الحدث في الجبل اليوم، إحياء للذكرى الخامسة عشرة للمصالحة، وتدشين كنيسة السيدة في المختارة برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي والنائب وليد جنبلاط. وقيمة هذا الحدث تتجلى في كونه مناسبة تخرق الانسداد السياسي القائم، ويعوّل عليها أن تؤسس لما بعدها بوصفها فرصة ثمينة للتلاقي وتقريب المسافات بين المكوّنات اللبنانية. وفيما دخل حوار عين التينة في استراحة لشهر، لعلها تجمع الإرادات الوطنية لترجمة ايجابية لخريطة الطريق التي رسمتها «الثلاثية» نحو إنشاء مجلس الشيوخ، يدخل الفراغ الرئاسي شهره السابع والعشرين، مع فقدان الامل في إمكان إجراء الانتخابات الرئاسية في المدى المنظور.
سياسياً، إنزاح دخان حوار عين التينة من الاجواء الداخلية، وعاد الملف الرئاسي بنداً رئيسياً في جدول المتابعات الداخلية، من دون ان تبرز اية مؤشرات تدفع به الى خانة الايجابية.
وفي هذه الاجواء بات محسوماً انّ جلسة مجلس النواب المقررة الاثنين المقبل في الثامن من آب الجاري، ستنضمّ الى سابقاتها في الفشل بانتخاب رئيس. في هذا السياق قال مرجع كبير لـ«الجمهورية»: «خلافاً لكلّ ما يقال عن تفاؤل او ما شابَه… لا رئيس جمهورية في جلسة الاثنين، وانا على يقين أنّ الملف الرئاسي لم يتقدم ولو خطوة واحدة الى الامام، بل ما زال عند نقطة الصفر».
بري لـ «الجمهورية»
في هذه الاثناء اكد رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«الجمهورية» انه «بدأ الشغل في الموضوع الرئاسي، ولن أتوقف عن ذلك».
واكد بري انه «أبلغ اطراف طاولة الحوار، وعن قناعة، بإمكان انتخاب رئيس الجمهورية قبل نهاية السنة». وقال: لا استطيع الّا ان اتفاءل، والمسؤولية تقع على كل الفرقاء.
ودقّ بري ناقوس الخطر وقال: اقول للجميع، نكون مجانين ان لم نتمكن من انتخاب رئيس الجمهورية او الوصول الى حلول قبل نهاية السنة، اكاد اقسم انّ البلد مقبل على الخراب ان لم نتدارك ذلك قبل فوات الاوان، ليس فقط على المستوى الرئاسي بل هناك امور اخرى اقتصادية ومالية بلغت قمّة الخطر.
ورداً على سؤال عن مكامن الخطر، قال بري: انا ادرك ما اقول، البلد لم يعد يحتمل، وماذا افعل لكي يقتنع الجميع بأننا في خطر ونقترب من الهاوية؟!
ورداً على سؤال آخر قال بري: على رغم الانقسامات بين القوى السياسية، فكل الاطراف أجمعوا على الحوار وضرورته، وانا اؤكد انّ هذا الحوار ما زال يشكل صمّام الامان للبلد. ولنفرض انّ الحوار غير موجود، فكيف سيكون وضع البلد؟ من هنا كل الاطراف مطالبون بمقاربات ايجابية لعلنا نتفق ونخرج ممّا نحن فيه.
وكان الموضوع الرئاسي محلّ بحث بين الكاردينال الراعي والسفيرة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد التي زارت بكركي أمس. وعلمت «الجمهورية» أنّ «اللقاء غلبت عليه الإيجابية، وقدّم الراعي شرحاً مفصّلاً عن الوضع العام وخصوصاً ازمة رئاسة الجمهورية، وأبدت ريتشارد تفهّمها لمطالب بكركي ووعدت بالعمل على حلها، وأكدت على استمرار الدعم الأميركي للدولة اللبنانية».
وعبّرت مصادر بكركي عن ارتياحها للقاء، وأكدت لـ«الجمهورية» انّ «السياسة الأميركية لن تتغير تجاه المواضيع الحسّاسة المطروحة، وأن اللقاءات ستُتابَع».
مصالحة الجبل
المختارة تحتضن الحدث، هي ذكرى تاريخية يحييها اللبنانيون اليوم، تشكّل محطة مفصلية في العلاقات بين المكونات اللبنانية التي شرذَمتها الحرب. في مثل هذا اليوم، انطوَت صفحة كانت مليئة بالحروب، وفتح البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير صفحة جديدة في كتاب التاريخ اللبناني عموماً، والماروني – الدرزي خصوصاً، وبالتأكيد ما كانت خطوة صفير لتنجح آنذاك لولا وجود إرادة مشتركة مع المكوّن الدرزي وعلى رأسه النائب وليد جنبلاط في إعادة اللحمة الى جبل لبنان.
