Site icon IMLebanon

 الإشتباك السياسي ينكفِئ والحوار يتقدّم والجيش يُحصّن الأمن

المناخات الإيجابية أرخَت بظِلّها على المشهد السياسي، فحَلّت اللغة الحوارية مكان الاشتباك السياسي، الأمر الذي أدّى إلى مزيد من التهدئة والاستقرار وفتح الباب أمام دينامية سياسية يصعب التكهّن بالأبواب التي يمكن أن تفتحَها، فيما كلّ المؤشّرات تفيد أنّ هذه المرحلة طويلة نسبياً ما لم تستجدّ تطوّرات خارجية يبدو أنّها مستبعَدة، وكلّ الأمور المتصلة بالمحكمة الدولية والملفّات الداخلية لن تؤثّر على هذا المناخ، لأنّ أطراف الصراع اتّفقت على تقطيع هذه المرحلة وعزل تأثير هذه الملفات على الأجواء الحوارية. وفي موازاة الوضع السياسي الحواري يواصل الجيش اللبناني إجراءاته في كلّ المناطق اللبنانية وبعيداً عن الإعلام مستفيداً من التوافق السياسي من أجل سَدّ كلّ الثغرات وتحصين الوضع الأمني، وقد وضعَ الخطط المنهجية والمبرمجة، وتحديداً في عرسال، على طريقة الخطوات التدريجية وعلى دفعات، والتي ترمي إلى ترييح الأهالي وحمايتهم من جهة، وقطعِ الطريق نهائياً على أيّ محاولة اختراق من جهةٍ أخرى. ومِن الواضح أنّ الجيش الذي يحظى بالغطاء الداخلي والخارجي يحاول توظيفَ الثقة بدوره في خدمة الاستقرار في لبنان. وفي هذا السياق رفعَ الجيش من مستوى جهوزيته في فترةِ الأعياد قطعاً للطريق على أيّ محاولة لتعكير صفوِ الأمن، وتطميناً للناس وإشعارِهم بالأمان في هذه الفترة.

فيما يمضي الجيش قدُماً في إجراءاته الأمنية لعزلِ بلدة عرسال عن جرودها حمايةً لأهلها، بدا أنّ هذه الإجراءات لم ترُق لبعض المتضرّرين الذين قطعوا طريق عين الشعب المؤدية إلى رأس السرج، ومنها إلى بلدة اللبوة، فيما توجَّه عشرات الشبّان إلى حاجز الجيش في منطقة وادي حميد للتعبير عن احتجاجهم، قبل أن يُطلِق عناصر الحاجز النار في الهواء لتفريق المتظاهرين.

خطط الجيش

وأوضحَ مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الحادث الذي حصل لم يكن بين الجيش وأهالي عرسال، بل مع قلّةٍ من المتضررين مِن عزلِ البلدة عن الجرود لمنعِ تسَلّل الإرهابيين»، لافتاً إلى أنّ «الجيش أعطى التصاريح لأصحاب المقالع والعمّال في الجرود، لكنّ القرار واضحٌ بمنع تسَلّل الإرهابيين أو تهريب المؤَن لهم من عرسال».

وشمالاً، أكّد المصدر أنّ «إنتشار فوج المغاوير في طرابلس يأتي ضمن الإجراءات الدورية لتعزيز الوحدات وفرضِ الأمن في المناطق».

وأعلن المصدر أنّ الجيش اتّخذ كلّ التدابير وعزّزَ مراكزه في عرسال تحسُّباً لأيّ هجوم ينفّذه الإرهابيون، في محاولةٍ لمهاجمة المراكز العسكرية أو اجتياح منطقة البقاع». وطمأنَ إلى أنّ «الجيش رفعَ من مستوى جهوزيته في فترة الأعياد وفي كلّ المناطق الحدودية وليس في عرسال فقط».

وأشار المصدر إلى أنّ «الجيش وضعَ خططاً وحصّنَ المراكز الحدودية منعاً لأيّ التفاف أو هجوم مُباغِت ينفّذه المسلحون على أيّة بلدة بقاعيّة، لأنّ جبهة عرسال محصّنة، ويُدرك الإرهابيون جيّداً أنّه من الصعب اختراقها، لذلك فهُم قد يلجؤون إلى شَنّ هجوم على أيّة منطقة أخرى يعتقدون أنّه من السهلِ خرقها». وشدّدَ المصدر العسكري أخيراً على أنّ «الجيش لن يسمحَ بتكرار كمين رأس بعلبك، خصوصاً أن لا أمانَ مع الإرهابيين».

«الحزب» والقلمون

ومن عرسال إلى القلمون حيث نَقلت وكالة «اكي» الإيطالية عمّا سَمَّته مصدراً موثوقاً قريباً من «حزب الله» أنّ «الحزب قرَّر المراهنة على قسوةِ فصل الشتاء وصعوبتِه في منطقة القلمون السورية، ويأمل في أن يؤثّر هذا العامل الطبيعي على قوّة كتائب المعارضة السورية المسلّحة وتماسكِها في تلك المنطقة الحدودية ويدفعها إلى الخروج منها أو يُضعِف قوّتها العسكرية».

وأضاف المصدر أنّ الحزب «قرّر عدمَ القيام بعمليات كبيرة وواسعة النطاق في القلمون السورية التي لا يريد السيطرة عليها خلال أشهر الشتاء بسبب خسائر يتكبَّدها، فالشتاء سيكون كفيلاً بإضعاف مسلّحي المعارضة وسيكونون مُنهكين في بداية الربيع المقبل، ما يُسهّل دحرَهم وطردَهم من المنطقة، والسيطرة عليها عسكرياً، فكِلفة الانتظار ورَدّ بعضِ الهجمات المضادّة ستكون أقلّ من كِلفة الاستنزاف المستمرّ من دون فائدة».

وتابعَ المصدر: «يريد الحزب الآن فقط السيطرة على كلّ محطات المحروقات في المنطقة، وهو هدفٌ استراتيجي بالنسبة إليه، لأنّه سيقطع إمداد المقاتلين بالوقود والمحروقات الضرورية للتدفئة، وسيؤدّي إلى ضعفِهم الكبير، حيث سيكون صعباً ومعقّداً وصول المحروقات للمسلحين من مناطق أخرى».

في المقابل، قال إياد غنيمة، وهو أحد النشَطاء الإعلاميين في القلمون، للوكالة نفسِها، إنّ «الشتاء لن يؤثّر على مقاتلي المعارضة، فلديهم الاحتياطات اللازمة، وقادرون على الصمود صيفاً وشتاءً، وقد توحَّد عدد غير قليل من الكتائب المقاتلة العاملة في المنطقة، ولديهم تكتيكات لسَدّ الحاجات اللوجستية والعسكرية، بل ويقدّمون المعونة إلى بعض سكّان البلدات التي يتواجدون فيها».

وأكّد أنّ «المعارك لن تتوقف، و»حزب الله» لا يملك زمامَ الأمور في القلمون ولن يملكَها، فقد اعتاد المقاتلون والسكّان أسلوبَه وأسلوب النظام. ولهذا فإنّ كتائب المعارضة المسلحة ستبقى هي المبادِرة بشنّ هجمات على «حزب الله» وقوّات النظام التي تؤازره، وستكون كثافة النيران أفعلَ وخسائرُهم أكبر».

وفي موازاة ذلك أكّدَت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ الجيش اللبناني نجح بعزلِ الوضع في لبنان عن مناطق الاشتباك الحدودية، وشدّدت أنّ التقاطع الدولي-المحَلي لن يسمحَ بتمدّد الصراع في العراق وسوريا إلى لبنان، وكشفَت أنّ المجتمع الدولي لديه كلّ الثقة بالإجراءات التي يقوم بها الجيش اللبناني لتحصين الأوضاع الحدودية.

شبعا

وفي سياق آخر أعلنت قيادة الجيش- مديرية التوجيه مساء أمس أن الجيش أوقف في منطقة شبعا كلاً من: احمد جمال زين وأحمد عنكزلي ومصطفى نور الدين حجازي وبشارة حمادة، جميعهم من التابعية السورية، وذلك إثر محاولتهم التسلل باتجاه بلدة بيت جن السورية عبر جرود المنطقة.

وقد أصيب المدعو احمد جمال زين بجروح غير خطرة أثناء إطلاق النار من قبل عناصر الجيش باتجاه المتسللين نتيجة عدم امتثالهم لانذارات هؤلاء العناصر. وتم نقل الجريح إلى أحد المستشفيات للمعالجة وبوشر التحقيق مع الموقوفين.

الحوار المسيحي-المسيحي

وعلى المستوى السياسي، ومع دخول البلاد مدارَ عطلة رأس السنة الميلادية، غابَت اللقاءات الكبرى، لكنّ الاستعدادات لتزخيمها بعد العيد استمرّت بوتيرةٍ كبيرة بعيداً من الأضواء، وسط أجواء توحي ببداية سَنة حوارية بامتياز تضفي أجواءً من الإرتياح على المستويات السياسية والحزبية والأمنية كافّةً.

وقالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ»الجمهورية» إنّ التحضيرات الجارية للّقاء المنتظر بين رئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ارتفعَت وتيرتها في الساعات الماضية، بعيداً من الأضواء الإعلامية.

وأضافت: «لقد قطعَت الإتصالات التمهيدية شوطاً بعيداً في البحث عن الموعد الملائم للّقاء الذي سيكون في الرابية، وليس في منزل صديق مشترَك أو خلاف ذلك. فالدكتور جعجع عبَّر عن الرغبة بعقدِ اللقاء منذ عودته من الرياض بعيداً من المواعيد والاستحقاقات الحوارية الأخرى، وقبلها إنْ كان ذلك ممكناً، خصوصاً الحوار الذي انطلقَ بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» في عين التينة.

مواعيد حوارية مبدئية

وبناءً عليه، يجري البحث في ترتيب اللقاء في موعد مبدئيّ يُحتمَل أن يكون ما بين 2 و3 كانون الثاني المقبل، أي في أوّل أيام السنة الجديدة ليسبقَ الجولة الثانية للحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» والمقرّرة في الخامس من الشهر المقبل، عشيّة انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية والتي جَدّد الدعوة إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمس، والمقرَّرة في السابع من كانون الثاني المقبل.

وقالت المصادر إنّ التحضيرات للقاء عون وجعجع لم تركّز على موضوع جدول الأعمال، في اعتبار أنّ انطلاقَ هذا الحوار هو ما يقود إلى تحديد النقاط التي يمكن البحث فيها. وفي اعتقاد الساعين إلى هذا اللقاء أنّ هناك كثيراً من العناوين التي يلتقي حولها الرجلان في عددٍ من القضايا الاقتصادية والاجتماعية وذات العناوين المسيحية، ولا بدّ من البدء بها لفتحِ الطريق أمام حوار هادئ وموزون، في معزل عن وجود بنود خلافية لا يمكن مقاربتُها اليوم، بما فيها انتخاب رئيس جمهورية جديد، ودور «حزب الله» في سوريا، قبل أن يتقدّم الحوار المفتوح بين التيّارين الأزرق والأصفر وما يمكن أن يتناوله في هذين الموضوعين تحديداً». وقد أرجَأ «التكتّل» اجتماعَه الأسبوعي المقرّر اليوم بسبب الأعياد وسَفر بعض وزراء التيار ونوّابه إلى خارج البلاد لتمضية العيد.

«المستقبل» وحلفاؤه المسيحيون

وفي هذه الأجواء، كشفَت مصادر مطّلعة أنّ مسؤولين من تيار «المستقبل» أجروا سلسلةً من الاتصالات مع عدد من أقطاب مسيحيّي قوى 14 آذار، تمهيداً لجولةٍ يقوم بها موفودون منهم إلى كلّ من بكفيا ومعراب لإطلاعِهم على أجواء الجلسة الأولى للحوار.

وعزَت المصادر التأخيرَ الحاصل في وضع الحلفاء في نتائج الجولة الأولى إلى انتهاء المرحلة التشاورية المتوقّعة في الأيام المقبلة ما بين «بيت الوسط» والرياض، حيث سيلتقي الرئيس سعد الحريري مديرَ مكتبه نادر الحريري لتقويم الجلسة الأولى قبل الجولة على الحلفاء في هذا الخصوص.

إلّا أنّ مصادر في 14 آذار قلّلت من أهمّية الجولة الأولى، وقالت لـ»الجمهورية» أنْ ليس هناك ما يستدعي وضعَ الحلفاء المسيحيين في الأجواء قبل استشكاف المرحلة المقبلة ووصول المفاوضات إلى بَتّ ما يمكن اعتباره على لائحة القضايا الأساسية، ويستدعي المضيُّ فيها واتّخاذُ قرار نهائي بشأنها العودةَ مسبقاً إلى حلفائه المسيحيين للتشاور معهم في ما يمكن التقرير بشأنه.

