يستمر قانون الانتخاب العتيد الشغل الشاغل للمسؤولين واللبنانيين على حدّ سواء، الّا أنه حتى الآن لم يتم الاتفاق على ايّ صيغة إنتخابية بعد، فيما المهل تضغط والعد العكسي يبدأ، ما يَضع البلاد أمام احتمالات شتى. في وقت غابت اللجنة الرباعية المكلّفة إعداد القانون عن الأسماع والأبصار في ظل كلام عن اجتماعات تعقدها بعيداً من الاضواء.
تنظر المراجع الدولية باهتمام كبير الى تطور الوضع في لبنان، ولم يخف سفراء دول كبرى، خلال الساعات الـ 48 الماضية، أسفهم لعدم وضع قانون انتخاب نيابيّ جديد، وباتوا يتوقعون تأجيل حصول الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري.
وأبدَت هذه المراجع لـ«الجمهورية» استغرابها لعدم حصول وعي لبناني للأخطار المُحدقة نتيجة التطورات الجديدة، سواء في سوريا او اسرائيل او الولايات المتحدة الاميركية.
وتمنّت لو انّ المسؤولين اللبنانيين يحذون حذو العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، فيزورون واشنطن، لحفظ مقعد لبنان في متغيّرات الشرق الأوسط، خصوصاً انّ مشروع «المناطق الآمنة» للنازحين السوريين، في حال تطبيقه، لا يشمل الحدود اللبنانية ـ السورية حتى الآن، إنما حدود سوريا مع تركيا والأردن فقط.
وفي هذا المجال علمت «الجمهورية» انّ اصدقاء لبنان في واشنطن طلبوا من مسؤولين اميركيين في مجلسي الشيوخ والنواب، أن يزوروا لبنان للإطلاع على الوضع وحضّ المسؤولين على التحرّك في اتجاه عواصم القرار والأمم المتحدة.
كذلك علمت «الجمهورية» انّ هناك 3 زيارات لمسؤولين اميركيين متوقعة قريباً جداً للبنان للإطلاع على الوضع ورفع تقارير الى الادارة الاميركية الجديدة، وخصوصاً الى الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ذلك انّ اصدقاء لبنان في الولايات المتحدة الاميركية «يتخوّفون من أن تؤدي سياسة ترامب تجاه إيران الى انعكاسات مباشرة على الصعيد اللبناني نظراً الى دور «حزب الله» في لبنان».
السبهان في بيروت
وفي خضمّ الضبابية التي تلفّ المشهد الانتخابي وصل الى بيروت مساء أمس وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، في زيارة رسمية للبنان، يلتقي خلالها المسؤولين اللبنانيين الكبار.
وتأتي هذه الزيارة لترجمة التفاهمات التي شهدتها القمة اللبنانية ـ السعودية في الرياض مطلع السنة الجارية، وقد ظهرت ملامحها من مطار بيروت حيث كان في استقبال السبهان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، والقائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد بخاري على رأس وفد من السفارة، ورئيس جهاز أمن المطار العميد جورج ضومط.
وفي الوقت الذي شكّلت الزيارة مفاجأة لبنانية، قالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ القصر الجمهوري تبلّغ الجمعة الماضي بزيارة السبهان على انه موفد ملكي مهمّته وَضع اولى الأسس العملية لترجمة التفاهمات التي شهدتها القمة والبحث في ترجمتها على كل المستويات السياسية والمالية والعسكرية بما فيها تلك المتصلة بالوعود السعودية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني وإحياء الحضور السعودي في لبنان على مستوى السفير.
وسيبدأ السبهان برنامج زيارته بلقاء عند التاسعة والنصف صباح اليوم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ثم ينتقل الى السراي الحكومي للقاء رئيس الحكومة سعد الحريري.
أسبوع حاسم
في غضون ذلك يبدأ لبنان أسبوعاً حاسماً على صعيد قانون الانتخاب العتيد، فإمّا اتفاق على مثل هذا القانون وامّا عدمه، وبالتالي عدم حصول الانتخابات والوقوع في المحظور، وأولى نتائجه الوخيمة الفراغ الذي يضع البلاد امام احتمالات شتى.
وما لم يطرأ مفاجأة ويُخرج أحدهم أرنباً من جيبه، فإنّ المفاوضات حول قانون الانتخاب لا تزال تدور في مكانها، والحوار بين الكتل النيابية أشبه بـ«حوار الطرشان». فالخلاف ما زال قائماً حول كل القوانين المطروحة، أكان على اساس النظام الأكثري ام النسبي، او على اساس دوائر صغيرة او كبيرة.
