استراحت السياسة، ولا حراك لافتاً ما خلا زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس. امّا انتخابياً فإنّ الجو ما زال ملبداً بالتناقضات المانعة بلوغ صيغة توافقية لقانون يرضي كل الاطراف، فيما طَفت على سطح هذا المشهد محاولات حثيثة من قبل وزير الخارجية جبران باسيل لإنعاش صيغته الانتخابية، بعدما تعرّضت لانتكاسة بفشلها في جذب القوى السياسية اليها، من دون ان توفّق هذه المحاولات في إعادة مَدّ أنابيب الحياة في جسم هذه الصيغة التي رفضها الحلفاء قبل الخصوم.
في هذا الجو، كانت سلسلة الرتب والرواتب هي الحاضر الاول في جدول أعمال البلد، وشخصت أنظار الموظفين في اتجاه المجلس النيابي، وحبسوا أنفاسهم ترقّباً لتصاعد الدخان الابيض من الهيئة العامة للمجلس إيذاناً بإقرارها، بما يُنهي سنوات طوال من المطالبة بها وإحقاق هذا الحق لفئات الموظفين على اختلافها.
واذا كان سلوك سلسلة الرواتب طريق إقرارها في الهيئة العامة لمجلس النواب بعد سنوات من المطالبة بها كحق للموظفين، يُعتبر علامة إيجابية، الّا انّ الرياح جرت بما لا تشتهي المطالبات بالوصول الى سلسلة متوازنة منصفة للموظفين ولا تصدع خزينة الدولة، بل بما تشتهي الضرائب التي استسهل المصرّون عليها مد اليد على جيوب الفئات الشعبية كأقرب حل لتغطية أكلاف السلسلة بضرائب ورسوم جديدة، تطيح أيّ زيادة تحققها السلسلة للأساتذة والموظفين الذين نظروا اليها كفرصة لا تتكرر لتحسين ظروف معيشتهم، لا ان تأخذ منهم ما هو موجود وما هو غير موجود معهم.
وبالتالي، تجاهلوا المصادر الحقيقية لتأمين العائدات التي تغطي أكلاف السلسلة وغيرها، وأبرزها إصلاح اداري جدي وانتهاج سياسة مالية واقتصادية سليمة وإطلاق العجلة الانتاجية على أسس مفيدة للمالية العامة وإنهاء حالة الفساد المستشري في كل القطاعات من دون استثناء، وسدّ كل مسارب الهدر والنزيف في خزينة الدولة وخصوصاً في المراكز التي تشكل رافداً اساسياً لها، وقبل كل ذلك إنهاء المحميّات السياسية التي تغطي هذا الهدر والصرف العشوائي.
كان المأمول أن تكون السلسلة في دائرة الحسم من دون ان تشكّل عبئاً على المواطن اللبناني الذي مَنّ عليه النواب برفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 الى 11 في المئة، وبرفع رسم الطابع المالي من 1000 ليرة الى 4000 ليرة، اضافة الى بنود ضريبية اخرى والحبل على الجرّار. في وقت شهدت الجلسة التشريعية سَيلاناً كلامياً غزيراً من دون ان يقدّم حلولاً جدية او بدائل للضرائب التي تطاول الفئات الشعبية.
ولعلّ الصورة الفاقعة تجَلّت في انّ قسماً كبيراً من النواب، وربما بعض الوزراء ايضاً، بَدا انه غارق في شعارات وكلام سطحي، لا يعلم حجم أعباء السلسلة ومضمونها وكلفتها والمستفيدين منها، وكيفية توزعها.
يضاف إلى ذلك عدم معرفة بعض النواب، ومعهم بعض الوزراء، للعدد الحقيقي للموظفين والعاملين والمتقاعدين والمتعاقدين في القطاع العام، الذين يستفيدون من السلسلة. وكذلك الجهل الفاقع لتداعيات الضرائب وآثارها السلبية على المواطن اللبناني.
وطبيعي امام هذا الجهل، أن تبقى السلسلة محاصرة بالعجائب، اولاً لأنها ليست متوازنة، إذ انها تبرز الهوة السحيقة جدا بين الزيادات التي شملت «الفئة الذهبية» من القيّمين على الدولة والمؤسسات، وبين الزيادات التي شملت عشرات الآلاف من العاملين والموظفين في الادارات والمؤسسات العامة والوزارات والهيئة التعليمية.
