على رغم تراجع التطورات الميدانية لبنانياً وتقدّمِها سوريّاً مع الأحداث المتسارعة في كوباني، إلّا أنّ النقاش السياسي ظلّ متمحوراً حول معركة بريتال وعملية شبعا، خصوصاً مع المواقف الحادة التي وجّهها الرئيس سعد الحريري ضد «حزب الله» الذي «يتصرّف في شؤون الحرب والسلم على هواه، أو على هوى حلفائه الإقليميين، ويجعل من مجلس الوزراء شاهدَ زور على سياسات ووظائف أمنية وعسكرية غير مسؤول عن إدارتها». وإذا ما أضيف موقف رئيس «المستقبل» إلى سائر مكوّنات 14 آذار، فهذا يعني أنّ السجال السياسي أو الانقسام حيال الملفات الاستراتيجية والخلافية عاد إلى ما قبل تأليف الحكومة، الأمر الذي يطرح التساؤل الآتي: هل ستكتفي 14 آذار بهذا السقف السياسي المرتفع وعلى قاعدة تسجيل الموقف لا أكثر، أم ستلجأ إلى خطوات عملية من قبيل نقل المواجهة السياسية إلى داخل مجلس الوزراء؟ وفي الوقت الذي تتركّز فيه الأنظار على جلسة اليوم التي يرجّح أن ينتقل إليها السجال السياسي، تركّزَ النقاش أمس حول تقصّي أبعاد عملية شبعا وخلفياتها وحدودها، كما معركة بريتال التي أعادت تركيز الصراع بين «حزب الله» من جهة، وبين «داعش» و»النصرة» من جهة أخرى، مع فارقٍ هذه المرّة، وهو انتقال المعارك من الداخل السوري إلى الداخل اللبناني أو الحدودي. وفي الشأن المحَلي أيضاً ثلاث محطات: جلسة انتخابية رئاسية لن تختلف عن سابقاتها، مع فارق انتقال السجال المتصل بشبعا وبريتال إلى البرلمان أيضاً، تأكيد فرنسي أنّ لبنان سيتسلّم أسلحة فرنسية، وبالتالي اتفاق تسليح الجيش إلى التنفيذ، وفتح أهالي المخطوفين العسكريين طريقَ ضهر البيدر بالاتجاهين ناقلين اعتصامَهم إلى ساحة رياض الصلح.
يبقى التأزّم السياسي في البلاد سمة المرحلة بفعل استمرار الشغور الرئاسي وغياب أيّ بوادر إيجابية توحي بانتخاب رئيس جمهورية جديد في الجلسة الانتخابية الرابعة عشرة قبل ظهر اليوم، على رغم توالي الدعوات الدولية لإنجاز هذا الاستحقاق.
وتتواصل الانفراجات على الجبهة التشريعية مع تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه سيدعو اللجان النيابية المشتركة في الأيام القليلة المقبلة لإعادة درس سلسلة الرتب والرواتب انطلاقاً من التركيز على موضوع العسكريين تمهيداً لإقرارها في الهيئة العامة، والدعوة الى جلسة لانتخاب رؤساء ومقرري اللجان وهيئة مكتب المجلس في 21 تشرين الأول الجاري.
مجلس وزراء
وعصر اليوم ينعقد مجلس الوزراء في جلسة عادية للبحث في الأمور والملفات الطارئة السياسية منها والأمنية، ومصير العسكريين المخطوفين، وملف المخيمات السورية الذي أرجئ البحث فيه الى جلسة اليوم.
وسيحتفل المجلس بفتح طريق ضهر البيدر، الشريان الرئيسي بين شطري لبنان، كما قال أحد الوزراء لـ«الجمهورية»، مضيفاً أنّ مبادرة اهالي العسكريين مطمئنة لجهة اعتبارها حركة تبشّر بوقف استخدامهم على الطرق وزرع الشكوك والشقاق بين اللبنانيين بـ«أمر عمليات» من جرود عرسال، بما يسيء الى امن البلد واقتصاده وحركة المواطنين والتجارة الداخلية ووقف كل أشكال البلبلة التي بدأت تطل بقرنها من ردّات الفعل الشعبية على إقفال الطريق الحيوية.
وعشية الجلسة، توسّعت دائرة الإتصالات والمشاورات بين رئيس الحكومة تمام سلام وممثلي الكتل والقوى المشاركة في الحكومة من اجل مقاربة الملفات المطروحة تحت سقف التضامن الحكومي والتعاون.
وفي هذه الأجواء جمع رئيس الكتائب امين الجميّل وزراء الحزب الثلاثة للبحث في جدول اعمال المجلس الذي بات يتضمّن 56 ملفاً عادياً بالإضافة الى الملفات المطروحة من خارج الجدول، ولا سيّما الملفات الأمنية والعسكرية ومخيمات اللاجئين السوريين تحضيراً للجلسة، واتفقوا على تأكيد موقف الحزب الداعي الى التضامن الحكومي في هذه المرحلة بالذات ورفض الطروحات التي توحي بتقديم مصلحة ايّ طرف من الأطراف المشاركة في أحلاف المنطقة والأزمة السورية على حساب المصلحة اللبنانية العليا.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ وزراء الكتائب سيسجّلون اعتراضهم على بند التمديد لشركة «سوكلين»، ودعوتهم استطراداً إلى استدراج عروض من أجل الوصول إلى أفضل سعر مقابل أفضل خدمة.