وممّا لا شك فيه انّ هذا الجبل، وكما يقول مواكبون لهذا الحدث، لطالما كان الشاهد على نضالات أبنائه التاريخية بمواجهة الحقبة العثمانية. رجالات كبار مرّوا على الجبل مثل الامير فخر الدين والأمير بشير، وفي الماضي القريب الرئيس كميل شمعون وكمال جنبلاط، خصوصاً، اللذان فرضا معادلة «كميل وكمال» التي حكمت الجبل لفترة طويلة.
وتأتي أهمية هذه الذكرى، كما يقول معنيون بها، بكونها تتزامن مع واقع شديد الحساسية، خلاصته:
أولاً، يجمع الموارنة والدروز، الخوف على المصير لا بل الخوف الوجودي، وسط تفشيّ الإرهاب في العالم.
ثانياً، فقدان المسيحيين لحضورهم في سوريا والعراق، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً بعد موجات التهجير.
ثالثاً، خوف دروز سوريا من ان تتمدد اليهم نار الازمة السورية.
رابعاً، سَعي المسيحيين، والموارنة بشكل خاص وكذلك الدروز لإعادة رسم أدوارهم الفاعلة ضمن التركيبة السياسية اللبنانية.
ولمناسبة ذكرى المصالحة اتصل جنبلاط بالبطريرك صفير قائلاً له: «بُكرا نهارك. أنت فتحت الطريق عام 2001 للمصالحة في الجبل ولبنان، وكان الجبل ولبنان بحمايتك، وبكرا رح يكون الجبل ولبنان بحمايتك، وستكون حاضراً بيننا مثلما كنت حاضراً معنا من أوّل الطريق».
في أجواء هذا المشهد، يصل الكاردينال الراعي اليوم الى الجبل لإحياء الذكرى الـ15 للمصالحة وتدشين كنيسة السيدة في المختارة.
وأبلغت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» قولها: «إنّ الراعي سيركّز على أهمية التعايش المسيحي – الدرزي، وإرساء مصالحة الجبل، وان لا عودة الى زمن التقاتل الماروني – الدرزي واستمرار العمل على تثبيت أسس المصالحة».
ولم تستبعد المصادر التطرّق الى الأزمة الرئاسية، خصوصاً أنّ «بكركي تراهن على دور جنبلاط المحوري في حلّ الازمات الداخلية والفراغ الرئاسي، علماً أنّ الرئاسة تدخل كعامل اطمئنان لجميع اللبنانيين وليس للموارنة فقط».
وتزامناً مع الحدث الشوفي الذي سيجمع حشداً من القيادات الروحية والسياسية والحزبية والوطنية من بينهم رؤساء جمهورية سابقون ورؤساء أحزاب ووزراء ونواب، لوحظت ترتيبات تمهيدية أعدّها الحزب التقدمي الاشتراكي، كما انجزت القوى الأمنية والعسكرية ترتيبات أخرى أمنية إستثنائية في المنطقة، فانتشرت وحدات من الجيش والقوى الأمنية الأخرى لمواكبة الحدث وحمايته.
الجميّل
وعشيّة الإحتفال اعرب الرئيس الأسبق امين الجميّل لـ»الجمهورية» عن ارتياحه للحدث مهنئاً القائمين به ومؤكداً على أهمية مشاركة الجميع فيه بالنظر الى اهميته في الشكل والمضمون والأهداف التي حكمت تلك الزيارة وإحياء الذكرى حفاظاً على الروحية التي عبّرت عنها يومها والتي شكّلت مساراً لمرحلة جديدة.
ورداً على سؤال عن شعوره بأهمية ما حصل قبل 15 عاماً، وهو من وقّع الوثيقة السياسية المشتركة مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط قبلها بعام، وتحديداً في 26 آب العام 2000؟ قال الرئيس الجميّل: كانت مرحلة مليئة بالرهانات الوطنية الكبرى التي تحققت في وقت لاحق والتي تَوّجها البطريرك صفير بالمصالحة الكبرى، والتي شكلت تأريخاً فاصلاً بين مرحلة وأخرى.
وشدد الرئيس الجميّل على أهمية اتخاذ كل الخطوات التي تترجم هذه المصالحة وتعميمها على مستوى الوطن، معبّراً عن أسفه لبعض الأحداث التي تلتها، والتي فَرمَلت تعميمها على مساحة لبنان بعدما تلاحقت الأحداث السياسية التي أرجعتنا الى الوراء، فتوالدت بعدها الأزمات الحكومية التي واكبَت تشكيل كل حكومة، والتي استهلكت سنوات عدة من عهدين رئاسيين قبل ان يقع الفراغ الرئاسي منذ اكثر من 27 شهراً، والذي انعكس شللاً نيابياً وحكومياً وإدارياً حيث انتشر الفساد في كل مكان.
