بالتوازي مع التأكيدات السياسية والرسمية المتتالية بانتقال سريع للبلد من حال التخبّط إلى وضعٍ مثاليّ على كلّ المستويات، كان المشهد الداخلي ماضياً في اهتزازه على وقعِ الفشل الذريع في صوغ قانون انتخابي جديد، وعلى دويّ سلسلة الرتب والرواتب التي يبدو أنّها لفّت على رقاب السياسيين وأربكتهم وفجّرت حرب اتّهامات متبادلة في ما بينهم، وكذلك على وقعِ التحرّكات المطلبية التي تصاعدت في الساعات الأخيرة، والمرشّحة إلى مزيد من التصعيد في الآتي من الأيام، رفضاً للرسوم والضرائب التي أريدَ لها أن تؤخَذ من جيوب الناس، من دون النظر إلى الآثار الاجتماعية الكارثية التي قد تترتّب جرّاءَها على عموم الشعب اللبناني، وخصوصاً على الطبقات الفقيرة.
إذا كان مجلس الوزراء قد أنهى في جلسةٍ عقدها في السراي الحكومي أمس، مراجعةَ مشروع الموازنة، فإنّ إقرارها في صيغتها النهائية سيتمّ في جلسة تُعقد في القصر الجمهوري، لكن ذلك لا يبدو معجّلاً، بل مؤجّل ربطاً بزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى مصر، وكذلك بانعقاد القمّة العربية في عمان، التي سيشارك فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ما يعني أنّ إقرار الموازنة وإحالتها إلى مجلس النواب سيتمّ مطلع الشهر المقبل، على ما قال أحد الوزراء لـ«الجمهورية»، والذي لم يستبعد أن يسريَ هذا التأجيل على سلسلة الرتب والرواتب التي يبقى تحديد موعد إعادة دراستها وإقرارها في الهيئة العامة لمجلس النواب إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ولقد شكّلت جلسة مجلس الوزراء أمس، مناسبةً لنقاش وزاريّ حول ما رافقَ دراسة السلسلة في مجلس النواب، مع بروز امتعاض حكوميّ لناحية ما سمّاها الوزراء حملة تحريضية مشبوهة رافقت دراسة السلسلة.
وكشفَ وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ«الجمهورية» «أنّ التحقيق الذي فتحه بتكليف من مجلس الوزراء لملاحقة الأكاذيب التي بُثّت على مواقع التواصل الاجتماعي بالتزامن مع جلسة السلسلة، والتعابير التي استُخدمت فيها شتائم وكلام غير لائق، قطعَ شوطاً كبيراً عبر عملية الرصد والتتبعِ، وسنلاحق كلّ من تعرّض للأعراض».
ولعلّ أكثر ما توقّفَ عنده مجلس الوزراء أمس، كان التحرّكات المطلبية التي تصاعدت في الشارع رفضاً للضرائب والرسوم الجديدة، وهو ما حدا برئيس الحكومة أن يدعو بعد انتهاء الجلسة المتظاهرين إلى الخروج من الشارع، إذ ليس من الضروري أن تتظاهروا لأننا سنعطيكم حقّكم، ونحن نصرّ على ذلك»
إلّا أنّه أشار إلى أنّ «الضرائب أو الرسوم المفروضة على السلسلة معروفة من العام 2014 ولا شيء جديد»، مضيفاً: «هذه السلسلة، لتمرَّ، هناك أمور يجب أن تسير فيها، ولا أحد يفكّر أنّ هذه الحكومة ليست حكومة موحّدة وأنّ ما حصل بالأمس هو نهايتُها، بل ما حصل يؤكّد تماسكَ الحكومة».
«السلسلة»
وبينما تصاعدت الحركة الاعتراضية على الضرائب، وبَرز فيها تجمُّع شعبي حاشد في ساحة رياض الصلح، وذلك في إطار مسلسل احتجاجي قرّرته الحركة المطلبية في مواجهة ضرائب السلسلة والموازنة، احتدمَ السجال السياسي على جبهتَي حزب الكتائب ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، ولفتَ هنا ما قاله أحد الوزراء لـ«الجمهورية»: «إنّ ما قام به النائب سامي الجميّل هو تعبير عن رأيه كمعارض، ومِن غير المنصف أن نتّهمه بتطيير السلسلة وبثِّ الأكاذيب. لكن أيضاً حالة التشويش وبثّ الشائعات التي حصلت وأحدثت بلبلة كبيرة في البلد تستدعي الملاحقة والتحقيق».
