بعد انتهاء الحكومة من الموازنة وإحالتِها إلى مجلس النواب ومعها سلسلة الرتب والرواتب التي أنجزتها اللجان النيابية المشتركة مساء أمس لتكونَ على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأربعاء المقبل، سيضع مجلس الوزراء يده على قانون الانتخاب العتيد بحيث يُبلوره من بين الصيَغ المطروحة، وسط ترجيحاتٍ باعتماد النظام النسبي، على أن تبدأ مؤشّرات التوافق على مِثل هذا القانون بالظهور أواخر الشهر الجاري.
وقالت مصادر معنية بالملف الانتخابي لـ«الجمهورية» إنّ الاتصالات والمشاورات بين الأفرقاء السياسيين متواصلة بعيداً من الأضواء ولم تعِقها الورشة الحكومية والنيابية المفتوحة لموضوعَي الموازنة العامة للدولة وسلسلة الرتب والرواتب التي بلغَت خواتيمها تقريباً.
وكشفَت هذه المصادر أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري أبدى مرونةً وليونة للبحث في مشروع قانون انتخاب يعتمد النظام النسبي كلّياً، ولكنّ المفاجئ في هذا الصَدد أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل عارضَ هذا المشروع لدى إبلاغه بمرونة الحريري في هذا الصَدد، علماً أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يؤيّد اعتماد النسبية الكاملة في الانتخابات، وهو ينسجم في هذا الموقف مع حزب الله وحركة «أمل» وغيرهما.
برّي
وفي هذا السياق لم يجد رئيس مجلس النواب ما يقوله على صعيد قانون الانتخاب، «فلا شيء حتى الآن، ولا أعرف حقيقة لماذا الإصرار على إبقاء الأمور معطّلة إلى هذا الحد؟». وقال: «مع الأسف، كلّ واحد ما زال متمسّكاً بقانونه الذي يُربحه وحده ويخسّر جميع الآخرين، وهذا لا يمكن أن يكون له مكان».
وسُئل بري: هل سيكون هناك انتخابات؟ فأجاب: «في هذا الجو، لا أعرف».
وحول موضوع سلسلة الرتب والرواتب، كرّر بري التأكيد «أنّ الأمور تجري بإيجابية، وإنْ أنجزَتها اللجان المشتركة قريباً، فإنّني سأدرجها فوراً في جدول أعمال الجلسة التشريعية التي حدّدتُ موعدها في 15 من الجاري».
ميقاتي
وفي هذه الأجواء برزت زيارة الرئيس نجيب ميقاتي للقصر الجمهوري، وقالت أوساطه لـ«الجمهورية» إنّ «زيارة عون في هذا الظرف طبيعية لأنّه عملَ بحسب الدستور، ونحن كلّنا نحتكم إلى الدستور. وكان هناك ارتياح إلى موقف فخامة الرئيس لناحية سعيِه إلى إيجاد قانون انتخابي جديد، بما يشكّل خطوةً نوعية في العمل السياسي».
وردّاً على سؤال، قالت هذه الأوساط «إنّ الزيارة ليست الأولى لفخامة الرئيس، بل سبقَتها زيارة مماثلة في مطلع تشرين الثاني الماضي، وأكّد بعدها الرئيس ميقاتي أنّ ما سمعناه في خطاب القسَم، خلقَ لدينا ارتياحاً كاملاً وينسجم في كثير من جوانبه مع طروحاتنا وطموحاتنا».
وكان ميقاتي قد أعلن بعد زيارته عون: «لمستُ لديه الإصرار الكامل على السعي لإصدار قانون انتخاب جديد مبني على العدالة والتوازن في كلّ الدوائر ويَنشده جميع اللبنانيين، لتكون كلّ فئة، مهما كان حجمها، ممثَّلة في المجلس النيابي الجديد.
