دخلت البلاد في اجواء عيدي الميلاد ورأس السنة، ورُحّلت الملفات الكبرى الى السنة الجديدة وفي مقدمها ملف الاستحقاق الرئاسي لتعذّر التوافق على رئيس جمهورية جديد، على رغم المساعي الداخلية والاقليمية والدولية، وملف قانون الإنتخاب لفشل اللجنة النيابية المكلفة درسه حتى الآن في إحداث أيّ خرق في مهمتها التي تنتهي في آخر السنة. لكن التأجيل لم ينسحب على ملف الأمن الذي يبقى في صدارة الاهتمام والمتابعة حيث اوقف الجيش في عرسال خمسة اشخاص بينهم رجل دين أُطلق لاحقاً، وضبط في سيارتهم أسلحة ومتفجرات وحزاماً ناسفاً، ولا على ملف المخطوفين العسكريين العصيّ على الحل والمعالجة بعد اشتراط الحكومة أن يتعهّد الخاطفون بوقف القتل لاستئناف التفاوض معهم، الأمر الذي لم يحصل حتى الساعة.
علمت «الجمهورية» انه على رغم الانباء التي كثر تداولها في الساعات الماضية حول تفويض «هيئة العلماء المسلمين» التواصل مع الجهات الخاطفة من عدمه، وتسمية «جبهة النصرة» الشخص الذي سيفاوض وهو الشيخ وسام المصري، وعلى رغم توقيف عضو «هيئة العلماء المسلمين» الشيخ حسان الغالي وهو في طريقه الى جرود عرسال لإقناع الخاطفين بتقديم تعهد خطي بعدم القتل، فإنّ مصادر متابعة للملف اكدت لـ«الجمهورية» انّ «التقدم فيه هو صفر، وان لا حديث داخل خلية الازمة او القنوات المعنية عن تفويض او عدم تفويض، وعن مقايضة او عدم مقايضة، وعن تحديد أطر وقنوات جديدة،
فكل ما يدور حول هذا الملف لا يعدو كونه تسريبات وتحليلات ومحاولة احياء قنوات سبق وخاضت تجارب فاشلة في قضية العسكريين، والثابت هو ان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لا يزال هو القناة الرسمية الوحيدة التي كلفتها خلية الازمة الحكومية ادارة هذا الملف، والثابت أيضاً ان الجهات الخاطفة لم تكن جدية في موضوع إرسال لوائح اسمية بمن تريد المقايضة معهم، والثابت كذلك ان الحكومة بكل مكوناتها قبلت بالتفاوض وقبلت بالمقايضة، لكن الاسئلة لا تزال مطروحة حول من ستشمل المقايضة وهل هي مقايضة شاملة أو بالمفرّق، وبأيّ ثمن ستكون، وهل الجهات الخاطفة تريد فعلاً المقايضة لأنها حتى الساعة لا يظهر منها الا التلاعب بورقة العسكريين، ولا مطالب ولا اسماء جدية حدّدها الخاطفون.
فهم لم يرسلوا إلا اسماء اولية قالوا انهم يريدون ان يعيدوا النظر فيها، والوسيط القطري هو من نقلها الى اللواء ابراهيم ثم أخذها معه عندما خرج من الوساطة. امّا «داعش» فأرسلت لائحة اسماء ثم طالبت بأسماء لا تتضمّنها اللائحة، ما يعني انّ هناك معمعة اسماء وإرباكاً متعمداً لكي يقال انّ التقصير والعرقلة مصدرهما الجانب اللبناني».
واشارت المصادر الى انّ «التفاوض متوقف الآن على تعهد خطي موقّع يريده اللواء ابراهيم من الجهات الخاطفة لاستئناف التفاوض، وهو التعهد الذي قالت «هيئة العلماء المسلمين» انها تستطيع إحضاره». وختمت المصادر مؤكدة «انّ كل ما يدور في فلك قضية العسكريين المخطوفين هو غير ذي قيمة».
اعتصام تضامني
وكانت ساحة رياض الصلح أمس على موعد مع اعتصام تضامني مع العسكريين المخطوفين في ذكرى اسبوع الشهيد الدركي علي البزال.
