IMLebanon

الجيش يتمسّك بإجراءاته في عرسال وابراهـيم يطلب مساعدة الأتراك

مع سقوط آخر ورقة من روزنامة سنة 2014، تنتقل تركتُها الثقيلة من ملفّات كبرى عالقة إلى السنة الجديدة، لتجعلها سنة الملفات والاستحقاقات الكبرى، والتي يتصدّرها ملفّ الاستحقاق الرئاسي بما له وما عليه، وبكلّ أبعاده وخلفياته المحلية والإقليمية والدولية، إذ يعوَّل أن يكون إنجازُه فاتحةَ المعالجة لبقيّة الملفات الداخلية العالقة، وفي مقدّمها ملف قانون الانتخاب والانتخابات النيابية، وللتصدّي لكلّ تداعيات الأزمات الإقليمية على لبنان. لكنّ الأمن ومكافحة الإرهاب اللذين كانا محورَ الاهتمام والمتابعة طوال السنة التي يودّعها اللبنانيون نهاية هذا النهار، نسبةً لما شهدَته الساحة الداخلية من تفجيرات واشتباكات هنا وهناك، سيظلّان يحتلّان الأولوية المطلقة، في اعتبار أنّ الأمن السليم يؤمّن الحياة السياسية السليمة، وبالعكس. وتأسيساً على ذلك، فإنّ قضية العسكريين المخطوفين ستكون هي الأخرى أيضاً في رأس الأولويات السياسية والأمنية للوصول بها إلى الخواتيم السعيدة.

أبرز الاستحقاقات والملفّات التي ستحفَل بها السنة الجديدة، والتي سَيكون لها تداعياتُها على لبنان والمنطقة، يُمكن تلخيصها بالآتي:

– إنتخاب رئيس جمهوريّة جديد، وتأليف حكومة وحدة وطنيّة.

– الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله».

– الحوار بين رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ورئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع.

– مواجهة تهديدات «داعش» الحدوديّة والتصدّي لها، والاستمرار في مكافحة الإرهاب في الداخل، وضَبط الحدود مع سوريا ووقف الانتهاكات الإسرائيليّة.

– تعزيز قُدرات الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة عبرَ البدء بتسييل الهبة السعوديّة وترجمتها أسلحةً فرنسيّة وغير فرنسيّة.

– الاستمرار في ملاحقة قضيّة العسكريّين المخطوفين لدى «داعش» و»النصرة» بُغية إطلاقهم.

– حَلّ ملفّ النازحين السوريّين الذي يُهدّد ديموغرافيّة لبنان وأمنه.

– إقرار قانون الانتخاب الجديد وإجراء انتخابات نيابيّة جديدة، بعدَ تقصير ولاية مجلس النواب الممدّد.

– سلامة الغذاء بعدَ سلسلة الفضائح المُدوّية.

– البَدء بالتنقيب عن النفط والغاز، واستعادة حُقوق لبنان التي قرصَنَتها إسرائيل في المنطقة الاقتصاديّة الخالصة.

– حَلّ الملفّات الاقتصاديّة العالقة، على رأسِها قضيّة الدَين العام والموازنة، وسلسلة الرتب والرواتب.

– على الصعيد الدولي يبرز الأستحقاق الذي سيسفر عن المفاوضات النوَويّة بين الغرب وإيران توَصُّلاً إلى اتّفاق نووي شامل، لِمَا لهُ من انعكاساتٍ على الوَضع العام في المنطقة، ولبنان خصوصاً.

– الحراك الغربي – الروسي في شأن الأزمة السوريّة.

– عمليّات التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضدّ معاقل «داعش» في سوريا والعراق وما يمكن أن تنتهي إليه.

برّي والحوار

وعلى صعيد الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، علمَت «الجمهورية» أنّ المتحاورين سيباشرون في جلسة 5 كانون الثاني المقبل مناقشة البند الأوّل في جدول أعمالهم، وهو تنفيسُ الاحتقان المذهبي والسياسي السنّي ـ الشيعي ومواجهة الإرهاب.

وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي لزوّاره أمس إنّ مِن بين أهداف الحوار الذي انطلقَ برعايته بين حزب الله وتيار «المستقبل» تهيئة التربة الداخلية الخصبة لتلقّفِ التفاهمات الإقليمية التي قد تحصل، لافتاً إلى أنّ الحوار الأميركي- الإيراني لا بدّ له في نهاية المطاف من أن يؤدّي إلى نتيجة، الأمرُ الذي سينعكس إيجاباً على العلاقة السعودية – الإيرانية، بعد تقديم التطمينات الضرورية للرياض.

وأضافَ برّي: «البعضُ روَّج أنّ الحوار بين «الحزب» و»المستقبل» هو حوار غير مباشر بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقال: «إذا كان الحوار قد فُسِّر على هذا النحو، فلا بأس، وهذه تهمةُ لا أنكِرها، على الرغم من أنّني في مبادرتي الحوارية لا أمثّل الدولتين السعودية والإيرانية، بل أنطلقُ بالدرجة الأولى من الاعتبارات الداخلية اللبنانية».

