تستمرّ حال الغليان في منطقة الشرق الأوسط، والمراوحة الرئاسية في لبنان، في انتظار وضعِ حدّ للكباش السعودي ـ الإيراني، وترجمةِ مفاعيل القمّة الروسيّة ـ التركية الأخيرة، وتبَلوُر نتائج المحاولات الأميركية لوصلِ ما انقطع بين واشنطن وأنقرة إثر الانقلاب الفاشل الأخير في تركيا، عبر زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إليها في 24 آب الجاري، ونتائج التقارب الإيراني ـ التركي، وخلاصة محادثات المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف في طهران حول التطوّرات في المنطقة.
يحتفل لبنان بعيد انتقال السيّدة العذراء اليوم، وقد استبقه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بزيارة دير سيدة قنّوبين مقرّ البطاركة الأوائل في الوادي المقدّس أمس، وترَأس قدّاسَ العيد في كنيسة الدير الأثرية، داعياً إلى الكفّ عن تشويه جمال لبنان.
وفي هذه الأثناء تبقى الساحة الداخلية رازحةً تحت وطأة الشغور الرئاسي، في غياب بشائر أيّ حلّ، رغم التعويل على جهود دولية أو عربية، وليس آخرها الجهد المصري المتمثل بزيارة وزير الخارجية سامح شكري الذي يصل الى بيروت مساء اليوم في زيارة تستمرّ حتى بعد غدٍ الأربعاء، يلتقي خلالها رئيسَي مجلس النواب والحكومة نبيه بري وتمّام سلام، ووزيرَ الخارجية جبران باسيل وقادةَ الأحزاب اللبنانية. وعلمت «الجمهورية» أنّها زيارة استطلاعية ولا يحمل خلالها شكري أيَّ مبادرة، كما تَردّد في بعض الأوساط.
وفي الانتظار، ووسط صمتِ الرئيس سعد الحريري، تفاعلت المواقف الرئاسية التي أعلنَها الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله لجهة تجديد التزامه دعمَ ترشيح العماد ميشال عون، والحكومية مع إبداء انفتاحه وإيجابيته في موضوع رئاسة الحكومة المقبلة بعد انتخاب الرئيس، والنيابية لجهة حسمِه تبنّي ترشيح الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب المقبل. وقد رأى البعض أنّ هذه المواقف يمكن أن تفتح ثغرةً في جدار الأزمة السياسية، فيما انتقدها البعض الآخر معتبراً أنّها «لا تؤسس لحلول بل لإطالة عمر الأزمة».
معادلة عون – الحريري
على أنه بدا من المواقف في عطلة نهاية الأسبوع ولا سيما مواقف نصرالله أنه تمت إعادة تعويم معادلة عون- الحريري ولكن بشروط، تلخصها التساؤلات الآتية: أيّ ثمن يطلب نصرالله أن يدفعه الحريري، وهل يستطيع الحريري أصلاً أن يدفع الثمن، سواء في السياسة الحكومية، أو الأداء، أو كيفية إدارة الدولة، أو السلاح، أو مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية، أو المحكمة الدولية، أو العلاقات مع سوريا بين الدولتين وبين حكومتَي البلدين ومع نظام الرئيس بشّار الأسد.
وهل يمكن أن يتنازل الحريري انتخابياً ويساهم في إنتاج قانون انتخابي جديد على أساس النسبية، سواء بالنسبية الشاملة أو النسبية ضمن القانون الانتخابي المختلط؟ (راجع ص 4)
برّي
في غضون ذلك، وصَف رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره خطاب نصرالله بأنّه «إيجابي بكلّ المضامين التي تناولها». وأشار الى أنّ ما قاله السيّد نصرالله عن الحريري «لم يكن مفاجئاً»، معتبراً «أنّ مثل هذا الطرح، يفترض في الاساس أن يكون طبيعياً».
وسُئل بري: هل إنّ مواقف السيد نصرالله ستساعد على إيجاد حلول؟ قال: «يفترض أن يعمل الجميع في هذا الاتّجاه».
وردّاً على سؤال آخر، قال بري: «تبلّغتُ من تيار «المستقبل» أنّ نقاشاً يدور داخله ويَميل الى إمكان السير بالقانون المختلط الذي اقترحته (أي 64×64). وقد أبلغت الى «المستقبل» استعدادي للتجاوب الى أبعد الحدود والبحث، إنْ لزمَ الامر، في أيّ مادة من اقتراح القانون الذي قدّمته (المختلط) تكون محلّ التباس أو تُشتمُّ منها رائحة ظلامة، خصوصاً أنّ الهدف الرئيسي لهذا الاقتراح هو التوازن ووحدة المعايير».