ولأنها ثانياً، في ظل الأزمة المالية التي يعانيها البلد، تقدّم نوعاً من التمييز فتظهر فئة بـ«سمن وعسل» وفئة اخرى بأقلّ من زيت، وتطرح علامات استفهام حول الزيادات المقترحة للمستويات الرسمية والتمثيلية، ولا تقدّم أجوبة حقيقية او مقنعة في شأن أحقية هذه «الفئة الذهبية» بالأرقام والمبالغ التي تتقاضاها، خصوصاً أنها ترافقها ليس حتى الممات بل حتى وَلد الولد. ناهيك عن أنها لا تقدّم أجوبة جدية ومطلوبة عن الأسباب المانعة للطاقم السياسي في ولوج باب تحقيق الايرادات من المصادر الحقيقية.
إنعكاسات «السلسلة»
والأكيد انّ السلسلة، كما ستخرج من مجلس النواب، ستنعكس حتماً على اسعار السلع وتحرّك شهيّة غول الغلاء الذي سيستهدف المواطن العادي قبل اي احد آخر، ما قد يفتح الباب على مرحلة جديدة من الأخذ والرد والنقاش والتجاذب، خصوصاً انّ الهيئات النقابية والحركة المطلبية تلوّح بخطوات تصعيدية، في مقابل الهيئات الاقتصادية التي ما زالت تدقّ ناقوس الخطر وتحذّر من اي أكلاف او اعباء على الوضع الاقتصادي بشكل عام، والذي يشهد انتكاسات متتالية.
وكان المجلس النيابي عقد جلسة تشريعية أمس، على جولتين نهارية ومسائية ،وكانت سلسلة الرتب والرواتب أبرز بنودها. وسادَها نقاش نيابي مُستفيض. وتمّ رفع الجلسة التي انتهت قرابة التاسعة مساء، الى اليوم بعدما تمّ إقرار خمسة بنود ضريبية.
فإضافة الى الضريبة على القيمة المضافة ورسم الطابع المالي، إقرار زيادة 6000 ليرة كرسم إنتاج على طن الاسمنت وتعديل تعرفة الصكوك والكتابات المالية وزيادة ضريبة الطابع المالي على القيمة التخمينية للبناء لتصبح 1,5 في المئة (الصكوك).
إعتصامات ومطالب
بالتوازي مع انعقاد الجلسة النيابية الصباحية، وعلى رغم الطقس الماطر، إحتشد المعترضون على مضمون مشروع «السلسلة»، كما ورد من اللجان النيابة المشتركة. وجمعت ساحة رياض الصلح أساتذة الثانوي الرسمي والتعليم الاساسي بمشاركة أساتذة التعليم المهني، ولجنة المتابعة لقضية المتعاقدين في الادارات العامة. فيما أعاق قطع طريق الزهراني وصول بعض الاساتذة للمشاركة في الاعتصام.
وطالب المعتصمون بإدخال التعديلات على السلسلة لرفع الغبن واللاعدالة في بنودها، وهدّدوا بمواصلة التحرك والاعتراضات في حال لم تتم تلبية مطالبهم.
إنقسام الاساتذة
في غضون ذلك، غاب أساتذة التعليم الخاص عن مشهدية الاعتصام في ساحة رياض الصلح، في مؤشّر الى انقسام الجسم التعليمي في موقفه حيال السلسلة، وهذا ما أكّده نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض عندما قال لـ«الجمهورية»: «هناك مصلحة بإقرار السلسلة كما هي الآن وإنهاء هذا الملف».
أضاف: «على رغم الشوائب والزيادات غير العادلة المطروحة في السلسلة والضغط بكل الوسائل لتعديلها، إذ إنّ هذه السلسلة ضد الاساتذة، يجب ان تقرّ السلسلة وذلك خوفاً من أن نعود الى المماطلة مثلما حدث في العام 2014».
أمّا رئيس رابطة أساتذة الثانويين نزيه جباوي فأعلن لـ»الجمهورية» انه «في ضوء النتيجة التي ستخرج بها الجلسة النيابية، سيتم إبلاغ الجمعيات العمومية بالنتيجة، وبالتالي بناء على القرارات تجتمع اللجنة لمناقشة التحركات اللاحقة».
صيغة باسيل
سياسياً، كان اللافت أمس، الحراك الانتخابي الذي تخلّل الجلسة التشريعية المخصصة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وتقدّمه باسيل الذي آثَر عدم الانضمام الى الوفد الرئاسي المرافق لرئيس الجمهورية في زيارته الى الفاتيكان وعقد سلسلة لقاءات جانبية في محاولة لتسويق صيغته الانتخابية التي قدّمها قبل يومين، ومحاولة الوقوف على الرأي النهائي للفرقاء منها، وأيّ نقاط بالتحديد يعترضون عليها فيها.
