لا جديد تحت الشمس في ملف قانون الانتخاب، باعتراف احد أعضاء اللجنة الرباعية التي يبدو أنها قررت الاستعانة على قضاء حوائجها بالسر والكتمان، في الوقت الذي أكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «عدم وجود إرادة لإنجاز قانون انتخابي»، ملوّحاً بإمكان اللجوء للدعوة الى استفتاء شعبي «اذا ما أقفل الأفق»، في حين أكّد قانونيون لـ«الجمهورية» انّ «إجراء مثل هذا الاستفتاء يستلزم إصدار قانون في شأنه من مجلس النواب، فعدم وجود ايّ نص دستوري يُجيز إجراء مثل هذا الاستفتاء لا يبيح إجراءه خارج اطار الدستور والقانون، وإن كان الشعب هو مصدر كل السلطات، فأيّ استفتاء لا يمكن أن يُجرى الّا على أسس وأحكام قانونية».
شاع أمس انّ اللجنة الرباعية المكلفة إعداد قانون الانتخاب العتيد اجتمعت في وزارة المال، لكنّ الاخبار عن هذا الاجتماع ظلت غامضة ومتناقضة بين حصوله من عدمه.
وعلمت «الجمهورية» انّ اعضاء اللجنة قرّروا جدياً إحاطة اجتماعاتهم وتحركاتهم بكتمان شديد لضمان نجاحهم في مهمتهم. واكد احدهم لـ«الجمهورية» انّ عدم الاعلان عن ايّ اجتماع لا يعني انّ اللجنة لا تجتمع، بل على العكس انّ اجتماعاتها مفتوحة ولن يعلن اي شيء ما لم تتوصّل الى نتائج ملموسة. واعترف بأنّ اعضاء اللجنة توقّفوا مليّاً عند المواقف التي اعلنها رئيس الجمهورية امام نقابة محرري الصحافة حيال قانون الانتخاب.
عون
وكان عون أعلن «تصميمه على المواجهة»، داعياً الى اعتماد المعيار الواحد في اي قانون انتخابي، ملوّحاً بأنه سيطرح الاستفتاء «اذا ما أقفلت الأفق، ذلك ان لا مانع في الدستور او القانون منه، وليس من مانع لأيّ حل يقرره ويعتمده الشعب الذي هو مصدر السلطات». وتحدث عن «حلول أخرى».
واعتبر عون «انّ الازمة تكمن في انّ كل واحد يريد ان يسحق الاقلية الموجودة في طائفته لأنه لا يريد لها ان تتمثّل، ويريد ان يمدّ يده على جيب الآخر لكي يشلّحه عدداً من المقاعد».
وردّ عون على النائب وليد جنبلاط واعضاء في «اللقاء الديموقراطي» من دون ان يسمّيهما، فأشار الى ان «ثمّة من قال: حدودكم هنا ولا يمكن ان تتخطوها ولحمي لا يؤكل»، سائلاً: «من يأكل لحم الآخر؟». وقال: «عم تاخد حقك وبزيادة».
وأبدى تصميمه على إنجاز قانون انتخابي «يمثّل كل شرائح الشعب اللبناني». وقال: «لا توجد ارادة لإنجاز قانون انتخابي، وكيف يمكن ان نعمّر مجتمعاً مستقراً في ظل انتفاء مثل هذه الارادة؟ ولماذا تأخذ الاكثرية في المتن، على سبيل المثال، 8 نواب بفارق صوت واحد؟ وماذا عن الآخرين؟».
واضاف: «قلنا لا تخيفوننا من الفراغ فلسنا بخائفين منه لأنّ لدينا البدائل عنه وبإمكاننا حل الازمة. ونحن نقول: «لا يجوز ان نصل الى الفراغ مرة ثالثة، لأنه حينذاك ماذا يبقى من ديموقراطيتنا والمثل التي نتمسّك بها؟» وتابع: «نمر بأزمة ارادات تريد ان تنهش بعضها لأنهم لم يخرجوا من ذهنية الربح على الاخر. واقول لهؤلاء: انّ القانون الذي ترفضونه اليوم قد يكون لصالحكم غداً.
والتبدّل في بعض المقاعد قد يربح استقراراً للمجتمع، والّا لا نكون مؤمنين بالديموقراطية وبإمكانية التغيير. انّ الحزب الذي أسسته وفاز في عدد من الدوائر بنسبة 100% قد تتبدل نتائج المقاعد التي كانت له اذا اعتمدت النسبية، لا سيما في كسروان وبعبدا وجزين او بالانتشار، لكنّ هذا التبدّل في بعض المقاعد يحقق العدالة لمجتمعنا».
«حزب الله»
في غضون ذلك، اعلن «حزب الله» انّ جهده منصَبّ على أن يكون قانون الانتخابات مبنياً على النسبية على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة.
