Site icon IMLebanon

الحكومة أمام امتحان النفط اليوم… ودورة تشريعية إستثنائية

أبَت سنة 2016 ان ترحل إلّا بعد أن تصيب لبنان مقتلاً على يد الاجرام والارهاب، ولم تخلُ أيامها واسابيعها وأشهرها من «مقتلات» مشابهة لمقتلة اسطنبول وإن كان خارج نواد ليلية، حيث تنقّلت بين جرود عرسال ومخيم عين الحلوة والضاحية الجنوبية لبيروت وطرابلس والبقاع الغربي وزحلة. لكن، وباعتراف الجميع، فإنّ كل ما يجري يظهر انّ ما يحصل في لبنان هو أقلّ بكثير ممّا يحصل في دوَل، يُفترض أنها أكثر أمناً وتماسكاً منه.

فعلى رغم التحذيرات عقب تهديدات «داعش»، والاستنفار للحؤول دون تنفيذها برفع مستويات التدابير الامنية الاحترازية، لم يشأ الارهاب المتنقّل أن يستريح نهاية العام، بل مضى في إراقة دماء الابرياء مجدداً حين كان العالم يستقبل السنة الجديدة.

فأغرقَ، باعتداء مسلّح على ساهرين في ملهى ليلي في اسطنبول، لبنان بأسره في الحداد والحزن والأسى والغضب والدموع، بعدما انضمّ ثلاثة لبنانيين جدد الى قافلة الشهداء، هم: الياس ورديني، ريتا الشامي، هيكل مسلم، وأصيب 4 آخرون بجروح وهم: فرنسوا الأسمر، نضال بشراوي، بشرى الدويهي وميليسا بابارالاردو.

وهؤلاء هم من بين 39 شخصاً قتلوا و79 أصيبوا بجروح، ينتمون الى 20 جنسية تضررت من الاعتداء الارهابي وفق ما أعلن السفير التركي كاغاتاي ارجيس من السراي الحكومي أمس، مشيراً الى انّ «الشرطة التركية والسلطات الامنية تقوم بكل ما يمكن أن تقوم بفِعله لاعتقال منفّذ هذه الجريمة الدنيئة، ومتى تمكنّا من الحصول على مزيد من المعلومات فإننا سنتشاطرها مع السلطات اللبنانية».

تضامن وطني

جريمة اسطنبول التي هزّت لبنان من اقصاه الى اقصاه، استدعت استنفارا سياسيا وامنيا وشعبيا، وأظهرت تضامنا وطنيا تجلّى بمشهد الاستقبال الرسمي للجثامين والجرحى في المطار.

وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «انّ لبنان سيعود افضل ممّا كان»، وقال مخاطبا وفدا من الانتشار اللبناني زاره في بعبدا: «نحن في بداية نهضة، وحضوركم بيننا هو تكريس لذلك ولاطمئنان اللبنانيين لتوافر الامن والاستقرار في لبنان.

وكذلك الامر بالنسبة الى الاجانب الذين توافدوا الى لبنان هذا العام بأعداد كبيرة وقد لمسوا التغيير الحاصل». ولفت الى «أنّ ما حصل في المطار لدى وصول جثامين الشهداء والجرحى يؤكد تضامن جميع اللبنانيين ووحدتهم التي لم تتأثر على رغم ما يحوط بنا من ويلات».

الحريري

من جهته اعتبر رئيس الحكومة سعد الحريري «اننا في هذه المرحلة في عين العاصفة، لذلك عملنا على التوصّل الى تسوية من شأنها تفعيل الوضعين السياسي والاقتصادي في البلاد وإرساء الاستقرار».

وأكد «انّ الاعتدال هو أساس العيش المشترك والوحدة الوطنية، والتطرّف من أي نوع يؤدي الى تطرّف اكبر لدى الآخرين»، وقال: «انّ الاعتدال ليس ضعفاً، بل يشكّل الطريق الصحيح الى التقدم وتقبّل الآخر. علينا ان نكون أشداء في محاربة افكار التطرف، خصوصاً انّ المتطرفين يحاولون زرع الخوف في العالم».

وتطمين أمني

وطمأن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى أنّ «لبنان مُحصّن أمنيّاً بالمقارنة مع دول المنطقة»، واعلن أنّ المديرية «على تنسيق مع كل الأجهزة الأمنية العالمية لحماية لبنان من الخطر الإرهابي، وأنها في هذا المجال ليست في موقع المتلقّي فقط، إنما هي في كثير من الأحيان تزوّد أجهزة أمنية عالمية المعلومات».