تطوّران
في موازاة ذلك، يبقى الهاجس الأمني الحاضر الأكبر بعدما دفعت التطورات المتلاحقة على جبهة الحدود الشمالية والبقاعية والجنوبية بالأمن الى الصدارة، فيما شهد ملف العسكريين المخطوفين تطوّرين، تمثّلَ الأوّل بفتح الأهالي طريق ضهر البيدر بالاتجاهين، بعدما فكّوا الخِيم التي كانوا نصبوها ونقلوا اعتصامهم الى ساحة رياض الصلح، حيث قطعوا شارع المصارف وافترشوا الأرض مانعين السيارات من المرور، كما توعّدوا الحكومة بتصعيد تحرّكاتهم وبخطوات مؤلمة ومفاجئة في بيروت وجبل لبنان حتى إطلاق ابنائهم.
أمّا التطور الثاني فتمثّلَ بما نقله وزير الصحة وائل ابو فاعور أنّ الدولة اللبنانية مستعدة للدخول الفوري في مفاوضات جدّية بشأن العسكريين المخطوفين، لافتاً الى انّ التعثّر الذي حصل مرَدُّه الى ظروف أخرى لا علاقة للدولة اللبنانية بها، وأعلن أنّ الوسيط القطري لا يزال موجوداً.
مصدر عسكري
إلى ذلك، قال مصدر عسكري لـ»الجمهورية» إنّ «إعادة فتح طريق ضهر البيدر تشكّل بادرة خير ورسالةً إيجابية من قِبل أهالي العسكريين المخطوفين، وقد تمّت هذه العملية بعد حوار مع الأهالي»، وشددّ على أنّ «قوى الأمن الداخلي هي من تحمي المعتصمين في رياض الصلح، وتتعاطى معهم إذا ما قرّروا التصعيد وقطع الطرق» مشيراً إلى أنّ الجيش «سيتدخّل عندما تدعو الضرورة».
«الصاع صاعين»
وبعد ثلاثة أيام على معركة جرود بريتال بين «حزب الله» وجبهة «النصرة» والتي استشهد فيها ثمانية مقاتلين من الحزب، علمت «الجمهورية» أنّ «حزب الله» ردّ صاع بريتال بصاعين في القلمون.
فاستهدفت وحداته مع الجيش السوري مشفى مرطبية الميداني بعدما تمكّنت أجهزة الاستخبارات والرصد من كشفه، وهو مشفى نَقل اليه الإرهابيون عشرات الجرحى الذين سقطوا في اشتباكات عسال الورد والجبة، وتمّ استهدافه بالطيران المروحي وراجمات الصواريخ ، سقط على اثره عشرات القتلى في صفوف الارهابيين، علماً أنّ مشفى مرطبية هو المعبر بين قارة والبريج اللتين تقعان وسط القلمون.
كذلك وجّه الحزب ضربة موجعة للمجموعات الإرهابية في اشتباكات عسال الورد والجبة، أصيب فيها قائد «لواء القصير» الرائد محمود إحسان حربا الملقب بـ«أبو حرب» واعترفَت تنسيقيات المسلحين بمقتله، ووصفَته بالقائد البارز الذي شكّل مقتله ثغرة كبيرة في معركة القلمون العسكرية.
كما قتِل قائد «كتيبة محمد» المدعو «أسامة»، ومسؤول مجموعة «لواء القادسية» محمد كدو، إضافة إلى أكثر من 30 قتيلاً، من بينهم قيادات ميدانية مهمّة.
وقد وزّع الحزب صوَر القتلى على صفحات إعلامه الحربي، ولم تنفِ تنسيقيات «النصرة» و«داعش» والمعارضة السورية هذا الخبر.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الحزب تمكّنَ من سحب المسلحين في عملية معقّدة جداً أصبحت فيها عناصره والإرهابيون على تماس مباشر، بحيث اشتبكوا مع بعضهم البعض على بعد امتار، استشرسَ فيها الإرهابيون لسحب جثث عناصرهم، وخاضَت الوحدات الخاصة في الحزب هذه المعركة لسحب جثث قادة المسلحين.
وتوقّعت مصادر ميدانية أن تشكّل جثث الإرهابيين لدى الحزب ورقةً لديه من أجل مبادلتها بأسرى وجثث لعناصره، كان آخرها في معركة جرود بريتال.
الحريري
في غضون ذلك، لا تزال العملية العسكرية التي نفّذها «حزب الله» ضد الجيش الاسرئيلي في مزارع شبعا المحتلة تستثير ردّات فعل في صفوف فريق 14 آذار، لعلّ ابرزها كانت لرئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري الذي رأى «أنّ استخدام الحدود منصّة لتوجيه الرسائل الأمنية والعسكرية مغامرة جديدة وخطوة في المجهول لا تضيف الى لبنان ايّ مصدر من مصادر القوة».