وسيَسعى لإصدار هذا القانون في أسرع وقتٍ وإرساله إلى المجلس النيابي لتُجرى الانتخابات في الفترة الزمنية المقبلة». وشدّد على أنّ «ما فهمتُه خلال الاجتماع مع فخامة الرئيس، هو استحالة توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على أساس قانون الستّين في الوقت الحاضر».
وعمّا يُسمى «قانون ميقاتي»، قال: إنّ ما يفكّر به فخامة الرئيس، هو روحية هذا القانون، وقد قال صراحةً إنّ وزراءَه شاركوا في إعداده خلال حكومتي وهو يحبّذه، وربّما من الممكن إضافة بعض الدوائر، شرط أن يبقى تقسيم الدوائر متوازناً وعادلاً بشكل كامل».
«القوات»
وفي سياق متّصل، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «إنّ معظم القوى السياسية في انتظار إحالة مجلس الوزراء للموازنة إلى مجلس النواب، لينكبَّ على تشريح الاقتراحات الانتخابية التي انحصرَت في ثلاثة مشاريع أساسية: المختلط، التأهيلي، والنسبية على اختلاف الدوائر».
واعتبرَت أنّ ترشيح «القوات» للدكتور فادي سعد في البترون يشكّل إشارةَ الانطلاق للماكينات «القواتية» في البترون وكلّ المناطق اللبنانية، حيث إنّ كلّ هذه الماكينات أصبحت في جهوزية كاملة، وإنّ الترشيحات ستتوالى تباعاً».
ومن جهةٍ ثانية، قالت مصادر «القوات»: «إنّ التعيينات شكّلت قوّةَ دفعٍ كبرى للعهد بعد مرحلة طويلة من التمديد، ما يعيد تنشيط العمل المؤسساتي من خلال مدِّه بدمٍ ونفسٍ جديدين، ويؤشّر بوضوح إلى أنّ المرحلة الجديدة التي دخلت فيها البلاد مع انتخاب الرئيس ميشال عون مليئة بالإنجازات، ولن تكون محكومة بالتعطيل ولا بالانقسامات التي تُجمّد عمل الدولة».
وأضافت هذه المصادر: «وفي المناسبة، لا يمكن «القوات» إلّا أن تحيّي قادةَ الأجهزة المنتهية ولايتُهم على دورهم في حماية لبنان وتوفير الاستقرار في أحلكِ الظروف بين مطرقةِ الفراغ وسندان المجموعات الإرهابية، وتتمنّى للقادة الجُدد كلّ التوفيق في مهمّاتهم لإبقاء لبنان مساحة استقرار وأمان».
وأكّدت المصادر أن «لا تحفُّظ لدى «القوات» على أيّ اسمٍ من الأسماء، وأنّ تحفّظها ينحصر في الآليّة التي لم تكن على مستوى المرحلة الجديدة التي دخلت فيها البلاد، وتتمنّى أن يُصار إلى تجنّبِ هذه الثغرة في التعيينات المقبلة أو القرارات داخل السلطة التنفيذية»، ورأت «أنّ كلّ الكلام عن خلافات بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» يندرج في سياق العمل المركّز على ضرب العلاقة القواتية – العونية التي تحوّلت هدفاً بعد انتخاب عون خشيةً من تأثيرها على مسار الحياة الوطنية بما يعزّز مشروع الدولة في لبنان».
جلسة تشريعية الأربعاء
إلى ذلك، ترأسَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي في عين التينة اجتماع هيئة مكتب المجلس في حضور نائب الرئيس فريد مكاري والنواب الأعضاء.
وبعد الاجتماع، أعلن مكاري أنه «تمَّت الموافقة على بنود جدول الأعمال، وسيدعو الرئيس بري إلى جسلة عامة في 15 الجاري». وأوضَح أنّ سلسلة الرتب والرواتب ستُدرج على جدول الأعمال في حال انتهت اللجان المشتركة من درسها».