مجلس وزراء

سياسياً، تستعيد الحركة الداخلية نشاطها، وباكورة السنة الجديدة ستكون جلسة دستورية بالتمام والكمال لمجلس الوزراء في بعبدا قبل ظهر اليوم للبحث في جدول أعمال من 24 بنداً معظمها كان على لائحة الملفات الخلافية التي لم تقاربها الحكومة السابقة بسبب الخلافات في شأنها بين معسكريها.

وعلى جدول الاعمال زيارة عون الى المملكة العربية السعودية مطلع الاسبوع المقبل، ومراسيم النفط، وزرع بذور الانطلاق الى البحث في قانون الانتخاب العتيد قبل ان يفوت الأوان الدستوري للانتخابات النيابية وترتيباتها، من لجنة إشراف وقانون، وما الى ذلك من حواضر مطلوبة.

كذلك سيتناول المجلس ملف الإتصالات بشِقّه الإداري المتصل بتعيين المهندس عماد كريدية خلفاً لعبد المنعم يوسف في موقعيه رئيس مجلس إدارة هيئة «أوجيرو» والمدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات بناء لاقتراح وزير الاتصالات جمال الجرّاح، خلافاً للمعلومات التي ترددت عن الفصل بين الموقعين وإبقاء يوسف في المديرية العامة للصيانة.

وسيبحث المجلس أيضاً في قضايا تتصل بالسدود المائية ومناقصة الميكانيك التي نقضها ديوان المحاسبة ودعا الى وقفها بسبب العيوب التي أصابت المناقصة الأخيرة، إضافة الى بَت مشروع مرسوم تنظيم الدفاع المدني الذي سيؤدي حتماً في مرحلة مقبلة الى إقفال ملف تثبيت المتطوعين في الجهاز.

ويرى المراقبون انّ هذه الجلسة بأجوائها ونتائجها، ستكون المؤشّر على ما سيكون عليه واقع هذه الحكومة ومستقبلها، وكيف انها ستجمع بين الأضداد والمواقف المتضاربة حيال الملفات التي ستتصدى لها، وأبرزها قانون الانتخاب والنفط اللذين شكّلا على مدى السنوات الماضية محور نزاع وخلاف لم يَرسُ على بر.

وتشير الاجواء السائدة حتى الآن الى انّ القانون العتيد للانتخاب سيأخذ بالنسبية نسبياً وبالأكثرية نسبياً ايضاً، بمعنى انّ الامور ستؤول الى قانون مختلط غير «المختلطات» المطروحة، ويأخذ بهواجس هذا الفريق او ذاك عبر استثناءات مدروسة وغير عشوائية كتلك التي أُخذ بها في القوانين السابقة، من قانون الـ 2000 وما قبله، الى قانون الستين النافذ حتى الآن، علماً انّ البعض يهمس بإمكان تطعيم قانون الستين بشيء من النسبية كخيار أخير في حال أُسقط من يد الجميع للوصول الى القانون المختلط الموعود، في اعتبار انّ العودة الى قانون الستين كما هو غير واردة على الإطلاق على حدّ ما يعلن كثيرون.

ويتبدّى من النقاشات الدائرة حتى الآن انّ التمديد التقني لمجلس النواب حاصل حتماً، أقلّه حتى شهر ايلول المقبل، في رأي كثيرين، لاعتبار انّ القانون العتيد المنتظر يفرض على وزارة الداخلية وغيرها من الادارات المعنية بالشأن الانتخابي اتخاذ إجراءات تليق بهذا القانون من مستوى إعداد لوائح قيد الناخبين الى مستوى ما يُسمّى التدريب الاداري والشعبي على النسبية وطريقة الاقتراع الخاصة بها، خصوصاً إذا صحّ انّ هذه الانتخابات ستكون على مرحلتين: نسبية فأكثرية أو بالعكس.

دورة استثنائية

الى ذلك ينتظر ان يوقّع رئيسا الجمهورية والحكومة مرسوماً بفتح دورة تشريعية استثنائية لمجلس النواب ليتسنّى له مواكبة الحكومة في ما ستعدّه من مشاريع قوانين ملحّة وأبرزها مشروع قانون الانتخاب.

