الاهتمام بزيارة الموفد الملكي السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان للبنان والهادفة إلى ترجمة نتائج قمة الرياض اللبنانية ـ السعودية الاخيرة، لم يحجب الأنظار عن ملف الاستحقاق النيابي، إذ لم يخرج قانون الانتخاب العتيد بعد من عنق الزجاجة، فيما نقاشات اللجنة الرباعية مستمرّة بعيداً من الأضواء. وعلمت «الجمهورية» أنّ البحث يتركّز على وضع قانون مختلط يُعتمد فيه النظامان الأكثري والنسبي (64×64) ويراعي الخصوصيات والهواجس ويتضمّن وحدةً في المعايير في التوزيع وسواه.
توقّفَ المراقبون باهتمام بالغ عند الموقف اللافت الذي أطلقَه وزير الداخلية نهاد المشنوق في اتجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحمل تأويلات وتفسيرات عدة، إذ رأوا في مطاويه مؤشرات على أزمة رئاسية صامتة بين بعبدا والسراي، أو على الأقلّ بين التيارَين «الأزرق» و«البرتقالي»، ربّما لن يتأخر الوقت لبروزها الى العلن إن لم تعالج في صمت، وقالوا «إنّ اهمّية هذا الموقف تكمن في انّه صادر عن وزير يحمل صفتين: الاولى صفة وزير الداخلية المعني المباشر بملف الانتخابات النيابية، والثانية انه ممثّل تيار «المستقبل» وتحديداً الرئيس سعد الحريري في الحكومة، وبالتالي فإنّ لهذا الموقف ابعاداً سياسية ويمتلك صدقية معينة لدى الذين يراهنون على امكانية توتّر العلاقات بين عون والحريري، ليس انطلاقاً من قانون الانتخاب فحسب، انّما انطلاقاً من الخلاف على الصلاحيات الدستورية والمواقف من النظام في سوريا وأحداث المنطقة ودور «حزب الله».
ولفت هؤلاء المراقبون الى انّ كلام المشنوق جاء قبل 48 ساعة على انعقاد جلسة مجلس الوزراء غداً الاربعاء والتي سيطرح فيها موضوع دعوة الهيئات الناخبة الى انتخاب مجلس نيابي جديد وتشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات النيابية، وهو الامر الذي سبق لرئيس الجمهورية أن اعترض عليه في جلسة 25 كانون الثاني، عندما طلب وزير الداخلية إدراج موضوع تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية من خارج جدول الأعمال، وطلب عون ترك الامرِ إلى حين التوصل الى قانون انتخاب جديد».
وعدّ المراقبون كلامَ المشنوق «تطوراً لافتاً في عمل الحكومة، في الوقت الذي يقول البعض انّ قانون الانتخاب الجديد سيبصر النور قريباً»، فيما شكّك المشنوق في إمكانية التوصّل الى تفاهم على هذا القانون.
كذلك لفتَ المراقبون الى انّ تصريح المشنوق جاء بعد 24 ساعة على استقباله وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان في مطار بيروت الذي يزور لبنان حالياً.
ماذا قال المشنوق؟
وكان المشنوق قد قال إنّ رئيس الجمهورية «مكتمل الزعامة وليس مضطرّاً لاتّخاذ مواقف لكسبِ الشعبية»، وتمنّى عليه «مراجعة موقفه حيال النقاش الدائر حول قانون الانتخاب الجديد انطلاقاً من موقعه بأن يكون رئيس كلّ الخيارات اللبنانية وحرصاً على أن لا يتحوّل مقام الرئاسة وكلام الرئيس مسألة خلافية». وهل الخلاف حول قانون الانتخاب الجديد سيكسر التوافق السياسي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؟
أجاب المشنوق في حديث متلفز: «أعتقد أنّ مِن المبكر الحكم بأنّها تكسَر أو لا تكسَر، وفي النهاية وإن بدت الأمور حادّةً الآن بالكلام الذي صدرَ عن الرئيس عون أو بعض الإجابات من بعض الأطراف السياسية، ولكن هذه بدايات الحديث وليست نهاياته، فما من أحد يمكن أن يكون غيرَ حريص على استمرار الوفاق السياسي، لأنّ استمرار هذا الوفاق هو الجزء الرئيسي من استقرار البلد، يعني ليس فقط الضمانات الإقليمية ولا الضمانات الدولية، الاستقرار السياسي قائم على حد أدنى من التوافق الوطني الداخلي».