وقال نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «هذا هو رأينا، من يضع يده بيدنا سيجد أننا سنذهب سريعاً إلى المجلس النيابي لإقراره لأنه هو الحل الأمثل، ونحن في اللقاءات التي نعقدها مع الآخرين ثنائية أو رباعية أو بالتداول أو ما يظهر أو لا يظهر في وسائل الإعلام لم نطرح أي مشروع من المشاريع التسووية.
نعم، في الجلسات الأخيرة قلنا إذا كانت النسبية كدائرة واحدة في لبنان غير مطابقة فنحن نعيد طرح حكومة الرئيس ميقاتي النسبية على أساس 13 دائرة، وهذا أمر قابل للنقاش والبحث خصوصاً أنّ الحكومة آنذاك وافقت على هذا القانون وكانت غالبية الأفرقاء اللبنانيين موجودة في هذا الاجتماع».
وأضاف: «ليس لدينا أي مشروع آخر غير النسبية، نعم نحن منفتحون على النقاش في ما يعرض علينا كمحاولة منّا لتقريب وجهات النظر، وللوصول إلى القانون الأفضل، ولمحاورة شركائنا في الوطن، أمّا بالنسبة إلى حزب الله فإنّ القانون الذي نؤمن به ونطرحه هو قانون النسبية».
وشدد على ان ليس المطلوب «أن نُنجز أيّ قانون وكيفما كان»، وقال: «لن نصوّت على قانون لا نقتنع به، حتى ولو صوَّت الآخرون، ونريد القانون الذي يؤكد سِعة التنفيذ والعدالة، أي نحن نؤمن بضرورة أن لا نصنّف اللبنانيين بين فئات مهمّشة وفئات جديرة، أو فئات صغيرة وفئات كبيرة، فلتكن هناك عتبة للانتخابات كل من استطاع أن يجمع مجموعة ولو كانت محدودة من حقه من خلال النسبية أن يكون ممثلاً وأن نسمع صوته، لا أن نسمع صوت 51% بالأكثري ونلغي 49% من الشعب اللبناني من أن يقوم بدوره ووظيفته».
سعيد
واستغرب منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد بعض المواقف الصادرة عن عون، والتي توحي بالخروج عن الاصول الدستورية، وقال لـ«الجمهورية»: «عندما يخرج من هو مؤتمَن على تنفيذ الدستور عن الاصول الدستورية، بحديثه تارة عن الفراغ، وعن الاستفتاء تارة اخرى، يدخل البلد في دائرة الخطر الدستوري والسياسي».
وطالب بأن «يبقى النقاش حول قانون الانتخاب ضمن الاصول الدستورية، لأنّ الخروج عنها ينقلنا من أزمة قانون انتخابي الى أزمة وطنية قد ننزلق معها في اتجاه مؤتمر تأسيسي جديد». وتمنى على عون «المؤتمَن على الدستور ان يعالج هذا الموضوع حتى لا ينتقده ايّ فريق ويتّهمه بأنه ينسف الدستور».
ووصف سعيد كلام الشيخ قاسم عن النسبية بأنه «كلام قديم لأنّ النسبية الكاملة على قاعدة لبنان دائرة انتخابية واحدة تجعل نتائج الانتخابات مضمونة حتى يصبح مجلس الـ 2017 مجلساً صدّيقاً سياسياً لـ«حزب الله» ومطواعاً بين يديه لمواجهة قرارات الشرعية الدولية من خلاله، وتشريع سلاح الحزب الى جانب الجيش اللبناني كما حصل مع «الحشد الشعبي» في العراق».
واستنكر سعيد في هذا السياق الاعتداء على القوات الدولية في بلدة المنصوري في الجنوب، واعتبر أنه «اعتداء على القرار 1701». وقال: «نطالب إمّا بأن يدعو لبنان وقف القرار 1701 وسائر قرارات الشرعية الدولية، وان يأخذ على عاتقه حماية نفسه بنفسه وبقواه الذاتية، وإمّا ان نحترم هذه القرارات حتى نبقى جزءاً من الشرعية الدولية، إذ لا يمكن في الوقت نفسه استدعاء القوات الدولية لحفظ أمن الجنوب والاعتداء عليها لأيّ سبب من الاسباب، ولبنان ليس صندوق بريد بين إيران والولايات المتحدة الأميركية».
وتعليقاً على كلام رئيس الجمهورية، قال قيادي معارض لـ«الجمهورية»: «العبرة في التنفيذ والامور في خواتيمها». واضاف: «كلام رئيس الجمهورية شيء وتصرف حزبه شيء آخر. فكيف يعطي عون دائرة المتن الشمالي وكسروان مثالاً عن عدم جواز اعتماد النظام النسبي للحفاظ على صحة التمثيل ويتقدم رئيس «التيار الوطني الحر» باقتراح القانون المختلط الذي يضع النواب الثمانية في دائرة المتن الشمالي تحت النظام الأكثري؟».