واذا كانت كل الكتل السياسية لم تتوصّل بعد هذا الوقت الطويل الى قانون معيّن، على رغم كثافة القوانين المتاحة، فهذا يعني مثلما كان أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أنه «لا توجد إرادة لوضع قانون انتخابي جديد».
وبالتالي، فإن البلاد ستنتقل من أزمة نيابية الى أزمة دستورية، مع ما يمكن ان يحمل هذا النوع من الازمات من ارتدادات سياسية وامنية، وقد يكون احد المخارج في حال بلغت البلاد الازمة الدستورية، الدعوة الى هيئة حوار وطني للبحث ليس في قانون الانتخاب، وإنما في إصلاحات دستورية متى ذُلّلت، يُذلّل معها موضوع قانون الانتخاب حكماً، لأنّ الصعوبات التي تواجه إقرار هذا القانون مَردّها الى اختلاف القوى السياسية والطائفية تحديداً على مساحة دورها في الحكم والنظام.
باسيل لـ«الجمهورية»
في الشأن الانتخابي، أوضح رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل انه لم يتمّ التوصّل حتى الآن الى اتفاق مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على قانون انتخاب، وقال لـ«الجمهورية» إنّ «المختلط مطروح منذ 6 أشهر ووافقوا عليه منذ 6 أشهر، لكن وفي نهاية الأسبوع الماضي وخلال يومين «بَطّلو موافقين عليه!». وأكّد أنّ المفاوضات مستمرة مع المعارضين «فيما لم يتم التوصل معهم الى نتيجة حتى الساعة».
وقال: «انّ قانون الانتخاب هو بالنسبة إلينا معركة الربع قرن. ومثلما كان هناك رئيس للبنان سيكون هناك قانون انتخاب جديد للبنان». وأضاف: «إنّ المختلط لم يسقط، كذلك لم يسقط غيره طالما لم يقرّ أي قانون حتى الساعة، وكل القوانين ما زالت مطروحة».
وقال باسيل: «انّ المعادلة الأساسية والأولى والأهم: من يريد «اتفاق الطائف» ومن هو حريص على «الطائف»، عليه إنجاز قانون انتخابات. ومن يدعو الى تطبيق الطائف عليه أولاً أن يطبّقه. فهم نادوا به واليوم نحن المنادون بتطبيقه».
وأضاف: «هناك أشياء كثيرة لم تطبّق في «الطائف»، لذلك يجب أن نُقبل في بداية هذا العهد الجديد على تطبيقه تدريجاً فيما الفراغ هو «ضربة» لـ«الطائف».
جنبلاط
وكان جنبلاط أمل في الوصول الى «صيغة «ستين معدّل» والّا الذهاب الى تطبيق اتفاق الطائف». وقال في افتتاح مؤتمر الحزب التقدمي الاشتراكي الـ47 انّ «اللقاء الديموقراطي» ليس قضية عدد، «إنما الامر في الموقف».
وطرح جنبلاط مقاربته للحل، وقال: «إجراء الانتخابات في موعدها، وفق الستين؟ ليس بالضرورة، او الستين معدلاً، اذا صحّ التعبير، تذكروا اننا في الدوحة بقينا آخر ساعات الاجتماع نعدّل في الستين في ما يتعلق بأحياء معينة في بيروت في الرميل والمرفأ والباشورة. اذاً، نستطيع بشيء من الليونة وحسن النية أن نلقى صيغة لستين معدّل وإلّا نذهب مباشرة الى تطبيق أتفاق الطائف.
قد نطبّق «الطائف» كاملاً وقد نطبق الطائف تدريجاً وفق ظروف البلاد، لكن الطائف كما أذكر وتذكرون نَصّ على إعادة النظر في الدوائر الانتخابية وعدد المحافظات، فهذا هو مدخل من المداخل، والطائف نَصّ على إنشاء مجلس شيوخ تتمثّل فيه جميع الطوائف والمذاهب بالتساوي بعد إلغاء الطائفية السياسية، نستطيع ان نلغي الطائفية السياسية تدريجاً او كاملاً مع الاحتفاظ بالعرف الأساس لخصوصية لبنان بأن يبقى رئيس الجمهورية رئيساً مسيحياً، هذه صيغة ثانية.
وعندما نلغي الطائفية السياسية وعندما يصبح المجلس النيابي لا طائفياً يمكن حينها درس تطبيق النسبية كاملة او جزءاً منها، وهي لم ترد لا من قريب ولا بعيد في اتفاق الطائف».
ورفض جنبلاط «نقل مقاعد نيابية وحصر طائفة او مذهب في مكان ما».
