بدا لكلّ الأوساط السياسية أمس أنّ انعقاد اللقاء الرباعي في القصر الجمهوري الذي خُصّص للملف الانتخابي، كان إيذاناً للبدء بالبحث الجدّي والعملي في قانون الانتخاب العتيد، الذي يبدو، في رأي بعض المعنيين، أنه سيكون «قانون التراضي» بدليل إعلان الجميع الحرصَ على قانون يَرضى به الجميع. وجاء هذا اللقاء الرباعي في ضوء مجموعة من اللقاءات الثنائية والثلاثية الجارية منذ بضعة أسابيع هنا وهناك وهنالك، والتي ناقشَت مجموعة من الصيَغ والأفكار التي يمكن الاتفاق عليها لصوغ قانون يَحظى بالتوافق في ظلّ إصرار شِبه جامع على عدم الاستمرار بقانون الستّين وعدم التمديد لمجلس النواب مجدّداً. ومن المنتظر أن يتوسّع هذا اللقاء ليشملَ أكثرية القوى السياسية، حتى إذا اتُفِق على صيغة معيّنة تُطرَح في المؤسسات المختصة لإقرارها في مجلس النواب خلال دورته التشريعية الاستثنائية الحالية. ولوحِظ أنّ هذا اللقاء جاء بعد ساعات على موقف انتخابيّ حازم أعلنَه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال جلسة مجلس الوزراء، قال فيه: «إذا خُيّرتُ ما بين تمديد لمجلس النواب أو الفراغ، موقفي واضح في هذا الموضوع، سأختار الفراغ» مضيفاً: «إذا عجزنا منذ ثماني سنوات عن إقرار قانون للانتخابات اتّفقَ جميع السياسيين على إنجازه، فأين هي فعاليتُنا وصدقيتنا». في وقتٍ عارَض البحث في تأليف هيئة الإشراف على الانتخابات قبل الاتفاق على قانون جديد.
انعقَد اجتماع رباعي في قصر بعبدا بعد ظهر أمس ضمّ الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل، وعضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض، ومدير مكتب رئيس الحكومة السيد نادر الحريري. وأُدرِج هذا الاجتماع في إطار اللقاءات والاتصالات الجارية حول قانون الانتخاب العتيد.
وبعد الاجتماع قال خليل: «لسنا حِلفاً ولا جبهة، بل نتشاور بعضُنا مع بعض ونضع الأفكار، ولدينا اتصالات مع الأطراف الآخرين بدلاً من استمرار الكلام ثنائياً». وأضاف: «هناك تتمّة وليس فقط بالموجودين، بل مع أفرقاء آخرين ومن المبكر البحث في رؤية موحّدة أو نهائية».
وبدوره قال فيّاض: «الاجتماع تشاوريّ ونَدرس بكل جدّية وإصرار، وهناك اجتماعات متلاحقة لمناقشة صيَغ عدة لتقريب وجهات النظر، وهذا الاجتماع ليس إقصاءً لأحد، وليس لديه طابع تحالفيّ، ولكنّه مجرّد إطار للمتابعة ويَهدف للتواصل مع الآخرين». وأشار الى اجتماع آخر سيُعقد غداً الجمعة.
وقال نادر الحريري: «تشاوَرنا في عدد من الصيَغ، ومن المحسوم انّه لن يكون هناك ايّ قانون فيه إقصاء لأيّ من الاطراف». ولاحقاً قال لـ«الجمهورية»: «نحن على تنسيق متواصل مع الحزب التقدمي الاشتراكي، والأكيد انّنا لن نرضى بأيّ قانون لا يرضى به، ولا مانع من دخوله في اللجنة».
برّي
في غضون ذلك كرّر رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام مجلس نقابة الصحافة برئاسة النقيب عوني الكعكي أمس تأكيدَ رفضِه التمديد لمجلس النواب في المطلق، وقال: «لا أسوأ من السوء إلّا التمديد».
وأعتبر «أنّ قانون النسبية هو خلاص لبنان»، منتقداً مجدداً قانون الستّين «الذي يُبقي الوضعَ على ما هو عليه في المجلس النيابي ويَقضى على الأصوات المستقلة، ولا يضمن صحّة التمثيل».
وقال: «حتى الآن ليس هناك استقرار على قانون معيّن، لكنّ البحث واللقاءات جارية بقوّة للاتّفاق على قانون جديد للانتخابات. وكما قلت في السابق، فإنّ ايّ قانون يجب ان يَحظى بتوافق جميع الأطراف، وأنا لن أسير بأيّ قانون لا ترضى ايّ طائفة من الطوائف به، وإنّ عدمَ الاتّفاق على القانون يُحدث شرخاً في البلاد».