وبالفعل أنجَزت اللجان المشتركة في جلستها مساء أمس درس سلسلةِ الرتب والرواتب والإيرادات والإصلاحلات، حسبما أعلن رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، قائلاً: «إنّ الكلفة جاءت أقلّ من 1200 مليار بقليل، وهي نفسُها التي وضعَتها الحكومة في صلب مشروع الموازنة كمادة قانونية»، وأكّد أنّه «كان هناك حِرص على أن لا تطاول الضرائب المواطنَ العادي».
إضراب واعتصامات
في موازاة مناقشات سلسلة الرتب والرواتب في اللجان المشتركة، تحرّكَ الأساتذة اعتراضاً على ما اعتبَروه إجحافاً في حقّهم، لجهة الدرجات. وقد أعلن أساتذة التعليم الثانوي الإضراب المفتوح، وساد قلقٌ لدى الطلّاب من تطيير السنة الدراسية وإلغاء الشهادات الرسمية هذه السنة.
وفي سياق متّصل، نفّذ طلّاب الشهادة الرسمية اعتصاماً أمس أمام مقرّ وزارة التربية، «تخوُّفًا من إطاحة الامتحانات الرسمية» وتكرارِ سيناريو منح طلّاب الشهادة الرسمية «إفادات»، كما حصَل قبل 3 سنوات، الأمر الذي أعاقَ آلافَ الطلاب لمدة سنة عن متابعة التحصيل العلمي الجامعي في الداخل والخارج.
تسليم وتسلّم في اليرزة
من جهةٍ ثانية، شهدت اليرزة احتفالَ تسليم وتسلّم لقيادة الجيش بين العماد جان قهوجي والعماد جوزف عون. وأكّد قهوجي «أنّ الثقة التي تتملّكني، هي أنّ أمانة قيادة الجيش ومنذ هذه اللحظة، ستكون في عهدتكم أيّها العزيز العماد جوزف عون، وستكون حكماً في يدٍ أمينة، لِما عرفتُ فيكم من تبصّرٍ وشجاعة وإقدام، وعِلم وخبرة وثقافة عالية، وقبل كلّ شيء من التزام ومناقبية وتفانٍ في أداء المسؤولية والواجب».
وأضاف: «أستودعكم اليوم هذه العائلة العسكرية الكبرى، التي أمضيتُ في كنفها أكثر من أربعة عقود بحُلوها ومرِّها، فأيقنتُ بحكم التجربة على أرض الواقع، أنّها قلعة وطنية عصيّة على الرياح، وأنّها مدرسة وطنية وأخلاقية لا تُخترق. أستودعكم المؤسّسة بإنجازاتها وإرثِ شهدائها وجَرحاها، وتضحيات بعض عسكريّيها الذين لا يزالون قيد الاختطاف.
أستودعكم إيّاها لمواصلة العمل الدؤوب على تعزيز قدراتها العسكرية بالتعاون مع كلّ شقيق وصديق، وبالحفاظ على كرامات ضبّاطها وجنودها وحياتهم الاجتماعية والمعيشية اللائقة».
من جهته، ردّ العماد عون واعداً بالعمل لتبقى المؤسسة العسكرية «الضمان الأكيد لحماية وحدة لبنان والحفاظ على سيادته واستقلاله وكرامة شعبه».
كذلك وعد باستكمال تطوير قدراتها «عديداً وعتاداً وسلاحاً وتدريباً، لتكون جاهزةً في أيّ ظرفٍ من الظروف للدفاع عن لبنان في مواجهة أعداء الوطن، وفي مقدّمهم العدوّ الإسرائيلي على الحدود الجنوبية والإرهاب وخلاياه على الحدود الشرقية وفي أيّ منطقة من مناطق الوطن».
وعاهدَ على «أنْ تستمرّ مؤسسة الجيش وفيّةً لتضحيات الشهداء والمصابين وعائلاتهم، وأن تبذل أقصى الجهود وبكلّ الوسائل الممكنة لتحرير العسكريين المخطوفين لدى التنظيمات الإرهابية». كذلك عاهدَ على «بقاء المؤسسة، محصّنةً من سموم الغرائز الطائفية والمذهبية والمناطقية».