فتهامَس لبعض الوقت مع رئيس الحكومة سعد الحريري، ثم عقد خلوة رباعية مع النواب ابراهيم كنعان وآلان عون وسيمون ابي رميا، ثم خلوة مع وزير المال علي حسن خليل إنضمّ اليها النائب جورج عدوان والنائب علي فياض والوزير سليم جريصاتي، ثم لقاء لقرابة الساعة مع النائب وائل ابو فاعور الذي حرص على إعطاء اللقاء حجماً عادياً بقوله:
«أخشى سيناريوهات جديدة غير محبّذة لدى كلّ اللبنانيين، واللقاء كان عادياً وجلسة تشاور وتداول فلا تبنُوا عليها آمالاً واهية».
وفيما تردّد انّ هناك لقاءات انتخابية وشيكة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، وكذلك بين «التيار» وأطراف أخرى، لم يصدر موقف نهائي من «حزب الله» حيال صيغة باسيل الذي يشيع انه يخضعها للدرس، في حين انّ اجواء الحزب تتحدث عن مقاربة سلبية لها.
وأطلق «حزب الله» موقفا شديد الدلالة، عبّر عنه رئيس المجلس التنفيذيّ في الحزب السيد هاشم صفي الدين الذي تحدّث عن «عقلية مُتخلّفة على مستوى قانون الانتخاب». وقال: «إنّ بعض الفرقاء يريدون قانونا انتخابيا وفق مصالحهم ولا يريدون أن يَبنوا بلدا حقيقيا، وعليهم ألّا يزاديوا علينا في كيفية بناء الدولة».
أزمة النازحين
على صعيد آخر، إحتلّ ملف النازحين حيّزاً من نشاط السراي الحكومي امس، فترأس رئيس الحكومة سعد الحريري اجتماعاً للجنة الوزراية المكلّفة هذه المهمة في إطار السعي الى إقرار استراتيجية لإدارة الملف وتداعياته على الساحة اللبنانية من جوانبها الانسانيىة والاقتصادية والمالية، بما فيها دعم المجتمعات اللبنانية المضيفة وتعزيز الاقتصاد والبنى التحتية اللبنانية والخدماتية وتوسيع فرَص العمل.
وقالت مصادر شاركت في اللقاء لـ«الجمهورية» انّ البحث تناول الخطة السياسية الشاملة انطلاقاً من «خطة لبنان للإستجابة للأزمة» التي أعلنت في 19 كانون الثاني الماضي توصّلاً الى الخطة الشاملة التي ستعرض على المجتمع الدولي والدول المانحة لتحديد حصة لبنان من المساعدات الدولية كما تحددها الحكومة اللبنانية.
ملياران و48 مليوناً
وفي المعلومات انّ الخطة توضع على أساس الأرقام المتوافرة عن عدد النازحين السوريين والتي بلغت مليونا ونصف مليون نازح من بينهم مليون ومئة ألف تسجّلوا لدى المفوضية العامة لشؤون اللاجئين.
مع اقتراح تخصيص مبلغ مليارين و48 مليون دولار لمواجهة الآثار المترتبة على حركة النزوح من الناحية الإنسانية وجزء منها يخصّص لتوفير الإستقرار الإقتصادي في إطار الخطة التنموية الشاملة لدعم الاقتصاد والبنى التحتية.
وقد رفعت اللجنة اجتماعها ليتسنّى لأعضائها المشاركة في الجلسة التشريعية عصراً الى يوم الجمعة المقبل، على ان يتمّ إنجاز وضع الخطة الشاملة في مهلة أقصاها نهاية الشهر الجاري لتعميمها على الجهات المانحة والمجتمع الدولي الداعم لخطط النازحين.
مع الإشارة الى انّ لبنان سيشارك في الخامس والسادس من نيسان المقبل في المؤتمر الخاص بالأزمة السورية وتداعيات النزوح الذي دعا اليه الإتحاد الأوروبي في بروكسل.
محاربة «داعش»
من جهة أخرى، وعلى مستوى محاربة الإرهاب في المنطقة والعالم، أكّد نائب وزير الخارجية الكويتي السفير خالد الجارالله أمس أنّ جهود دولة الكويت ودورها الدولي في مواجهة ما يُسمّى بتنظيم الدولة الاسلامية «داعش» واضح، في ظلّ عقد اكثر من اجتماع لدعم جهود التحالف الهادفة إلى القضاء على هذا التنظيم.
وقال الجارالله عقب افتتاحه اجتماع «المجموعة المعنية بتدفق المقاتلين من داعش»، التابعة للتحالف الدولي بمشاركة 45 دولة: «إنّ هذا الاجتماع يتعلّق بمنع المقاتلين وتهيئة البيئة المناسبة في حال عودتهم، إذ نتحرّك على كل المستويات في مواجهة «داعش» في إطار التحالف الدولي ودعمنا لهذا التحالف».