عاشَ لبنان عطلة نهاية الأسبوع في مهبّ مخاوف من حصول «عمل أمني كبير» حذّرت منه السفارات الأجنبية ولا سيّما منها الأميركية والفرنسية والكندية، وبدا معها أنّه نهبٌ لفلتان أمني، في الوقت الذي يسجَّل لأجهزته الأمنية إنجازات كبرى متلاحقة على صعيد ضبطِ الأمن. وقد استدعت هذه التحذيرات التي شهدت تشكيكاً بصدقيتها صدورَ توضيحات عن جهات رسمية وأمنية دعَت اللبنانيين إلى عدمِ الخوف والهلع. وقد تناوَل مجلس الوزراء هذه التحذيرات في جانبٍ من جلسته التي انعقَدت أمس رغم العطلة، في الوقت الذي دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لدى توجُّهِه إلى نيويورك مترئساً وفدَ لبنان إلى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتّحدة، اللبنانيين إلى عدم الخوف… علماً أنّ البلاد ستكون على موعد مع جلسة تشريعية الثلثاء والأربعاء المقبلين لدرس وإقرار سلسلة مشاريع واقتراحات قوانين ستتناول في أوراقها الواردة التطوّرات السياسية والأمنية وكذلك موضوع الانتخابات النيابية الذي غاصَ فيه مجلس الوزراء من زاوية البطاقة البيومترية واقتراع المغتربين الإلكتروني، في الوقت الذي ترتفع أصواتٌ تدعو إلى تقريب موعد هذه الانتخابات في حال عدم إنجاز هذه البطاقة قبَيل موعدها في أيار 2018.
قرَّر مجلس الوزراء تطوير بطاقة الهوية الحاليّة إلى بطاقة بيومترية تُعتمد في الانتخابات النيابية المقرّرة في أيار 2018، ووافقَ على الآلية التي اقترَحها وزير الخارجية لتسجيل المغتربين للمشاركة في العملية الانتخابية.
لكنّه لم يتوصّل إلى قرار بعد في شأن التسجيل المسبَق للناخبين، الذي يتيح للناخب الاقتراع في مكان سَكنِه من دون حاجة للانتقال إلى مسقط رأسه للانتخاب. إذ استمرّ التبايُن في المواقف بين مؤيّد ومعارض، وتوقّعت مصادر وزارية أن يُحسم هذا الأمر في قابل الأيام باعتماد هذا التسجيل أو عدمه.
المشنوق
وأوضَح وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ«الجمهورية» أنّ ما تقرَّر في مجلس الوزراء هو «تحديث تذكرة الهوية الحاليّة لتصبح بيومترية، وإنّ هذا الأمر يساعد جداً على إجراء الانتخابات في مواعيدها، وسيُنجَز قبل موعد هذه الانتخابات بعد إقراره قانونياً في مجلس النواب».
وأكّد المشنوق أنّ كلّ النقاش يدور على موضوع الاقتراع في مكان السكن، الذي سيتمّ إذا تقرَّر في مراكز رئيسية. وشدّد على «أنّ الخلاف ما زال يدور حول موضوع التسجيل المسبَق للانتخاب في أماكن الناخبين خارج مسقط رؤوسهم».
«القوات» لـ«الجمهورية»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» إنّ وزراءَها تمسّكوا بموقفهم في مسألة البطاقة البيومترية والمنشور في صحيفة «الجمهورية» السبت الماضي لجهة رفضِ إقرارِ البطاقة البيومترية والتسجيل المسبَق معاً، فإمّا البطاقة أو التسجيل، ولكن على رغم إقرار البطاقة ربطَ الفريق المصِرّ على الأمرَين معاً نزاعاً مع هذه المسأله متوعّداً بإعادة إقرار التسجيل المسبَق في مرحلة لاحقة».
وأضافت: «ولكنّ الفضيحة التي حصَلت هي إقرار البطاقة من دون العودة الى إدارة المناقصات وعلى قاعدة التراضي ولمرّة واحدة وأخيرة، الأمر الذي يتعارض مع قواعد المحاسبة العمومية والشفافية المطلوبة لجهة استدراج العروض وفضّها انطلاقاً من المعايير القانونية وعلى أساس الكلفة الأقلّ والخدمة الأحسن والأسرع، إلّا أنّ إصرار وزراء «القوات» تمَّت مواجهته بالإصرار على إمرار الأمر في مخالفة مرفوضة».