بدوره، اعتبر منسّق الامانة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد «أنّ التفجير الذي استهدف دورية اسرائيلية في مزارع شبعا يستدعي التساؤل عن مبرّرِه بعد 8 سنوات من القرار الدولي 1701، والذي التزم به «حزب الله» في مجلس الوزراء، يوم إقراره، ثمّ ميدانياً بعد صدوره عام 2006».
أسلحة فرنسية
في غضون ذلك، وعقب اجتماع الإليزيه الذي انعقد امس الأوّل بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والحريري، أعلنَ وزير الدفاع الفرنسي جان-ايف لو دريان تنفيذ عقد فرنسي- سعودي تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار لتسليم لبنان معدّات عسكرية.
وأشار الى أنّ هولاند ابلغَ الى الحريري انّ الشروط قد توافرت لإنجاز هذا المشروع». وقال إنّ «هذا المشروع الاساسي الضروري لأمن لبنان سينفّذ، والحكومة حريصة عليه جداً». وأضاف: «لقد وضعنا تصوّراً لعقدٍ وافقت عليه لتوّها السلطات السعودية».
وأوضحَ لودريان أنّ بلاده «طوّرت خطة تجهيز من شأنها أن تتيح للقوات المسلحة اللبنانية الحصول على معدّات برّية وبرّية – جوّية وبحرية».
حصيلة زيارة الحريري
وكانت مصادر الوفد الذي رافق الحريري الى باريس ذكرت أنّ لقاءَه مع هولاند كان مدروساً في توقيته وشكله ومضمونه. وأكّدت لـ»الجمهورية» انّ المباحثات أظهرَت حرصاً فرنسياً على تخصيص الإمكانات المتوفرة لدعم لبنان في الملفات المفتوحة بين الدولتين وحيث يستطيع الفرنسيون التدخّل على مستوى حماية لبنان من الأخطار الخارجية، خصوصاً تلك الناتجة عن العمليات العسكرية في جرود عرسال بوجود آلاف العسكريين من المجموعات الإرهابية التي لا تقود تحرّكاتها أو ترعاها أيّ أنظمة أو قواعد سوى الغزو والخطف والذبح.
كذلك تعهّدت فرنسا بالسعي لتأدية دور إيجابي في ملف العسكريين المخطوفين وصولاً الى توفير الظروف الإقليمية والدولية التي تسمح بفكّ الحظر عن الانتخابات الرئاسية وتوفير الظروف التي تؤدي الى إنهاء الشغور الرئاسي بعدما ربط بعض اللبنانيين هذا الإستحقاق بمصالح القوى الخارجية التي تدّعي انّها باتت تسيطر على العاصمة اللبنانية بيروت كما دمشق وبغداد وصنعاء قبل اسابيع قليلة».
ولم تخفِ المصادر القلقَ الفرنسي من وجود من يدّعي بأنّ لبنان لا يحتاج رئيساً للجمهورية في المرحلة الراهنة ما لم يصل الى قصر بعبدا الرجل القوي الذي تدعمه كتلة نيابية كبيرة، متجاهلاً أنّ قوى الأمر الواقع فرضَت على اللبنانيين معادلات كبيرة خارج إطار المؤسسات الدستورية في أكثر من مناسبة.
وقالت المصادر إنّ رهان الحريري على الدور الفرنسي كان كبيراً ومحقّاً بدليل الإعلان فور انتهاء الزيارة عن تسهيل حصول لبنان على الأسلحة الفرنسية من «مكرمة المليارات الثلاثة» السعودية تزامناً مع تلك التي يحتاجها من هبة المليار الأخير، وهو أمر يؤكّد انّ فرنسا ضغطت باتجاه الإسراع في العملية خارج الروتين الإداري.
كرم
من جهته، أكّد عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب فادي كرم لـ»الجمهورية» أنّ «التمديد بات أمراً واقعاً بسبب التطورات الأخيرة والاوضاع السياسيّة، وعدم جهوزية الأفرقاء كافة لخوض الإنتخابات سوى القوات»، مشيراً إلى أنّ «تيار المستقبل» ضد الانتخابات في ظلّ الفراغ الرئاسي ولم يتحضّر لها، في وقت كان «التيار الوطني الحرّ» مع الإنتخابات لكنّه لم يقدّم أيّ خطوة لإجرائها».
ورأى كرم أنّ «جلسة اليوم ستكون كسابقاتها بفعل تعطيل التيار و»حزب الله» النصاب ووضع الإستحقاق في يد إيران»، مشيراً إلى أنّ «كلّ ما يحصل على الحدود هو بفعل تدخّل الحزب في سوريا واستجلابه الحريق السوري الى داخل لبنان».
ولفتَ كرم الى أنّ «14 آذار لن تخرج بموقف موحّد بالنسبة للتمديد، ولن تعقد أيّ إجتماع موسّع لمناقشة هذا الموضوع، بل إنّ موقف كلّ فريق معروف، وسيذهب الى المجلس بقناعاته».