وحذّر الرئيس الجميّل من استعادة البعض اللهجة الطائفية المتزمتة والمزايدات المذهبية في الأيام الأخيرة من هنا وهنالك، والتي تتناقض واجواء المصالحة التي تكرست في الجبل على اساس انها طَوت صفحة أليمة وفتحت أخرى تطمئن اللبنانيين الى المستقبل، فعادت حليمة الى عادتها القديمة وعاد البعض الى القوقعة كلّ في صومعته.
عدوان
وفيما وصف النائب جنبلاط حدث اليوم في المختارة بالتاريخي، قال نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان لـ«الجمهورية»: «المصالحة في الجبل راسخة ومستمرة وأساساتها ثابتة، وكل يوم نزيد مدماكاً عليها لأننا متمسّكون بالعيش المشترك مع إخواننا الدورز»، متمنياً «تعميم نموذج الجبل على كل لبنان».
وشدد عدوان على «الفصل بين الخلاف السياسي والمصالحة التاريخية»، موضحاً أنه «في العام 2009 كان هناك اختلاف سياسي مع جنبلاط واستمرت العلاقة، واليوم هناك تواصل دائم ولا شيء يهزّ المصالحة».
ولفت الى أنّ «مصالحة «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» تساهم في تثبيت مصالحة الجبل وتأتي ضمن سياسة مدّ الجسور بين الجميع»، مؤكّداً «التنسيق الدائم مع جنبلاط حيث أننا متفقون معه على قانون انتخاب يطمئن الجميع خصوصاً أننا و»التيار» لا نريد إلغاء أحد أو أن نستقوي على أيّ مكوّن داخلي، بل نطمح الى الحوار والتفاهم مع الجميع».
شمعون
بدوره، قال رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون لـ«الجمهورية»: «ما يحصل في الجبل يُمثّل المصالحة التي يرغب فيها الجميع، إذ إنّ الماروني والدرزي تعلّما من اخطاء الماضي ودفعا ثمناً باهظاً. لذلك، لا مجال للعودة الى الحرب الأليمة».
ولفت الانتباه الى أنّ «علاقتنا مع جنبلاط جيدة جداً وكذلك بين المسيحيين والدروز، ونعمل على تثبيت العيش المشترك»، ملاحِظاً «أنّ المسيحيين والدروز باتوا مقتنعين بقدر العيش معاً ولا يمكن لأحد أن يلغي الآخر». ودعا شمعون المسيحيين الى «العودة الى الجبل»، الّا انه لفتَ الى غياب الدولة، «الذي لا يستطيع الانسان من خلاله تأمين لقمة عيشه ليَصمد في البلدات الجبلية».
الجيش: إستنفار وإجراءات
من جهة ثانية، تكثفت الاجراءات العسكرية لا سيما في المناطق المحاذية للحدود في السلسلة الشرقية، وفيما ساد الهدوء التام بلدة عرسال الذي أوقع الجيش أخطر المطلوبين الارهابيين فيها، نفّذت الوحدات العسكرية مداهمات في أماكن مشبوهة وألقت القبض على مطلوبين وخصوصاً في مشاريع القاع، فيما واصلت مدفعية الجيش استهداف مواقع وتحركات الارهابيين في الجرود.
وكان الانجاز الامني النوعي، الذي حققه الجيش في عمليته الامنية النوعية ضد ارهابيي داعش في خراج بلدة عرسال أمس الاول، محلّ تقدير على كل المستويات الداخلية.
وفي هذا السياق، اعتبر عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب فادي كرم لـ»الجمهورية» أنّ «الجيش اللبناني يثبت يوماً بعد آخر أنه من أهم الجيوش في المنطقة، بحيث أنّ أداءه ثابت على مستوى عال، فأصبح مُعتمداً في الحرب ضد الإرهاب، ويُدعم على هذا الأساس».
بدوره، قال عضو «تكتل الإصلاح والتغيير» النائب آلان عون لـ«الجمهورية» إنّ «الأجهزة الأمنية كافة تعمل بشكلٍ فاعل، ومن أهم ما تحققه هو الإنجازات الوقائية، وهو ما يجب تعزيزه، فبقدر ما يستطيع الجيش إحباط العمليات الإرهابية وقائياً، بقدر ما يستطيع حماية لبنان، على أمل أن يوضع الجهد على الأمن الوقائي خصوصاً عندما يكون التعامل مع الإرهاب، فهذا ما حصل في عرسال ونتمنى أن يستمر، ونحن على ثقة بالأجهزة الأمنية».
واعتبر عضو «تكتل المستقبل» النائب جمال الجرّاح لـ«الجمهورية» أنّ «العملية النوعية التي نفّذها الجيش مهمة جداً، وبالتالي حقّق انتصاراً مهماً على المجموعات الارهابية وحَمى اللبنانيين من عمليات ارهابية كان يُخطط لها. لذا، يجب تأمين كل الدعم اللازم ليؤدي دوره».