وأعلن عون «أنّ جلسات مجلس الوزراء ستكون بعد اليوم مُنتجة، بدءاً من محاربة الفساد وصولاً الى إطلاق مشاريع انمائية واستثمار الموارد الطبيعية».

وقال: «إن مرحلة العقم التي مررنا بها كانت في حاجة الى نهضة بدأت بشائرها بالظهور مع حصول الانتخابات الرئاسية، وإن شاء الله سنفي بما وعدنا به جميع اللبنانيين». ووعد بأنه سيتابع مسيرة التغيير والاصلاح التي بدأها من موقعه السياسي السابق لأنّ «غايتنا عودة لبنان الوطن مفخرة الشرق».

الحريري

وأبدى الحريري اعتقاده بالتوصّل قريباً الى قانون للانتخابات النيابية. وقال: «لا أحد يلغي نفسه. من هنا أنا مع النسبية، ولكن مع دمج النسبي والأكثري، وهذا المشروع توافقنا عليه مع «القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، والرئيس بري قدّم مشروع قانون يساوي بين النسبي والأكثري، ونحن ندرسه بكل إيجابية».

وتحدى الحريري «أن يأتي أحد ويقول لنا كيف تتم الانتخابات على أساس النسبية أو مع دمج الأكثرية». واضاف: «إنها مسألة معقدة جداً، ونحن علينا تثقيف مجتمعاتنا، لأنّ كُثراً سيكونون غير مُلمّين ولن يعرفوا كيف سيصوّتون. هناك عملية تثقيف وتوعية، ونحن كحكومة غير قادرين على ذلك اليوم. من هنا نحن مع القانون المختلط».

جنبلاط

وعشيّة جلسة مجلس الوزراء، أبدى النائب وليد جنبلاط اعتراضه على مراسيم النفط. وأعلن في سلسلة تغريدات له عبر «تويتر»، أنّ أول بند للبحث غداً في الجلسة «وقد وزّع على عجل، هو بند النفط والغاز، وكأنّ كل الامور محلولة للمصادقة على المراسيم». واعتبر أنّ «الامر أشبه بوليمة جهّزت مسبقاً في الكواليس كي يجري أكلها غداً».

وأشار الى أنه «ليس هناك شركة وطنية ولا صندوق سيادي ولا قيمة أساساً للهيئة الوطنية»، ولفت الى انّ «الوزير، أيّاً كان لونه، يمتلك كل صلاحيات توزيع المناطق والتلزيم ولدى الوزارة صندوق خاص».

واعتبر أنّ «جلسة الغد أشبَه بفيلم «العرّاب»، وقوله الشهير بأنه عرض لا تستطيع رفضه»، وسأل: «يا ترى كم من عرّاب هناك؟ وهل بهذه الطريقة سنضمّ الثروة الوطنية؟ وماذا عن مستقبل الشباب اللبناني أم انّ لبنان سيصبح دولة مارقة نفطية كالعراق او نيجيريا مثلاً؟!». وختم: «أوقفوا هذه المهزلة، هذه المسرحية المفضوحة، هذه اللعبة الرديئة».

خليل

وقال وزير المال علي حسن خليل لـ«الجمهورية»: «الجلسة غداً (اليوم) جلسة دَسمة تحتاج الى استعداد، ونحن مستعدون جيداً لمناقشة كل المواضيع. وفي ما خصّ بند المراسيم التطبيقية للنفط فإنّها مطلبنا، ونحن أكثر من يُطالب بإقرارها، لكن لدينا ملاحظات سنعرضها على مجلس الوزراء خلال الجلسة. كذلك لدينا ملاحظات على البند المتعلق بتلزيم الميكانيك».

وحول تعيين مدير عام جديد لـ»أوجيرو»، قال خليل: «سنسأل مجلس الوزراء عمّا اذا كانت آلية التعيينات قائمة لأنها لم تحترم في هذا التعيين، فإمّا تُعتمد في كل التعيينات وإمّا تُلغى، وهذا الأمر يجب على مجلس الوزراء ان يتخذ قراراً في شأنه».