وغرَّد رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر»، قائلاً: «لقد أقرّ مجلس الوزراء البطاقة المغناطيسية، عفواً الممغنَطة، والآتي أعظم. كلّ شيء مدروس لمغنَطةِ الإفلاس»، لكنّه عاد وحذفها لاحقاً.
التحذيرات
وكانت الأوساط الرسمية والسياسية والشعبية قد انشغلت بـ«موجة» تحذيرات عددٍ من السفارات الغربية لرعاياها في لبنان، من مخاطر أمنية قد تنجمُ عن أعمال إرهابية محتملة، وتستهدف مراكزَ تجارية وسياحية وتجمّعات سكّانية، ما تَسبَّب بإرباكٍ عام في البلاد أثارَ مخاوفَ من إمكان حصول اعتداءات إرهابية جديدة، على رغم التطمينات الى أنّ الأمن في لبنان ممسوك.
وإذ لوحِظ انتشارٌ أمني في كلّ المناطق والأحياء التي تضمّ مؤسسات سياحية ويرتادها الناس، ما يؤكّد أنّ التحذيرات صحيحة، إلّا أنّ الساعات الـ48 الفرنسية التي تحدّثَت عن «خطرٍ أمني»، قد انقضَت من دون وقوع أيّ عمل إرهابي، لكنْ حصَلت خلال هذه الساعات توقيفات مهمّة لعناصر ذكرَت مراجع أمنية أنّها كانت تُحضّر لأعمال إرهابية.
مصدر أمني
واعتبَر مصدر أمني «أنّ ما حصَل هو سوء تقدير من السفارة الأميركية، تبعَه عملٌ منظّم للسفارات استثمر في مكان خاطئ، وكان يجب إعلام الاجهزة الامنية اللبنانية والتنسيق معها في أيّ معلومة أمنية قبل بثّها وإثارةِ الخوف والهلع معها. ففي لبنان، كما هناك رعايا أجانب هناك مواطنون تحرَص اللدولة على أمنهم أيضاً».
فرنسا
وكانت فرنسا، وفي أوّل موقف رسمي بعد التحذيرات التي أطلقَتها سفارتُها في بيروت، قد أوضحت بلسان سفيرها لدى لبنان برونو فوشيه أنّه «عندما تطلق سفارات تحذيرات لمواطنيها بهذا الوضوح، لدى باريس الخيار إمّا بعدم قول شيء أو بإعلان شيء متناسِب معها، ونحن قاطَعنا هذه المعلومات مع السلطات اللبنانية وكانت موثوقةً، وقد رأيتم أنّه تمّت توقيفات وأنّ هناك شيئاً ما».
وأكّد ثقة بلاده «بقدرات القوى الأمنية اللبنانية ويقظتِها وقدرتِها على إحباط كلّ ما يمكن أن يُحاك للبنان»، وقال: «لكن من الطبيعي أن نأخذ في الاعتبار ما يحصل».
قهوجي
وفيما التحقيقات في حوادث عرسال عام 2014 متواصلة، بَرزت زيارةُ قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي لرئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الحكومي أمس حيث أدلى بعد اللقاء، وللمرّة الأولى منذ معركة «فجر الجرود»، والاتّهامات المتبادلة بين السياسيّين بشأن التحقيقات المتّصلة بأحداث عرسال، بتصريح مقتضَب ضمَّنه كلاماً واضحاً وصريحاً و«جامداً» بما يؤكّد أن ليس لديه ما يَخشاه.
وفي هذا الإطار، قال قهوجي: «هناك تحقيقات، فليَذهبوا إلى التحقيقات. الدولة لها أسرارُها، كما أيّ دولة في العالم، لكنّها تعلَن عادةً بعد زمنٍ طويل. كيف نحافظ على الدولة؟ إذا كانوا يريدون كشفَ الأسرار الآن فليَكشفوها».
أهالي الشهداء
وكان أهالي الشهداء العسكريين قد أعلنوا في اجتماع في منزل والد النقيب الشهيد أحمد طبيخ العميد محمود طبيخ في دورِس وفي حضور محامين، عن قرارهم رفعَ دعوى قضائية لمحاسبة المتورّطين في استشهاد أبنائهم الذين قضوا في عرسال ورأس بعلبك في عمليات الخطف والتفجير منذ العام 2012. وأملوا في «أن لا تذهب دماء أبنائهم هدراً، خصوصاً أنّ هناك أكثر من خمسين عسكرياً وعدداً من المدنيين قضوا بالمتفجّرات وعمليات الخطف في عرسال وجرودها».
«السلسلة» والسَنة الدراسية
من جهةٍ ثانية، بَرز تصعيدٌ لافِت لنقابة المعلمين أمس، إذ دعَت المعلّمين بعد اجتماع مجلسِها التنفيذي إلى مقاطعة السَنة الدراسية في حال عدمِ تسديد رواتبِهم وفقاً لِما نصّت عليه السلسلة.
في هذا السياق قال نقيب المعلّمين رودولف عبود لـ»الجمهورية»: «سنقاطع السَنة الدراسية في حالتين: أوّلاً، إذا استمرّينا نلمس محاولاتٍ لفصلِ التشريع بين قطاع التعليم الرسمي والخاص. وثانياً في حال عدمِ التزام المدارس بالسلسلة وما منحَته للأساتذة من حقوق».
وأضاف: «أعطينا المجالَ حتى تشرين الثاني لنحسمَ مصيرَ السَنة الدراسية في عددٍ من المدارس، وذلك بحسبِ الرواتب التي سيتقاضاها الأساتذة في تشرين الأوّل، وسنُعلن بعدها في بيان لائحةً نُسمّي فيها المدارس التي سنُقاطع فيها التعليم».
ودعا عبود إلى التمييز بين واقعِ كلّ مدرسة، وقال: «مجموعة من المدارس ستلتزم بالسلسلة من دون تكبيدِ الأهل أيَّ زيادة على الأقساط، ومجموعة أخرى ستكتفي بإضافة زيادةٍ محمولة، لا تتجاوز الـ 300 ألف ليرة على القسط لتتمكّنَ من تسديد رواتب الأساتذة والدرجات الممنوحة لهم حديثاً، تبقى مشكلتنا الأساسية مع تلك التي تُجاهر بأنّها لن تلتزم بأيّ زيادة لرواتب الأساتذة، لذا سنلجَأ إلى إقفالها»، مشيراً إلى «عدم الاتجاه إلى إضرابٍ عام، إنّما فقط في المدارس «المقصِّرة» في حقّ معلّميها».
الضرائب والمجلس الدستوري
وفي وقتٍ يترقّب الجميع موقفَ المجلس الدستوري من الطعن الذي قدَّمه حزب الكتائب في قانون الضرائب، وعشيّة جلستِه المقرّرة قبل ظهر اليوم للنظر في هذا الطعن، قال رئيس المجلس الدكتورعصام سليمان لـ«الجمهورية»: «إنّه الاجتماع الأوّل الذي لم يسبقه أيّ اجتماع آخر، سيتناول الطعنَ المقدّم من عشرة نوّاب بدستورية القانون الرقم 45 الخاص بإحداث بعض الضرائب والذي قبلناه وقرّرنا توقيفَ تنفيذه.
وسيكون الاجتماع سرّياً ومفتوحاً إلى حين صدور القرار النهائي». وأضاف: «لن يُسمح للإعلام بتغطية الاجتماع ومواكبته، وسأطلب خلاله من أعضاء المجلس الحفاظَ على سرّية المداولات كما تقول الأصول المعتمدة. فنحن مجلسٌ دستوري ملتزمون التحفّظَ تجاه ما نقوم به، ولسنا في جلسةٍ لمجلس الوزراء ولا جلسة نيابية تتمّ تغطيتُها إعلامياً، ولذلك أتمنّى على الإعلاميين احترامَ كلّ هذه المعطيات».
وخَتم سليمان: «لن نُصدر قرارَنا في السرّ، غداً (اليوم) ستبدأ الاجتماعات، وهي مفتوحة إلى حين صدور القرار النهائي وفي مهلةٍ تمتدّ إلى خمسة عشر يوماً حدّاً أقصى لإصداره. ومتى صَدر القرار سنُعلن ذلك وفق الأصول التي تَحكم عملَ المجلس الدستوري ونَستدعي الإعلامَ للتغطية».