وإذ استبعَد المشنوق إمكانَ ان يتوصّل المعنيون الى اتفاق حول قانون انتخابي جديد، أكّد انّ وزارة الداخلية ملزَمة بالقانون. وقال: «نحن ذاهبون في اتّجاه ما يقوله الكتاب، والكتاب يقول إنّ الانتخابات تجري في موعدها في 21 أيار بالقانون النافذ.
وسأعطي المجال أكثر، فإذا توصّلوا قبل 21 أيار أي في 20 أيار الى قانون جديد عندها يحدّدون فيه موعداً جديداً للانتخابات، يعني أمامهم شباط وآذار ونيسان وأكثر من نصف أيار، إذا كان فعلاً هناك نية للوصول الى صيغة سلمية لقانون انتخاب يوافق عليها الجميع».
عون
وكانت رئاسة الجمهورية قد كرّرت إصرارَها على أنّه سيكون للبنان قانون جديد يؤمّن تمثيلاً عادلاً في مجلس النواب لجميع اللبنانيين، ودعا عون «الى عدم الخوف من النقاش الذي يرافق البحث في القانون الانتخابي العتيد لأنه في النهاية ستتمّ الانتخابات ويتابع لبنان مسيرة النهوض التي بدأها قبل ثلاثة اشهر».
الحريري
من جهته، أكّد الحريري التزامَ الحكومة بإنجاز قانون جديد لانتخابات، وقال: «قطعنا شوطاً بعيداً في هذا الاتجاه». وشدّد على أنه متّفق مع عون على أنه «لن يكون هناك انقسام بعد اليوم على مستوى الحكم»، وأشار الى أنه على اتصال يومي معه «للبحث في مختلف القضايا والمشكلات التي يواجهها لبنان».
وكان الحريري قد عرض للاتصالات الجارية في شأن قانون الانتخاب مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي زار مساء الأحد «بيت الوسط».
ووفق المكتب الاعلامي للحريري فإنّ الاتفاق «تمّ على وجوب الوصول في أسرع وقت ممكن الى مشروع قانون جديد للانتخابات يَحظى بتوافق الكتل السياسية ويأخذ في الاعتبار هواجس جميع الأفرقاء». كذلك عرض الحريري للمستجدّات والأوضاع العامة مع منسّق الامانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد.
الحوار
في غضون ذلك انعقدت جلسة الحوار الـ 40 بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، مساء أمس في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، في حضور المعاون السياسي للامين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل».
كذلك حضر الوزير علي حسن خليل. وبعد الجلسة صدر البيان الاتي: «أكّد المجتمعون على اهمّية إنجاز قانون انتخابات ضمن المهَل الدستورية وإجراء الانتخابات في مواعيدها. كذلك جرى البحث في اهمّية الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني».
حوري لـ«الجمهورية»
وفي المواقف، استبعد عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري الوصول الى الفراغ، وأبدى تفاؤله في إمكان إنجاز قانون انتخابي جديد «يستند الى مشروعنا».
وقال حوري لـ«الجمهورية»: «إنّ المشروع الذي وقّعناه مع «اللقاء الديموقراطي» و«القوات اللبنانية» والمستقلين هو مشروع في اتجاه التسوية، وبالتالي هو اقصى الممكن الذي نستطيع الذهابَ اليه». واعتبر «انّ موقف النائب وليد جنبلاط لم يكن مفاجئاً، فهو يعبّر عنه دائماً ويطرح هواجسه».