وكشفَ برّي في هذا السياق عن أنّه «على تواصل سرّي مع «المستقبل» منذ شهر ونصف الشهر، والأمرُ نفسُه بدأتُه منذ ثلاثة أسابيع مع «التيار الوطني الحر» حول القانون الانتخابي الذي أعتبره «بيضة القبّان» في السلّة ويحلّ أكثرَ من 90 في المئة من المشكلات، تماماً كما حصل في الدوحة، على أمل ان نتمكّن من إحداث ثغرة انتخابية يُبنى عليها في الخامس من أيلول المقبل».
وحول موقفه من ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة، قال بري: «منذ أن رشّح الحريري النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية أصبحتُ معه ظالماً كان أم مظلوماً، لأنّه كان جريئاً أكثرَ مِن غيره حتى أكثرَ من حلفاء فرنجية».
وأضاف: «المصلحة الوطنية تقتضي أن يأتي سعد الحريري رئيساً للحكومة وليس أيّ شخص آخر غيره، ومصلحة لبنان تكمن في البحث عن كلّ العناصر التي تبعِد الفتنة، وإنّ توَلّي الحريري رئاسةَ الحكومة يساعد كثيراً في تعزيز الاستقرار الداخلي».
وردّاً على سؤال: أليست هناك بدائل للحريري؟ أجاب: «لا أرى بدائل أفضل منه، ثمّ إنّني أسأل: هل توجد هناك بدائل أفضل منه لرئاسة الحكومة؟».
فتفت لـ«الجمهورية»
وفي هذا السياق، أكّد عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ«الجمهورية» أنّ كلام الرئيس فؤاد السنيورة «فُسّر فعلاً بسوء نيّة، وأنّ طريقة ردّ السيّد نصرالله عليه فيها هبوط في الأخلاق الإعلامية». واعتبر أنّ السنيورة كان يقصد بكلامه القول إنّه عندما يكون عندنا مثل الرئيس برّي في المجلس والرئيس سلام في رئاسة الحكومة واللذين يستطيعان التواصل مع الجميع، فنحن نريد رئيسَ جمهورية من المستوى نفسه.
فالعماد ميشال عون لا يستطيع أن يكون في هذا الموقع». وأضاف: «كذلك يدرك الجميع أن لا مشكلة بالنسبة الى الرئيس السنيورة مع الرئيس بري، ولا مشكلة أيضاً في موضوع رئاسة الحكومة، خلافاً لكلّ ما يقال، لأنّه بالنسبة الى كلّ تيار «المستقبل»، وفي مقدّمهم الرئيس السنيورة، مرشّحُنا لرئاسة الحكومة هو الرئيس سعد الحريري، ومَن يحاول أن يفتن في الداخل هو السيّد حسن».
وتابع فتفت: «أمّا وعود السيّد نصرالله بالانفتاح فلا نستطيع أن نأخذها على محمل الجد. هناك سوابق كثيرة، و«حزب الله» لم يلتزم أيّ شيء لا في الحوار ولا في الدوحة ولا في «إعلان بعبدا» ولا نثقُ بكلامه المرفوض أيضاً دستورياً، لأن ليس هو من يعيّن رئيس الحكومة ولا هو من يسمّي رئيس الجمهورية.
مِن حقّه أن يكون له رأي سياسي، ولكن ليس من حقّه القول إمّا هذا وإمّا التعطيل. ففي طريقة استمرارِه في دعم ترشيح عون إصرار على تعطيل رئاسة الجمهورية وعمل المؤسّسات، وكلّ ما نطلبه منه هو نزول نوّابه الى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس، وليدَع اللعبة الديموقراطية تأخذ مجراها، ولديه ما يكفي من القوة السياسية مع حلفائه لكي يكون رأيه مسموعاً ديموقراطياً».
«14 آذار»
مِن جهتها، اعتبرَت مصادر بارزة في قوى 14 آذار لـ«الجمهورية» أنّ السيّد نصرالله «يتصرّف في لبنان كما يتصرف السيّد علي خامنئي في إيران، أي كمرشد للجمهورية تعود إليه عملية تسمية المرشحين وتزكيتُهم لتولّي المناصب الرسمية، وكان نصرالله واضحاً في تسمية المرشّحين لتولّي رئاستَي الجمهورية ومجلس النواب، وأعطى لنفسه حقّ تسمية رئيس الحكومة، وفي أحسن الحالات وضَع الفيتو على أيّ شخصية لا يرضى بها».