جولة جيرو

ودعَت المصادر إلى التريُّث في إطلاق المواعيد الخاصة بانتخاب الرئيس العتيد وهويته وتصنيفه، قبل أن تتّضحَ حصيلة التحرّكات والاتّصالات الدولية المرتقبة، خصوصاً استئناف مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو زيارتَه المكّوكية المنتظَرة بعد الخامس من الشهر المقبل إلى كلّ من طهران والرياض، إلّا إذا كانت باريس محطّة في زيارات المسؤولين السعوديين في هذه الفترة، فتتحوّل عندئذ مكاناً صالحاً لعَقد لقاءٍ بين جيرو ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل.

سلام يستعجل الرئيس

في هذا الوقت، جدّد رئيس الحكومة تمام سلام مطالبته بانتخاب رئيس جمهورية جديد، ورأى «أنّ استمرار الشغور الرئاسي يشكّل إضعافاً للوطن ويُنذِر بخطرٍ كبير علينا جميعاً. ولذلك فلا أحدَ يستطيع أن يتنصّلَ ويقول إنّه غير معنيّ».

ووصفَ سلام الحوار بين «المستقبل» و»حزب الله» بأنّه «تطوّر سياسي كبير»، قائلاً إنّ «الحوار القائم بين قوّتين رئيسيتين سياسيتين في هذا البلد ربّما يكون مدخلاً لتذليل العقبات أمام إجراء هذا الاستحقاق الرئاسي لتتكاملَ المؤسسات الدستورية ونمضي في تعزيز مسيرة لبنان».

مواقف

وفي المواقف من الحوار، قال عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ»الجمهورية» إنّه لا يزال على تشاؤمه، فالكلام الذي نسمعه من الحزب، خصوصاً من نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، يؤكّد أنّ الحزب يعطيك من طرفِ اللسان حلاوةً، وأن لا شيء جدّياً في المواقف الأساسية».

وأضاف: «إنّ منطق تيار «المستقبل» وقوى 14 آذار هو منطق الحوار، والإنجاز الكبير تمثّلَ بحصوله، وهذا مكسَب ويُريح الناس، ولكنّني مقتنعٌ بأن ليس هناك شيء بعد، طالما إنّ النقاش لا يطاول إلّا نتائجَ الأمور لا أسبابَها الأساسية المعروفة.

فإذا كانت نيّاتهم جيّدة بالفعل يجب أن ينعكس ذلك في تصريحاتهم لجهة التسهيل في الملف الرئاسي وقضايا أخرى، لكن حتى الآن لا نرى شيئاً من هذا القبيل. فالقول إنّ مرشّحَهم هو العماد عون شيء، والقول إنّهم مستعدّون للذهاب بمرشّح توافقي شيء آخر. وكذلك فإنّ مرشّح 14 آذار هو الدكتور جعجع لكنّ 14 آذار أعلنَت استعدادَها للذهاب إلى مرشّح توافقي. وهذا ما لا نراه عند «حزب الله»، فهو يراهن بتضييع الوقت».

وتمنّى رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون «لو أنّ الأجواء السياسية تليق بأجواء الأعياد». وهل ستُفضي الحوارات إلى انتخاب رئيس جمهورية؟ أجاب شمعون: «لو بَدّها تشَتّي غيَّمِت، فما هو الشيء الذي تغيَّر، حسَناً، فرحَ الجميع بمجيء بابا نويل وتوزيع الهدايا، لكن في الواقع ماذا تغيّر فعلياً؟

وقال شمعون لـ»الجمهورية»: «لِسوء الحظ، لستُ متفائلاً كثيراً، وأتمنّى أن أكون على خطأ، وسببُ عدم تفاؤلي هو أنّ الاجتماعات والاتفاقات التي حصلت في الماضي لم توصِل إلى أيّ نتيجة، بل كانت نتائجها موَقّتة وسطحية».

وأضاف: «نتمنى أن تثمر الحوارات، لكن في كلّ الأحوال، الناس يهمّهم صدور نتائج إيجابية، ولكنّهم لم يعودوا يؤمنون بأنّ ذلك سيحصل».

وإذ تمنّى شمعون أن تسفرَ الحوارات عن نتائج إيجابية، شاءَ تذكيرَ جميع الأطراف المتحاورة «بالواجبات المترتّبة عليهم كمواطنين لبنانيين يحملون الهوية اللبنانية»، مكرّراً القول إنّه «متشائم كثيراً لأنّ سوابقَهم هي سوابق عاطلة ولا تشجّع».