فيّاض
إلى ذلك، قال النائب علي فيّاض لـ«الجمهورية» بضرورة عقدِ جلسة سريعة لإقرار السلسلة التي هي حقّ للموظفين، محذّراً من أنّ البلد لا يحتمل عدم إقرارها، ومشيراً إلى أنّ ما طيَّر جلسة السلسلة هو الفوضى التي عصَفت في النقاش النيابي داخل الجلسة.
واقترَح حلاً يقوم على» قلبِ المعادلة الحالية، بحيث يُصار كخطوة أولى إلى توجيه رسالة تطمينية للموظفين عبر عقدِ جلسةٍ لإقرار السلسلة وتصويبِ ما يعتريها من اختلالات، وعلى أن يُصار في خطوة تالية إلى مناقشة الإيرادات ومصادر تغطيتِها». وقال: «هناك قوى لا يزعجها أن ينهار النقاش حول السلسلة، وعدم إقرارها».
قراءة في «السلسلة»
واللافت للانتباه، هو توالي الاعتراضات على الضرائب، خصوصاً من «حزب الله» وحزبَي الكتائب والأحرار، والنائبين بطرس حرب ووليد جنبلاط، حيث التقَت مواقفهم على أنّ تمويل السلسلة يمكن أن يتمّ بغير الضرائب التي تمّ لحظُها في السلسلة، والتي كانت سبباً لتطييرها في جلسة مجلس النواب الأخيرة.
مع الإشارة إلى أنّ تكتّل «التغيير والإصلاح» يجتمع استثنائياً برئاسة باسيل صباح اليوم في مركز المؤتمرات والاجتماعات التابع لـ«التيار» في سن الفيل.
وربطاً بهذا الموضوع، برزت قراءة في السلسلة لأحد الخبراء في السياسة والاقتصاد، وفيها أنّ الحكومة واقعة أمام خيارين: إمّا إقرار السلسلة مع ضرائب، علماً أنّ الضرائب ستثير الشارع، وإمّا عدم إقرارها، ما سيثير مجدّداً المعلمين والموظفين.
وبحسب هذه القراءة، فإنّ الأولوية هي لإعادة تصويب الضرائب والرسوم المستحدثة، وهذا يتمّ وفقاً لما يلي:
– أولاً، تحديد القطاعات التي تشملها الضرائب لكي لا تمسّ بالطبقات المتوسطة والفقيرة.
– ثانياً، تشطير الضرائب على تشطير السلسلة، لكي تطاول الطبقات الميسورة، ولا تتضرّر المؤسسات، لأنّه حتى المصارف تمرّ في أزمة مالية حالياً، وإلّا لَما اضطرّ حاكم مصرف لبنان في الأشهر الماضية للّجوء إلى الهندسة المالية، علماً أنّ هذه الهندسة وإنْ كانت غيرَ تقليدية، فقد أدّت إلى استمرار استقرار صرفِ الليرة اللبنانية وإلى إنقاذ عدد من المصارف التي فيها أكبر عدد من المودعين اللبنانيين.
– ثالثاً، مبادرة الحكومة إلى إعادة شدّ عصبِ القوى المشاركة فيها للتصويت على السلسلة.
وعُلم في هذا الإطار أنّ اتصالات جرَت بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والوزير جبران باسيل وجنبلاط، أدّت إلى تأكيد مواصلة إقرار السلسلة.
نصرالله
وستكون السلسلة وضرائبها أحد محاور الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله عصر اليوم في احتفال يقيمه الحزب في عدد من المناطق لمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء.
حيث تتمحور كلمته حول أربعة عناوين، الأول دينيّ مرتبط بالمناسبة، والثاني معيشي يتمحور حول المستجدّات المطلبية المرتبطة بالسلسلة والحركة الاعتراضية على الضرائب التي تتضمّنها، حيث سيعلن نصرالله صراحةً رفضَ الضرائب وتحميلها للفئات الشعبية.
وأمّا العنوان الثالث فيتركّز حول المستجدات الإقليمية، ولا سيّما التطور الاخير الذي تمثّلَ بالغارة الإسرائيلية على بعض الأهداف في سوريا، وقد اعترفَت إسرائيل باستهدافها لِما وصَفتها شحنات صواريخ متطوّرة كانت في طريقها إلى «حزب الله» الذي التزم الصمت، فيما لوحظ استنفار وتدابير احترازية ورفعٌ للجهوزية العسكرية والأمنية على الحدود الشرقية والجنوبية تخوّفاً من أيّ تطوّر أمني محتمل.