ولدى سؤاله: هل عُقِد اجتماعٌ ثلاثيّ بين «حزب الله» وحركة «أمل» وتيار «المردة» بحثَ في الذهاب الى مجلس الوزراء بموقف موحّد من كل الملفات المطروحة؟ أجاب خليل: «صحيح هناك تواصل وتنسيق، لكن لا موقف في السياسة، إنما النقاش إداري وتقني».

عون الى الرياض والدوحة

على صعيد آخر، أُنجزت الترتيبات النهائية لزيارة عون الخارجية الاولى وهي ستشمل الرياض في 9 و10 الجاري وينتقل منها في 11 و12 الجاري عينه الى الدوحة.

وأكد عون أمس أنّ زيارته للسعودية «تندرج في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها في المجالات كافة». وأوضح أنّ عدداً من الوزراء سيرافقونه في هذه الزيارة «للبحث مع نظرائهم السعوديين في عدد من المشاريع المشتركة التي تتطلّب تنسيقاً وتعاوناً بين البلدين».

وعلم أنّ الوفد الوزاري المرافق يضمّ وزراء الخارجية جبران باسيل، الدفاع يعقوب الصرّاف، التربية مروان حمادة، الداخلية نهاد المشنوق، المالية علي حسن خليل، الإعلام ملحم رالياشي والإقتصاد رائد خوري. إضافة الى عدد من المستشارين ووفد إداري وأمني وإعلامي.

وسيدعو عون الوفد المرافق الى اجتماع يعقد قبَيل الزيارة للبحث في جدول أعمالها المكثّف.

مصر والأردن

وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» انّ موعد زيارة عون لمصر سيحدّد لاحقاً، وكذلك موعد زيارته للأردن قبَيل انعقاد القمة العربية الدورية المقررة نهاية آذار المقبل.

وكان عون قد تلقّى أمس من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني دعوة رسمية الى القمة في دورتها الـ 28، نقلها اليه الموفد الأردني نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردنية السيد ناصر جودة، وذلك بمعزل عن الدعوة التي كان الملك عبدالله قد وَجّهها اليه لزيارة الأردن.

وأكد عون للموفد الاردني انه «يعلّق أهمية على القمة العربية نظراً الى حجم الإستحقاقات العربية الكبرى المطروحة على جدول اعمالها، خصوصاً لجهة دعوة الدول العربية المانحة الى تَحمّل مسؤولياتها في مساعدة لبنان والأردن ودول الجوار السوري على مواجهة كلفة النازحين السوريين.

في هذا الوقت، توقّع الحريري ان يكون لزيارة عون للسعودية «دور كبير، خصوصاً أنّ المملكة مهتمة بهذه الزيارة بمقدار كبير، وهو أيضاً أراد من زيارته السعودية أن تكون أولى زياراته الخارجية».

«القوات»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ «الدولة أثبتت في أوّل استحقاق مأسوي واجَهته بعد اكتمال نصابها الدستوري أنها قادرة على تحمّل مسؤوليتها، ما يُشعر المواطن اللبناني بعودة الدولة مرجعية يستطيع الاتّكاء عليها، وهذه الثقة بالذات تشكّل مطلباً مُلحاً للناس التي فقدت طويلاً تلك المرجعية».

ورأت المصادر «انّ مواكبة الحدث المأسوي المُتصِل بالعمل الإرهابي في اسطنبول تؤشّر إلى منحى جديد، وهذا المنحى سيتظَهّر أكثر فأكثر في جلسات مجلس الوزراء، والانطلاقة ستكون اليوم مع جدول أعمال دسِم جداً سيتم إقرار معظم بنوده، في خطوة ستعكس مزيداً من الارتياح لدى الناس».

وفي سياق المنحى الدولَتي الجديد نفسه تأتي زيارة عون إلى السعودية وقطر ومصر، هذه الجولة الكفيلة بإعادة لبنان إلى الحضن العربي تأكيداً لمِا ورد في اتفاق الطائف بأنّ «لبنان عربيّ الهوية والانتماء»، والكفيلة أيضاً بإعادة فك الحظر المالي والسياحي وفي طليعتها الهبة السعودية للجيش اللبناني وعودة السياح العرب والاستثمارات إلى لبنان».

واعتبرت المصادر «أنّ الزخم الوطني الذي أحدثَه انتخاب عون وتكليف الرئيس الحريري وتشكيل الحكومة سيستكمل مع جلسات الحكومة وجولات الرئيس الخارجية، بما يؤدي إلى مزيد من الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني».