IMLebanon

 المناخ الحواري ينعكس على الحركة والمواقف… ولبنان يستذكر شطح اليوم

حواران استأثرا بالمشهد السياسي في الأيام الأخيرة: حوار «المستقبل» و«حزب الله»، وحوار «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، حيث إنّ هذا المناخ الحواري انعكسَ على مجمَل المواقف السياسية التي رأت فيه تبريداً للمناخ المتشنّج وسعياً نحو تحقيق اختراقات محتمَلة، وتحديداً في الاستحقاق الرئاسي، ولكنّ إصرار «حزب الله» على التمسّك برئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» ميشال عون يؤشّر إلى مدى صعوبة هذه المهمة الملقاة على أركان الحوار، خصوصاً أنّ الحزب ذكّرَ مِن بكركي التي زارها معايداً بثباتِ موقفِه الرئاسي. وفي ظلّ هذه الأجواء تصادفُ اليوم الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد محمد شطح الذي شكّلَ اغتياله صدمةً وطنية، لأنّه كان يجسّد بخطابه وممارسته قمّة الاعتدال السياسي، وكأنّ المقصود كان اغتيال الاعتدال في لبنان، إلّا أنّ الوسط السياسي يترقّب المواقف التي ستُطلق في هذه المناسبة التي سيُطلَق فيها اسم الشهيد شطح على ساحة موقع الانفجار، خصوصاً في ظلّ الحكومة التي أعقبَت اغتياله وانطلاق الحوار أخيراً بين الحزب و«المستقبل»، وبالتالي التبريد السياسي القائم، علماً أنّ ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن شكّلَت رفعاً للسقف السياسي.

على رغم الإجازة التي فرضَتها عطلة الأعياد، حضرَت السياسة عموماً، والاستحقاق الرئاسي والحوار السنّي ـ الشيعي والمسيحي ـ المسيحي خصوصاً، في زيارات التهانئ بعيد الميلاد ومواقف المسؤولين، وغصَّت بكركي بالمهنّئين لليوم الثاني، فزارها أمس وفد من «حزب الله»، بعدما زارها يوم العيد رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط.

الجميّل وعون

وكشفَت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ الراعي الذي التقى عون قبل قداس العيد، أبلغَ إليه حضورَ الجميّل إلى الصرح للمشاركة في القدّاس متمنّياً عليه اللقاءَ معه تاركاً مكتبَه الخاص مفتوحاً ليشهد على هذه الخلوة التي يمكن أن تكون بالصدفة، «فهي خيرٌ من ألف ميعاد»، كما قال الراعي.

وافقَ عون على اللقاء، وما إنْ وصلَ الجميّل إلى بكركي حتى تبِلّغَ رغبة البطريرك فوافقَ فوراً.

وبعد القداس استعجلَ البطريرك الجميّل وعون التوجّه إلى الصالون الكبير لعقدِ الخلوة، لكن عندما وصلوا جميعاً إلى مدخلِه فوجئوا بوجود جنبلاط وأفراد العائلة، وحالت اللياقة دون انفراد الجميّل وعون، فاستقبلوا مع البطريرك وجنبلاط حشد المهنئين، وبذلك انتهى اللقاء المنتظر بصورةٍ وبالتفاهم على لقاء قريب بين الجميّل وعون.

دعوة إلى الرياض

وكان الجميّل تلقّى اتّصالَ تهنئةٍ بالعيد من وليّ العهد السعودي نائب رئيس الوزراء الامير مقرن بن عبد العزيز، وقد شكّلَ مناسبةً لعرض التطورات على الساحتين اللبنانية والعربية. وجدّد الامير مقرن دعمَ بلاده للبنان، مؤكّداً أهمّية القيام بخطوات تُبعد لبنان عن مخاطر الحرب في سوريا وتجنّبه الترددات السلبية.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» إنّ الجميّل وضعَ المسؤول السعودي في صورة التطورات في لبنان متمنّياً السعي الى ملء الشغور، شاكراً للمملكة كل الجهود التي بذلتها لمساعدة الجيش اللبناني وتعزيز قدراته العسكرية في مواجهة الإرهاب. وكشفَت المصادر أنّ الأمير مقرن وجّه دعوةً رسمية إلى الجميّل لزيارة السعودية، فرحّبَ بها الجميّل، على أن يحدّد موعدها في الوقت المناسب.

«الحزب» عند الراعي

ولم يغِب الاستحقاق الرئاسي والحوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» إضافةً الى التطورات العامة في لبنان والمنطقة، عن اللقاء بين الراعي ووفد الحزب الذي حضرَ الى بكركي امس برئاسة رئيس المجلس السياسي في الحزب السيّد ابراهيم امين السيّد للتهنئة بالأعياد ونقل تحيات الأمين العام السيّد حسن نصر الله، في حضور ممثّل بكركي في اللجنة الثنائية للحوار مع الحزب المطران سمير مظلوم وحارس شهاب.

وأعلنَ السيّد أنّه تمّ التداول بعُمق في مبادرة البطريرك ومسعاه للوصول الى نهاية سعيدة جداً في الموضوع الرئاسي، «ونحن أبدينا موقفنا ورؤيتنا على هذا الصعيد»، ونقل عن الراعي سروره وتقديره الكبير للنهج الحواري الموجود، وتشجيعه على الحوار بين «المستقبل» والحزب، وقال إنّه وضعَ البطريرك في أجواء جلسة الحوار، مؤكّداً أنّ «الإنطباع العام لهذه الجلسة هو انطباع إيجابيّ من كلا الطرفين، ونتمنّى ان يتمكّن المتحاورون من الوصول الى سُبل مفيدة لحلّ ملفّات وقضايا كثيرة».

وأكّد السيّد مجدّداً تأييدَه ترشيحَ عون للرئاسة، وقناعتَه أنّه» الشخصية الكفوءة والقادرة على أن تتولى مسؤوليةً من هذا النوع في هذا الظرف بالذات، الذي يواجه فيه اللبنانيون تحدّيات وأخطاراً كبرى، وهو من الشخصيات القادرة على ان تقوم بالدور المطلوب والفعّال بهذا الشأن».

وعندما قيل له إنّ هذا الترشح يُعتبَر تحدّياً، وهل يمكن التوصّل أو أن تقبلوا بمرشّح وسَطي في حال لم يحظَ عون بالإجماع؟ أجاب السيّد: «موقفنا مع الجنرال ميشال عون، فهل كلّ من يدعم مرشّحاً يكون دعمه تحدياً؟، فإلى الآن مرشّحُنا الى الرئاسة الجنرال ميشال عون»

وطمأنَ السيّد أخيراً إلى أنّ علاقة الحزب مع بكركي «أكبر من أن تنقطعَ، لأنّ مسؤوليتنا جميعاً في اللقاء والتشاور والتحاور بين الحين والآخر حتى ولو اختلفنا في قضية معيّنة، إنْ شاء الله لا نصل الى المقاطعة ولا إلى القطيعة».

عند عودة

كذلك، زار وفد الحزب متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده لتهنئته بالميلاد وإطلاعه على أجواء الحوار بين الحزب و«المستقبل». كما يستقبل عوده ظهر اليوم رئيس الحكومة تمّام سلام.

مظلوم لـ«الجمهورية»

في هذا الوقت، أوضحَ مظلوم لـ«الجمهورية» أنّ «وفد الحزب وضعنا في أجواء الحوار الذي انطلقَ مع «المستقبل»، وطمأنَ البطريرك الى أنّ الهدف منه هو تخفيف الاحتقان السنّي- الشيعي، وليس تخطّي المسيحيين».

وكشفَ مظلوم أنّ الملف الرئاسي «استحوَذ على الحيّز الأكبر من النقاش، وجدّد البطريرك أمام الوفد دعوته النوّاب للتوجّه الى مجلس النواب وانتخاب رئيس، فكان ردّ الحزب بأنّه لن ينزل الى المجلس في معزل عن الجنرال عون، فالملف عنده، وإذا أراد النزول الى المجلس أو الإتفاق على أيّ رئيس نحن وراءَه».

واعتبرَ مظلوم انّ موقف الحزب ليس بجديد، هو أبلغَنا به في السابق، فهو يتلطّى بموقف عون من الإستحقاق الرئاسي، ويرمي الكرة في ملعبه، ولن يقدِم على أيّ خطوة رئاسيّة من دون العودة إليه». (راجع ص 6)

بقرادونيان

وفي المواقف، قال عضو تكتّل «التغيير والإصلاح»، نائب حزب «الطاشناق» آغوب بقرادونيان لـ»الجمهورية»: «في كلّ ممارساتنا السياسية يعرف عنّا الجميع أنّنا ننطلق من الحوار، ولا نرى أيّ حلّ لأيّ مشكلة في البلد، إلّا عن طريق الحوار انطلاقاً من أنّ أيّ تقارب أو أيّ حوار، أو أيّ طاولة حوار بين أيّ طرَف وطرَف آخر يساعد على التخفيف من وطأة الأزمة، خصوصاً إذا كانت هذه الأطراف تمثّل أكثريات في طوائف معيّنة.

ونرى في الحوار بين «المستقبل» والحزب بداية محاولة لإزالة الجليد بين الطرفين السياسيين يترجَم تخفيفاً لأجواء الفتنة التي تحاول أطراف خارجية عدائية إشعالها. ونرحّب كذلك بالحوار المرتقَب بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» ونَعتبر أنّ الحوار بين الاطراف المارونية مهمّ جدّاً، والذي يجب ان يترجَم أيضاً على صعيد تخفيف الأجواء بين الاطراف السياسية، والوصول الى انتخابات رئاسة الجمهورية وقانون انتخابي عادل يؤمّن التمثيل الصحيح».

وهل إعلان «حزب الله» تمسّكه بترشيح عون مثابة ضربة أولى للحوار بين «المستقبل» والحزب؟، أجاب: «كلّا، بندُ إسم رئيس الجمهورية ليس مطروحاً على جدول اعمال الحوار، لكنّ الحوار يساعد على خَلق أجواء مناسبة لاختيار الرئيس، ثمّ إنّ تأكيد الحزب على ترشيح الجنرال عون نستطيع أن نراه من منظار اللعبة الديموقراطية والانتخابات الرئاسية التي نودّ جميعاً إنجازَها».

الحوار

في غضون ذلك، تترقّب الأوساط السياسية الجولة الثانية من الحوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله». وقد زار السيّد نادر الحريري بكركي أمس الأوّل ووضعَ الراعي في أجواء الجولة الاولى من هذا الحوار.

ريفي

من جهته، أعلن وزير العدل أشرف ريفي دعمَه للحوار بين «المستقبل» والحزب، وقال خلال جولته على المرجعيات الروحية المسيحية في طرابلس للتهنئة بالأعياد: «جميعُنا يعلم الظروف التي تمرّ بها المنطقة، وأيّ خطوة تساهم في تخفيف الاحتقان هي خطوة جيّدة، والبلد بحاجة الى تخفيف الاحتقان.

ولمَن يشكّك وينتقد الحوار نقول: لقد اتّخذ الرئيس سعد الحريري عند تأليف الحكومة الحاليّة الجامعة قراراً وطنياً كبيراً، وقد تعرّض يومَها للانتقادات والتشهير به، واليوم الأصوات نفسها تشكّك وتنتقد قرارَه الوطني بالذهاب الى الحوار».