جنبلاط
وفيما كان وفد «اللقاء الديموقراطي» في طريقه إلى الاجتماع مع كتلة «الوفاء للمقاومة» للبحث معها في موضوع قانون الانتخاب» غرّد رئيس «اللقاء» النائب وليد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «إنّ قانون الانتخاب عملية جراحية دقيقة، ونجاحُها يتطلّب الدقة والصبر والتشاور والحوار، وفي المناسبة لا يمكن أن تكون العملية ناجحة إذا استُبعد أحدُ الجرّاحين، واستغرب «رياحة» وفد اللقاء الديموقراطي، لذا نصرّ على التشاور والحوار الإيجابي بعيداً عن أجواء التخدير السائدة في غرفة العمليات».
وقال شهيّب بعد اللقاء مع كتلة «الوفاء للمقاومة» برئاسة النائب محمد رعد «إنّنا اتّفقنا مع إخوتنا في حزب الله على أن لا قانون انتخابياً إلّا بتوافق جميع اللبنانيين».
وأعتبر أنّ «الظروف اليوم غير مؤاتية للقانون النسبي» لكنّه استدرك قائلاً: «على الرغم من ذلك نحن مستعدّون جميعًا من خلال التفاهم والحوار للوصول الى قانون لا يلغي أحدًا ولا يستثني أحدًا في هذا الوطن الذي يمرّ بظروف صعبة».
مجلس الوزراء
إلى ذلك، لم يبحث مجلس الوزراء في جلسته في بعبدا أمس في موضوع تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات بناءً على اقتراح وزير الداخلية نهاد المشنوق، وذلك في انتظار الاتفاق على قانون انتخابي جديد.
فبعد كلمةِ عون ومداخلة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، طلبَ المشنوق الكلام مشيراً إلى أنّه أودع الأمانة العامة لمجلس الوزراء هيئة الإشراف على الانتخابات مرفقةً بالأسماء المقترحة لاختيار عشرة منها. لكنّ عون قطعَ الطريق على مناقشتِها بإطلاقه موقفاً حازماً قائلاً: «الأولوية لإقرار القانون، وإذا خُيّرتُ ما بين تمديد لمجلس النواب أو الفراغ، موقفي واضح في هذا الموضوع، سأختار الفراغ».
وعن الأسباب التي دفعَت رئيس الجمهورية الى الاعتراض على تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، قال وزير الثقافة غطاس خوري الذي تلا المعلومات الرسمية بعد الجلسة إنّ «الموضوع لم يكن مدرَجاً على جدول الأعمال، وارتأى فخامة الرئيس أن لا يطرحه من خارج الجدول، كما أنّه يتمنّى ويسعى مع كلّ القوى السياسية الأخرى للوصول الى قانون انتخابي جديد تَجرى على اساسه الانتخابات النيابية».
الاتفاقات الدولية والنفط
وفي معرض حديثه عن الاتفاقيات بالتراضي، تطرّقَ عون خلال الجلسة الى الاتفاقيات الدولية مذكّراً بأنّها من صلاحيات رئيس الجمهورية وليس الوزراء، غامزاً من قناة إقدام بعض الوزراء على مناقشة اتفاقيات دولية بمبادرة فردية عرف منها اتفاقية لوزارة التربية مع البنك الدولي بقيمة 100 مليون دولار.
إلى ذلك وافقَ مجلس الوزراء على إعادة إطلاق الدورة الأولى لتراخيص التنقيب عن النفط والإعلان عن الانضمام الى مبادرة الشفافية في مجالات الصناعات الاستخراجية. كما وافقَ على تأمين اعتمادات لتنفيذ الأشغال والأعمال والتجهيزات الأمنية والفنّية المطلوبة لمطار رفيق الحريري الدولي.
ودعا عون، الحريري «إلى عقد جلسات متتالية لدرس الموازنة تمهيداً لإقرارها، على أن يتمّ إنجاز ذلك بالسرعة الممكنة»، مشدّداً على أنّ «اللجوء الى توقيع عقود بالتراضي او بعد التجزئة لا يجوز أن يتمّ إلّا في الحالات الاستثنائية أو الطارئة، ولا يجب أن تكون التجزئة قاعدة».