وأبدى ارتياحَه الى ردود الفعل على الحوار، وكشفَ أنّه تلقّى رسالة تأييد لهذا الحوار من وزارة الخارجية المصرية، أضيفَت الى المواقف الايجابية التي عبّر عنها سفراء الولايات المتحدة الاميركية ديفيد هيل، والمملكة العربية السعودية علي عواض العسيري، وإيران محمد فتحعلي.

ولاحظ برّي أنّ هناك ارتياحاً في الأوساط الشعبية إلى هذه الخطوة الحوارية، كان أحد مؤشّراته إعلان نواب بيروت من دار الإفتاء تأييدَهم هذا الحوار. وقال «إنّ الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل» شكّلَ حافزاً للموارنة على إطلاق الحوار في ما بينَهم».

وأوضحَ أنّ الجلسة المقبلة للحوار ستُعقَد في مطلع السنة الجديدة، في حضور معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل الذي سيشارك فيها بناءً على رغبة الطرفين، مشيراً إلى أنّها ستبدأ ببندٍ محدّد ومتّفَق عليه ضمن جدول الأعمال المقرر، لكنّه لم يشَأ الإفصاح عن طبيعة هذا البند. وأكّد «أنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيؤدّي تلقائياً إلى تفعيل المؤسسات الدستورية، من مجلسٍ نيابي وحكومةٍ وغيرِهما من المؤسسات».

مصدر عسكري

وفيما يواصل الجيش إجراءاته الأمنية بقاعاً، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش نجحَ في فرض الأمن في عرسال بعد موجة الاحتجاجات التي قادها عددٌ من المتضررين»، لافتاً إلى أنّ «خطة الجيش في إغلاقِ المعابر الجردية استمرّت وطُبّقت بالشكل الذي أراده الجيش بعدما تقبَّل معظمُ الأهالي الإجراءات».

وكشفَ المصدر «حصول اتّصالات على مستويات رفيعة بين قيادة الجيش وقيادة تيار «المستقبل» ساهمَت في تهدئة الوضع وتبريد الأجواء، إذ دخلَ «المستقبل» بقوّة على خطّ تهدئة الأهالي بعدما أقنعَ فاعليات عرسال بأنّ الإجراءات هي لحماية البلدة من الإرهابيين، وليست موجّهةً ضدّ الأهالي»، مشيراً إلى «مواصلة هذه الاتّصالات لاستكمال فرض الخطة، خصوصاً أنّ «المستقبل» يدعم الجيش ويعطيه الغطاءَ السياسي من خلال مواقفِه، ووجود وزرائه في الحكومة»، موضحاً أنّ «معركة الجيش هي مع الإرهابيين وليست مع اللبنانيين في أيّ منطقة».

ولفتَ المصدر إلى «وجود احتضان للجيش في عرسال، وكذلك في طرابلس وعكّار والشمال، وقد أثبتت هذه المناطق أنّها بيئة حاضنة للجيش وليس للإرهاب، حيث إنّ مشهد توزيع المساعدات من عناصر الجيش لأطفال طرابلس أظهر بما لا يقبَل الشكّ أنّ الجيش هو من كلّ لبنان ولكلّ لبنان، ولا توجَد أيّة بيئة معادية له، في وقتٍ يحاول بعض المتضرّرين إحداثَ صِدام بين الجيش وأهلِه»، مؤكّداً أنّ «قيادة الجيش والجيش ينتشرون بين أهلهم في التبّانة أو عرسال، كما أنّ طلبات التطوّع في الجيش من تلك المناطق مرتفعةٌ، ما يؤكّد احتضانَ الجيش من أهله».

من جهةٍ أخرى، كشفَ المصدر أنّ «الضربة الكبرى وُجِّهت للشبكات الإرهابية الكبرى، والآن تجري ملاحقة بعض المتورّطين»، لافتاً إلى أنّ «الجيش نجحَ في فرضِ الأمن في أرجاء البَلد، والدليل أنّ الناس يشعرون بالأمان، واحتفالاتُ الأعياد خيرُ دليل على ذلك».

ملفّ العسكريين

وإلى ذلك طرَأ تطوّر جديد على ملف العسكريين المخطوفين، تمَثّلَ بإرسال «داعش» مطالبَها عبرَ الوسيط الشيخ وسام المصري الذي زارَ جرود عرسال ليلَ أمس الأوّل، تشترط فيها تأمينَ اللاجئين السوريين عبر إنشاء منطقة عازلة منزوعة من السلاح تمتدّ من وادي حميد إلى جرد الطفيل إلى عرسال، وإقامة مشفى طبّي مزوّد بالمعدّات مع مستودع طبّي معاصِر لعلاج المرضى والجرحى، والإفراج عن كلّ النساء المعتقلات بسبب الملف السوري.