الجسر

وأكّد عضو «المستقبل» النائب سمير الجسر لـ«الجمهورية» أنّ الجولة الثانية من الحوار ستُعقد في 5 كانون الثاني المقبل. وقال ردّاً على سؤال إلى أين سيوصلنا هذا الحوار، وهل إنّ الاحتقان ينفّس بـ«شحطة قلم»: «بصريح العبارة، الناس تستشعر الخطر وتعتبر أنّ أيّ تواصل من شأنه إعطاء إشارات إيجابية، وعلى الأقلّ هناك رغبة في إيجاد حلول.

أمّا بالنسبة إلينا فثوابتُنا هي نفسُها ولم تتغيّر، سواءٌ لجهة موقفنا من مشاركة الحزب في القتال في سوريا أو بموضوع المحكمة الدولية، إنّما لا أعتقد أنّ أحداً لا يشعر بوجود نوع من الاحتقان المذهبي والطائفي. وأتصوّر أنّ أيّ عاقل سيحاول وقفَ هذا الاحتقان واحتواءَه ومعالجته وإذا استطعنا تبريدَه يكون أمراً مهمّاً.

هذا هو الدافع الحقيقي إلى الحوار، إضافةً إلى موضوع آخر لا يقلّ خطورةً، ألَا وهو الشغور الرئاسي، إذ لا بدّ من تحضير آلية لإيجاد مخرج، أمّا أن يبقى كلّ طرف متمترساً بموقفه فلا أعتقد أنّ هناك مصلحة بأن يبقى لبنان بلا رأس».

لكنّ الحزب جدّد من بكركي تمسّكه بترشيح عون؟ لا شيء يمنع من ان يقول ذلك قدر ما يريد، في الحوار لا نطرح أسماء، ما طلبناه وسنعمل عليه طبعاً هو ان يكون هناك آلية لحلّ الأزمة الرئاسية، على الاقلّ يجب على المرء ان يحاول، فليس طبيعياً بقاء الوضع على ما هو عليه اليوم، والآلية لا تعني أبداً أسماء، لأنه أوّلاً إذا كنّا سندخل في الأسماء سندخل في اسماء حلفائنا جميعاً. فإذا استطعنا التوصل الى آلية من ضمن 14 ومن ضمن 8 آذار يمكن ان تنال موافقة الاطراف لإيجاد حلّ للمأزق الرئاسي أعتقد أنّنا بذلك نكون نصنع إنجازاً».

وهل لمسَ «المستقبل» في الجلسة التمهيدية جدّيةً لدى الحزب، خصوصاً أنّها ليست المرّة الاولى التي يجلس فيها معه ثم يتنصّل الحزب من ما يتّفق عليه المتحاورون، أجاب الجسر:» الرئيس سعد الحريري وجّه نداءً، والحزب قابله بإعلان الاستعداد للحوار. في الجلسة الاولى والتي هي جلسة تمهيدية جرى الحديث في العموميات وكانت جولة عامّة في منتهى الصراحة والجدّية من قِبل الطرفين.

المهم ان نستمر، المنطق يقول ايضاً بوجوب إيجاد آلية للحوار، بشكل أنّه إذا اتفقنا على شيء كيف تكون ترجمته في التنفيذ، كي لا نصاب مجدّداً بخيبات، مثلما حصل في الماضي، وهذا ما يراجعنا فيه الناس، إذ إنّهم بقدر ما هم متشوّقون للحوار، يتملّكهم الحذر من العودة الى الماضي، وأن لا ينفَّذ شيءٌ من الوعود.

نحن ننطلق من نيّة صافية ونتمنّى أن تكون نيّة الطرف الآخر أصفى من نيتنا، وفي السياسة لا يستطيع المرء أن يحاصر نفسَه، إنّما يجب ان يبقي باب الأمل مفتوحاً ويستمرّ في المحاولة مراراً وتكراراً حتى ينجح، لكن لا يستطيع ان يتوقّف، فإذا تركنا الأمور تتفاقم وتتفاقم وتتفاقم ـ حسناً إلى أين سنصل في ما بعد؟