ورأت المصادر أنّ ما جاء على لسان نصرالله في خطابه الأخير «لا يمكن اعتباره بشائر حلّ توافقي، وإنّما شروط استسلام وإذعان يَفرضها على اللبنانيين. فهو، بدلاً من أن يتعاطى مع الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية كشركاء في القرار والخيار، يتعاطى معهم كوصيّ وصاحب الكلمة الفصل، ولا يتعاطى مع اللبنانيين على قدم المساواة، وإنّما بفوقية واستعلاء يستمدّهما من فائض قوّة السلاح الذي يملكه.
وما طرَحه ليس تسوية سياسية بين اللبنانيين وإنّما محاولة لترجمة قراءته الخاصة لموازين القوى الاقليمية على الساحة اللبنانية، علماً أنّ قراءته لا تعكس الواقع وإنّما تمنّياته للواقع، ذلك أنّ المحور الذي ينتمي إليه ليس بالقوّة التي تَسمح له بفرض شروطه، والمحور الذي يواجهه ليس بالضعف الذي يفرض عليه الرضوخ لشروطه».
سعَيد
وقال منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية» إنّ نصرالله «يطلب المصالحة مع «داعش» ويُنصّبُ نفسَه حاكماً للبنان ويوزّع المناصب فيه، فيقول إنّه سيعيّن رئيس جمهوريته ورئيسَ مجلس نوابه، وقد يكون متساهلاً في موضوع رئاسة الحكومة، وكأنّ دستور الدولة والقانون فيها معلّقان، وكذلك الانتخابات النيابية ونتائج صناديق الاقتراع والاستشارات النيابية، وكأنّ الدستور هو في يد «حزب الله»، هو مَن يقرّر من هو رئيس الجمهورية ومن هو رئيس حكومته ومن هو رئيس المجلس. فهذا السلوك لن يؤدّي إلى أيّ تسوية، بل إلى مزيد من التشنّج».
فنَيش
وكان الوزير محمد فنيش قد لفتَ الى أنّ رسالة السيد نصرالله كانت واضحة، حيث قال «إذا قبلَ الفريق الآخر بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، فإنّ «حزب الله» سيتعامل بإيجابية في مسألة رئاسة الحكومة»، وأمّا مَن كان يريد حلّاً، فالطريق إليه يَكمن بالتلاقي والتواصل والحوار والبحث عن مخارج، واحترام الشراكة الحقيقية.
الحكومة والخضّات
حكومياً، وبعد سياسة تأجيل الملفات الخلافية التي تنتهجها الحكومة، تترقّب الأوساط الخطوات التي سيتّخذها مجلس الوزراء في جلسته هذا الخميس في التعيينات العسكرية، في ظلّ استمرار اعتراض «التيار الوطني الحر» على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ومطالبته بتعيين قائد جيش جديد.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ «ما تبقّى من جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء السابقة كافٍ لملءِ الوقت في الجلسة التي ستتناول التعيينات العسكرية باعتبارها الجلسة الأخيرة التي تسبق إحالة الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمّد خير إلى التقاعد في 21 آب الجاري، وإذا لم يرِد رئيس الحكومة تعيينَ بديل منه، فإنّه سيطرح التمديد له سنةً كاملة وإنّ أوضاعه الإدارية ستَسمح له بهذه المهلة الإضافية في خدمته العسكرية لسنةٍ واحدة، على أن يؤجّل بتّ بقيّة التعيينات التي تعني رئيس الأركان وقائد الجيش اللذين تنتهي ولايتهما في 30 أيلول المقبل إلى وقت لاحق».
وإلى هذا الملفّ، ستَشهد الجلسة إثارةَ ملفّ الاتصالات مجدّداً بعد عودة وزير الاتصالات بطرس حرب إلى بيروت.
وفي غضون ذلك، تمنّى وزير الصحة وائل ابو فاعور أن «لا تتعرّض الحكومة لأيّ خضّات على خلفية قضايا قد تُطرَح قريباً، كموضوع قيادة الجيش أو غيرها»، قائلاً: «يبدو في الأفق أنّ هناك همساً أو كلاماً أصبح علنياً، انّ أيّ خيار بالتمديد أو غيره يقود إلى تفجير الحكومة من الداخل».
وأشار إلى أنّ «هذا الأمر يقود إلى إسقاط إحدى المؤسسات الأساسية في البلاد، وهذا الأمر يجب أن لا يقارَب بمنطق تهديد الرئيس سلام، فهل هو تهديد للرئيس سلام أو للبلد»؟ وقال: «ما نتمنّاه هو أن لا تحفل الأيام المقبلة بأيّ مفاجآت على المستوى الدستوري في موضوع الحكومة».