تجهيز المطار
وكشفَت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أنّه لدى طرحِ البند المتعلق بنقل اعتماد بقيمة 28 مليون دولار لتجهييز المطار، جرى نقاش طويل عرض في خلاله وزير الاشغال السابق غازي زعيتر كلّ الأوراق والمستندات المتعلقة بهذا الملف والذي يعود أساسُ المشكلة فيه إلى انتقاله من الهبة السعودية الى عاتق الدولة اللبنانية، مشيراً إلى أنّ هذا البند أثار جدالات كبيرة وخلافات خلال الحكومة السابقة.
واقترح زعيتر تشكيلَ لجنة من قائد جهاز أمن المطار وقوى الامن الداخلي والامن العام والجمارك والطيران المدني وممثّل عن وزارة الاشغال لإعادة درس العروض لتخفيض سقفِ الأسعار وفتح مناقصة عامة بدلاً من استدراج العروض. لكن تبيّن أنّ البند، بحسب المصادرنفسها، مطبوخ، والأمور متفَق عليها. وتوقّعت المصادر أن يُثار هذا الامر في المرحلة المقبلة كون المبلغ كبيراً ويتجاوز الـ 42 مليار ليرة.
عزالدين لـ«الجمهورية»
وقالت الوزيرة عناية عز الدين لـ«الجمهورية»: أبلغتُ إلى مجلس الوزراء أننا نُجري مناقشات مع مجلس الخدمة المدنية حول تقصير بعض المهَل وتسريع الوقت في اتّباع الآلية (الخاصة بالتعيينات)، وهذا يقلل من الوقت الذي كان يستغرقه التعيين على أساس الآلية من أشهر إلى خمسة أو ستة أسابيع»
وعن الأمن في البقاع، قالت عز الدين: «الجميع أكّدوا أن لا غطاءَ سياسياً فوق العصابات والخاطفين، وعلى الأجهزة الأمنية أن تقوم بواجباتها ولكن بطريقة عادلة وليس اعتباطياً».
موغريني
من جهة ثانية بدأت الممثّلة العليا للاتّحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوّضية الأوروبية فيديريكا موغريني مساء أمس زيارةً رسمية للبنان تدوم يومين، وقد التقَت بعَيد وصولها الحريري، على أن تلتقي اليوم عون وبرّي وباسيل.
وقد عرَض اللقاء للأوضاع في لبنان والمنطقة وكيفية مساعدة لبنان في مواجهة أزمة النازحين السوريين. وأوضَحت على الأثر «أنّنا بَحثنا في دعم الاتحاد الأوروبي للبنان ولا سيّما في مجالين: الأوّل الجهود التي يقوم بها اللبنانيون في السنوات الأخيرة باستضافة الكثير من النازحين السوريين، والاستثمار في إعادة إطلاق عجَلة الاقتصاد في البلاد، والثاني هو العمل الذي نقوم به سَويّاً، والذي يجب أن نضاعفَه لإحلال الأمن ومحاربة الإرهاب».
وأضافت: «في كلّ هذه المجالات، يشكّل لبنان شريكاً استراتيجياً للاتحاد الأوروبي، ونحن نسعى لزيادة مستوى التعاون في ما بيننا والتبادل في العديد من المجالات الديناميكية الإقليمية».
«داعشي» و شبكة تجسُّس
وعلى الصعيد الأمني كان الجديد أمس توقيف المديرية العامة للأمن العام شبكة تجسّس لمصلحة إسرائيل، وضمّت هذه الشبكة ثلاثة لبنانيين وفلسطيني وخادمتين نيباليتين. وأشارت المديرية الى انّ الموقوفين اعترَفوا بالتهَم المنسوبة إليهم، وأحيلوا الى القضاء المختص «بجرم التعامل مع العدوّ الإسرائيلي، والعملُ جارٍ لتوقيف بقيّة الأشخاص المتورّطين».
إلى ذلك أوقفَت مخابرات الجيش اللبناني، في عملية نوعية، عبد الحكيم امون، بتهمة الانتماء إلى تنظيم «داعش»، وذلك في مكمنٍ عند أطراف بلدة عرسال.
وأكّد مصدر عسكري لـ«الجمهورية» أنّ العملية «كانت نظيفة وانتهَت من دون ايّ إصابات»، وكشفَ «أنّ الموقوف شاركَ في كلّ المعارك ضد الجيش وله تاريخ حافل في العمليات الإرهابية ويُعَد من الأشخاص المهمّين في «داعش»، وقد قُبِض عليه في الجرود في عملية نوعية نفّذتها قوّة خاصة من مخابرات الجيش».