وشددت المواقف خلال الاعتصام على ضرورة تفعيل خلية الازمة والعمل على كل الطروحات بغية اطلاق المخطوفين، ودعت الحكومة الى التعاطي بجدية وسرعة مع هذه القضية. ودعا اهالي العسكريين الى تسريع الخطوات للافراج عن أبنائهم، آملين من رئيس الحكومة تمام سلام «اتخاذ موقف جريء لإنقاذ العسكريين».
الرئيس والحوار
رئاسياً، لم يلُح في الافق ايّ مؤشر يَشي بإمكان الوصول الى تفاهم على رئيس توافقي، قبل جلسة السابع من كانون الثاني المقبل، وذلك في ضوء رفض رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون التنازل عن ترشيحه واشتراط رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع التوافق على رئيس جديد قبل الانسحاب من السباق الرئاسي، وكان اللافت سفره المفاجىء الى السعودية أمس في زيارة يلتقي خلالها بعض المسؤولين السعوديين الكبار.
وعليه، يبقى الحوار المرتقب بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، وكذلك الحوار بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» من جهة اخرى في دائرة الإهتمام على رغم انّ جدول اعمال كلّ منهما لم ينضج بعد. وبينما حدّد الموعد المبدئي لانطلاق حوار «الحزب» و»المستقبل» في فترة الاعياد، ظل الحوار العوني ـ «القواتي» متوقفاً عند باب التمنيات.
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره أمس انّ انجاز جدول اعمال الحوار بين «حزب الله» و«المستقبل» ينتظر عودة السيد نادر الحريري من الولايات المتحدة الاميركية، وشدّد على ضرورة ان يبدأ الحوار قبل نهاية السنة.
الراعي
ولم يغب الاستحقاق الرئاسي عن عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من البقاع حيث ترأس في زحلة قداس وجناز الاربعين لراحة نفس راعي ابرشية زحلة المارونية المطران منصور حبيقة، وعزّى في بتدعي عائلة المغدورين صبحي ونديمة الفخري.
وناشد الدولة القبض على الجناة، مطالباً آل جعفر بتسليم مرتكبي الجريمة، مكرراً دعوته الكتل السياسية ونواب الأمة الى «القيام بواجب ضميرهم الوطني ومسؤوليتهم الدستورية وانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد».
مكاري
وفي المواقف من الحوار، اكّد نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري لـ«الجمهورية»: «انّ الحوار بين «المستقبل» وحزب الله سيحصل حتماً، إمّا قبل نهاية السنة وامّا مع بداية السنة الجديدة، وسيكون حواراً جدياً». واكد انه «بمجرد ان يجلس الطرفان فمِن اولى نتائجه، وقد بدأت تتظهّر حتى قبل حدوثه، تخفيف الإحتقان بين الحزب و«المسقبل» وتالياً بين السنة والشيعة».
وقال: «لا أنتظر من هذا الحوار ان يحل كل المشكلات، فهناك مشكلات اساسية ستكون خارجه، خصوصاً التي ترتبط بالخارج، كالسلاح والحرب في سوريا، إذ إنّ القرار فيها ليس للحزب إنما هناك مواضيع لبنانية بحتة يمكن التفاهم حولها وليس بالضرروة كلياً، بل المطلوب الوصول الى حد أدنى من الإتفاق، أي الاتفاق على انتخاب الرئيس.
لكن هذا لا يعني ان يتفقا على هويته لأن هذا ليس مطلوباً منهما بل المطلوب المساعدة على حلّ لانتخابه، اي ان يتفقا على مبدأ انتخاب الرئيس في الدرجة الاولى وازالة الاشكالات والتعنّت بأنّ لكلّ طرف مرشحاً أو لا أحد.
فنحن نرفض كمسيحيين ان يختار لنا الآخرون الرئيس، وانتخابه يجب أن يكون بالدرجة الاولى خياراً مسيحياً وليس خياراً لا لـ»المستقبل» ولا للحزب، فهما معنيان برئاسة الجمهورية من باب كونهما من المكوّنات الاساسية للبلد».
وأضاف: «هناك موضوع السلاح داخل لبنان ولا سيما «سرايا المقاومة»، اضافة الى قضايا عدة يمكن الاتفاق على الحد الادنى منها، ما يشكّل بداية تنفيس للاحتقان والتشنّج».
وعن جدول اعمال الحوار، قال مكاري: «اعتقد انه قد وضع نفسه بنفسه، ويبقى ترتيبه. فالرئيس سعد الحريري تحدث في مقابلته الاخيرة عن التشنج السنّي ـ الشيعي وعن ضرورة انجاز الاستحقاق الرئاسي والاتفاق على قانون انتخاب جديد وعن السلاح في الداخل. ويجب ترتيب جدول الاعمال بالطريقة التي تسهل عقد الحوار».
وهل يعتقد انّ هذا الحوار بين «الحزب» و»المستقبل» هو لزكزكة حليفيهما عون وجعجع؟ أجاب: «اذا حصل الحوار بين عون وجعجع فيكون حوار المستقبل ـ الحزب أنتج حواراً مسيحياً ـ مسيحياً وهذا من إحدى حسناته. ونحن منذ زمن نطالب بحوار مسيحي ـ مسيحي جدي.
لكن يمكن لعون وجعجع ان يتفقا ايجاباً او سلباً، فإذا انعقد الحوار بينهما واستطاعا الاتفاق على مبدأ ملء الشغور يكون ذلك افضل شيء يحدث للبنان، ولكن يمكن لهذا الحوار ان يخرج باتفاق بين «القوات» و»التيار الوطني الحر» على التعطيل وليس على التسهيل، على غرار ما حصل عندما اتفق المسيحيون على تعطيل الانتخابات عام 1988 مع انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل وطرح مخايل الضاهر مرشحاً للرئاسة».
ورأى انّ «من يعتبر انّ حركة الموفدين ستنتج الحل هو مخطىء»، وقال: «هم يعملون تحضيراً لحل، فهناك من يقول انّ الاتفاق الاميركي ـ الايراني حصل وتمديد المفاوضات النووية حتى حزيران هي لتخريج الاتفاق، ولبنان جزء من هذا التخريج وقد لا تكون الاولوية له فهناك الوضع السوري والوضع العراقي».
«التيار» و«القوات»
وأكد أمين سر «التكتل» النائب ابراهيم كنعان وجود تواصل وحوار مسيحي- مسيحي بين «التيار الوطني الحر» و»القوات»، قد يؤدي الى لقاء قريب. ولفت الى انّ «التكتل» سيدرس المواضيع التي ستُبحث في الحوار، وأبرزها رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب.
من جهته، اعلن عضو كتلة «القوات» النائب أنطوان زهرا أنّ اللقاء بين عون وجعجع «قد يحصل في أي لحظة، لكن نتائج الحوار أهم من مجرد حصوله»، واكد أن «التواصل مع التيار الوطني الحر موجود ولم ينقطع يوماً». وقال: «إن تمسّك عون بترشيحه من دون سواه هو ما يعرقل الحوار حتى الساعة، لافتاً الى أنّ الشرط الأساسي للحوار هو أن يأتي بنتيجة».
«حزب الله»
واعلن «حزب الله» بلسان نوّابه جهوزيته للحوار مع «المستقبل»، وقال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد: «إننا جاهزون للتفاهم مع الآخرين، ونريد أن نتعاطى بواقعية مع شركائنا في الوطن ومع أبناء المنطقة التي نريدها أن تكون منطقة ممانعة ضد الأخطار الوجودية الكبرى، وأن نفتح أبواب التلاقي والحوار، لكن من مواقعنا وعلى أساس اقتناعنا وعلى ما نراه مصلحة لبلدنا، فنحن منفتحون على المنطق الصحيح الذي نسمعه من الآخرين ولسنا متعصّبين»، لافتاً إلى أننا أصحاب قناعات، ونناقش بمنطق وبعقلانية وبواقعية، ونملك ثقة بأنفسنا وبشعبنا لا يستطيع الآخرون أن يمتلكوها».
وقال النائب علي فياض: «إن الحوار يجب ان يخاض بلا شروط مسبقة، وهو بحد ذاته خطوة صحية حتى لو لم يفض الى نتائج لها تأثيراتها الايجابية على مجمل الاوضاع السياسية اللبنانية».
بدوره، قال النائب نواف الموسوي: «رحّبنا بأيّ مسعى يحاول إطلاق الحوار بين القوى السياسية المختلفة، لأن من شأن الحوار أن يُشكّل فرصة لردم الهوة بين اللبنانيين وإيجاد جامع بينهم». أضاف: «من الطبيعي أن يطاول الحوار كيفية مواجهة الإرهاب التكفيري وتفعيل المؤسسات الدستورية».
بري والنفط
وفي المجال النفطي يستعد رئيس مجلس النواب نبيه بري لفتح ملف النفط والغاز بكل تفاصيله مطلع السنة الجديدة في ضوء معلومات مؤكدة تلقاها تفيد انّ اسرائيل باشرت سرقة الغاز اللبناني في المنطقة البحرية التي قرصنتها، نتيجة اتفاقها البحري مع قبرص، من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية.
وتحضيراً لذلك يجتمع بري اليوم مع لجنة الطاقة في مجلس النواب في حضور هيئة قطاع النفط والخبراء والفنيين من اجل استجماع كل العناصر المتعلقة بهذا الملف، على ان يجتمع لاحقاً خلال الاسبوع مع قائد قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب للغاية نفسها.
وقال بري امام زوّاره ليل امس انّ الخلاف على موضوع تلزيم التنقيب عن النفط في البلوكات اللبنانية الخمسة في المنطقة الاقتصادية الخالصة قد ذُلّل بعدما كان البعض يقترح التلزيم في بعض البلوكات، وأكد انّ «التلزيم يجب ان يكون في البلوكات الخمسة لأننا اذا لزّمنا في البلوكات الجاهزة واهملنا التلزيم في البلوكين اللذين تقرصن اسرائيل منهما مساحة 870 ميلاً بحرياً، فهذا يعني كأننا تخلّينا عن هذين البلوكين، الامر الذي لا ينبغي ان نقع فيه».
واشار بري الى انّ «لبنان يتمسك بكل مساحة منطقته الاقتصادية الخالصة»، وقال انّ الاميركيين عرضوا عليّ استعادة 650 ميلاً بحرياً من اصل 870 فرفضتُ ذلك، وتمسكتُ باستعادة المساحة المقرصنة بكاملها». وشدد على ضرورة اصدار المرسومَين الخاصين، الاول يتعلق بتقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة الى بلوكات والثاني يتعلق بالتنقيب، مستغرباً التأخير في اصدارهما.
الأمن
أمنياً، يمضي الجيش قدماً في إجراءاته الأمنية شمالاً وبقاعاً لصدّ الارهاب وتوقيف المطلوبين والمشبوهين. وآخر ما سجله في هذا الإطار توقيف 5 اشخاص بينهم مطلوبان سوريان، كانوا في طريقهم جميعاً الى جرود المنطقة، وضبط في حوزة أحدهم حزاماً ناسفاً وقنبلتين يدويتين وثلاث بنادق حربية وأربع مسدسات وكمية من الذخائر وجهاز اتصال. وفجّر الجيش الحزام الناسف وسلّم الموقوفين مع المضبوطات الى المرجع المختص لإجراء اللازم.
وليلاً، استهدف الجيش بالمدفعية الثقيلة في منطقة وادي رافق في جرود رأس بعلبك، تحرّكات مسلحين حاولوا التسلل الى منطقة رأس السرج.
وفي الشمال، دهم الجيش عدداً من الأماكن في بلدة بحنين – المنية، وأوقف ثلاثة اشخاص لمشاركتهم في الاعتداءات عليه خلال الأحداث الأخيرة في المنطقة، وللاشتباه في ارتباطهم بمنظمات إرهابية.