واشار الى «انّ المطلوب وحدة معايير في التصريحات والمقاربات لأنها المدخل الى اعتماد وحدة المعايير في وضع قانون للانتخاب».
«القوات اللبنانية»
من جهتها قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ «محاولات الهروب إلى الأمام لن تجدي نفعاً، لأنّ الانتخابات النيابية ستتم وعلى قانون جديد لسبب بسيط أن لا مصلحة لأيّ قوة أساسية في معاداة العهد في الأشهر الأولى لانطلاقته، كذلك لا مصلحة لأيّ قوة أساسية في كشف لبنان في مرحلة تحوّلات خارجية تستدعي التوافقات الداخلية، خصوصاً بعدما تيقّن الجميع من أنّ الرئيس ميشال عون ليس في وارد التهاون أو التساهل في قضيتي التمديد وقانون الستين، بل هو على استعداد لاستخدام صلاحياته وحيثيته وتحالفاته للذهاب في المواجهة من أجل إقرار قانون جديد إلى النهاية التي تعيد تصويب البُعد التمثيلي في «اتفاق الطائف» وتصحيحه».
وكشفت المصادر «أنّ الصيغة الأخيرة التي تمّ التداول فيها، والقائمة على أساس 75 نائباً على الأكثري و53 على النسبي، سقطت، وأنّ البحث يتركز اليوم على صيَغ مختلطة جديدة تزاوج بين صحة التمثيل والأخذ في الاعتبار هواجس الجماعات، وأنّ كل القوى باتت في صورة انّ الانتخابات ستحصل في الأحد الأخير من شهر أيلول وعلى أساس قانون جديد».
وشددت المصادر نفسها على «أنّ عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأنّ مشهداً وطنياً جديداً سيولد بعد الانتخابات، هذا المشهد الذي تأخّر 27 عاماً بفِعل الظروف المعلومة، الأمر الذي سيعيد انتظام عمل المؤسسات ويؤدي إلى تَرييح المناخات الداخلية وترسيخ الاستقرار ويدفع مشروع الدولة قُدماً إلى الأمام».
«الكتائب»
بدوره، كرّر حزب الكتائب دعوته الاحزاب والقوى السياسية «التي تعلن بأنها تؤيّد قانوناً للانتخاب يقوم على اساس وحدة المعايير»، الى «البحث جدياً في قانون الدائرة الفردية او في قانون الصوت الواحد لكل ناخب او حتى في قانون الرابطة المارونية القائم على اساس التصويت المحدود لكل ناخب».
وسأل مصدر كتائبي مسؤول: «لماذا الانطلاق سلفاً في البحث من ان لا مجال لمجرد مقاربة مثل هذه الصيغ؟» ولفت الى «انّ التصويت الفردي او المحدود يؤدي مفاعيل الصيَغ النسبية، بالاضافة الى انه يضع الناخبين والمرشحين أمام وحدة معايير على مساحة الوطن ومن دون أي تفرقة».
ولفت المصدر «الى ان لا مانع مبدئياً لدى حزب الكتائب من اعتماد النظام النسبي في شكل كامل شرط ان لا يتمّ ذلك على أساس أي استثناءات»، مشيراً الى انّ ذلك «يعتبر اكثر تعقيداً في ظل التداخل الطائفي والحاجة الى إعادة رسم الدوائر الانتخابية على نحو يوسع بعضها ليصبح في الامكان اعتماد النسبية فيها».
وأكد «انّ المشكلة لا تكمن فقط في تمثيل الاحزاب والقوى السياسية وإنما ايضا في تمثيل المجتمع المدني الذي تظاهر بعشرات الألوف قبل أشهر مطالباً بإسقاط الطبقة السياسية التي أثبتت فشلها في إدارة كثير من الملفات الوطنية والاجتماعية والخدماتية والبيئية.
فهل يجوز البحث في قانون للانتخاب من دون الأخذ في الاعتبار ضرورة تمثيل هؤلاء الناس الذين أعلنوا جهاراً أنهم لا يثقون بالطبقة السياسية التي تتولى شؤونهم منذ سنوات؟».
في باب المندب
من جهة ثانية، وغداة اعلان مسؤولين سعوديين أنّ زوارق «انتحارية» للمتمردين اليمنيين هاجمت في الفترة الأخيرة السفينة الحربية السعودية التي كانت في البحر الأحمر، كشف مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، في حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ المُدمّرة «يو اس اس كول»، التي تدير العمليات في الخليج، تتمركز الآن في منطقة باب المندب، المضيق الواقع جنوب غرب اليمن. وأضاف: «تمّ نقلها الى المنطقة رداً على ما حدث للفرقاطة السعودية».