخطوات لتنظيم هذا الملف في أسرع وقت ممكن.
ثمّ أخذ وزير الاتصالات بطرس حرب الكلام، عارضاً للأجوبة التي أعدّها حول الأسئلة الموجهة له في الجلسة الماضية في ملف الاتصالات. واعتمد، في معرض أجوبته، على مستندات ثبوتية وتقارير مفصّلة.
ولدى انتهائه، تناوبَ الوزراء على الإدلاء بمداخلاتهم، وكان أبرزها كالعادة مداخلة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي اتّهم مجدداً حرب بمخالفة القانون والدستور وحملَ مع وزيري «الحزب التقدمي الاشتراكي» وائل ابو فاعور وأكرم شهيّب على مدير عام «أوجيرو» عبد المنعم يوسف مطالبين بمحاكمته وإقالته.
وأثار بعضُ الوزراء ملفّ الهدر في المال العام، فقال وزير السياحة ميشال فرعون: «أيّ حكومة نحن؟ سَكتنا عن ملف النفايات لأنّها كانت على الارض، والآن نسمع عن هدر الاتصالات، فكلّ ملفات الهدر تُثار ولا تحرّك الحكومة ساكناً».
فاقترَح وزير الثقافة روني عرَيجي تجزئة ملف الاتصالات، وقال: «لنحِل العقد الموقّع بين «أوجيرو» والمديرية العامة للإنشاء والتجهيز إلى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل لكي تبدي رأيَها. أمّا قضية عبد المنعم يوسف، فيمكن إرسال إيعاز الى القضاء للتسريع في محاكمته مع احترام فصل السلطات. وإذا كان هناك من ملف إداري، فليبتّ به التفتيش المركزي».
ثمّ ذكّر باسيل بأنّ العقد الموقّع بين «أوجيرو» وهيئة الإنشاء والتجهيز أصبح بقيمة 170 مليار ليرة بعدما كان 90 مليار ليرة، سائلاً كيف تُضاف مهامّ إلى هذه المديرية بطريقة غير قانونية تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء، وأصلاً كيف يبرَم العقد ويجدّد خارج صلاحيات مجلس الوزراء ومِن دون مرسوم؟
فأجابه حرب: «هذا العقد يجدّد منذ كنتم أنتم في الوزارة، فلماذا تعترضون عليه الآن»؟
وبقي السجال في هذا المنحى الى أن حاولَ سلام إنهاءَه بتخريجةٍ كلّفَ فيها وزير الاتصالات العمل على تطبيق القانون 431 لجهة إنشاء مؤسسة «ليبان كول» وإنشاء الهيئة الناظمة للاتصالات. لكنّ باسيل وبوصعب وأبو فاعور وشهيّب رفضوا هذا الاقتراح، في اعتبار أنّ هذا ليس المشكل الوحيد في ملفّ الاتصالات. فردّ رئيس الحكومة: «طالما هناك قضاء فلندَعه يأخذ مجراه، ونحن نتحمّل مسؤوليتنا في اتّجاه تطبيق القانون».
فأجاب بو فاعور سلام: «إذا كنتَ تريد إصدار هكذا قرار فهذا حقّك، ونحن لن نقف في وجهك لكنّنا لن نسكت في الخارج».
بدروه، قال باسيل لسلام: «إذا كنتَ تريد إنهاء الموضوع، فبالنسبة إلينا لم ينتهِ ولن نقبل أن ينتهي هكذا».
وهنا، ارتأى سلام تركَ هذا الأمر لمزيدٍ من النقاش، ورفعَ الجلسة إلى الخميس المقبل، وقال إنّها لدرس جدول الأعمال من دون الإعلان عن إدراج بند الاتّصالات ضمن جدولها أو القول إنّها لمتابعة هذا الملف.