«الكتائب»
وفي المواقف الانتخابية، أكّد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل أنّ «الستين يكرّس المحادل ويمنع الإصلاحيين والأحزاب الجديدة من الوصول، وكلّ ما يقال هو رماد في العيون للوصول إلى الستّين»، معتبراً أنّ «الدائرة الفردية تؤمّن التمثيل الأفضل إلّا إذا كنّا نريد «مجلساً ملّياً» لكلّ طائفة».
وعلمت «الجمهورية» انّ الجميّل سيركّز في مداخلته خلال جلسة مساءَلة الحكومة اليوم على موضوع قانون الانتخاب في ضوء السؤال الذي كان وجّهه الى الحكومة حول هذا الموضوع.
وسيؤكّد حرصَه على «وجوب احترام الدستور في ايّ خطوة يمكن ان يلجَأ اليها المسؤولون الرسميون في التعاطي مع ايّ من الملفات المطروحة وفي طليعتها قانون الانتخاب»، وسيجدّد على أنّ تمسّكَ الحزب «بالحوار والانفتاح على النقاشات والاقتراحات لا يعني في أيّ شكل من الأشكال المساومة على المبادئ الديموقراطية والنصوص الدستورية».
كذلك سيضَع الجميّل «جميع المعنيين دستورياً بقانون الانتخاب امام مسؤولياتهم»، وسيَرفض «سياسة تقاذُف الكرة التي تصبّ في خانة تعطيل تداوُل السلطة والالتفاف على المفهوم الحقيقي للانتخابات في اعتبارها مناسبةً لتمثيل الناس لا لتمثيل بعض مواقع القوى الموجودة في السلطة».
السبهان
إلى ذلك، جال الموفد الملكي السعودي الوزير السبهان على بعبدا والسراي الحكومي والمصيطبة وكليمنصو، وأبلغَ الى عون بتعيين سفير جديد لبلاده في لبنان وزيادة رحلات شركة الطيران السعودية الى مطار رفيق الحريري الدولي وعودة السعوديين لزيارة لبنان وتمضية عطلاتهم السياحية فيه.
ونقلَ السبهان الى عون ايضاً «تحيّات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد الامير محمد بن نايف بن عبد العزيز وولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز».
وأوضَح أنّ زيارته تأتي لاستكمال البحث في المواضيع التي تمّ الاتفاق عليها خلال زيارة عون للسعودية في مجال تعزيز العلاقات الثنائية، مؤكّداً حرصَ الملك سلمان على أن يُتابع الوزراء في البلدين النقاط التي تمّ الاتفاق عليها خلال القمّة اللبنانية – السعودية التي عُقدت في الرياض خلال الشهر الماضي.
وأكّد عون للسبهان «أنّ التوجيهات أعطيَت للوزراء لاستكمال البحث مع نظرائهم السعوديين في المواضيع المشتركة». ثمّ كانت جولة أفق تناولت الاوضاع الداخلية والاقليمية.
وأدرجَت اوساط مطّلعة لـ«الجمهورية» زيارةَ السبهان في إطار التأكيد أنّ السعودية ستهتمّ مجدداً بالملف اللبناني»، وأوضحت انّ «الملفات التي بَحثها مع المسؤولين اللبنانيين هي التي اثيرَت في قمّة الرياض بين عون والملك سلمان في 9 و10 كانون الثاني الماضي» .
وتحدّثت عن «بقاء نقطة عالقة تتمثّل بالهبة السعودية العسكرية غير المطروحة حالياً على الأقلّ، وقد فسّر الجانب السعودي للجانب اللبناني خلال الزيارة وفي اتّصالات سابقة صعوبة عودة الهبة اليوم، لكنّ عدم إعادتها لا يعني عدم مساعدة لبنان وجيشه تحديداً».