ولفتَ المصري إلى أنّ «داعش» مستعدّة لإبرام تعهّد خطّي بوقفِ قتلِ العسكريين وعدَم تعرّضِهم لأيّ أذى طوال فترة التفاوض مقابل إطلاق سراح سجى الدليمي طليقة زعيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي، وعلا العقيلي زوجة أبو علي الشيشاني الملقّب أنس شركس.

بدورِهم، قال أهالي العسكريين المخطوفين: «نريد بياناً رسمياً من «الدولة الإسلامية» و«النصرة» تعلنان فيه إسمَ المفاوض المكلّف من جانبهما». وشجّعوا «كلّ إنسان يريد حلّ قضيّة أبنائنا ولكن بناءً على تكليف رسميّ من «داعش».

خليّة الأزمة

وبالتزامن مع إعلان المصري مطالبَ «داعش» من ساحة رياض الصلح، كانت خليّة الأزمة تجتمع في السراي الحكومي بعيداً من الأضواء للبحث في هذه التطوّرات. وعلمت «الجمهورية» أنّ قناة التفاوض مع «جبهة النصرة» لا تزال غير واضحة لأنّها لم تعطِ بعد موافقة نهائية على الوسيط الذي سيتولى التفاوض.

واعتبرَت مصادر مواكبة للملف أنّ استمرار «النصرة» في تحديد سقفِ عالٍ جداً في شروط التفاوض يعني أنّها لا تزال غير جدّية، وغير مستعجلة في الوقت الراهن لاستئناف التفاوض. ولم تستبعد هذه المصادر دخولَ أطراف خارجية على خط التفاوض مع «النصرة».

ابراهيم والأتراك

وعلمت «الجمهورية» أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم راسلَ المسؤولين الأتراك المعنيّين منذ أسبوعين وبعثَ لهم رسالة يطلب منهم فيها التدخّل لمساعدة لبنان في حلّ قضية العسكريين، إلّا أنّه حتى لم يتلقَّ منهم أيّ جواب بعد.

ورشة للأمن العام

إلى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ ورشة كبيرة بدأها الأمن العام على الحدود اللبنانية ـ السورية عند نقطة المصنع، لتصحيح الوضع القائم والفوضى التي نتجَت من القرار اللبناني بالحدّ من حركة النزوح.

وفي المعلومات أنّه تمّ طرد 32 عنصراً من الأمن العام نتيجة بعض الممارسات التي سادت الفترة السابقة، وقد اتُّخذ قرار يقضي بأنّ كلّ عسكري يتصرّف بطريقة مُنافية للأخلاق سيُتّخَذ في حقّه إجراء يصل إلى السجن.

وكشفَ اللواء ابراهيم لـ«الجمهورية» أنّه فصل ضبّاطاً كباراً من المديرية الى مركز الأمن العام في المصنع لتعزيزه والإشراف على العمل فيه، وقد تمّ الأخذ باقتراحاتهم التي نظّمت الوضع الجديد الذي يتلاءَم مع التدفّق البشري قدر المستطاع، بحيث أصبحت الآلية المتّبَعة أنّ السوريين الذين يعبرون نقطة المصنع إياباً إلى لبنان يبقون داخل سياراتهم، ويتمّ تمرير كلّ عشرين سيارة على دفعة.

واعتبرَ ابراهيم «أنّ هذه الآلية هي أفضل بكثير من الوضع الذي كان قائماً، والذي أدّى في الفترة السابقة الى خللٍ كبير، لأنّ البنى التحتية في هذا المركز غير مؤهّلة لاستيعاب الأعداد الكبيرة التي تدفّقت من سوريا الى لبنان، وهي كانت مجهّزة لوضع طبيعي ولحركة مرور طبيعية وليس لاستقبال الآلاف كلَّ يوم، فمِن غير الممكن ان يدخلَ مواطنون سوريّون بالمئات الى غرفة تستوعِب أعداداً صغيرة، الأمر الذي أدّى إلى تشنّج بين المواطن السوري وعنصر الأمن العام الذي تعرّضَ لضغوط كبيرة من شدّة الإكتظاظ، وتوتّر من جرّاء الاحتكاك، كما أنّ هناك عناصر تعرّضَت لإغراءات كبيرة من أجل تأمين المرور، وقلّةٌ منها استجابت، فاتّخذت إجراءات صارمة بحقّها، لكنّ هذا لا يقلّل من الجهود الجبّارة لعناصر الأمن العام في هذا الوضع الدقيق، وهم في النهاية ينفّذون قرار لبنان الرسمي».

وتوقّعَ ابراهيم أن يتحسن الأمر تدريجياً على نقطة المصنع، كاشفاً أنّه سيزور مطلعَ السنة الجديدة مركزَ الأمن العام هناك للاطّلاع شخصياً على الإجراءات المتّبَعة والتأكّد من حسن سير العمل فيه».