أمّا العنوان الرابع فهو القانون الانتخابي الذي ما زال مفتوحاً على شتّى الاحتمالات، حيث سيؤكّد نصرالله مجدداً ثوابتَ الحزب لناحية رفضِ قانون الستّين والمناداة بالنسبية الموسّعة.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الحزب اتّخذ قراراً في الآونة الأخيرة بالتزام الصمت حيال الشأن الانتخابي، بالتزامن مع الصيغة الأخيرة التي قدّمها وزير الخارجية جبران باسيل، من دون أن يَبدر عنه أيّ موقف اعتراضي علني عليها.
لكن برزت إشارة ذات دلالة عكسَها نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي قال: «عرِضت مجموعة كبيرة من مشاريع القوانين للانتخابات حتى الآن تزيد عن الـ25 مشروعاً، ولكنّها كلها كانت فاشلة، لأنّ صياغتها كانت تُفصَّل على قياس أصحاب النفوذ والقيادات والجهات والفعاليات التي تريد أن تحافظ على وجودها، ولم تكن مبنيّة على معايير مقنِعة أو موضوعية أو فيها تمثيل شعبي حقيقي».
المشنوق
إلى ذلك، حضَر الموضوع الانتخابي في جلسة مجلس الوزراء أمس، وقال وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ»الجمهورية: : أبلغتُ مجلس الوزراء أنّني سأكرّر توجيه دعوة للهيئات الناخبة على أساس أنّ الانتخابات ستجري في 18 حزيران، علماً أنني قلتُ لهم إنّ شهر رمضان ليس الوقت المناسب لإجراء الانتخابات، لكنّني سألتزم بالقانون.
أضاف: لم يعد الوقت يسمح لي بأن أؤجّل بند تمويل إجراء الانتخابات وتشكيل هيئة الإشراف عليها، لذلك سأطلب أن يكون هذان البندان في أولوية جدول أعمال الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، إذا هم أرادوا فعلاً أن نجريَ انتخابات، وإلّا فليتحمّل مجلس النواب المسؤولية، وليقُم بتمديد المهَل.
الحريري ـ فرنجية
على صعيد سياسيّ آخر، برز أمس اللقاء الذي عقِد في «بيت الوسط»، بين الحريري ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية في حضور وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس والوزيرين السابقين روني عريجي ويوسف سعادة، والوزير غطاس خوري ونادر الحريري.
وفيما أشارت المعلومات الموزّعة حول اللقاء إلى أنه تناوَل آخِر المستجدات السياسية والأوضاع العامة، علمت «الجمهورية» أنّ اللقاء كان ودّياً جداً وبَرز حرصٌ من الطرفين على استمرار العلاقة بينهما وتطويرها.
وتناوَل المجتمعون مواضيع الساعة إضافةً إلى سلسلة الرتب والضرائب والملفّ الانتخابي. وأظهرَ الحريري حرصَه على ضرورة وضعِ قانون انتخابي جديد، علماً أنّ موقف «المردة» المعارض لصيغِ باسيل الانتخابية، ينادي أيضاً بقانون انتخابي جديد.
وفي جانب آخر، كشفَت مصادر سياسية لـ»الجمهورية» أنّ لقاء الحريري ـ فرنجية نُظّم بعد الانتقادات القاسية التي وجّهها وزير «المردة» فنيانوس لبعض الوزراء على طريقة مقاربة بعض المشاريع والأمور الأخرى في مجالس الوزراء. وعكسَ موقفه هذا أوّل خلاف داخل الحكومة، فجاء اجتماع «بيت الوسط» ليطوّقَ هذا الخلاف الحاصل في محاولةٍ من الحريري لاستجماع مكوّنات حكومته.
ومثلُ هذا اللقاء عقِد سابقاً وبعيداً من الإعلام بين «القوات» والحريري بعد الخلاف بين «التيار الوطني الحر» و«القوات» على خلفية خصخصةِ قطاع الكهرباء.
وفهم أيضاً أنّ الحريري وفرنجية اتّفقا خلال لقائهما أمس على التنسيق انتخابياً في منطقة الشمال.