وسيواصل وفد «اللقاء الديموقراطي» جولاته السياسية ويزور اليوم الرئيس السابق ميشال سليمان، على ان يلتقي غداً قيادة حزب الوطنيين الأحرار، ولاحقاً قيادة حزب الطاشناق.
«الكتائب»
الى ذلك يشهد مطلع الاسبوع اجتماعات لتقويم نتائج جولة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل والوفد الكتائبي على القيادات، واتخاذ القرارات في شأن خطة التحرك المقبلة.
واكد مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية» انّ «ما سمعته القيادة الكتائبية أثناء جولتها يؤكد وجهة نظرها المتمسّكة بضرورة الاخذ في الاعتبار الغاية الاساسية من ايّ انتخابات، وهي تأمين الاستقرار السياسي من خلال احترام مبدأ تداول السلطة والمهل المرتبطة به من جهة وضمان اوسع تمثيل ممكن لشرائح المجتمع من جهة ثانية».
ولاحظ «انّ المواقف والتصريحات المعلنة الآن تختلف عن الصيغ المتداولة، فمن جهة يشدد الجميع على قانون جديد يحترم التمثيل الحقيقي للمجتمع اللبناني، ومن جهة اخرى يتم البحث في صيغ تناقض تماماً الشعارات المرفوعة، والصيغ التي تم التداول بها حتى الآن تشكّل مشروع أزمة سياسية ووطنية لأنها لا تلقى قبولاً لدى فئات سياسية وطائفية عدة.
وبالتالي، فإنّ إجراء الانتخابات وفقاً لقانون يراه البعض غير عادل سيؤدي الى خلل جديد في التمثيل، او لأنّ عدم إجراء الانتخابات في موعدها بسبب عدم الاتفاق على قانون سيصيب النظام الديموقراطي بأضرار وتشوّهات اضافية».
وحذّر المصدر من «المضيّ قدماً في البحث عن صيغ غير متوازنة ولا تعتمد المعايير الموحّدة ترشيحاً واقتراعاً، لأنّ ذلك سيدفع بلبنان الى أزمة وطنية تصيب المؤسسات الدستورية في صدقيتها وفاعليتها، والمجتمع اللبناني في مقوّماته».
ودعا الى «التوقّف عن سياسة توظيف الاستحقاقات الدستورية لمصالح فئوية ضيقة وأهداف سلطوية معروفة»، مُنبّهاً من «انّ انهيار هيكل الدولة سيصيب الجميع بلا استثناء، وسيرتدّ سلباً، ليس فقط على الحياة السياسية، وإنما ايضاً على المقومات الاقتصادية البنيوية للمجتمع اللبناني».
مار مارون
وفي حين أنه من المقرّر أن يغادر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم الى الفاتيكان حيث سيحتفل بعيد شفيع الطائفة المارونية القديس مار مارون هناك، يُحيي لبنان هذا العيد بقداديس تعمّ المناطق. وتتميز الاحتفالات هذه السنة بوجود رئيس للجمهورية في سدة الرئاسة بعد شغور رئاسي دام سنتين ونصف السنة.
مطر
وفي هذا الإطار، أكّد رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر لـ«الجمهورية» أنّه «سيترأس قداس العيد في كنيسة مار مارون في الجميزة في بيروت في حضور رئيس الجمهورية»، مشيراً الى انّه «سيوجّه في هذه المناسبة رسالة رجاء وأمل بعودة الحياة الطبيعية وقيامة لبنان».
وقال مطر: «أمام لبنان فرصة كبيرة للعودة الى ممارسة دوره، وهذه الفرصة يجب ان نستغلّها للنهوض بالبلد مجدداً»، وشدّد على أنّ «الموارنة عادوا الى تأدية دورهم بعد انتخاب الرئيس، وهم دائماً في خدمة لبنان».
وأكّد أنّ «الكنيسة المارونية تدعم كل مؤسسات الدولة وتناضل من اجل الحفاظ على لبنان، وهي بالتأكيد تقف الى جانب رئاسة الجمهورية للقيام بدورها وتشكيلها صمّام أمان لحماية الوطن».
موفد ايطالي
ومن جهة ثانية، وصل الى بيروت أمس نائب وزير الخارجية للتعاون الدولي الايطالي فنشنزو اميندولا، في مهمة وصفت بأنها إنسانية واجتماعية لمتابعة ملف النازحين واللاجئين السوريين الى لبنان. وسيلتقي اليوم وزير الشؤون الاجتماعية بيار بوعاصي يرافقه سفير ايطاليا في لبنان ماسيمو ماروتي، قبل ان تتوسّع لقاءاته لتشمل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وممثلي الهيئات الدولية.